شخابيط...


كلمة شخابيط دائما ترتبط بنا منذ ان كنا صغارا.. تعشعش في ذاكرتنا الكثير من المواقف والطرائف وكثيرا ما تعتلينا الأبتسامة وأنا أقول .. شخابيط...

1. شخابيط جدرانية..

أتذكرون معي تلك الكلمات التي كانت تكتب على الجدران دائما.. قد تكون في أغلبها كلمات غير(مؤدبة) لكنها كانت أسلوبا للتعبير عن من يسكن تلك المناطق وعن ماهية التربية التي تلقوها وماهية مكنونات أنفسهم وكيف يعبرون عن الغضب أو أسلوب التنفيس ضد غيرهم..



(عذرا على الكلمات..!)

وشخابيط جدرانية كانت هي الوسيلة التي نستخدمها نحن للتعبيرعن رسوماتنا وحياتنا الصغيرة تلك.. أوجه ورود وحروف تعلمنا ها في المدرسة نريد أن يرى الجميع أننا تعلمناها ..

وقبل أيام من العيد كانت عملية الصبغ والتعديل تجري في بيت عمي فإذا بحمده الصغيرة تلبس ملابس الصباغين وبأناملها ذات الثلاث سنوات تلعب بتلك الألوان والأصباع لتضفي ألوانا جديدة على بيتهم مؤكدة انها رحلة وأنها خطوة متأصلة فينا وستبقى الشخبوطة في جيناتنا الوراثية



2. شخابيط الشارع..

وما أجملها من شخبطة تلك..
أرتسمت في ألعابنا (الحويمة) وفي رسم خط السباق في كل ماراثون (فريجي)..
كان الشارع هو الصفحة الكبيرة المتوفرة لنا .. وكنا دائما نبحث عن الحجر الجيري لنكتب على اللون الأسود (القار).. كنا نمسح بأيدينا وأرجلنا كل تلك الخطوط الغير مستقيمة في تحد مع الذات بأن نكون نحن الأدق بين أطفال الفريج في رسم الخطوط والمساحات.. كانت أرجوحة تتمثل فينا وتتمايل تباهيا ..
كل تلك الخطوط كانت عنوانا بسيطا لعقولنا التي ترسم البهجة بشخبطة شارعية..
ومازلنا نشتاق لها..!


3. شخابيط مدرسية..

وهي الأروع .. تلك الأدراج الخشبية والتي عجزت مدرساتنا من تجليدها بأغمق الألوان علها تكون الوسيلة لأيقاف سيل الأحلام والأفكار المسترسلة في النزول على هذا الدرج الفقير.. لم تكن وسيلة غش بل كانت سبيلا للحوار الداخلي.. لما يمكن أن يكون في مخيلة الطالب في لحظة سأم وملل من الحصة .. كم خرجت تلك الطاولات الخشبية رسامين وكتاب.. كم هدأت من العنف الداخلي وكم قللت من المواجهة مع المدرس بغضب وعصبية.. أن كنت تريد أن تعرف من هو طالبك أنظر لطاولته..

رحلة الطاولة الخشبية استمرت معنا للجامعة .. وأقترح على أساتذتنا الكرام وأدارة جامعاتنا أن أرادوا تطوير صروحهم العلمية أن يمضوا عطلة الأسبوع في قراءة الطاولات الخشبية فهي الوسيلة لمعرفة ما يريده الطالب دائما..

وشخبطة الأوراق.. و(الجات) كانت الفاكهة في الحصص الطويلة التي لا تنتهي خاصة وأن كان (المدرس) من النوع ( الشديد الثقيل) .. نرى الطائرات الورقية تحوم وبراشيم الحوارات تنتقل بين الصفوف.. لم تكن هي وسيلة الكسالى بل الجميع .. المتفوق والطالب العادي.. لازلت أذكرها حتى فصل تخرجي من الجامعة ..
وسيلة ابتكرها الطالب ليختفي عن أنظار معلمه وليوصل مايريد لزميله..

