السلام عليكم
يحدث أن تمر أنثى بالقرب من ذكر ، دون أن تكون هناك دلالة ملحوظة ، في لغة الجسد ، تفيد أن أحدهما قد انجذب بغتة للآخر ، و ما أن يفترقا حتى تبقى أحاسيسهما ، أسيرة المكان الذي كانا به ، تجتمع الأحاسيس باقية و يغيب حضور الأجساد .
ذات الإثنان فارقا المكان ، و ابتعدا بالزمان كبعد منفى ، لكن يبقى الرابط الحسي متعلق بالمكان ، و كأن سقط من كلاهما ، أمر مهم هناك أو حاجة ماسة أو غرض له قيمة كبيرة ، فتحتفظ الذاكرة بأجواء المكان و الرموز المحيطة ، إلا أنها "ذاكرتهما" لا تستطيع استخراج ملامج الوجهان ، أو هالة بعضهما أو حتى ألوان الهندام .
تتلاشى الذاكرة شيئاً فشيئاً ، بعد أن تستجد أمور جديدة في حياتهما ، أو تستضاف أحاسيس أجمل ، من أحداث آنية أو تم تجرعها مع كل مرور عابر ، بالقرب من شخص آخر أو جنس آخر ، فبعد مرور أيام و أسابيع ، يكاد يكون ذاك الموقف المعدود بثوان ، قد محيَ كلياً من الذاكرة ، و غدى رصيد ينتفع به مخرج الأحلام الأول "العقل" ، لليلة قد كتب على أحدهم فيها ، أن ترافقه الكوابيس أو ينعم برؤيا .
لا تأتي الأحلام كيفما يشاء النائم ، كما المواقف في حياتنا اليومية ، فإن تطلعاتنا دوماً تكون استنتاج ضعيف ، يكون بعامل الخبرة و التجربة و الروتين ، لكن يبقى كل موقف نمر به يومياً ، عبارة عن مفاجأة أو حدث لم يكن بالضبط كما توقعناه ، و كذلك الأحلام ... فأنت أحياناً قد تتوقع أن تحلم حلم معين ، و بخاصة متى أدركت مفاتيح أحلام ذاتك ، إلا أن الحلم لا يأتي أبداً كما توقعت ، فهو إما يمر بنومك كأضغاث أو كرؤيا أو كوابيس ، لكن يبقى الأهم أن رصيد الذاكرة سيمر في ليلة ما ، طال الوقت أو قصر .
تداخل مع ذلك الإحساس الأول استغراب ، و هو غالباً ما يأتي كاستنكار ، لذلك الإحساس الجميل الموجه أو الذي سببه شخص غريب ، و هنا ندخل في حلقة من التساؤل ، أكان ضعف في شخصنا أم أن للغريب تأثير غريب !
الوقت لم يسع كلاهما كي يجيبا عن استفسارات في ذهنهما ، لأن ذاك الموقف العابر ، القصير جداً في مدته ، يمثل اللاشيء مقارنة مع مواقف حياتنا اليومية ، لذلك فهي مضيعة للوقت ، أن نقف و نتساءل و نستفسر في أنفسنا ، من أجل لحظة عابرة ، لم تقدم أو تؤخر في حياتنا قيد أنملة .
ها قد مرت الأيام و الأسابيع و انقضى شهر تلاه شهر آخر ، و مر الإثنان في ذات المكان ، باختلاف الأوقات و الزمن ، و دون أن يلتقيا مرة أخرى ، و لم يتذكر أحدهما الموقف ، لأنه بالفعل تلاشى و لم يعد له مكان ، في الذاكرة الحيوية النشطة ، و في ليلة ما رأى الذكر في منامه ، أنه كان يجري في سوق ما ، و كان يتبعه كلب أسود اللون ، دون أي نباح أو لهاث ، و ما أن وصل لمكان منير ، حتى تراجع الكلب و ابتعد شيئاً فشيئاً و انتهى الحلم .
