الأكل وظيفة طبيعية، علينا أن نقوم بها، ومن حقنا أن نستمتع بها، وينصحك علماء التغذية دائما بألا تقبل على تناول طعامك وأنت مهموم أو حزين كوسيلة لتفريغ طاقات الإحباط الموجودة بداخلك، وألا تشغل ذهنك بأي نشاط آخر أثناء تناول الطعام كالقراءة، أو مشاهدة التلفاز، لتستحضر وعيك في عملية تناول الطعام، مما يعجل الشعور بالشبع، ويجب تناولك للطعام وأنت تشعر بجوع محتمل لتكون لديك الإرادة في اختيار نوعيات الأطعمة وتناولها بالكمية المسموحة لك. والواقع أنه كلما زاد استمتاعنا بالأكل غدا هضم الطعام أسرع، ولكن إذا أعقب المتعة التي نشعر بها ونحن على المائدة ضيق وتوعك، كان ذلك دليلاً على أننا فعلنا شيئاً خاطئاً.
إن أعراض «عدم رضاء» المعدة السليمة عن وجبة أكلناها كوجود غازات وتجشؤ «تكريع» وانتفاخ، وما إلى ذلك هو بمنزلة أضواء حمراء تحذرنا من خطر يواجهنا إذا كررنا مثل هذه الوجبة بالنوعية والكمية التي أكلناها، دون استبعاد الأنواع والطرائق التي لا تطيقها معدتنا. إن أي نوع من أنواع الطعام لا تستسيغه المعدة، ينبغي أن يكف المرء عن تناوله، فأنواع الطعام كثيرة وأشكالها متنوعة بحيث يمكن استبعاد واحد أو اثنين منها، حتى ولو كانت أنواع الطعام المستبعد لا تصيب غيرنا بالضرر. فالمعدات تختلف كما يختلف البشر، لهذا كان لزاماً أن نتعرف على خصائص المعدة، وما يناسبها مما تحبه من ألوان الطعام، فليس كل ما تحبه أنت تحبه معدتك، والمعدة قد تلتزم الصمت إذا أكرهتها على ما لا تستسيغ المرة بعد الأخرى، لكنها أخيراً تثور فتضرب عن العمل أو تحدث ضرراً لبعض الأعضاء.
· لا تأكل وأنت ثائر الأعصاب!
الهضم عملية لا إرادية، فأنت لا تستطيع أن تأمر معدتك أن تهضم هذا الطعام أو ذاك، أو أن تسرع في الهضم، أو تبطئ، ولكنك تستطيع أن توجهها بطريقة غير مباشرة عن طريق حالتك النفسية أو العاطفية.
فعند تعرض الإنسان لأي مؤثر يؤدي للغضب أو التوتر أو القلق وغيره من الانفعالات الإحباطية، فإن الجسم يستجيب لهذا الانفعال على نحو هرموني عصبي يؤدي إلى استنفار جميع أعضاء الجسم للقيام بجهد عظيم وهو نوع من التكيف الوظيفي الهادف إلى الهجوم بغية الدفاع عن النفس، وفي مثل هذه الحالات قد يصاب الإنسان بقرحة المعدة نتيجة لفرط إفراز حمض الهيدروكلوريك المعدي بتأثير العصب الدماغي العاشر، أو لنقص تروية الطبقة الباطنة للجدار الداخلي للمعدة بالدم نتيجة انقباضات وضيق الشعيرات الدموية المغذية لها، مما يضعف من مناعة جدار المعدة وسهولة تقرحه بتأثير الحمض المعوي. ولذلك استسلامك للتفكير أو القلق أو الحزن أو تشاجرك مع زوجتك (أو زوجك) وأنت جالس على المائدة تكون من أسهل الطرق للقضاء على شهيتك وإصابتك باضطرابات هضمية وإعاقة هضم ما تتناوله من الطعام، وربما يصل الأمر إلى حدوث قرحة معوية لا سمح الله.
