<font color='#000000'>الفصل الثالث:


تعود سالم يتمشى في مزرعته كل يوم عقب صلاة المغرب، ويتأكد إن محد من الخمارية اللي تعودوا يشربون عند المسبح راقد هناك. من سنين وهو يشتغل لحساب يوسف، وألحين صارت كل البيوت اللي في هالفريج بيوته، وكل شهر يحصل الآلاف من أجاراتها. إلا بيت واحد ما قدر يشتريه ولا فكر انه يدشه حتى، .. بيت المرحوم راشد الشامسي.

اقتنع سالم من زمان ان الماضي مستحيل يجرحك إلا إذا سمحت له إنت انه يجرحك. وإذا فكر الإنسان بالماضي وبكل أخطاءه والظلم اللي تعرض له راح يعيش طول عمره في حزن وعذاب. الماضي ماضي وما له داعي نفكر فيه. وبصراحة.. مرت على سالم أسابيع طويلة كان ينسى فيها الماضي تماماُ، لكن تمر عليه أيام مثل هاليوم ما يقدر يمنع نفسه من انه يفكر.. ويتذكر.. حصة.

سالم متأكد ان حصة الشامسي راح ترجع الفجيرة عشان العزا، ويمكن تكون وصلت وألحين يالسة في حجرتها في بيتهم الجديم. تنهد سالم و تظايج انه مب قادر ينساها. وحاول انه يفكر بشي ثاني.. بكل اللي حققه في هالسنوات اللي مرت عليه وهو بعيد عنها. بكل الملايين اللي عنده في البنك، بكل البيوت والمزارع والبنايات. هذا غير الفندق اللي فتحه في دبي واللي يربحه أكثر من مليونين في السنة.

الشهر الياي، بيكمل سالم أربعين سنة. وحاول يقنع نفسه انه راضي عن كل اللي حققه في حياته وانه مب محتاج لأي شي ثاني. منو كان يتوقع انه الصبيّ اللي طلع من الفجيرة وفي جيبه بس امية درهم بيملك كل هالملايين؟ لكن كل هذا مب كافي. لأن الشي الوحيد اللي كان يباه من كل قلبه مستحيل في يوم يكون حقه. وهذا اللي يطير النوم من عينه كل ليلة وهو يفكر فيها ويا واحد غيره.. حبيبته.. ويا خالد.

"كل اللي تفكر فيه ما منه فايدة" قال سالم لعمره وراح يطمن على حصان المرحوم ولده سعود. الحصان مريض من يوم ما اشتراه والدكتور البيطري قال انه لازم ما ياكل شي أبدا وما يشرب الا المياه المعدنية. بس سالم كان يعرف طريقة تعلمها في ند الشبا لما كان يشتغل هناك، وهي انه الحصان المريض يحطون له في خشمه شوية ملح وأكيد بيشفى.

