ســــــــــــــــــلامي....
كيف يمكن للأنسان ان يعمل ماسح احذية اربعين عاما؟او يعمل نادلا في مطعم ثلاثين عاما و يعرف تفاصيل اليوم التالي حيث ما من مفاجأة على الاطلاق الا ما يطرأ على الجسد من عياء او على العائلة من غائلات القدر؟
و لأنني اعرف كائنات من هذا النمط,بل اراها يوميا,فقد استوقفني اثنان ممن كتبوا عن بلادة الإرادة,و الاستسلام للعادة و قوتها,الاول كواون ويلسون عندما كتب عن عامل يصلح اسلاك الهاتف في قريته قرب لندن,و الثاني برتغالي هو فرناندو بيسوا الذي قال:
لا يدهشني ان يكون بعض الناس بلداء,بل ما يدهشني بالفعل هو الذكاء الكامن في تلك البلادة.
فنحن نسمع مثلا عن بواب عمارة اصبح بفضل عصاميته مالكا لعدد كبير من العمارات,او عن عامل مطبعة اصبح كاتبا شهيرا,و ان كان يحتفظ بلقبه المهني و يمهر به كل مقالة يكتبها.
و قرأنا عن نادل مقهى تحول الى فيلسوف,و عن مصحح في جريدة بنى امبراطورية صحفية.
حتى الزعماء و رؤساء الجمهوريات منهم من عمل خادما في صباه,او كان مجرد طباخ صغير في الجيش مثل محمد باشا الذي بنى دولة حديثة و واجه بها الغرب الامبريالي حتى تحطم.
فما الحكاية؟
و ما هي الديناميكية التي تتحكم بالبشر بحيث ينقسمون الى اغلبية ضعيفة الارادة,و مستسلمة لقدرها الاجتماعي و الطبقي,و اقلية تحاور قدرها و شروطها و تتفوق اخيرا؟
الناس العاديون الميالون بالغريزة الى التبسيط يختصرون المسألة كلها بالحظ,لكن من لايرضيهم هذا التبسيط يذهبون بعيدا في الكشف عن جذور الظاهرة,و هنا تتدخل الارادة,و صلابة القرار و العصامية الفذة,اما الذكاء فهو قد لا يكون بعيدا عن البلداء الذين يسلمون حياتهم للرتابة بانتظار الموت,و يبدو ان المجتمعات المتخثرة و متصلبة الشرايين تفرض على ابنائها – غير المحظوظين بالولادة – حصارا يصعب الفكاك منه,فهم تربوا على امثال و مواعظ و حكم خلاصتها ان على الانسان ان يتأقلم مع ظروفه و الشروط التي تحاصر حياته,و ان يمد رجليه على قدر فراشه,و ان يعرف قدر نفسه و بالتالي يخضع لفكرة الآخرين عنه,ما دام ليس بالإمكان افضل مما كان.
ان عدد المواهب الضالة و التفوق الفطري الاجتماعي او المهني مع الناس,انهم اذكياء لكنه ذكاء مكبل ,و داجن,و مكرس للدفاع عن المتاح فقط!!
و قد لا توجد لغة اخرى غير العربية تمتلىء بالتحريض و الحث على بناء الذات و الطموح المشروع,لكن هذه التحريضات و المواعظ تبقى مجرد عناوين جوفاء,لانها معزولة عن اوعي التاريخي و السياسي بالحواجز و الحدود و الكوابح القاسية التي تحاصرنا منذ الولادة.
ان ما يدهشنا بالفعل ليس البلادة,,و شلل إردة التغيير و التجاوز بل هو الذكاء الداجن و المعطل الذي يختفي داخل الياف تلك البلادة!
و اعذروني للإطالة...
**********************
<span style='color:Red'>يا غضب الضفة لا تــــــــهـــــــــدأ</span>
<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/inlove.gif" border="0" valign="absmiddle" alt=''>
مواقع النشر (المفضلة)