يبدو أن الحياة بدأت تمارس رتابتها علي باحتراف؛ أصابت فيني الرغبة في تلوين زجاجة نافذتي كلما حاولت يائسة التواصل مع كل ما هو خارجي لا أفهمه ؛ فاستسلمت لمنظر الصمت و إطلالات الصباح الخالية من أطفال يركضون في الممرات والأزقة. كل ما يسكن خارج المستطيل المحفور عبثاً على الجدران يصعب التنبؤ به...

أرواح تنفض نفسها كل مساء بينما يرقد الآخرون مكدسين ببشاعة دواخلهم ..

أشياء نؤمن بها اليوم لنحاربها غداً كأن شيئاً لم يكن...

لا أذكر كيف ولد إحساس الوحدة لدي ، لكن كل ما أذكره هو أنني استيقظت يومها لأجد الفراغ يتحور داخلي تماماً كورقة استسلمت لقسوة الطقس ، و الشارع كان مليئاً بالعيون الفارغة أو هكذا أملى الإحساس علي أن تكون..مشيت غير آبهة باصطدام الأشياء من حولي..كأني تعمدت أن أفقد حواسي كلها وأُبقي السمع والبصر ..فالحواس الأخرى كماليات.. يفقدها من قرر أن يموت موتة صغرى، من جُبل على الحرمان .تستهويني رؤية الأشخاص في الشارع من زجاجة نافذتي وهم يتحاورون . عشت تحت تخدير حقنته في رأسي منذ زمن كي اوقف تدفق السلبية إلى أفكاري ولكن لم يدم تأثيره..شيء ما يبطل مفعوله. ابتعدت كثيراً .. كلما تقدمت خطوة اتسع مدى الأشياء من خلفي .. حتى الرياح التي أصابت المكان،جلبت حقباً من النسيان لتشكل مدارات حولي..تأسرتي بها.. وأنا مازلت أتقدم والمدى أمامي يضيق أكثر ..لابد أنها أحلامي العقيمة ...تطاردني!

أذكر أنني وقفت لصوتك يخترق سمعي...
" لا تتعلقي بالأشياء من حولك كي لا تفقديها ..يكفي ما حصدنا من فقد!"

~وهل اكترث بالفقد وأنا في ذروته!

"مازلتِ مهووسة بخرافة التفاؤل المطلق ..بأن البدايات هي كل شيء .بداياتنا الاولى هشة، تنكسر بكبرياء الأشياء الزائفة..الرؤى الزائفة "

~كل البدايات تولد باهتزاز يدب في اواصر الروح..يجر كل ما تعلق في الرغبات ،يمهد لبدايات اخرى هي أكثر اتزاناً روحاً و جسداً!


وتلاشى الصوت...
شهد هو احتضار الوقت بعينين فارغتين نحو السماء. تداخل كتل السحب الرمادية في الأفق كان يشبه محاولاته الماضية للاندماج مع ما حوله، لكن تداخله افتقر لولادة المطر بينما هناك في الأفق كل حركة تولد عوالم وان لم نراها.