محد يقدر ينكر أنه سالم ريال ذكي. وهو أغنى واحد في المنطقة الشرقية عقب يوسف. بس لما سالم كسب هالثروة، خسر حب الناس له. لما يروح مجلس الرياييل، يقومون له ويسلمون عليه.. بس هذا ما يمنع انه في الأخير يقعد بروحه ويتجاهله كل اللي حواليه. والسبب مب بخله- سالم عمره ما كان بخيل ودوم يتبرع للجمعيات الخيرية وعمره ما رد أي واحد طلب منه قرض أو مساعدة. البيزات اشترت احترام الناس له، لكنه كان يعرف زين انه الكل يكرهه ويرمس عنه.
لما كان يروح المقهى ويقعد ويا الشباب، محد كان يقدر يقول له كلمة لكنهم في داخلهم يتمنون لو انه يروّح ويودّرهم. شو فايدة قعدته وياهم وهو لا يرمس احد ولا احد يرمسه؟ حمزة الهندي اللي يشتغل في المقهى يقول انه سالم إيي المقهى ويقعد ويا الرياييل عناد فيهم. لأنه يعرف زين انهم يكرهونه ويعرف انهم يتظايجون من قعدته وياهم وعشان جذي يقعد وياهم.. عشان يحرق أعصابهم. وهالشي يمكن يكون صحيح. لكنه لما يودّرهم أخيرا ويطلع من المقهى، لازم يرمسون عنه وإذا كان فيهم واحد جريء يرفع صوته ويقول: "سيرة بلا ردة انشا الله."
الحريم.. ولا وحدة فيهم تكره سالم. بالعكس، لما يمر بسيارته في الشارع، تطالعه كل وحدة موجوده هناك. يمكن لأنه يكسر خاطرهن ويمكن لأنه وايد جذاب. سالم مسكين في نظرهن. ياحليله، مب كافي ان زوجته أصيلة ماتت.. ولده الوحيد بعد توفى السنة اللي طافت لأنه كان مريض بسرطان الدم. سعود كان مريض من يوم ما انولد. وتعذبت أصيلة المسكينة وهي تهتم فيه يوم عقب يوم. سالم انسان وحيد. محتاج لوحدة تحبه وتحترمه. وهذا اللي خلا أكثر من وحدة تييب رقم تيلفونه وتسوي علاقة وياه وأكثرهن متزوجات ورياييلهن يشتغلون في إمارة ثانية، ويمكن هذا اللي يزيد كره الرياييل له. وآخر إشاعة تقول انه الاسبوع اللي طاف كان مركب وحدة وياه وراح وياها فندق الريتز. سالم لما كبر صار أحلى بألف مرة من شكله لما كان صغير، وهذا سبب ثاني يخلي الحريم يموتون فيه. لما كان سالم عمره 20 سنه، كانت معجباته وايدات وكانن يحاولن وياه بس سالم كان يرفضهن كلهن عشان خاطر عيون حبه وحياته حصة.. والكل كان يعرف الحب اللي بين هالاثنين وكانت ربيعات حصة يغارن منها ، إلا أمل اللي من يومها وهي تكره سالم وتقول لحصة انها ما عندها سالفة لأنها تحب واحد زبالة شراته. المهم ان الفرصة يت عقب زواج حصة ووفاة أصيلة، وأكثر عن وحدة جربت حظها وياه، لكن الواضح انه قلبه كان خلاص انقفل .. لأنه ولا وحدة قدرت اتأثر عليه.

دش سالم المطبخ وخذ له شوية ملح عشان يروح يداوي الحصان. البيت اللي يسكنه سالم ألحين هو بيت آل الكندي اللي كانوا جيران قوم الشامسي. البيت صار حق سالم لما توفت زوجته أصيلة وورثته المزرعة والبيت والخيول. ومن يومها وسالم عمره ما صلح أي شي في هالبيت ولا فكّر يغيّر الأثاث أو يصبغ الجدران أو يعدّل أي شي. مب لأنه بخيل، لكنه يحب ويتلذذ انه يشوف البيت اللي سرق منه حصة يتهدم جدامه. قوم الكندي خذوا منه حصة. وهو راح ينتقم منهم بهالطريقة. الأثاث اللي اشتراه عبيد الكندي من سوريا كله انباع بأرخص ثمن واشترى سالم بداله أثاث عادي من أرخص محل أثاث. والحديقة اللي كانت أم أصيلة تهتم فيها وتاخذ منها كل وقتها، حرقها سالم أول ما تزوج أصيلة ولين ألحين تمت على حالتها. البيت صار خرابة والفيران صارت تسرح وتمرح في حجرة المرحومة أصيلة. الكلاب صاروا ياكلون من الصحون الفضية اللي اشترتهم أصيلة من لندن قبل لا تتزوج ، ومستحيل أي أحد يصدق ان هالصحون الوصخة المقرفة كلّفت أكثر من خمسة آلاف درهم وان أصيلة لما اشترتهم، لفّت كل صحن بمناديل قطن عشان لا يختربون قبل لا توصل البيت.

