قبل ان انبحر في عباب المجهول اسجل لكم اعتذاري على الغياب الطويل وأعتذر للمرة الثانية لان تواجدي مجرد لحظة اشتياق .......


في طفولته كان يحلم ويتمنى ويرى العالم ملكه يسافر بخياله فيطوف الدنيا بلحظة واحدة عاش طفولة لم تعرف إلا التعب والشقاء على الرغم من أنه عاش أول ما عاش في رغد ونعيم ثم دارت الأيام فانتقل من رغد العيش وسعته إلى حيث الهواجس والظنون لم يكن وقتها يتجاوز الثانية عشر عندما اكتشف أنه مختلف عن بقية الأطفال وأنه ممنوع من الحلم ممنوع من التمني ممنوع من كل شيء وأنه منفي بلا ذنب مطرود بلا جريمة ليس له وطن وإن تعددت الأوطان ......

أختنقت الكلمات في فمه فلم يتسطع التعبير عما يدور بداخله وصار يزداد حزنـًا يوما بعد يوم ويخاف أن يقف أحد ما على أمره ويكتشف الحقيقة ولذلك فكثيرًا ما كان يتهرب من أسئلة أقرانه وكثيرًا ما كان يلجأ إلى الوحدة والإنطواء ويتمنى لو أنه عاش في وهم وخداع بعيدًا عن هذا الواقع المؤلم ....

أما الحقيقة التي اكتشفها فهي موجودة لا تختفي ولا تغيب إن لم يكتفشها اليوم فلا مفر من إكتشافها في الغد وليس افضل من المواجهة والحقيقة التي اكتشفها في طفولته هي التي دفعته للإبداع والتميز وهي التي جعلته يعيش من أجل الأخرين ولو لاها لما كان إلا في خانة الكسالى الخاملين والحق أنه غزير العاطفة كثير الدمع تؤثر فيه الكلمات والمواقف لا يرضى بالظلم ولا بالغدر ولا بالخيانة ينادي بالسلام والمحبة والإيخاء ويشدو بالحب والوئام عرف الغربة فلا تراه للغرباء إلا أخا يواسيهم ويحنوا عليهم ويشاطرهم الحزن والألم عرف الظلم فلاتراه إلا نصيرًا للضعفاء المستضعفين .....

غابت شمس الطفولة فتنفس أول نسمات الشباب والفتوة وخطى أول خطوة في درب المراهقة فرأى الحياة وقد اختلفت عما كانت عليه أيام الطفولة ورأى أصدقاء المراهقة لا يعرفون البراءة التي تعود ان يرأها في أصدقاء الطفولة فخفق قلبه من الخوف وارتعد من القلق ثم مالبثت ثورة الشك أن تهدأ في داخله ......

كان يحب الأدب ويعشق الشعر فنشغل بمطالعة الكتب وراح يفتش عن الفرائد والفوائد تعجبه الكلمات فيحفظها وتشده الأبيات فيرددها وهكذا حتى صار ذكي المشاعر مرهف الذهن يقظ الفؤاد متلهب الذكاء سريع الإدارك دقيق الفهم واسع الإطلاع غزير المعرفة وتعود على مجارة الظروف فلم تعد الهواجس تخيفه وما عادت تخطر عليه الخواطر القديمة وأما الحقيقة التي كان يخاف إطلاع الناس عليها فلم تعد سرًا كما كانت من ذي قبل وصار الخبر في متناول الجميع وهو الذي أراد لها أن تنتشر فلم يرى فيها ما يستحق كل هذا الخوف ......

تألق وأبدع وصار يحقق النجاح تلو النجاح وجعل الماضي طي النسيان فلم يعد يفكر بغير التميز يريد معانقة الشمس ومصافحة النجوم يرى الصعاب فيزدريها ويواجه العقبات فلا تزيده العقبات إلا إصرارا ويتربص له الحاقدون ويفر من النكبة بعد النكبة فلا تزيده النكبات إلا شجاعة وثابت ويمر في أحنك وأصعب الظروف فيخرج منها منتصرا والظروف تجر أذيال الخيبة ......

