<font color='#000000'>الفصل السادس:
قرر محمد الكعبي يزور حصة وبنتها يوم الجمعة عقب الغدا، الغدا اللي يمكن ما كل منه إلا لقمتين.. وطول ما هو يسوق سيارته النيسان، كان يفكر بمريم. ولما بركن سيارته عند باب الحوي ونزل، دمعت عينه.. مسح محمد عينه بطرف غترته بسرعة .. وفي هاللحظة، حس انه مضيّع.. أي يوم هذا؟؟ ما يعرف.. شو اللي بيستفيد منه في زيارته هاذي؟ .. بعد ما يعرف.
المعروف عن محمد الكعبي انه ريال ذكي ومنطقي ويقدر يحول الأدلة والمعلومات لعقوبات وأحكام.. وخلال السنين اللي اشتغل فيها، حكم في مئات القضايا.. طلاق/ خلع/ ورث/ سرقات/ جرايم قتل.. وكان دايما يحكم بالعدل.. بس في هاللحظة، وهو واقف جدام بيت مريم.. كل شي تحول للغز. بس لما لاحظ انه في حد يالس يلوّح له من دريشة الصالة ولاحظ إنها سارة بنت حصة، تذكر أخيراً ليش قرر ايي هني.. حصة تترياه عشان يقررون شو بيسوون في البيت وبيزات وأغراض عمتها مريم.
"ماماه، القاضي الشيبة وصل" نادت سارة على أمها.
من الصبح وسارة ما سوّت شي غير إنها يالسة جدام الدريشة تطالع الحوش. الفجيرة في نظرها مدينة أموات. من يوم قامت من الرقاد وهي تساعد أمها في ترتيب ثياب ومجوهرات مريم في صناديق عشان يكونون جاهزين لما إيي القاضي. وسارة خاطرها تاخذ من المجوهرات، بس خايفة أمها تذبحها. وحاولت تتصل بربيعتها خلود ثلاث مرات، بس الخط دايماً مشغول..
"مصّختيها والله!!" كانت ناوية تقول لخلود. هذا إذا بندت خلود التيلفون في يوم من الأيام. بتقول لها: "الفجيرة أشد عن جهنم.. هاذي جهنم X2.. "
"القاضي شايل في إيده شنطة." قالت سارة لأمها اللي كانت تسوي قهوة في المطبخ.
كان الكعبي متردد يدش ولا لأ.. لأنه وصل عند الباب وحس بنغزة قوية في قلبه ورجع خطوة لَوَرا..
"هذا يالس يلعب!! مب صاحي." قالت سارة.
"عيب!!.. لا تقولين جذي عن عمج محمد." ردت عليها حصة وهي شايلة دلة القهوة والفنايين ويت توقف ويا سارة عند الدريشة ولوّحت بإيدها للقاضي اللي ابتسم لها ودش من باب الحوي..
"باين انه كان يجنن يوم كان شباب." قالت سارة.
ضحكت حصة وقالت: "الناس جمالهم مب بأشكالهم.. بأفعالهم، فديت روحج." وفكرت حصة ان محمد الكعبي فعلاً وايد وسيم. "بس هالشي مب مهم.. لأن عمره فوق السبعين."
"بس أنا متأكدة انه كان يجنن.." قالت سارة. "لأنه وهو متكسر وشيبة شكله أوكى."
في هاللحظة دش الكعبي الصالة وقال: "الجو اليوم وايد حلو.. خسارة إنا بنظيعه في شغل يعوّر القلب."
لما شاف القاضي كل الصناديق اللي مجمعة في الصالة استغرب، وقالت له حصة: "أنا حطيت أغراض عموتي كلها هني.. عشان أشيلهم وياية بوظبي."
"أها!!" يلس الكعبي وصبت له حصة فنيان قهوة.
"عموتي طلعت محتفظة بكل شي!!" قالت حصة وطلّعت من واحد من الصناديق ربطة زرقة. "فديتها.. لين ألحين محتفظة بربطة شعري من أيام الابتدائي وبكل ثياب سعيد."
"سعيد" قال الكعبي بحزن وهز راسه "هالإنسان دمّر حياته بإيده."
