قبل بومبن كانت أمي تتكلم عن فترة دراستنا مع إخوتي الصغار وقالت جملة أحببتها منها فهي من عاصر تعبنا رغم أميتها لكنها تعرف في قرارة نفسها أن الشيء الوحيد الذي نحتاجه في هذه الحياة هي العلم ومن ثم وظيفة متميزة نتفوق أيضا فيها.. قالت لهم عنا لم يملكوا مالديكم الآن ونجحوا واليوم أعطيكم كل شيء واتعبتوني !
حين كنا صغارا فالمدرسة كانت الرحلة تبدأ منذ الصباح الباكر.. لازلت أذكر أني استيقظ على أذان الفجر لوحدي.. أتناول إفطارئ بل اعده وحدي.. كانت الساعات الأولى تبدأ باسترجاع دروسي أو مراجعة لامتحان.. كانت حصص إضافية تبدأ قبل الدوام الرسمي..كنت أحب الطابور لكن حاجة مدرسينا لحصص إضافية كانت تجبرنا أن نحضر مبكرين بساعه لناخد حصة ماقبل الدوام الرسمي! كانت آلفسحه واحده ووحيدة لا نحصل عليها بل كانت لإحيان كثيرة تمتد لنصف ساعه حتى نتمكن من أخذ حصه أخرى .. ! نتأخر كثيرا للعصر حتى نستطيع إنجاز المقرر..كنا ننهي أيامنا أحيانا وقد أخذنا 7 أو 8 حصص.. كلها مواد علمية.. لاهيك عن الامتحانات المكثفة.. كان مدرسونا من ذلك الجيل الذي يعلمنا لنتعلم وليس فقط لينهي المنهاج.. كانوا يحبون تفوقنا لأنه تفوقهم.. يتمنون أن يرونا في يوم متميزين.. كانت رحلة تعبهم توازي رحلتنا ..وزرعوا فينا ثقافة أننا سنكون بما سنملك من معرفة وثقافة وليس بأسماء أهالينا وشهرتهم.. منهم من رحل عن هذه الدنيا ومنهم من عاد لوطنه ومنهم من لازلنا فقط نذكر كيف كان يعلمنا ويحن علينا..
كانت الحياة بسيطة ولم نكن نعرف الكثير لنشتريه..!كان مصروفنا يظل معنا ليس لكثرته فلم يتجاوز يوما مصروفي آل3 دراهم.. لكنه يظل معي للمساء لأن وقت الدرس يجبرنا أن لا نأكل!
كانت الحافلات مزدحمة.. دون مكيفات.. كنا أحيانا نرجع للمنزل مشيا وبالذات أيام الامتحانات! تخرجنا ,تفوقنا رغم كل التعب.. كانت الجامعة مشوارا آخرا.. حافلات نستقلها بالأربعاء والجمعة ذهابا وإيابا.. لم يكن مصروف الأسبوع كثيرا وبه يجب أن نتدبر الأكل وجميع مصاريف السكن.. ولكن أيضا تخرجنا؟ هناك من الشباب من لم يكن يملك سيارة خاصة كان مثلنا يستقل الحافلات ويعيش في سكن داخلي.. سيارات أجرى .. وأصدقاء يتكاتفون.. تخرجوا..!
كانت الجامعات محدودة وكإن الهدف أن نذهب ..نتعلم رغم صعوبة العيش بعيدا عن الأهل والبيت والاعتماد كليا على النفس ونسيان أن هناك من يرتب لنا كل ما نحتاج!
واليوم ماذا؟
كثرت الماديات.. أصبحت الحياة أسهل.. توفرت السيارات.. وأصبح المصروف أكثر..ومع ذلك كنا نتوقع من الكل التفوق والإحساس بأهمية المستقبل! وما حدث أننا نسمع كل يوم من يتذمر.. يدعي أن حياته أصعب منا! المناهج أصعب الحياة أغلى!
نحن لا ننكر أن لكل زمن ظروفه لكن ما نراه أنه كل ما زادت التسهيلات فان هناك لا حمد ؤلا شكورا! أصبح الجيل (ليس الكل) أقل إحساسا بمن حوله.. أقل شكرا بما لديه من نعم.. وأصبحت المظاهر أهم ما يريد..!
الكل سيحصل على هذه المظاهر والماديات ستأتي وستكون متعة متى ما كانت من وراء تعب لحصدها.. سنشعر بعظيم النعم متى ما كانت نتاج تفوقنا وعملنا وتميزنا.. كلما كان نيل الأمنيات صعبا كانت لذتها أقوى وتدوم.. فما يأتي بسهولة يذهب بأسرع ما أتى وان بقي فإنه قد يكون هبة الآخرين لنا من والدين.. أخوة.. وليس فيها إحساس الاستقلالية .. ولن نشعر بأهمية ما نملك..
الحياة جمالها بالتعب.. بالكفاح.. بالإرادة لنيل ما نريد فلربما تكون سنوات نتعب فيها لكنها ستجعل المستقبل أجمل .. وسيتحقق ما نريد ونملكه لأننا من صنعه..وسيغدو من ملك الأشياء بسهولة بعيدا عنا لأننا لم نعش في عباءة الآخرين وأصبحنا نملك مالا يملكون فهنيئا لمن درس وتعب وقال الحمدلله على ما أتاني !
الأديبةالصغيرة
مريم البلوشي
20-4-2012
9:45 مساء
مواقع النشر (المفضلة)