شخبطة جدا شقية لكن جدا (لذيذه)



(عذرا لمدرسينا..!)

4. شخابيط فكرية..

وهي الأصعب والأعقد من نوعها.. تجدها في بيوت المجتهدين والمفكرين..
في لوحات الرسامين وسبورات العلماء..
قد تبدأ بدوائر ومربعات وقد تتشربك الخطوط ببعضها لتوهم من يراها أن صاحبها حتما مجنون مدعي..
هي الخطوة الأولى للكثيرين للتنفيس عن ضيق داخلي.. عن فكرة لا يستطيع أن يسطرها.. عن أحساس يؤلمه .. وعن رغبته في البدء من جديد

هي الخط الأول للمشاريع الكبيرة وهي لحظة العصف الذهني التي نريد أن نعيشها بصمت.. نحن وأنفسنا..

هي الشخبطة النفسية التي تعزز مفاهيمنا لهذه الحياة..
هي الحلقة التي نريد أن نوصلها لتربط بين ذواتنا ومجتمعنا..
رسوماتنا .. هي أفكارنا.. هي احساسنا بمايعتلي دواخلنا .. وهي نظرتنا الحالية للأمور ..
قد لا يفهمها الكثيرون وقد لا يعي أحد سر الألوان ولكنها سر كينونة النفس البشرية التي أمسكت تلك الألوان وشخبطت بها على جدران الأوراق.. هؤلاء هم الفنانون التشيكليون الذين لازلت نفسي لا أفهم اغلب مايفعلون لكني أحترم ما أحسوا به لحظة بدئهم بالعمل..



(موقع: شخبطة فكرية.. http://shkbta.be/?cat=1)

شخبطة حسية.. أولنقل أدبية.. تلك التي ارتسمت على هوامش الكتب والمجلات ..
تلك التي كتبناها ونحن نذاكر أو نحاول أن نركز في منهج دراسي معين فخرجنا بكثير من الخواطر وبدايات قصص وملاحم .. هي أفكارنا التي نعيشها فجأة ونحن نعبر عوالم الكتب إلى أخرى تعتلينا رغما عنا لدقائق .. ننفس بها عن ضغط نمر به أو تشبع ..
وهي الأبداع الذي يعيش فينا رغم كل الضغوطات والهموم...!

شخبطة سياسية... ولا أدري أأقول أنها الشخبطة المخيفة أم أنها الجريئة.. تلك التي تحول العقول لمسارات جديدة ..ترسم منحنيات جديدة وتأثر في القرارات المهمة التي تهم حياتنا وبلادنا..
هناك من يشخبط في العقول لا بالورق والقلم لكن بالفكرة التي يرسلها ويبدأ في رسم ملامحها وتحويلها من عقله لعقل المستمع حتى يقنعه أو ينتهي المطاف بأن تضاف حلقة جديدة للنقاش..
هذه شخبطة الأستراتيجيات والقرارات المصيرية.. ليست إلا بدايات وشخابيط ورقية وقد تكون اليوم قد تحولت لشخابيط الكترونية لكنها..شخابيط...!

شخابيطي اليوم قد تحولت من الورق للشاشة .. شخطبة ترجمت من عقلي التعب هذا (المحموم).. إلى ورقة بيضاء مليئة الآن بحروف هي (شخابيط)...

قدرتنا على التواصل دائما هي شخابيط
قدرتنا على التفكير هي شخابيط
قدرتنا على الحوار هي شخابيط في دواخل عقولنا
قدرتنا على الصمود أمام المصائب هي شخابيط نفسية قوية تعلتي أرواحنا
وقدرتنا على البقاء هي شخابيط روحية ايميانية تصدر من قوة أرادتنا

في دقيقة....!

نظرت لكل الشخابيط التي كتبتها فوق فوجدتني لا أكتب إلا شخابيط..
فعذرا..!


الاديبة الصغيرة
16-10-2007
3:53 عصرا