آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 15 من 28

الموضوع: تجــــاعيـــــد ؛؛

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    عضو متميز الصورة الرمزية المنصوري
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    758
    قوة التمثيل
    264

    تجــــاعيـــــد ؛؛

    تجــــاعيــــد

    المنصوري

    [rams]http://songs.njom.net/music/classic/ram/27.ram[/rams]


    ما زال ذلك الكرسي المركون على طرف الشاطئ يمثـل لغز غريب لدي، اعتدت على أن اشاهده وبشكل يومي وهو جالس على الكرسي، يتحرك جسده مع كل شهيق وزفير له، وكم لاحظت أن الزفير يهز ذلك الجسد الضعيف بشكل أكثر من الشهيق، فضولٌ جاس جسدي، من يكون هذا الشخص، اعتدت على الذهاب لذلك المكان عندما اشعر بضيق الدنيا ولأفرّغ كل ما لدي من هموم وازيح متاعب الدنيا وارقها، اعتاد على الذهاب مشياً عند غروب الشمس عائداً من حيث أتى، قررت وفي يومٍ من الأيام أن اقترب وكانت السماء ملبدة بالغيوم رغم أننا في فصل الصيف، اقتربت وشاهدت رجلاً بائساً تجمعت أجزاء جسده وكأننا في فصل الشتـاء من شدة البرودة، هممت بالجلوس على الأرض أمامه، كأنه لم يلمحني، سلمت عليه وتقديراً لعمره والذي يترائا لي يتجاوز السبعون قبلته على رأسه، احس بوجودي وبادرني بالحديث وقال: اشتقت لمثل هذه القبلة.
    انتابني شعورٌ غريب بأن الرجل يعرفني، قلت له بأنني دائماً ما اراه جالساً على هذا المقعد الخشبي والذي يكسوه الغبار، حدثني قائلاً وكأنه كان ينتظر أي مخلوق ليبوح له بما يجول في خاطره: كانوا صغار، وعندما كبروا القوا بنـا كما تلقى النفايات لسلة المهملات وكأن مهمتنا قد انتهت. أولادي فلذات كبدي امضيت عمري باحثاً لهم عن حياة سعيدة، ظننت أن سعادتهم ستكون بتلك الأموال التي جمعتها. كنت أقضي معظم وقتي في العمل، لا اعود إلا آخر النهار. صمت واخذ ينظر إلى الحمرة التي تكسو الشاطئ، أخذت انظر إلى تجاعيد جسده، وإلى ثيابه البالية، وعمامته المكسّرة. نظر إلي من جديد وقال: إن أكبر خطأ ارتكبته في حياتي أن طلقت زوجتي الأولى، وهجرتها، تركت لي أبناءً ثلاثة لا اعلم عنهم شيئاً، وتزوجت من امرأة تصغرني عمراً وتفوقني جمالاً، امراة من بلدٍ عربي آخر. لم اقسوا عليهم ابداً، عندما كبروا قسوا علي وبشدة، أحياناً كنت اُحبس في الغرفة لمدة يوم وخاصة إذا أقاموا مائدة غداء لأصدقائهم، كانوا يحترمونني بشدة إلى أن اعطيتهم كل أموالي. لا اكترث بهذه الأموال، كل ما اريده أن ترجع لي أسرتي الأولى. بالفعل اشتقت إليهـم. سألته عن تلك الخطوط الزرقاء في يده المجعدة، قال لي بأن عقوق أولاده وصل إلى الضرب. لا اعلم ما الذي حدث، ابتل حظني، لم اعلم ما سبب ذلك البلل، أهي امطار السحابة أم دموعي التي ملأت حظني. رأيته يذهب مع حلول الظلام. تذكرت الحال الذي اعيشه، فأنا ورغم تجاوزي العشرين ربيعاً إلا أنني لم اشاهد أبي الذي تركنا وانا في بطن أمي، علامات التعجب والاستفهام بدت تُرسم على جبهتي، هل الجميع فعلاً مثلي. تذكرت عندما طلبت إدارة المدرسة أن يحضر أبي، فقد كنت من المتفوقين في الدارسة، في تلك السنة وحين كنت في السنة الأخيرة من دراستي. حضر جميع أولياء الأمور إلا أبي فقد كان مقعدة فارغاً، اعتقد جميع الحضور وجميع من كان خلف شاشة التلفاز حيث أن الحفل قد نُقل على الهواء مباشرة أن دموعي كانت دموع فرح، لم يعلموا بحرقة فؤادي، وبشعوري (اليتيم ) في تلك اللحظـة، فقد كانت دموعي بسبب ذلك الكرسي الفارغ من أبي. حاولت أمي بشتى الطرق أن تسد مكان والدي. يقولون بأن الأب هو أفضل صديق للولد، كم تمنيت ذلك الصديق. لم اشعربالوقت إلا عند وصول عقارب الساعه إلى الثانية عشر في منتصف الليل.
    ما زالت الصورة عالقة في مخيلتي، وهذا ما دفعني للذهاب يومياً لذلك المكان لألقى ذلك الجسد المجعـّــد، لم أره طيلة الشهور الثلاثة الأولى وصورته مطبوعة في قلبي، ربما لأن حالته شبيه لحالتي، فأبي قد هجرنا من أجل تلك العربية الصغيرة. تصفحت يوماً تلك الجريدة التي اعتدت على أن اتصفحها في الصباح الباكر. شدتني تلك الصورة والتي تشابه صورة الرجل الكبير في السن والذي هجر الشاطئ لمدة ثلاث شهور ومعها هجرني لأني اعتدت عليه. أسفل تلك الصورة كان الخبر باللون الأسود. إنه نعـــت!! عندما قرأت ذلك النعت، علمت بأن الرجل صاحب التجاعيد ليس إلا أبي الذي هجرنا.

    المعذرة

    أخوكم
    المنصوري
    التعديل الأخير تم بواسطة الحاضر الغايب ; 18-06-07 || الساعة 05:36 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •