بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في ذاك المكان ..
حيثُ يُسمع للأحزانِ آهاتٌ ونحيب..
جدرانٌ كئيبة بكآبةِ أصحابها ..
تحكي الدموع عن مآسِيها : كُنّا وكنّا..
وهكذا اليوم أصبحنا..
نهاية الحكايات واحدة..
دأبها دأب الحاضرِ الواحد..
والتجاعيد
والأحزان
والآمال التي تُداعِب مخيلة ذاك الذي شابَ رأسه..
لِتَزرع على ثغرهِ بسمةً تُزيحُ للحظاتٍ هَمّ الواقع الأليم..
تتهافت إلى مسامعه أصواتُ خُطى..
ينظرُ إلى الباب..
بِكل لهفة
بكل شوقٍ
بكل أملٍ
وبِكُلِّ ما للحزنِ من معنى ..
يُطيلُ النظر..
يُراقب ويتَرقب
من يا تُرى قادم..؟
تتراءى له صور أُناسٍ لم يحضروا بعد..
ويَسمع كلماتٍ لم ترى النورَ بعد..
والفرح بدأ يَشق خُطاه على تجاعيد ذاك الكهل..
وتُلِحُ تلك الصور على السؤال أن تكونَ هي إجابتها..
وذاك الكهلُ الذي رُسمت على وجهه قسوة الزّمنِ..
ما زال يُراقِبُ الباب
ويترقّب
وفي عقلهِ
ما زال السؤال
يُصاحبه الأمل..
( أهُم أعزائي..
أحبائي
أبنائي
فلَذاتِ كبدي
بهجة فؤادي الذي غدى مِن فراقهم معلول..؟)
والذكريات تجرِفهُ لِسنينِ قد خَلَت..
يُغادِر بعقلِه إلى تِلكَ اللحظات..
لِيعيشها بدقتِها..
وحلوها
ومرها
وتِكرارها
فقد عاشها في مخيلته آلافَ المرات..
وتتعالى أصواتُ الخطى..
مُعلِنَة قُربِها..
ركّز الكَهلُ النظر في الباب بشكلٍ أكبر..
وهو يُراقِب
ويترقّب
تتسارع دقاتِ قلبه..
ويكتمُ أنفاسَه..
أيا تُرى هم ؟!
أيا تُرى هم ؟!
فُتِحَ الباب بِكلِّ هدوء..:
( كيف حالك اليوم ؟ )
..
ألم
انكسار
..
القهر أخرسَ لِسان الكهل..
والحزنُ قوّسَ شفتيه..
انسابَت دمعةٌ حارِقة..
لِتحفر على وجهِ الكهل..
المزيدَ من الآلام..
والمزيدَ مِن..
خيبات الآمال..
نظرَ الكهل إلى الباب لِبرهةٍ..
ثم سحبَ بصره بخيبةٍ إلى وجهِ زائِره..
ابتسمَ بِحزن..:
(الحمد لله يا دكتور.. الحمد لله)..
ومن ثم
وبأسى.. عهِدَه..
كلما سمِع وقع خُطى..
أطرقِ رأسه حُزنًا.. وألما..
والدموعُ في محجريه تتلألئ..
يغمِض عينيه بِقوةٍ عليها..
وحروفٌ على طَرفِ اللسانِ تموت..
( أبنائي.. مِني وفيني
أنا سمّيتُهم .. وأهديتُهم تعبي
ربّيتهم بِلا كَللٍ ولا مللِ
أفرحُ لِفَرحهم
وإن حزنوا
فحزني أشد من حزنهم
بروحي أفديهم
وإن ضاقت عليهم الدنيا بِما رَحُبت
فحضني لهم الملجأُ الحاني
كَبروا وكبرتُ معهم
اشتدّ عودَهم .. فوهنَ عظمي
أتى عليّ الدهرُ فضعُفَ جسدي
انشغلَ عني أبنائي بِملهياتِ الدنيا
فانشغلتُ بِانشغالهم عني
لم يلبثوا طويلاً حتى عَزموا على رَميي
ودفنوني في غربةٍ وأنا بعدُ لم أمتِ
قابلوا إحساني بإسائتهم
أبكيهم، وأُعايش طيفهم
لعلي أُصبّر على فراقهم نفسي
نَسوني.. نَسوني
فأينَ هم عني )
.
.
وتمر الأيام..
.
.
والكهل ما زال ينظر إلى الباب..
يُراقِب
ويترقب
أيا تُرى هم.. أيا تُرى هم..؟
[media]http://www.mr-sa.com/enshad/ram/3.ram[/media]
مواقع النشر (المفضلة)