هناك في منام الأنثى كان الحلم مختلفاً ، فهي رأت نفسها بين حشود من الناس ، و فيما هي تتفرس وجوه من حولها حتى اصطدمت بأنثى ، و كانت الأنثى هي أي كأنها كانت تنظر لمرآة ، لكنها عجزت تحاول أن تلتفت لها ، إلا أن نسختها كانت "في المنام" على عجلة من أمرها ، انتهى الحلم على ابتعاد نسختها شيئاً فشيئاً .
نهض الذكر متعكر المزاج ، بسبب الكلب الذي زاره في المنام ، و استغربت الأنثى من حلمها الغريب ، ذلك لا يهم فكلاهما لديهما ، كم وفير من الأحلام التي لا يرغبان في تفسيرها ، و السعي خلف التحقق من مضمونها أو رؤاها ، لكن لم احتفظت ذاكرتهما بتفاصيل الحلمان الدقيقة ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب قراءة الفقرة التالية المكررة من جديد :
.. لا تأتي الأحلام كيفما يشاء النائم ، كما المواقف في حياتنا اليومية ، فإن تطلعاتنا دوماً تكون استنتاج ضعيف ، يكون بعامل الخبرة و التجربة و الروتين ، لكن يبقى كل موقف نمر به يومياً ، عبارة عن مفاجأة أو حدث لم يكن بالضبط كما توقعناه ، و كذلك الأحلام ... فأنت أحياناً قد تتوقع أن تحلم حلم معين ، و بخاصة متى أدركت مفاتيح أحلام ذاتك ، إلا أن الحلم لا يأتي أبداً كما توقعت ، فهو إما يمر بنومك كأضغاث أو كرؤيا أو كوابيس ، لكن يبقى الأهم أن رصيد الذاكرة سيمر في ليلة ما ، طال الوقت أو قصر .
و الحلم ها هنا تمثل للذاكرة كموقف ، و تقمصت رموزه واقعاً في حياة كل منهما ، فتسلل الحلم كموقف ليندمج مع الرصيد المنسي في الذاكرة ، هنا نتساءل : لم لن يكون مصيره الحذف من الذاكرة لأنه حلم صغير بسيط في رموزه كالموقف الأساسي ، فنجيب هنا : لأنهما تذكراه صباحاً و أعادا التفكير به ، فتشربته الذاكرة العمياء قهراً .
ماذا تريد أن تقول يا عايش ؟
يلازم كل فتاة و شاب مقبلين على الزواج ، شعور غريب أسميه إذا صح التعبير "ارتعاش" ، فما أن تكون هناك مراسم خطبة أو ما شابه عند أعراف و تقاليد الناس ، يبحث كلاهما عن تلك الرعشة ، التي تسبب كلمة نعم قبلت بكَِ زوجـ/ة .
ذلك الشعور الغريب الذي ننتظره دائماً ، أو تلك الرعشة التي تمر كتيار كهربائي في جسدنا ، حين نلتقي بالشخص الذي من المفترض ، أن نعيش معه باقي حياتنا .
--------
نهض الرجل في يوم ما ، يبحث عن آسرته بعد أن رأى في منامه ، أنثى بلا ملامح تمسك بكلب أسود اللون ، تطارده من مكان لمكان ، و حين اقتربت منه قالت : لم خائف ؟ ألم تعرفني ؟
و هناك رجل يهديء من روع زوجته ، حين نهضت من النوم فزعة تبكي و تصرخ ، فحين سألها ما بكِ ؟ قالت : لا أعلم .. فقد حلمت أني في سوق كله نساء منسوخات مني و كان هناك رجل وحيد بيننا بلا ملامح ما أن اقتربت منه حتى اختفى ..
بعد مرور أعوام
إلتقيا في نفس المكان .. هو لا زال أعزب و هي مع أبنائها
ابتسما لبعضهما و كأنهما إلتقيا بالأمس
غابا في الزحام من جديد
و تراكمت الأحاسيس أسيرة في المكان
و غاب حضور الأجساد
ملاحظة : ذاكرة الأحاسيس هي من احتفظت بملامحهما
خلاص عايش بيتخبل
مواقع النشر (المفضلة)