قررت شركات توزيع المنتجات البترولية في الدولة رفع أسعار لتر البنزين بأنواعه المختلفة 20 فلساً اعتباراً من الخميس المقبل في جميع محطات الوقود في الدولة، وذلك في إطار تحرير الأسعار وزيادتها تدريجياً.
وقالت الشركات في بيان صحافي، أمس، إن «الزيادة في أسعار البنزين تأتي في إطار المساعي الرامية إلى الحد تدريجياً من الخسائر المتراكمة والمتزايدة التي تتعرض لها شركات توزيع المنتجات البترولية، والناجمة عن ارتفاع كلفة المنتج بشكل مستمر».
وأكد خبراء واقتصاديون أن ارتفاع أسعار البنزين سيترك تداعيات سلبية على العديد من القطاعات، لاسيما قطاع التجزئة والتجارة، محذرين من ارتفاع معدلات التضخم في الإمارات بنحو 4٪ العام الجاري.
وأشاروا إلى أن ارتفاع أسعار الوقود سيكون مبرراً لرفع أسعار المنتجات المختلفة بمستويات عالية تفوق نسب ارتفاع الوقود.
وقال مسؤول في شركة الإمارات للبترول لـ«الإمارات اليوم» إن «الزيادة الجديدة في أسعار البنزين تعتبر الثالثة خلال خمسة أعوام ونصف العام، والثانية خلال العام الجاري»، مؤكداً أن «رفع أسعار بيع البنزين سيسهم بشكل كبير في تقليص الخسائر التي تكبدتها شركات توزيع المحروقات في الإمارات خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن «هذه الخطوة تأتي في إطار محاولات الشركات لسد هذه الفجوة، من دون نية لتحقيق أرباح».
غير أن مسؤولين في شركة بترول الإمارات الوطنية «إينوك»، وشركة الإمارات للمنتجات البترولية «إيبكو»، وشركة بترول أبوظبي الوطنية للتوزيع «أدنوك» تحفظوا بشدة على التعليق على القرار، مؤكدين أن هناك تعليمات من إدارة الشركات بعدم التحدث في هذا الموضوع.
تراكم الخسائر
وتفصيلاً، قال مسؤول في شركة الإمارات للبترول، طلب عدم نشر إسمه، إن «الخسائر المتراكمة والمتزايدة التي تتعرض لها شركات توزيع المنتجات البترولية والناتجة عن ارتفاع كلفة المنتج بشكل مستمر، فضلاً عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتذبذب أسعار النفط التي بلغت مستويات قياسية خلال الشهور الأولى من العام الجاري دفعت إلى زيادة أسعار البنزين».
وأكد أن «هذه الزيادة تم التلميح لها من قبل خلال البيانات التي أصدرتها شركات توزيع المحروقات، والتي اعتبرت أن الزيادة التي طبقتها الشركات العاملة بالدولة في العام ،2005 جزءاً من خطة لدرء الخسائر في هذا القطاع»، لافتاً إلى أن «إجمالي خسائر شركات توزيع الوقود المحلية في إمارة دبي بلغت نحو 2.2 مليار درهم العام الماضي، وأن هذه الخسائر طالت جميع الشركات».
وأضاف أن «حجم خسائر شركات توزيع الوقود المحلية خلال الأعوام الخمسة الماضية بلغت نحو سبعة مليارات درهم، ما دفع شركات التوزيع إلى طلب التدخل الحكومي في هذا الشأن، ما أسفر عن قرار في الثلث الأخير من أبريل الماضي يسمح لشركات التوزيع بتوقيع زيادة على أسعار بيع البنزين».
ارتفاع الأسعار
وحول التأثيرات الاقتصادية لرفع أسعار البنزين، يرى الاقتصادي سامر قضماني، أنه «في كثير من الأحيان تتجاوز نسبة رفع أسعار السلع المختلفة التي يقوم بها مصنعون وتجار النسب الحقيقية لارتفاع أسعار الوقود»، مشدداً على ضرورة عدم استغلال أسعار الوقود مبرراً لرفع أسعار المنتجات المختلفة بمستويات عالية تفوق نسب ارتفاع الوقود.
ولفت إلى أن «هذه الزيادة تمثل جزءاً بسيطاً من كلفة المنتجات والسلع، وعلى الشركات والتجار عدم المغالاة في رفع الأسعار، إذ لا تتجاوز رسوم النقل للسلع نسبة 10٪ من القيمة الإجمالية لها في أكثر الاحتمالات، ما يعني أن الزيادة الحالية في أسعار البنزين تؤثر بنسبة لا تتعدى 1٪ في سعر السلعة».