يقاتل من أجل الحرية وأعداء الحرية لا يعرفون الرحمة يرونه مجرمـًا يستحق العذاب ويراهم مساكين يستحقون النصح والإرشاد يقاتلهم بالكلمة ويقاتلونه بالسيف يأتون من الخلف ويأتي وجهــًا لوجه وهم على كثرتهم يقاتلونه وحيدًا .......

لم يتبقى له من أمنياته القديمة إلا أمنية واحدة إن تحققت فكل أتعاب حياته ستزول وسينقلب الشقاء إلى راحة ليس بعدها تعب أو نصب وسيصير أسعد رجال العالم بعد أن كان أتعسهم على الإطلاق أما الأمنية فهي أن يتزوج الفتاة التي أحبها قلبه بعد أن رأها في طفولته وفي مراهقته وهي نفسها التي كان يخفق قلبه من أجلها وهي نفسها التي رأى فيها الادب والجمال فكتب من أجلها القصائد والاشعار حتى صارت ملهمته أراد أن تحقيق أمنيته فأرسل إليها يخطبها فلم تقدر الحب ولم تقدر الكفاح ولم تعترف بسنوات النضال التي عاشها ورأته غريب والغرباء لا يحق لهم ما يحق لغيرهم .

تجددت ثورة الحزن في داخله ورأى العالم ليس به غير الحزن والسواد واكتئب من كل شيء وصار للتشاؤم أقرب ما يكون يرى الوردة فيبكي ويسمع زغردة الطيور فيحزن ويضج ويثور إن تكلم الناس أمامه عن العدل فلم يعد كما كان من قبل .


قرر أن يهاجر من الوطن الذي عاش فيه الطفولة والمراهقة وأيام الشباب والعنفوان إلى وطن ليس به إلا الغموض المبهم والمستقبل المجهول قرر أن يترك الذكريات بكل ما فيها من ألم وأمل ويرحل وحيدًا كما عاش وتذكر أنه سيفارق أمه التي يحبها حتى الجنون وأنه سيترك أباه الذي أنهكته الأيام وأوجعت قلبه أحداث الزمن وأنه سيرحل من غربة الوطن إلى غربة الوطن والناس وإن كان له في هذه الأرض أسرة تحبه وتغمره بالحب والحنان فإنه ذاهب إلى أرض لا يجد بها أهل ولا يعرف بها أصدقاء ليس فيها إلا التعب والشقاء .

هاجر من بلده الذي تنكر له إلى بلد رأى فيه مكانة الإنسان وقيمة الذات ورأى أنه يشع حضارة ورقي وازدهار وهناك أختنقت الكلمات في داخله من جديد وهاجت الذكريات دفعة واحدة فلم يجد من البكاء مفر وتذكر أن البقاء في الوطن خير من الهجرة ولو كان بها من المغريات والمزايا ما بها هناك تعرف على كثير من الغرباء فوجد من بينهم الطيب ووجد من بينهم المخادع ولم تتوقف عجلة المعاناة بل ظلة تدور وهو يدور معها فلم يكن يتصور الغربة إلا حل لما كان يمر به من ضيق العيش ورأى أنها خلاصه من كل هم وغم فعلم بعد فوات الأوان أنها جريمة لا تغتفر .

وأثناء غربته ماتت أمه فبكى عليها حتى ابيضت عيناه من الحزن وحاول أن يلقي عليها نظرة الوداع فلم يسعفه الحظ وعاد من الغربة خال الوفاض وقرر أن يناضل من أجل الحرية ولو كان ما كان فلم تمر إلا أيام قلائل حتى انتقل إلى رحمة الله .

فيارب ارحم كل من ناضل من أجل الحرية ومن أجل السلام ومن أجل الحب ويا رب لا تجعلنا نعيش مقيدين ولو كان القيد من ذهب أو فضة واجعلنا أحرار .