ربي ايحفظكم جميعا ..

/

بقلم: فتح الله كولن 2006.09.27

(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة : 158]
(مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء : 147]

نرى في هاتين الآيتين أن الله تعالى يقدم نفسه بصفة "شاكر" مع انه "مشكور".
وحسب رأيي العاجز فان ما يراد الإشارة إليه هنا هو مبدأ "المقابلة".
أي ان الله جل وعلا يقوم بمقابلة أفعال عباده تجاهه من جنس أعمالهم،
وهذا من الخلق الإلهي. ولا يقتصر هذا على موضوع الشكر،
بل نجد المقابلة في الآيات القرآنية وفي الأحاديث الشريفة في سائر المسائل الأخرى
فمثلاً (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) [المائدة : 39].
والنبي صلى الله عليه و سلم يروي عن ربه فيقول: (إذا تقرب العبد إليّ شبراً
تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة...).[1]

أجل! إن ما نريد الإشارة إليه هنا هو أن النعمة إن أتت من أي مصدر فيجب مقابلتها.
فان تذكرنا الحقيقة التي أشار إليها الإمام بديع الزمان النورسي في الكلمة الأولى
من أن الإنسان يعطي البقال أو بائع الفواكه دراهم مقابل ما يشتريه منه. حسناً...
ولكن ماذا نفعل تجاه الله تعالى مالك وخالق كل شيء وواهبه؟ أو ماذا يريد هو منا؟
طبعاً يجب أن تكون مقابلتنا لنعمه هذه حسب ما أراده منا.

ولا تتغير المسألة ان أخذناها من ناحية العذاب. لننظر مثلاً إلى الآيات الآتية
(يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (وَمَكَرُوا وَمَكرَ الله). ويجب أن نفهم هذه الآيات
في ضوء الآية (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) لأنه لا يجوز إسناد الأفعال السيئة لله تعالى.
أجل! لا يدع الله تعالى مقابلة من أخذ فشكر فأعطى راغباً في رضاه، ولا مقابلة من أخذ فجحد
وعندما أعطى بخل أو ابطل صدقاته بالمن والأذى. أما الذين يقابلون النعم بالشكر،
فهم يعلمون أن ما وهبهم الله تعالى هو من عادات الخلق الإلهي, لذا يجب عدم البخل به على الآخرين
وهذا سيكون سبباً لنعم جديدة ووسيلة من وسائل القرب إلى الله تعالى. وهكذا يدخلون في دائرة خيرة،
ينتج الخير فيها خيراً آخر، لكي يصلوا في نـهاية المطاف إلى أفق المعية (وما يزال العبد المؤمن
يتقرب إليّ بالنوافل حتى أكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها
ورجله التي يمش بها) [2]. فلا يسمع إلا خيراً ولا يرى إلاّ خيراً. ويصان من انحراف زاوية النظر،
ويأخذ من كل ما يراه درس عرفان، ويصبح قلبه مخزن حكمة وعرفان.

[1] البخاري، التوحيد 5؛ التوبة 1؛ مسلم، الذكر 2، 3، 20-22.
[2] ومثل هذا العبد الذي يقضي حياته ضمن جو من الرقي
والسمو بالفرائض والنوافل يكون ممن ذكرهم الحديث الشريف.
.... ~