سارة، اللي كانت تطالع برى الدريشة وتاكل برينجلز، قامت من مكانها لما سمعت هالجملة ويَت تقعد وياهم.
"كيف دمر حياته؟" سألت سارة الكعبي "انتحر؟ جتل حد؟"
"سارونا!!!" عصبت حصة من بنتها وقالت للكعبي "سارة عمرها ما شافت عمها.. شو رايك؟ أوديها تزوره؟؟"
"ما راح يبطل لج الباب." رد الكعبي عليها و بكل بساطة غير الموضوع "لين متى بتمون هني؟؟"
اقتربت سارة أكثر عشان تسمع الإجابة. حياتها كلها متعلقة بها الإجابة.
" أسبوع بالكثير." قالت حصة "لأنه لازم أخلص أشغال وايده.. وبطرّش نص الأغراض في ال DHL.. السيارة ما تكفي كل هالصناديق. ولازم أتبرع بشوية أغراض، تخيل إني حصلت كل القمصان اللي لبستهم من يوم كنت في الروضة لين طلعت من البيت في صناديق في الملحق."
"المفروض كان خالد إيي وياج." قال الكعبي فجأة.
"لا يا عمي." قالت حصة وصبت له فنيان قهوة ثاني. في شي خلاّ ويهها يحمرّ لما ياب الكعبي طاري ريلها. كأنها يالسة تخونه وهي هني وتفكر بسالم وتتذكره.. "خالد عنده شغله في الجامعة، مستحيل يودر محاضراته، وخاصة انه امتحانات المنتصف قربت."
"مب مهم اش كثر خالد مشغول." قال الكعبي "المفروض ما يخليج هني بروحج."
نزّلت سارة البرينجلز من إيدها.. الكعبي هذا وايد فنان وتبا تركز على كل كلمة يقولها.
"تفضل ذوق الكيك." قالت حصة للكعبي عشان تغير الموضوع.
لما كل الكعبي الكيكة وخلص، سألهم.. "وين القطوة؟"
طالعت سارة أمها باستغراب.
"أستغفر الله!!" قال الكعبي بحزن "وين سارت القطوة؟" وقبل لا يخلص جملته، قام ومشي لين باب الصالة ولحقته سارة وحصة.
"عمتج مريم كانت تربي قطوة من سنتين." قال الكعبي وهو يدوّر مفاتيح سيارته "قطوة شيرازية."
"قطوة شيرازية؟؟" استغربت حصة من هالشي.
"هيه" قال الكعبي بعصبية "شو؟ ما شفتيها؟"
"لا.." ردت عليه حصة "من يوم وصلنا لين ألحين ما شفنا قطوة هني"
على طول تغير ويه الكعبي وحست حصة بالخوف والذنب لأنها ما تعرف مكان القطوة .. خصوصاً لما طلع الكعبي من دون ما يقول ولا كلمة.
"أنا أقول القطوة ماتت والسبب نحن" قالت سارة بحزن، وطالعت أمها بنظرة خلتها تحس ان الغلطة غلطتها هي، وعشان جذي لبست عباتها وقالت لبنتها "دوري القطوة في الحوش.. أنا بسير ويا عمي محمد"
طلعت حصة وشافت الكعبي يشغل سيارته، ولما ركبت وياه، ابتسم لها وفتح الجامات، وبدا يسوق شوي شوي.. ويطالع برا.. يمكن يلمح القطوة. وحست حصة بالذنب لأنها كانت تفكر بأشيا تافهة مثل سالم وما انتبهت لقطوة عمتها اللي اكيد كانت غالية عليها.. وعقب ما دوروا في كل مكان من دون فايدة، قال الكعبي "أنا أعرف وين أحصلها.."
طلعوا من الفجيرة ومروا حذال مزرعة في وسطها بيت جديم.
"منو يصدق إنه سعيد ساكن هني!" قال الكعبي وهز راسه بحسرة.
"ساعات أنسى انه عندي أخو." اعترفت حصة.
"المفروض ما تنسين." قال الكعبي. "المفروض تزورينه.. هذا أخوج يا حصة.. لا تخلينه يعيش من صدقات الناس.. عمتج مريم الله يرحمها كانت كل اسبوع تمر عليه وتودي له الأكل وتنظف له البيت."
