ها انا اعود اليكم من جديد الى هذه الواحه العزيزه على قلبي
ويسعدني ان اقدم لكم هذه الفضفضه الجديده وانتهجنا موضوعا اجتماعيا في الطرح
المقدمه:
في زمنٍ شحت فيه العواطف ، وجفت فيه المشاعر ، كان لابد من استحلاب ، الإحساس والشعور بمعاناة الآخرين ، والتذكير بأن وراء جدار العز والغناء ، تُبنى قصورا من الأحزان وتشيد !!
ولعل متعطف ينظر إلى هذه الجموع ، نظرة حنان وعطف ، فيسعى بما أوتي من سبيل ، لخلاصها ورفع معاناتها والشعور بمشاعرها ، ومد يد العون لها !!
وقد وصانا ديننا الحنيف على فئة خاصة ، من المجتمع ، هي فئة ( اليتامى ) المحرومين من نعمة الوالدين ، الحنونين ، وقد جاء في القران قوله تعالى (( فأما اليتيم فلا تقهر)) !!
ومن هنا فهذه الخاطرة ترمي إلى إضاءة في طريق مظلم نحو هؤلاء المعدومين المحرومين !!
وليعذرني الإخوة والأخوات ، لسخونتها على الفؤاد ، وخلختها ، لثغور المشاعر المتراصة ، فإن هذا أمر لابد منه حينما نتذكر هذه الفئة ، التي نسأل الله أن يمدنا ويمدها بعونه !!
جلست في صحن الدار !!
في يديها اليمنى (حلاوة) وفي الأخرى (فشار) !!
بينما تحوم ذبابة حول عينيها !!
وقد غطى ( القلق) ما تبقى من خديها !!
يتملكها إحساس أنها من عالم آخر !!
في عز الصيف ترتجف من البرد !!
تنظر إلى طفل يجري إلى المطبخ بسرعة !!
تقمع بصرها عن اللحاق به !!
لأنها قد عرفت قدرها وهي صغيرة !!
حزينة كسيرة !!
لاتحلم بأن تكون مثله!!
فهو بأب وأم !!
وهي بقية العائلة المغادرة بلا رجعة !!
عمرها خمس سنوات !!
وقد مضى على رحيل عائلتها ثلاثة أشهر !!
لا زالت الأرض ندية !!
والرائحة موجودة !!
على كلٍ ليست رائحة الموت !!
ولكنها رائحة الأحباب (الوالد والدة ، وأختها وأخيها)!!
تقوم من الليل تصرخ مرعوبة من حلم مزعج !!
تعرض في محيطها ، المشهد الأخير !!
لفراق والديها !!
حينما أخذ والداها أخيها الصغير (المحموم) (احمد)وعمره سنة !!
ليذهبا به إلى الطبيب
في ليلة شـــاتية مطيرة !!
وقد أصرت أختها (منال) التي تصغرها بسنتين على الذهاب معهم !!
بعد صراخها ، وإلحاحها !!
بينما قبلت (هند) أن تبقى عند جارتهم (أم سعد) !!
ولم يكن في خلدها أنه الحجر القادم لها من السماء!!
وقبيل الفجر بنصف ســاعة ، هالها ما رأت !!
لماذا يقبل الناس عليها بهذا الوقت !!
وهم ينتحبون ، ويسبحون في بحر من الدموووووووع !!
لافرق بين رجل وإمرأة !!
وكبير وصغير !!
لقد جاء القدر من السماء ، بفناء عائلة (هند) بكاملها !!
لتبقى هي ، مسكينة ، يتيمة !!
ليشهد العالم ، مأسأة تدل وتبرهن أن الأرض ليست بجنة الخلد !!
فقد كانت نهاية أهلها نهاية مأسأوية !!
انحرفت السيارة ، من آثار العواصف والسيول !!
لتخالط دمـــاء العائلة الراحلة ، وجسدها سيول الأرض!!
هال هند صراخ هؤلاء وافزعوها من النووووم !!
بينما تسابق الجميع إلى تطويق هند ، وتقبيلها !!
والدمووووع ، تسيل من عيونهم كما سالت دماء عائلتها !!
أصابها صراخهم ، وهي تنظر إلى من هنا وهناك ، ومن عند فم الباب!!
ومن تسمع صوته ولاتراه ، بلحظة بكاء ـ مخيفة !!
يتقدم منها جد سعد ، وهو يقاوم عرجته وعبرته !!
ويصيح بالجميع وينهرهم ( خوفتوا الصغيره) !!
تقدم إليها واقترب
واقترب
واقترب
وما أن رأى عينيها البريئتين !!
ألا ويسقط عندها ، وينتخب كأسا مرا من علقم الدمع !!
الذي ، تمازج مع (كحته) ، وضيق نفسه !!
قاوم وتشجع ، ورفع نظره إليها !!
وهي ساكنة ، في ذهول ، والدهشة تتملك وجهها الصغير !!
أخذ يقبلها ، ويقبل يديها !!
بدأت هند ببرآتها ، تنظر يمينا وشمالا !!
