بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى ، وآله وصحبه ومن اهتدى ، أما بعد:

موضوعي هذا رسالة
وهذا الموضـوع نصيـحة لي ولكـم جميـعـًا
وسأتكلم فيه بمنتهى الحرية وبمنتهى الصراحة وبمنتهى الشفافية
ويستطيع كل من يبحث عن " متنفس " أن يلجأ له ليصب ما في جعبته في هذه المساحة

أولا وفي بداية الأمر أحب أن أبين نقطة وأوضح ماهية النصيحة التي فهمها البعض فهمـًا خاطئـًا

ليس أساس النصيحة أن يكون الناصح خالي من العيـوب وخالي من الذنوب والأخطاء
فكلنا بشر ، والناصح رجل كـ عامة الناس ، يغلبه السهو والخطأ

والنصيحة هي ما قامت عليه الأمم والحضارات

فبعث الله نبينا نوح داعيا قومه: [ وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ]
ونبي الله هود : [ وأنا لكم ناصح أمين ]
ونبي الله صالح: [ يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ]
ونبي الله شعيب: [ لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ]

وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: [ الدين النصيحة ]

والنصيحة هي جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حثنا عليه الدين وأمرنا به وهي غاية الدين

فقد قال الله تعالى: [ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ]
وقوله تعالى: [ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتأمنون بالله ]

ومن خلال هذه الآية يتضح لنا عظم هذا الأمر بقرن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان بالله

وقوله تعالى: [ والمؤمِنُونَ والمؤمِناتُ بَعضُهُم أولياءُ بعضٍ يأمرُونَ بالمعرُوفِ وَينهوَن عَنِ المُنكَرِ ويُقيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤتَونَ الزَّكاةَ ويُطيعُونَ اللهَ وَرَسولَهُ أولئِكَ سَيرحمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ حكيمٌ ]

آيات عظيمة تدل على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النصيحة

ثانيـًا إن كانت النصيحة مقتصرة على فئة المعصومين من الخطأ ، فهذا معناه أن نضرب بدعوة الدعاة في زمننا عرض الحائط
وعدم الأخذ بها ، حيث أنهم بشر مثلنا ، يأمرون الناس بالعروف وينهونهم عن المنكر ، ولكنهم ممن يخطأون ، فهم بشر ، فهذا معناه أن " يبقوا " صامتين ويدعون كل من " هب ودب " ينهش ويطعن في هذا الدين ، ويكتفون بالصمت ،، لماذا !!! لأنهم بشر ويخطئون ..

هذه ليست نظرية ، وهذا ليس منطق ، وهذه أمور لا ينطق بها عاقل
العاقل منا من يستفيد من تجارب غيره ، ويتعظ بقصص وعبر والآخرين ، فيكون إنسانًا ناجحًا
لا يركن إلى زاوية مظلمة ويصب كل فشله في أن النصائح الموجهة له تأتي إليه من شخص " مخطئ "
ويعيش كل عمره في فشل ذريع ، وأخطاء متفاقمة على بعضها ، ويبررها بأسباب هو بنفسه يعلم ومتأكد بأننا نعلم بأنه يعلم بأنه مخطئ

أستغرب والله العظيم ، من أناس تقدم لهم النصيحة وهي في صالحهم ، وتلقون بأنهم يصرون عليها
بالله عليكم ، هل يعاندون الناصح ؟ أم يعاندون أنفسهم ؟

إن كانت في حق من حقوق لله والشرع والدين ممن بينت حرمتها شرعًا من الكتاب والسنة
هل العقوبة ستنزل على الناصح ام على صاحب الفعل المصر على الخطأ !

وإن كانت في حق من حقوق البشر والتعامل والأخلاق
هل النتيجة ستكون على الناصح أم على صاحب الفعل السيئ !