"غريبة! عموتي عمرها ما خبرتني.."
حست حصة بالدموع تتجمع في عينها.. من 19 سنة وهي تلوم سعيد على فراقها عن سالم .. سعيد هو اللي طرده من البيت بحقارته وغيرته.. وألحين تسأل حصة عمرها إذا كانت هي نفسها السبب في ابتعاد سالم.. ومعقولة اتّم حاقدة على أخوها هالكثر؟
" المهم" قالت حصة. "عموه توفت وسعيد يقدر يبيع البيت والمزرعة ويعيّش عمره قي راحة. أحسن شي سواه سعيد هو انه خلى عموه مريم تسكن في البيت وما باعه."
"مب هو اللي خلاها تقعد في البيت" رد عليها الكعبي. "سالم هو اللي أصر انها اتم هناك."
انصدمت حصة وطالعت القاضي بحيرة.
"سعيد باع البيت والمزرعة عقب وفاة نعيمة على طول.. كان محتاج البيزات عشان يشتري هالسم اللي يشربه وناس عرضوا عليه يبيع البيت بسعر معقول.. والصدمة كانت ان هالناس من طرف سالم. أنا كنت ياي أخبرج اليوم، كل أغراض مريم من حقج تاخذينهم ، بس البيت بيت سالم."
اتنهد الكعبي.. من يوم ما شاف سالم وهو يكرهه، مب عشان حقارته ولا وقاحته. لكن سالم دايماً يلوم غيره على كل المصايب اللي استوت له.. ولو فكر شوي وكان صادق مع نفسه، بيعرف انه هو نفسه المذنب الرئيسي، بس سالم مستحيل يتحمل مسئولية أفعاله، وفي النهاية.. فكر الكعبي.. سالم هو اللي بيدمر نفسه بإيده..
"في النهاية.. حصّل سالم كل اللي يتمناه." قال الكعبي.
"شفت عاد؟" قالت حصة
"يالله!! ان شالله بس ما يكون يطمع في شي ثاني." قال الكعبي.
وقّف القاضي سيارته وطلع يدوّر على القطوة، ونزلت وراه حصة وهي دايخة. الماضي اللي حاولت تشرد منه سنين وتتحاشاه .. لقت عمرها عايشة في وسطه بكل عنفه.. أخوها سعيد بيته جدامها.. وسالم مزرعته ورا هالجبل.. سالم صاحب البيت اللي تربت فيه واللي ساكنة فيه حالياً.. صاحب كل شي حواليها.. والغريبه انه كان فقير وتافه جداً أول ما وصل بيتهم لدرجة انه ما كان يعرف انه ما له داعي يوقف عند باب المطبخ مثل الكلب يتريا العشا يزهب عشان يتعشى ..
"سير ايلس في الصالة" تذكرت حصة عمتها مريم وهي ترمسه، وسار يقعد في الصالة من دون كلمة وهو يطالع العشا وكأنه مب مصدق انه هالأكل فعلاً موجود جدامه.
"ما لقيتها." قال الكعبي.
في طريقهم للبيت، كانت حصة في عالمها الخاص.. ساكته وتفكر بكل اللي صار لها، والكعبي مثلها.. تعمّد ما يمر صوب المقبرة.. منو يصدق انه أمس كان هناك يدفن مريم؟ منو يصدق انه الموت يقضي على كل شي في لحظة من دون ما حد يتوقعه؟! وحس فجأة بألم حاد في صدره.. تعلم مع الوقت انه يتجاهله..
"ودني صوب المقبرة" قالت حصة فجأة.. وفعلاً تفاجأ الكعبي منها.. لما كانت صغيرة، كان الكعبي يفكر انها دلوعة وما منها فايدة وإن أبوها بيخرّبها بتدليعه الزايد لها.. بس حصة فاجئت الكل.. وأكيد في سبب يخليها تزور قبر مريم الليلة..
هز الكعبي راسه ودش وياها المقبرة.. ولما اقتربوا من القبر حست حصة بجسمها كله يرتجف.
"إنتِ تعرفين انه مكروه النساء يزورون المقابر." قال لها القاضي.
"ما أدري" ردت عليه. "أحس اني لازم أزور قبرها اليوم."