تريد أن تخرج من هذا الموقف (المرعب)
هي تعلم أن شيئا ما قد حدث !!
لكنها تجهله !!
فلا تجد بدا من الخرس والسكوت !!
وبعد أن هدأت العاصفة الماطرة ، أمامها !!
تساءلت ، ( ابا امي .. ابا اسير عند امي ... انا خايفه ) !!
قالت لها ، أم سعد : نامي الآن وبتشوفينها إن شاء الله !!
دعوها تنام ، وترقد بسلام ، فأمامها ، أيام ستحرق لنا ولها الأجفان !!
مر اسبوع كامل ، من الحادث !!وهند تدووور في بيت أم سعد !!
لاتدري أين ذهب أهلها !!
تتسأل ، فلا يستطيع أحد أن يجيبها !!
غير أن الجميع ما أن يراها ، وإلا ويبكي!!
(شيبان) الحارة ، ونســائها ، وأطفالها !!
عملوا لرؤويتها مناحة ، توارى عنها قمر الليل المضي!!
وتجاوبت معها (عتمة الليل البهيم) !!
تطوع أحدهم بإخبارها ، وأن عائلتها قد ماتت !!
وشرحوا لها من قواميس البرآءة معنى (الموت) !!
قالوا : ذهبت عائلتك الى الجنة !! (إن شاء الله) !!
فردت ببرآتها : كيف يذهبون ويتروكنني ؟؟!!
فدخلوا معها في دوامة ، الإستطراد البريئ!!
المنتهي ، بالفشل الذريع !!
وبعد اسبوعين ، تذكرت هند قطتها !!
التي كانت تلف وتدور داخل البيت !!
فقدت شعاعا متسللا من ثقب جدار غرفتها !!
كانت الشمس ترسله لها ، عند قدميها في الصباح !!
فقدت دميتها الجميلة التي تحبها !!
فقدت لعبها ، ودولابها وسريرها !!
تسمع في اذنها ، ضحكات أخيها الصغير !!
وترى أختها نوال ، وهي تشدها ، وتلاعبها !!
رأت أمها ، وهي تخرج إليها من المطبخ (بالملاّس) !!
تطاردها ،مغضبة بعد أن أوقعت أحمد على الأرض !!
فقدت وجه أبيها وهو يدخل عليهم وقت القيلولة !!
فتتسابق هي وأخويها إليه !!
فيكون أحمد هو آخر الواصلين !!
عندها قررت أن تغادر الى بيتها ، في هذا الوقت !!
فآخر عهدها ببيتها منذ تلك الليلة المشؤمة !!
لعل والداها وأخويها ينتظرانها هناك !!
تحينت هند الفرصة وخرجت من بيت أم سعد !!
وليتها لم تفعل !!
ليتها لم تفعل!!
هاهي تبلغ الباب !!
حركت يد الباب فلم يفتح !!
كررت المحاولات ، فلم يفتح !!
أخذت تطرق الباب !!
وتنادي أمها ، وأخويها فقط !!
إنها تتذكر أن والدها ليس موجودا ، في هذا الوقت ( على العادة) !!
حاولت ، صرخت ، نادت !!
لم يفتح الباب ولم يكلمها أحد !!
تذكرت ، أن والدتها كانت تضع مفتاحا !!
تحت قطعة السجادة عند الباب !!
رفعته فوجدت المفتاح !!
لم يعلم أحد من الأحياء عن المفتاح غيرها !!
أخذت المفتاح ، وفتحت الباب !!
آآآآآآآآآآآه ، فتحت الباب ودخلت !!
يالاهي ، كيف أكتبها !!
آآآآآآه ، يا لاهي ، كيف أرى ما أكتب !!
( لحــــــــــظة توقف)
...........................
دعونا نقاوم المشهد القادم !!
دخلت هند بيتها ، الذي طالما ، أش....عته ....آآآآآآآآآآآآآه !!
اشع ...... تهو ..... لعبا وصخبا ، ومرحا !!
ركضت بسرعة الى غرفة أمها !!
وهي تتلهف لرؤيتها !!
آآآآه لم تجدها !!
لم تجدها !!
يا لاهي لم تجدها !!
التفت بسرعة ، الى غرفتها وغرفة أخويها !!
لم تجد أحدا هناك !!
توجهت صوب المطبخ ، وفتحت ولم تجد احدا !!
أرادت ، تحويل اللحظة ، الى شعور مؤنس وجميل !!
رفعت يدها الصغيرة ، صوب (كوب) مرفوع !!
وأنزلته ، وسحبت كرسيا ووضعته وصعدت عليه !!
لتصل إلى (صنبور) ماء التحلية !!
وجدت به مــاء حلوا !!
فشربت ، وغسلت ، وجهها الصغير !!
ولعلها في تلك اللحظة ، تهيئ نفسها ، حينما تستدير !!
آآآآآآآآآه ..حي ..نم اااااا ... تستدير أن ترى ، أحدا من عائلتها ليخبرها الخبر!!
( لحظة توقف) !!!!
.............................
لكنها مع الأسف ، استدارت فلم تر إلا جدران المطبخ !!
تذكرت مكتب والدها !!
فقزت من الكرسي بسرعة ، وتوجهت إليه !!
لكنها وجدته مغلقا !!
تسمعت ، فلم تسمع شيئا !!
انبطحت أرضا ، وأخذت تحاول أن ترى شيئا من تحت الباب !!
لكن ..هيهاااااااات !!
قامت ، ووقفت بالصالة !!لاتدري ما ذا تفعل !!
أخذت تنظر في البيت !!
هنا وهناك ، وهي واقفة في مكانها !!
نعم إنه بيتها ، هي تعرفه !!
لكن أين أهلها ؟؟!!
حركت قدمها ، صوب غرفة والدتها !!
هنا تسود الخاطرة وتزداد سوادا !!
دخلت غرفة أمها !!
هذا السرير ، وهذا الدولاب ، وهذه التسريحة!!
تنظر ، إلى جدران الغرفة !!
تقف أمام المرآآآآة ، تنظر الى وجهها الصغير !!
طالما وقفت أمامها ، في مرات سابقة !!
وكانت تزاحم أمها ، عندها !!
ذهبت ألى السرير ، وقفزت عليه !!
وكأنها تريد ، أن تسحب لحظات لعبها هنا !!
لعل طيف من غاب ، يحضر معها !!
نظرت إلى السقف ، وأطالت النظر !!
وفجأة ، وفجأة !!
قامت من السرير بسرعة ، ووقفت !!
لقد تذكرت شيئا ، مهما خلف باب دولاب أمها !!
نعم ، ،نعم !!
إنها صورة العائلة ، كلها !!
صورتها مع أمها ، ووالدها ، وأخويها !!
فتحت الدولاب !!
فإذا عائلتها ، الحنونة المغادرة ، تكون هنا!!
هذه أمها الجميلة ذات الأربع والعشرين تبتسم بحشممتها !!
وهذا والدها ، بكامل إناقته يبتسم لها ، وقد حمل في الصورة أحمد
أخيها الصغير !!
الذي يظهر في الصورة ، ينظر في الصورة إلى والده !!
بينما تقف هي مع أختها (منال) جنبا الى جنب ، وقد طوقت أختها
بذراعها !!
تأملت الصورة ، بصمت !!
قطعت نظرها ، والتفت ألى الغرفة ، وكأنها تريد أن تسمع صوتا يناديها !!
عاودت النظر الى الصورة !!
تذكرت انها قالت لأمها يوما ما ..وهي تقف أمام الدولاب !!
انظري يا أمي ، صورة والدي معنا ، كيف يبدو هو ؟!!
فأسرعت أمها في لحظة ، غرام خاصة الى تقبيل والدها في الصورة !!
وهي تبتسم من الخجل ، أمام بنتها !!
هنا ..استحضرت هند الموقف ، فأرادت أن تقبل الصورة ، لكنها لم
تستطع لإرتفاعها !!
فاكتفت بأن تقبل يدها ، وتضعها على الصورة !!
مرت عشر دقائق ، وهي في لحظة سعادة غامرة !!
كأنها بينهم.. ومعهم !!
ثم .. تغير وجهها ، ووضعت يدها على فمها !!
وبدأت تعزف لحنا متصاعدا من البكاء !!
لحنا متصـــاعدا من البكــــــاء!!
لحنا متصــــاعدا من البكـــاء!!
وفي لحظة ...تكلم الصورة !!
وتنظر إليها !!
ثم انفجرت ، بالبكاء ، ماماااااااااااااااااا!!
ماماااااااااااااااااااااا اا!!
ماماااااااااااااا!!
وبدأ صراخها يرتفع ، وهي لاتنادي إلا على أمها !!
تمد يدها اليمنى إلى الصورة ، واليسرى تزيح بها دموعها من عيونها !!
ارتج البيت بالبكاء ، ولو قيل إن دولابا ، وسريرا ، وأبوابا بكت لبكت هنا !!
مسكينة ...مسكينة !!
أين أنتي يا أم سعد !!
كانت أم سعد ، وأولادها في تلك اللحظة يبحثون عنها !!
سمعوا الصراخ والبكاء !!
صوب بيت أبي أحمد (رحمه الله) !!
فعرفوا أنها هناك !!
تسابقوا إليها ، ودخلوا البيت !!فوجدوها واقفة أمام صورة عائلتها !!
وهي تشير إليها !!
حملتها أم سعد وهي تحتضنها ، وقد بللت اليتيمة ثيابها !!
من هول ما أصابها !!
أخذتها أم سعد ، الى بيتها !!
واقفلوا الباب ، واحكموا الإغلاق !!
ليتم بتر الحزن ، من قلب هند الصغير !!
هند ستكبر ، والله حافظها ، ومولاها !!
وانتهت هذه الخاطرة الحزينة العاصفة بقلوب من كان له قلب !!
ودمتم سالمين
مواقع النشر (المفضلة)