بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عَرفتُها..صبية، مفعمة بالطموح، تُداعبُ مخيلتها الأحلام.. غدًا ، سأكبر، سأتخرج، سأكون كما أريد.. سأكون طبيبة.. أو قد أكون مربية أجيال..
كانت كذلك، في كل نشاط في المدرسة أراها، تنشدُ للعِلمِ والعَلَمِ أعذب الألحان..
عُرِفت كصوت شجي في تلاوة القرآن، كحق مصَدح وحروف معبّرة حينما تبوحُ الأقلام، كمقدمةِ حفل الإتحاد، وكمشاركة فعالة في الفعاليات ..
أنست لحديثها الفتيات، وأُعجبت برقيّ تفكيرها،المديرة.. وقّربتها لنفسها كصديقة، السكرتيرة والمعلمات..
فاقت قريناتها بالدرجات، وبالطموح، وبحب العلم، ولم تقل عنهن هذا إن لم تزد عنهن بحب البلاد.. غير انهن فاقنها بلقب ( مواطنات )..
لقب دمّر أحلامها، مجرد حزمة من الأوراق ضيّعت مستقبلها، وأقعدتها في البيت، لا لذنب ارتكبته غير أنها ( بدون )..
مع أخيها المتخرج منذُ سنين،والذي يندبُ حظه مئات المرات.. حتى ضحكَ له حظه مرة.. حينما بشروه بأنه تم قبوله في محل الجزّار كموصل ( للحم ) إلى البيوت .. وحظيَ برتبة عَلا بِها على زملائه في المحل من الهنود، ألا وهي أنه سيقود ( دراجة ) لتوصيل الطلبات بدلاً من ( سيكل ).. لربما كان هذا احترامًا وتقديرًا لـ( غترته وكندورته) التي ترمز بأنه شبه مواطن.!
وإن كان القدر قد ضحكَ له مرة، فها هو القدر يكشّر لأخته آلاف المرات، بدت أول آثار لقب ( البدون ) حينما حرمت الدخول في المسابقات على مستوى الدولة لأنها ( بدون )، وحينما حرمت من أن تكون بين من سيكرمونهن كمتفوقات لأنها ( بدون ).. جلست بين أربع ( طوف ) متحسرة على نسبتها العالية التي لن تُطعمها حتى فتات خبزا ..
وها هي السنوات تمضي.. وها هي صديقتنا كما هي.. مرت خمس سنوات.. وما زالت تتجرع الهمومَ ألوان وألوان، كانت تظن آنذاك أن اقوى صفعة تلقتها هي تحطيمهم لحلمها بأن تكون طبيبة أو مربية أجيال.. ولكن الآن أدركت، أن تحطيم الحلم لا يعتبر شيئًا مقارنة بأنهم جعلوها في بلادها كــ ( اللاشيء ) .. ---
أخي الكريم، ، في القلب غصاتٌ وغصات.. لن تكفيني لترجمتها بضعة أسطر ، أو مجلدات.. عشتُ معهم، وشاطرتُهم ألمهم وهمهم، كنا معًا يومًا، فواصلنا الخطى، وظلوا هم على ما هم .. تناسوا الدراسة، تصنّعوا الفرح، ولسان حالهم يقول: ( لعلّ الفرج قريب ).. ونسأل الله عزوجل أن يكون كذلك..
أخي الكريم، لك جزيل الشكر على ما سطّرته أناملك.. أجَدّت فيما كتبت وعبّرت..
ودمتّ مميّزا كما هي حروفك.. فلك كل الإحترام والتقدير..
مواقع النشر (المفضلة)