<font color='#810541'><div align="center"><span style='color:blue'>ليس أجمل من مشاعر بشرية وأحاسيس إنسانية .. مرهفة صادقة .. مفعمة بالحب والنقاء تمتلئ بها النفس، وتشبع بها الروح، ويهتز لها الوجدان ويضطرب لها القلب ..
ليس أجمل من لحظات تستشعرها بكل كيانك، ينمّل فيها جسدك، ويذوب لها قلبك، وتحس بدفء الروح يسري في عروقك، و بقشعريرة يرتجف لها عظمك، وبسعادة لا يملكها أي إنسان ولا يصفها أي مخلوق كان، وبآمال وأحلام تتزاحم في الفكر والوجدان عن هذا الأخ الذي صورته لا تفارقك، وابتسامته تلازمك وطيفه يناجيك ويسامرك، فتندفع إليه وشوقك يسابقك، والحياء غطى معالمك: "أخي .. إني أحبك في الله" تتمنى بعدها لو أنك طير فلا يتبعك، أو أن الأرض تنشق وتبتلعك حياءً وسعادة وخوفاً وشوقاً و..و..
مشاعر كثيرة ازدحمت وتلاطمت في بحر أعماقك فيسارعك مترنماً: "أحبَّك الذي أحببتني فيه يا أخي، وبارك الله فيك وجزاك الله خيراً" قالها كنسمات عطر يأخذ الألباب ليسري في عروقك ويتغلغل شذاه في الأعماق بابتسامة تنعكس إشراقتها ليكلّل نورُها محياك ويبارك الله مسعاك ... ثم يأخذ بيدك قائلاً: أخي طريقنا شوك وأزهار، وقصف وأنغام، وإعصار وريحان. أخي .. نحن الآن طريقنا واحد وفكرنا واحد ... أخي .. نحن الآن روح في جسدين.
فما أجلها من أخوة والله، وما أنقاها من محبة، وما أقواها من رابطة وهكذا يؤلف الله بين القلوب: "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" (الأنفال:63).
ولكن هذه الأخوة لن تسلم من الصدمات والهزات، ما دام هناك شيطان لا يهدأ له بال، وهوىً يتخبط في دياجير الظلام.. فما أن تبدأ الشرارة الأولى حتى تبدأ الثانية، ولا تكاد تنطفئ حتى تبدأ الأخرى، وهكذا حتى تشتعل النيران، وتأتي على كل الأحاسيس والمشاعر والذكريات العذبة، فلا تبقى إلا قلوب هزيلة مدخنة محطمة، أضناها الألم وطول السهر، تسندها أرواح معذبة عذاب الضمير القاتل، والذكريات التي تتصارع معلنة حرب الدمار التي لا ترحم، وهكذا تبدأ سكاكين الموت البطيء .. الطعنة تلو الطعنة، حتى تأتي الطعنة المميتة ولا يأتي الصباح إلا والنفس متقوقعة في إحدى زوايا الروح المعتمة، حياءً من عذاب الضمير، تضمد جراحات ليل طويل، وتسكب ما تبقى من دموع حزن مرير، ولكن هيهات فلا مفر من عذاب الضمير: ويحي ماذا فعلت؟ بددت ذكرياتي .. قتلت قلبي .. دمرت أخوَّتي وقدمتها هدية للشيطان ...
نعم هذه النهاية لكل من يطعن أخوَّته ...
ليتصور كل واحد منا حالته وقد تخاصم مع أحد إخوانه، كيف سيكون تفكيره؟ هل سيذكر طيبة أخيه؟!! أم رقته؟! أم تلك الألفاظ العذبة؟! أم الأيام الجميلة وذكرياتها العطرة؟! كل هذا سيضعه وراء ظهره في ساعات الخصام الحارقة، وإن تذكرها فلن يرى منها إلا ومضات لا تلبث أن تغطيها غمامة الغضب الغائرة، وطالما هو في فورته ستظل نفسه الأمارة بالسوء تشوش عليه تفكيره الهادئ المتسامي الذي يجب أن يكون.
في مثل تلك المواقف الساخنة، والغضب على أوجه، والروح تصطرع في بركان النفس الثائرة .. في مثل تلك المواقف يكون الشيطان أشد ما يكون تمكناً من ابن آدم من أي وقت آخر، لأنه تحت تأثير هواه، ونفسه الأمارة بالسوء، التي تلتقي بمكائد الشيطان، فتمهد له الطريق ليتغلغل في الأعماق ويعيث في الروح فساداً.
وهكذا تتكالب الشرور من كل حدب وصوب .. الشيطان من جهة، وهوى النفس من جهة أخرى، يساعدهما جفاء أخيه الذي خاصمه، والأحاديث المتناقلة، وتصرفت الآخرين السلبية التي تزيد النار اشتعالاً .. وإزاء تلك الضغوط الداخلية والخارجية لا يرى العقل أمامه إلا الانصياع والمشاركة في هذه الحرب الباردة، فيبدأ بكل ما أوتي من قوة، يشحذ ذاكرته ليتذكر سلبيات أخيه، فيبدأ أولاً بفصل الذكريات الطيبة أو كل ما هو جميل يرقق قلبه فهو الآن ليس في حاجة لذلك بل هو الآن يجمع الأدلة السيئة ضد رفيق الأيام الجميلة، وكلما كانت هذه الأدلة بالغة السوء كلما كان هذا أحسن لأنه سيقدمها إلى محكمة المحبة في الله، حتى يبرر فيها موقفه السلبي وجفاءه الذي اتخذه أو سيتخذه ضد أخيه الذي خاصمه، وحتماً سيساعده في ذلك شيطانه أيما مساعدة، هذا غير الخيال المفعم بسوء الظن.</span></div>
---
من منتدى
" حتى لا نقتل الأخـوة "</font>
مواقع النشر (المفضلة)