ارتفاع التضخم
من جانبه، قال مدير الاستثمار في شركة «الجبرا كابيتال»، محيي الدين قرنفل، إن «البنزين يعد من السلع الأساسية في مؤشر ارتفاع الأسعار، وله تأثير مباشر وغير مباشر في تضخم الأسعار»، مشيراً إلى أن رفع أسعار البنزين بنحو 20 فلساً، سيؤدي بلاشك إلى ارتفاع التضخم بمعدلات تقترب من 4٪ للعام الجاري.
وأوضح أن «ارتفاع أسعار البنزين له تأثير مباشر في رفع أسعار المواد الاستهلاكية بارتفاع فاتورة الشحن، وتأثير غير مباشر في الأثر النفسي الذي سيتركه عند التجار لإيجاد مبرر لرفع أسعار المواد الاستهلاكية، إذ إن أسعار البنزين تعد الذريعة الاقوى لرفع أسعار المواد الاستهلاكية، ما يؤثر بشكل أو بآخر في جاذبية الإمارات الاستثمارية».
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي عرفان الحوسني، إن «ارتفاع سعر سلعة حيوية مثل الوقود في أي بلد بالعالم سيرفع من معدلات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، خصوصاً في ظل تراجع دخول العاملين بعد تداعيات الازمة العالمية، ما يعني تراجع مستوى معيشة الأفراد».
التجارة والتجزئة
وحول التداعيات على قطاع التجزئة والتجارة، قال مدير المشتريات في محلات «الدوري» سبيع عبدالكريم، إن «ارتفاع أسعار البنزين ينعكس على زيادة التكاليف التشغيلية لتوزيع السلع وشحنها، ما يبدو واضحاً في أسعار المنتجات التي سيتحمل ارتفاعها المستهلك»، مشيراً إلى أن «شركات توزيع السلع تستخدم عدداً كبير من السيارات التي تعمل بالبنزين».
من جهته، قال رجل الأعمال رئيس لجنة التجار السابق في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي حمد العوضي، إن «أي زيادة في أسعار الوقود، تؤثر مباشرة في كل القطاعات، ولاحظنا حدوث ارتفاعات مباشرة في أسعار سلع بعد زيادة شركات توزيع الوقود الأسعار في المرة الماضية، وهو ما نتوقع حدوثه مجدداً خصوصاً مع حلول شهر رمضان».
وأضاف أن «سعر بيع البنزين الحالي ليس السبب في خسائر شركات التوزيع، إذ تنعم الدول المجاورة بمستويات أسعار منخفضة»، موضحاً أن «شركات التوزيع تعاني خللاً في الإدارة، وربما تحتاج إلى إعادة هيكلة نفسها بما يحقق التوازن بين تكاليف التشغيل وبين سعر البيع».
وطالب العوضي الحكومة بالتدخل لدعم أسعار المحروقات طالما أصرت شركات التوزيع على رفع الأسعار بين الحين والآخر بدعوى الخسائر، خصوصاً أنها تنوي تحرير السعر نهائياً بالتدريج»، لافتاً إلى أن «زيادة الأسعار من شأنها أن تعيد التضخم إلى مستويات ما قبل الأزمة على الرغم من عدم انتهائها، ما يعد تهديداً للاقتصاد الوطني».
أعباء مالية
من جانبه، أكد رئيس هيئة منتجي الألبان والعصائر في الإمارات أحمد التيجاني عبدالرحيم، أن «الارتفاعات المتتالية في أسعار البنزين تُحمل شركات الصناعات الغذائية مزيداً من الأعباء المالية، خصوصاً أن وزارة الاقتصاد ترفض تحريك أسعار منتجاتها»، مشيراً إلى أن «الشركات المنتجة للألبان والعصائر كانت تتحمل زيادة في كلفة الإنتاج بنسبة تصل إلى 8٪، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في العملية الإنتاجية، وجاءت الارتفاعات الأخيرة في أسعار البنزين والزيادة الجديدة المقررة لتزيد الأعباء على الشركات التي تعد أسعار منتجاتها ثابتة منذ عامين».
وأضاف أن «منتجي المواد الغذائية يدركون أهمية وصول منتجاتهم إلى الأفراد بسعر مقبول، لكنهم في الوقت ذاته يجب أن يحققوا هامش ربح معقولاً»، موضحاً أن «زيادة أسعار البنزين بنحو 11٪ خلال الفترة الماضية ورفع سعر اللتر 20 فلساً سيزيد كلفة تشغيل أساطيل سيارات النقل التي تستخدمها الشركات في نقل المواد الخام الداخلة في التصنيع، فضلاً عن توزيع المنتجات».