الإجابة معروفة

القضية ما هي قضية عناد ، ولا هي قضية إصرار على أمر خاطئ ، لمجرد الاعتقاد بانه صح ، أو لمجرد الظن بأنه قد يعجب الآخرين
القضية أكبر من ذلك ، نحن هنا في مجتمع صغير نتعلم منه الكثير ، نتعلم منه كيف نعيش ، كيف نواجه الحياة ، كيف نتعامل مع الآخرين ، كيف نكسب ود الآخرين ، كيف ننمي فكرنا بما هو سليم وبما هو منطقي ومبني على أسس الدين والإسلام

وعندما سنتعلم هذه الامور من هذا المجتمع البسيط الصغير ، سينعكس هذا الشي على واقعنا اليومي وفي حياتنا
للأسف يظن البعض بأنه يتخبى خلف ستار الشاشة الإلكترونية ، وبأن شخصه يختلف تمامًا عن الواقع ، هذا كلام غير منطقي
يستطيع كل منا تحليل شخصية الطرف الآخر من خلال أفعاله ، وتصرفاته ، آرائه ، أسلوبه ..
ليحدد من خلالها شخصية هذا الشخص وتربيته واخلاقه والبيئة الذي تربى فيها ، والمستوى التعليمي والتربوي الذي وصل له

هذه حقيقة ، وكل من له عقل ، وكل من يقضي وقته ليستفيد ولعمل دراسات على شخصية الأفراد الذي يتعامل معهم يستطيع اكتشاف هذه الأامور ..

احذروا من أن تكونوا ممن فقد الشهرة في صفات الكمال ، فبحث عنها بصفات النقص

واعلموا أن " الدين " و " الإسلام " لا يحتاج لنا ، بل نحن بحاجة إليه ، ليستقيم حالنا ، ويصلح فكرنا ، وتقوّم أخلاقنا وقيمنا
" والدين " و " الإسلام " لا يحتاج لشهادة من البشر ليختموا بها على أفواه وقلوب الناصحين بأنهم على خير أو دون ذلك

هذه أمور بين العبد وربه ، يجزي بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء
ولا يستطيع أي مسلم كان أن يزكي نفسه بالتقوى او الصلاح ، فقد يذهب أجره بذلك
إنما امره بينه وبين وربه ، لا دخل لمخلوق فيه ..

فقد قال تعالى: [ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ]

فرجاءً كل الرجاء ، لمن لم يوفق في اتباع الطريق السوي والصراط المستقيم عدم الطعن في سلوك من يحثون على الخير
حتى لا يكونوا ممن استهوتهم الشياطين

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ]

وتذكروا دائمًا قوله تعالى: [ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا ]

~

والله لا يليق بإنسان مسلم أن يكرس جل وقته في تتبع القيل والقال وملاحقة أفعال وأقوال وجعل جملة قدمت كنصيحة على انها " صاروخ " موجه له ، وعليه بذلك تجهيز كامل قواته للتصدي لهذه النصيحة كأنها عدو قادم

حياتنا في هذه الدنيا تبنى على النصائح ، الصديق ينصح صديقه ، والأب ينصح ابنه ، والأخت تنصح أختها ، والأستاذ ينصح طلابه ، الزميل ينصح زملاءه ، والداعية ينصح الأمة .. لو لم تكن هذه النصائح في حياتنا ، سنتوه في ظلمات الجهل والبعد عن الله

والله إني لأرجوها من القلب أن تتوسع دائرة العقول لدينا بإدراك ماهو بعد النصيحة من خير ، وعدم التوقف على كلمة وجعلها " مصيبة " يجب التصدي لها بكل الوسائل ومهاجمة صاحبها وانتقاد قائلها ...

اسأل الله العظيم الجليل لي ولكم الهداية والصلاح
واسأله جل في علاه أن يجعلنا وإياكم ممن يتناهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف
واسأل الله جل في علاه أن تتصافى قلوب الإخوان ، ربنا لا تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اغفر لمن قرأ هذه السطور كل ذنوبه وخطاياه ، واجعله ممن أذنب وتاب فتبت عليه وعفوت عنه
الله مارزقنا الإخلاص في العمل وأحسن خاتمتنا في الامور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة

وصلى الله على نبيا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ان لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك

والمعذرة
أخوكم ~ خــّطاب ~