ومما لا شك فيه أننا معرضون لهذه التأثيرات وليس هناك من سبيل لتفاديها، ولكن في وسعنا أن ندرب أنفسنا على مواجهة المنغصات والمثيرات بشيء من عدم المبالاة. والشاطر من يستطيع ذلك. ويجب عند إقبالك على تناول الطعام، أن تهيئ الجو الهادئ الجميل، مع إدخال الهدوء إلى غرفة وطاولة الطعام. فكلما زينت غرفة المائدة بألوان من الزهور الجميلة واللوحات الجميلة الهادئة، كان من أهم العوامل المساعدة على فتح الشهية وسرعة هضم الطعام.
إن مشاركة رب الأسرة لأولاده وزوجته في مائدة الطعام إنما يقدم له ولأفراد أسرته وجبة غذائية سهلة الهضم وسريعة الامتصاص من القناة الهضمية.
في حين نجد أن تفرق الأسرة وتشتتها عند الطعام يحدث العكس. ولقد أجريت تجارب لمعرفة أثر العواطف على عملية الهضم، فقدمت إلى «قطة سليمة» وهي داخل قفص وجبة شهية من الطعام، استغرقت بعدها في النوم العميق، ثم فحصت وهي نائمة بأشعة (X) فوجد أن عملية الهضم تتطور تطوراً طبيعياً، وفجأة قرب كلب ضخم أخذ يعوي بجانب القفص، فهبت القطة من رقادها مذعورة وتوقفت عملية الهضم أكثر من 4 ساعات، كما بدا ذلك على لوحة جهاز الأشعة، وقد لاحظ الأطباء إصابة المرضى الذين يدخلون المستشفيات لإجراء جراحات أنهم يصابون أحياناً في صباح اليوم الذي ستجرى فيه الجراحة بحالة سكر في البول، وهذه الحالة ناتجة عن الخوف والقلق من جراء العملية الجراحية، ويسمى هذا النوع من السكر «السكر العاطفي». ويلاحظ أن من يتبعون نظاماً خاصاً بالتغذية أنهم كثيراً ما يتبعون هذا النظام في ضجر وملل، وكثيراً ما يأكلون الأطعمة المصرحة لهم والأفكار السوداء تراودهم باعتبار أنهم لم يعودوا طبيعيين، وهذه الأفكار والأوهام كثيراً ما تسيء إليهم وتذهب بالفائدة المرجوة من تحديد الطعام.
· ولعدد مرات الطعام حكمة!
إن نظام تناول ثلاث وجبات من الطعام في اليوم هو أفضل نظام غذائي للجسم، حيث لا يسمح بترسيب الدهون في الجسم، وقد أجريت تجارب في الجامعات للتعرف على أثر تناول وجبة واحدة في اليوم، أو وجبتين فقط أو ثلاث وجبات في اليوم على ترسيب الدهون وحدوث السمنة، وقد أوضحت النتائج أن اتباع نظام الوجبة الواحدة أو الوجبتين في اليوم يزيد من ترسيب الدهون في الجسم وحدوث السمنة. ولذلك ينصح بألا تغادر منزلك في الصباح دون إفطار ولا تدع مشاغلك تنسيك وجبة الغداء في موعدها، ولا تنس تناول وجبة العشاء قبل النوم بحوالي ساعتين إلى ثلاث ساعات، ويفضل ألا تقل المدة الزمنية بين الوجبة والأخرى عن أربع أو خمس ساعات، فهذه هي تقريباً المدة الضرورية لهضم الطعام في المعدة وتهيئة الجسم لتقبل وجبة جديدة. أما الأطفال فلا بأس من أن يكثروا من عدد مرات تناول الطعام. والمرضى قد يحتاجون أحياناً إلى عدد أكثر من الوجبات حسب نوع الحالة المرضية. وخير ما ننصح به عند الإحساس باضطرابات معدية نتيجة لتناول وجبة ثقيلة في حفل ما، أو تغيير موعد تناول الطعام، وما إلى ذلك أن يمتنع الإنسان عن تناول الوجبة التالية. فإراحة المعدة بعد الإثقال عليها أو إثارتها تهيئ لها فرصة طيبة لاستعادة نشاطها وإعادة تنظيم وظائفها. إن وجبة تمتنع عنها لن تضرك، ولكن وجبة تتناولها والمعدة ممتلئة قد تؤدي إلى اضطرابات هضمية أو إلى آلام قد تستمر لعدة أيام.