خطر الإغلاق
إلى ذلك، قال صاحب شركة «راشد للنقليات العامة» راضي عبيد سالم الراشدي، إن «زيادة أسعار البنزين للمرة الثانية في وقت قصير من شأنه أن يعرضنا لخسائر كبيرة، خصوصاً أن تداعيات الأزمة العالمية لاتزال تترك أثرها في القطاع».
ولفت إلى أن «قطاع النقليات يعتمد في حركته بدرجة كبيرة على أسعار المحروقات، ما سيضطر العديد من الشركات إلى الإغلاق حال طبقت الزيادة مع ثبات أسعار الخدمات».
وأكد أن «أسعار المحروقات من بنزين وديزل تستهلك 60٪ من دخل هذه الشركات»، مضيفاً أن «شركات التوزيع ترفع أسعار المحروقات كل فترة بسبب عدم وجود آلية تسعير واضحة تراعي مصالح جميع الأطراف، إذ بات العديد من الشركات مهدداً بالإغلاق»، وطالب الراشدي الحكومة بالتدخل لوقف ما تنوي الشركات فعله من تحرير سعر المحروقات.
تحرير الأسعار
من جهته، قال مدير العمليات التجارية في شركة «أبو علاء للنقل والشحن» محمود حسونة، إن «الاعتقاد بأن الشركات ستحاول استغلال تلك الزيادة في تحريك الأسعار اعتقاد خاطئ، لأن السوق مفتوحة للمنافسة الحرة والمستهلك يستطيع اختيار السعر الأفضل»، مشيراً إلى أن «ارتباط أسعار الخدمات والمنتجات بأسعار البنزين ارتباط منطقي ومقبول في كثير من الدول، لكن المشكلة تكمن في أن توقيت قرار رفع أسعار البنزين جاء في وقت غير مناسب».
وأوضح أن «ارتفاع سعر البنزين سيعطي مبررات لمختلف الجهات لزيادة أسعارها، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان».
وفي هذا الإطار، قال مدير عام شركة «اتش اس تي للشحن» بشار الأصفري، إن «شركات الشحن تعتمد في نقل وشحن بضائعها على السيارات الثقيلة التي تستهلك الديزل، باستثناء بعض مركبات الشحن الصغيرة»، مشيراً إلى أن «شركات الشحن تحرص أثناء توقيع العقود الطويلة الأمد على احتواء هذه العقود بنوداً تنص على أنه من حق شركة الشحن أن ترفع من أسعار خدماتها في حال ارتفاع أسعار الديزل».
انعكاس غير مباشر
وفي سياق متصل، أكد مدير عام المشتريات في محال «اسطنبول للأغذية» جو عقيقي، أنه «لا يمكن لارتفاع أسعار البنزين أن ينعكس على زيادة أسعار المنتجات والسلع الغذائية بشكل مباشر، إذ إن العملية بحاجة إلى نحو شهرين على الأقل لكي تظهر هذه التأثيرات، نظراً للعقود والاتفاقات المبرمة مع شركات التوزيع، التي تمنع ذلك بتاتا».
وقال صاحب ومدير شركة العطار للتجارة عصمت محمد، إن «ارتفاع أسعار الوقود سيفقد الصناعات والسلع المبيعة في الإمارات ميزتها التنافسية، إذ تتأثر أي صناعة أو تجارة بالمدخلات الإنتاجية، والتي على رأسها الوقود، خصوصاً أن أسعار الوقود في الإمارات باتت الأغلى بين جيرانها التي تتمتع بتكاليف طاقة منخفضة».
وأكد أن «القاعدة الإنتاجية تربط ارتفاع أسعار المنتج بارتفاع مدخلات الإنتاج، والسعر النهائي يؤثر في المحصلة على التنافسية كون المستهلك يتحول عادة إلى السلع الأقل سعراً، وهو ما يدفع إلى انخفاض حجم الشراء، خصوصاً أن الإمارات، من أهم الدول السياحة في المنطقة وتعتمد على مشتريات الزوار بشكل كبير، لذلك مع ارتفاع أسعار السلع المترتب على ارتفاع أسعار الوقود ستتراجع معدلات المبيعات على المستويات كافة».
http://www.emaratalyoum.com/business...07-13-1.265827
مواقع النشر (المفضلة)