الأخيـــره

كنا نحتسي الشاي مساءً أنا وهي ..كنت أعلم انها مهما تظاهرت بالفطنة و الذكاء ..تبقى في النهاية إمرأه .. أضعف من أن تحفظ سراً .. تسللت بين كوب الشاي و شفاهها و سرقت منها الكلمات ..دخلت بفضول لعالمه .. عرفت أنه رغم عذب كلماته ورسائله التي كان يكتبها لي فقد حرمه الله منذ ولادته من نعمة الكلام و السمع .. يتواصل مع العالم من حوله إما بالكتابة أو بالإشارة . و هو رغم أنه شرف لكل من يعرفه و يصادقه فهو لقيط لأم أجنبية .. يرشف الأمرين كل يوم في مجتمع يتباهى بحسبه ونسبه .. و لا أم و لا أب يبالي.

وهو رغم أنه يعيش في كنف احدى العائلات الميسورة جداً، التي تكفلت به وبتعليمه و تأهيله لدى أفخم معاهد التأهيل العالميه منذ كان طفلاً إلا انه يعاني من عقدة اليد السفلى . و هو رغم أنه يحمل جواز سفر و بطاقة هوية .. يعيش غربة قاتلة حيث ينتمي للا مكان ...

وفي المطار جاءت صديقته تودعني و في عينيها نظرة عتاب ،، وبين مسافات صمتها سمعتها توبخني .. لماذا غررت بي ! .. لماذا سرقت سره من بين شفاهي وانا لا أدري ...لماذا أوهمتني أنك على علم بكل تفاصيل حياته..حتى تشبعي فضولك وحسب ؟؟

حاولت التبرير لها بأن إعاقته و ظروفه و ملابسات حياته لن يغير من واقع صداقتنا شيئاً .. حاولت إخبارها أن بإمكاني الآن مساعدته في الكثير من الأمور.. تبسمت وقالت ..لا بأس .. لكنك الآن من يحتاج للمساعده كي تنسيه و تعتادي الحياة بدونه .. لا تبحثي عنه .. فلن تجديه بعد اليوم ..
وهكذا و أخيراً ! !

كتلك القطة .. أدخلت رأسي بفضول إلى عالمه المحرم و انتهكت بمكر تلك العجوز و فضولها جميع خطوطه الحمراء ... فخسرته .. وللأبد .. وبعد أعوام من البحث والإنتظار .. لا أزال أمر على صندق البريد الإلكتروني من يوم لآخر .. أدخل يداي فيه فلا أمسك غير الغبار المتراكم في جميع الزوايا.. وبقايا ندم ..

انتهت .