· وباقة أخرى من الملاحظات:
هذه باقة أخرى من التوجيهات التي يقدمها لك المتخصصون ونتائج تجاربهم:
ـ عدم تناول الطعام بين الوجبات الرئيسة لمساعدة الجسم على استهلاك الطاقة الغذائية المتناولة وعدم اختزانها في الجسم على صورة نسيج دهني، وعند الضرورة الملحة أو الشعور بالجوع تختار أنواع الأغذية مرتفعة القيمة الغذائية منخفضة المستوى الطاقي كالخضراوات والفواكه وعصائرها، والحليب واللبن الرائب منزوع الدسم.
ـ عدم تناول الطعام على سبيل التسلية أو المجاملة أو تمضية وقت الفراغ.
ـ عدم استكمال الوجبة الغذائية عند الوصول إلى مرحلة الشبع.
ـ مضغ الطعام مضغاً جيداً من العوامل المهمة الواقية من اضطرابات الجهاز الهضمي، حيث إن المضغ الجيد والبطيء يسمح بمزج الطعام باللعاب، الذي يسمح بتحويل النشا إلى سكريات أسهل هضماً، والمضغ الجيد يهيئ المعدة لإفراز العصائر الهاضمة، ويحول دون سرعة التهام الطعام والإفراط فيه دون وعي. والمضغ الجيد رياضة يحتاج إليها الإنسان وعدم مزاولة هذه الرياضة يضعف الأسنان ويجعلها عرضة للتسوس.
ـ احرص على أن تتناول احتياجاتك فقط من الطعام، مع ملاحظة أنه ينبغي تعديل كميات الطعام التي يتناولها الإنسان كلما احتفل بمرور عشر سنوات بعد سن الحادية والعشرين. والإفراط في الطعام يسبب العديد من الأمراض، وعلى رأسها اضطرابات الهضم والسمنة، وما يترتب عليهما من أمراض أخرى عديدة مثل السكري وضغط الدم وأمراض القلب والسرطان.
ـ احرص على أن تكون سلطة الخضراوات الطازجة جزءاً أساسياً من وجبتك الغذائية مع التنويع في مكوناتها بصورة مستمرة، لأنها غنية بالألياف الغذائية التي تعطي حجماً للوجبة الغذائية، فتساعدك على الشعور بالشبع، وتمنع الإمساك ومضاعفاته، كالبواسير، والتهابات القولون، والفتاق، وتهيج القولون. والخضراوات غنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية.
ـ يلاحظ أن عدم شرب الماء بكمية كافية يعرضك لزيادة نسبة الدهون في جسمك نظراً لتكاسل عمليات الهضم والاستقلاب الحيوية، ونظراً لاحتباس الماء في الجسم كآلية لتعويض نقص كمية الماء المشروبة، وهذان الأمران من شأنهما أن يؤديا إلى زيادة الوزن، ولذلك شرب الماء يساعد على إنقاص الوزن بعكس المعتقدات الشائعة، وشرب الماء بكثرة هو إحدى الوسائل المجدية لإنقاص الشهية للطعام، وامتلاء المعدة بالمادة الغذائية الأساسية.
ويكاد لا يوجد أي ضرر صحي من فرط شرب الماء الذي سرعان ما يطرح الفائض منه عن طريق البول، بل بالعكس، فإن شرب الماء الكثير يؤدي إلى ترطيب حميد للجهاز التنفسي ونشاط عمليات الهضم وسهولة في حركة المفاصل، وتحسن في وظيفة العضلات وتطرية للجلد وحفظ نضارته، إضافة إلى غسيل الجسم من شتى السموم ومنع تشكل الرواسب والحصيات في الكليتين. ولكن يجب الامتناع عن شرب الماء المثلج.
مواقع النشر (المفضلة)