وأنا في المطار وقبل صعودي إلى الطائرة المتجهة إلى جدة كنت في حالة من الضجر والتعب الجسدي والنفسي وعيني تدل على الإرهاق فقد سئمت الأشغال والمواعيد ومللت من كثرة ما أرى وأشاهد أطماع بشرية وأنحطاطات انسانية ومصائب لا تعد ولا تحصى ولكنها تلاشت يوم صعدت الطائرة وكانها كانت ممنوعة من السفر .....
المهم بحفظ الله ورعايته وصلت إلى مطار الملك عبدالعزيز في جده أنا ووالدتي الحبيبة ومطار الملك عبدالعزيز سحر يسبي العقول رغم بساطته واستقبلني موف الجوازات بإبتسامة رقيقة تسفر عن أخلاق وكرم هذا الشعب ودخلت صالة القادمون فتجمع من حولي عشرات من أصحاب التاكسي الجواله ووجدت من بينهم الشاب والشيخ الكبير والصغير المثقف والجاهل فعرفت أنها الحاجة وشاء الله أن ركب مع رجل بينه وبين الموت أيام قليلة هكا يبدو فالعينين جاحظتين والفم مفتوح إلى الآخر والشيب يكسو رأسه وقيادته الله بالخير والله خير الحافظين .
وبعد معاناة طويلة مع هذا السائق الصعب المزاج الذي لم يتكلم طول الطريق ولم ينطق بحرف واحد وصلنا بعد مغيب الشمس وبعد ولادة الليل في ساعاته الأولى كان دخولي أنا ووالدتي إلى الحرم المكي الشريف ورؤية هذا البيت تعني الكثير هذا البيت العتيق الذي يطوف الناس من حوله مستشعيرًا عظمة الله عزوجل منطرحين أمام يديه واقفين على بابه كل واحد له طلب وكل واحد له حاجة تختلف عن الآخر فسبحان الذي لا يعجزه شيء لا في السموات ولا في الأرض .
أمسكت بيد والدتي وأخذنا نطوف حول البيت فسترجعت شريط الذكريات وتحسرت على ما فات من لعب وتقصير ولهو وتفريط وهجم السرور علي حتى لم أعد أشعر أني على الأرض أم في السماء رهبة لا يعرفها إلا من جرب الموقف نفسه وسعادة لا يقدرها إلا من ذاق ماذقت .
مشاعر إيمانية ونسائم عطره وازدحام واختلاط ولكن الكل مشغول بنفسه وبينما نحن في السعي والمرو ساءني أن أرى أطفال في أعمار الزهور يعملون في مهنة الحلاقة أداتهم المقص ودعايتهم التوسل وخلفهم قصص وحكايا استمعت لطفلين منهم فقال لي أحدهم أنا أدرس وأعمل واصرف على أسرتي فقلت له أنت رجل فقال أدري أني رجل ومما ساءني أكثر توظيف الأطفال الصغار في مهنة التوسل حتى أصبح الواحد من هؤلاء الأطفال لا يستطيع العيش إلا بالتسول ولو أعطيته ملايين الدنانير ومع ان المملكة لم تدخر جهدًا لمكافحتهم إلا أنهم ينتشرون يومـًا بعد يوم والناس يتعاطفون معهم من باب التكفير عن الذنوب بالصدقة ولكنها أصبحت عند البعض وظيفة من وراءها الخير الكثير
ودائمـًا ما يشعر المعتمر بأنه بحاجة إلى توبة وأن صوت خفي بداخله يناديه وهذا الصوت هو الإيمان ولعل الخطأ على الإنسان شبه محتوم وانه لابدّ من الخطأ ولكن هل الإستمرار في الخطأ أيضـًا مكتوب على الإنسان ؟ نصيحة وجهتها لنفسي وسأوجهها لكم لأنني أحبكم إن سعادة المرء تكمن في مدى تقربه من الله ومن أصلح معاملته مع الله أصلح الله معاملته معه فلينظر كل منا كيف هي العلاقة التي تجمعه مع ربه وليحاسب الواحد منا نفسه على التضيع والتفريط
مواقع النشر (المفضلة)