أرواح تصرخ في أجسادها..
الجمعة
23-1-2009

اليوم .. الختام .. من أصعب الأيام علي.. ولربما في هذه السنة صعوبته تكمن في عودتي للاختلاط بالأطفال وتعلقي فيهم كما كنت في المخيمات الأولي لي "14 و 15" .. كل تلك الزيارات معهم .. الجلوس معهم .. الحديث.. سؤالهم عني واحساسهم بغيابي أثر في.. تأخرت في الذهاب للمخيم بالأمس فوجدت أحد الأعضاء يرسل لي برساله نصية يقول لي " أن أحد الفتيات تبحث عني وتريد أن تحدثني" .. وبعدها اتصلت فيه لتحدثني أخرى كانت تبحث عني.. تعود عامر أن يقول عني " أين أم النظارات " في حالة ليقول أنه نسي اسمي وأنا متأكده أنه يحاول أن ينكر أنه يحفظ كل مايتعلق بي..!

دخلت وبسرعة لأنظر للكل ,, تأخرت مرة أخرى عن ورش العمل من أثر التعب.. لكني كنت مصرة أن أصاحبهم في هذه الرحلة الأخيرة .. تجولت سريعا وحملت " المايكروفون" وكانت هنا أيضا تجربة جديدة.. "الكاميرا مان" أو مصور الفيديو قد اختلف هذه المرة معي .. كنت قد عملت في خورفكان مع "محمد" الذي شاهدت كيف أنه اندمج مع الأطفال وكيف أنه يتحدث مع الكل ويتفاعل معهم .. على عكس " سيف" .. سيف تحسه من الوهلة الأولى أنه لا يعرف ماذا يفعل أو لماذا هو هنا..؟!

صعدنا الحافلة وأنا متخوفة من هذه التجربة معه .. دخلت وقد بدأت أحاول الأطفال ورؤساء الوفود عن مشاعرهم وهم ينطلقون في آخر رحلة في مخيم الأمل.. كنت أسألهم وأنا بنفسي حزينة ولكن مشاعر الأطفال تفاووتت بين الحزن والفرح .. فرح لأنهم اشتاقوا لأهلهم وحزن لأنهم سيغادرون أرض المخيم .. سيف كان يتنقل معي .. ويلتقط الصور الحية .. سألت أحدى رئيسات الوفود عن ماتحس فيه " فبكت!" لم أكمل معها الحوار.. هذا مايتركه مخيم الأمل في النفوس وفي الذاكرة .. الحب .. لكل من عمل ولكل من اعطى .. تحدثت قليلا مع " سيف" لألحظ أنه ايضا اندمج مع المخيم وأطفاله .. لتجدني أخيرا أعرض عليه أن يتطوع معنا في السنة القادمة أن شاء الله .. ويوافق فورا.. هذا هو اليوم الذي تبكي فيه قلوبنا قبل أعيننا.. يوم لا أحتمله رغم أنه يكلل نجاح المخيم .. كان الغداء الأخير.. كانت الرحلة الأخيرة.. وكانت اللقاءات الأخيرة.. لكنها ستبقى الأولى في ذاكرتهم ..

عدنا وقد أحببت أن أكون في مقدمة الحافلة .. استأذنت القائد لأجلس مكانه وأشعر بما يقوم به حين يشرف على تحركات السير لأمن الموكب.. احساس جميل امتزج بتغير الجو.. وبرودة بدأت تسري في أوصالنا.. تلك البداية الجميلة لنهاية مخيم بأمطار الرحمة.. أرض المخيم وكل الأعلام التي فيه كانت ترفرف بشدة.. بدأ البرد .. وذلك الأحساس بتصاعد المشاعر الحارة وبرودة الجو.. نزلنا ونحن ننظر إليهم بل اني سبقتهم لأرى ماذا جرى على الأستعدادات في أرض المخيم .. الحركة مرة ثانية سريعة للتأكد من جاهزية كل شي.. الشهادات.. الهدايا .. الدروع وكل شيء..