اشتدت الريح أكثر وبدت أوراق الشجر تطيح حواليهم.. وتساءلت حصة، ليش الدنيا جذي؟ معقوله انها في لحظة كانت طفلة، كل همها لعبها، وفي لحظة تلاقي عمرها حرمة في وسط مقبرة في هالليل البارد؟ رجوعها هني خلاها محتارة.. وكل اللي تشوفه حواليها ظلال وأشباح من الماضي..
وعشان جذي لما حست انها شافت شي يتحرك حذال قبر عمتها مريم اتأكدت انها تتوهم.. غمضت حصة عيونها.. أكيد أنا دايخة، قالت في خاطرها، بس لما فتحت عينها مرة ثانية تأكدت انه في شي واقف هناك. وفي نفس اللحظة حست بضغط على صدرها، وكأن حد حط إيده على قلبها ومنعه من انه يدق.. في هاللحظة، صدقت حصة كل اللي سمعته عن الجن، بس لما ركزت أكثر، اكتشفت انه اللي تشوفه مب خيال أو ضباب.. اللي جدامها حيوان راقد.. مخلوق وصخ مغطتنه الأوراق..
حطت حصة إيدها على كتف الكعبي وقالت "القطوة.. شوفها هناك." وصفرت حصة للقطوة وصفقت بإيدها.
يلست القطوة وهزت إذنها.. وصخة وايد هالقطوة ووايد صغيرة، وفروها صار كله طين رمادي اللون، أكيد المسكينة تريت هني وايد .. وأكيد مب ماكلة شي من يومين.. بس الغريبة انها مب راضية تتزحزح من مكانها.. ولما اقتربت حصة منها، طلّعت القطوة أنيابها بعصبية.. وقفت حصة مكانها وهي مصدومة من عمق مشاعر هالمخلوق الصغير.
"ما عليج منها." اقترب الكعبي من حصة ونادى القطوة. "جوهرة.."
لما سمعت صوته.. نطت القطوة وركضت له، ورغم انها وصخة وايد، بس القاضي شالها في حضنه.
" شو تسوين هني؟." قال الكعبي للقطوة.
كان ذيل القطوة يتحرك ويرتجف، واضح انها وايد مستانسة لأنه شايلها، ولما تثاوبت، طلّعت صوت مبحوح. أكيد من التعب وقلة الأكل.
واللي توقعته حصة هو إن القطوة تبعت جنازة صاحبتها من أول ما طلعت من البيت..
هالمخلوق الصغير مب متردد أبداً بخصوص اللي يباه.. بعكس الإنسان اللي يقدر يخبّي أعمق رغباته.. وعلى كل حال، الإنسان يقدر يخبي حبه.. الناس مستحيل يركضون ورا السيايير أو يقعدون عند الباب يتريون اللحظة اللي ينفتح فيها ويطل عليهم ويه الشخص اللي يحبونه.. الناس مب دايماً يعلنون حبهم ولا دايماً يوفون بوعودهم وعهودهم.. كل اللي يسوونه هو انهم يصيحون عليك يوم ترحل.. ويشتاقون لك في كل ليلة وكل لحظة تكون فيها السما صافية ودافية.. والأرض باردة تحت ريلهم..
في هالليلة ، بكى الكعبي بهدوء شديد لدرجة ان حصة ما لاحظت في البداية .. لأنه كان مخبي ويهه بفرو القطوة.. ولما سمعته حصة يشهق، عرفت انه كان يصيح ، وفي هاللحظة .. اكتشفت ان محمد الكعبي حب عمتها مريم.. كان يحبها من 35 سنة .. عمر بطوله كان يحبها.. حبها حب ما حبه حد غيره.. ورغم هذا، مب قادر يحزن عليها إلا في الظلام وهو بعيد عن الكل.. على الأقل، الكعبي يحق له يصيح على قبرها.. وعشان جذي ما تدخلت حصة وطنشت الموضوع.. وتمت واقفة حذاله بصمت، تحت السما السودة.. لين ما قام ووصلها البيت..
نهاية الفصل السادس..
شمس دبي <img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/wink.gif" border="0" valign="absmiddle" alt=':;):'></font>
مواقع النشر (المفضلة)