هي الأيام تصرخ في دواخلنا .. وهي الأحاسيس تقول سنشتاق لكم .. للأطفال الذين سكنوا فينا .. بأفعالهم .. ببراءتهم .. بعفويتهم . . تعلمت منهم أن الجرأة مطلوبة.. وأن ابداء الرأي لا يرتبط في السن .. وأن الصمت ليس دليلا على التخلف بقدر التأمل فيما يجري حولهم ..

كنت قد خرجت من مبنى اللجان لأذهب وأتفقد التجهيزات في الخيمة .. لأسمع "عامر" يناديني .. "مريم مريم.. بدر بيسافر" .. بكى قلبي لما قال.. لم أكن أتوقع أن يخبرني عامر بذلك حتى أذهب وأوعه وأنا قد عشت الغيرة التي بينهم وكيف أنها تغيرت أخيرا لصداقة جميلة.. شاهدت بدر وهو يخرج من السكن ليضع أخر اغراضه في حقيبته وأساعده في اقفالها .. كنت أحاول أن اجعله يبقى هنا إلا أنه قال لي " عندي واجبات كثيرة .. عندي مدرسة" جميل حس المسؤولية هذا .. ذهبت معه للحافلة التي ستقلهم للمطار .. لأشاهد " مهند " طفل جميل يبتسم دائما لي ويتحدث .. متفاعل ودائما مع بدر.. حزنت أكثر.. وأنا اقف بينهم في الحافلة اودعهم .. حتى سائق الحافلة الكبيرة جاء ليودعهم.. فهد أيضا غادر.. تلك الموهبة الصوتية الجميلة التي اكتشفناها فقط في نهاية المخيم .. هم كانوا من اجمل من رأيت .. سأشتاق لأصواتهم .. وقد تصفحت كثيرا صورهم ..!

وينطلق حفل السمر الأخير في مخيم 19 .. الليلة الأخيرة التي ارتبطت بسقوط الأمطار.. الليلة الأخيرة في تلك الخيمة الكبيرة وكل الأحساس بالوداع يطرق الباب.. هذه دائما وقفة في مخيم الأمل لنراهم ونحفظ صورهم .. كان الحفل بسيطا جميلا.. وأ ن قلت الأعداد.. عرضنا صورا للمخيم من اليوم الأول وحتى سباق التحدي .. للكل .. للورش .. للسمر.. للرحلات .. للمتطوعين .. كانت الكلمات تتكاتف مع الصور لتقول كلمة شكر لصاحبة القلب الكبير التي جمعتنا هنا .. " أم المعاقين" سمو الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي.. التي دعتني في 2003 لأشارك واليوم هي دائما متواجده لتدعم الكل الصغير قبل الكبير.. وكم استعدتنا اليوم .. بتلك الكعكة الكبيرة التي أحضرتها لتحتفل بنا .. نحن الخريجون " مريم البلوشي، عائشة المعلا، غادة الخميس وعبدالرحمن الحمادي" كان الأحساس جميلا ونحن نحمل السيف الكبير لنقطع الكعكة .. وليفرح الكل معنا .. شكرا "ام المعاقين وأم المتطوعين" ..

انتهى الحفل وبدأ الكل يودع .. تفاجأت بعدد الأطفال الذين جاؤوا ليحضنوني ويودعونني .. لم أعيي مشاعرهم تجاهي إلا في تلك اللحظة .. وكم أفتقد تلك الوجوه الأن وأنا اكتب هذه الكلمات .. هم الآن بين أهلهم ولكن ياترى كيف يتحدثون عنا وماذا يقولون .. لكل تلك الوجوه الجميلة أقول " أني مشتاقة لكم من الأمس" ..

متطوعوا مخيم الأمل .. أراكم في مخيم 20 .. وقبلها متأكدة أننا سنلتقي قريبا..

مريم البلوشي
الأديبةالصغيرة
24-1-2009
5:58 مساء