طلع سالم من المطبخ وسكر الباب وراه بحيل لدرجة انه الكلاب الثلاثة اللي كانوا راقدين نطوا في مكانهم من الخوف. ومشوا وراه كأنهم حاسين انه مزاجه معتفس. كلاب سالم مسببين رعب للناس في الفريج. ونباحهم في الليل يزعج الكل لكن محد يتجرأ يقول شي. وهالكلاب اللي يشبهون الثعالب متعودين على سالم ويعرفون متى يعتفس مزاجه ومتى يكون رايق. ويعرفون انه سالم لما يتمشى وياهم ويوقف فجأة ويغمض عينه ويتنهد، أحسن لهم يبتعدون عنه ولاّ راح ينظربون من الخاطر.

-------------------------

في السنة اللي ياب فيها راشد الشامسي سالم وياه الفجيرة، كان عند قوم الكندي أكثر من خمسين حصان وفرس في مزرعتهم. وكان سالم يكره الخيول ولازال يكرهها. لكنه يذكر انه حصة كانت تموت في الخيول. وكانت دايما تتكلم عن خيول قوم الكندي. لكن اللي كان عاجبها أكثر هو ثروتهم وبيتهم اللي يشبه القصر. أبو حصة كان محامي وراتبه كبير وكانت عنده مزرعة، لكن ديونه كانت وايدة ومصاريف سعيد ماكانت تنتهي وعقب وفاته خسر سعيد نص بيزاته في القمار. وماكانت حصة تقدر تشتري إلا نعال واحد في العيد، بعكس أصيلة الكندي اللي كانت تشتري خمس نعل كل عيد وهذا اللي كانت حصة تحلم فيه وتتمناه. ويمكن عشان جذي كانت حصة تحب الخيول، لأن الحصان الواحد سعره أكثر بمرتين عن اللي يحصله أبوها في سنة بطولها.


تذكر سالم مرة انه هو وحصة تسلقوا الجدار ونطوا في مزرعة قوم الكندي عشان تقدر حصة تعد الخيول اللي في الاسطبل. وكانت الريح هذاك اليوم حارة وقوية لدرجة ان حصة كانت تيوّد شعرها الطويل بإيديها الثنتين عشان لا يدش في حلجها وعينها. وكان قلب سالم ينغزه وكأن شي فظيع راح يستوي وان هالشي بيغير حياته للأبد. كانت خيول عبيد الكندي أصيلة وضخمة وشاركت في أكثر من سباق عالمي ولما كانت تركض، مستحيل أي سيارة تقدر تغلبها.
لما تزوج سالم أصيلة، باع كل الخيول اللي في المزرعة وألحين ما تم في الاسطبل إلا ثلاث خيول. فرس ولده المرحوم سعود واللي دومه مريض وراقد. والحصان اللي يركبه حمد وحصان المرحومة أصيلة "شاهين" اللي قتل اثنين من الفرسان اللي ركبوا عليه قبل لا يصدر قرار يمنعه من المشاركة في أي سباق. وسالم يكرههم كلهم، يكره كل الخيول، يكره الخيول الغبية اللي تخاف من السناجب وترفض تمشي في الماي، ويكره الخيول الذكية مثل "شاهين" أكثر وأكثر.
شاهين كان في الكابينة الأولى من الاسطبل وهذا هو بيته من أول يوم وصل فيه المزرعة. وشاهين هذا أجمل حصان شافه سالم في حياته، سواده مثل الليل وأضخم من كل الخيول اللي كانت في المزرعة.لو فكر سالم يبيعه كان ممكن يحصل عليه أكثر من مليون درهم. لكن سمعته خلته ما يسوى حتى ألف درهم. لأن ما في واحد عاقل ممكن يشتري حصان معروف عنه إنه قتل اثنين من فرسانه ورفس أكثر من أربع عمال وما يخلي احد يقترب منه أو يركبه. الشخص الوحيد اللي قدر يتفاهم مع شاهين كانت أصيلة، وأصيلة ماتت من زمان ومن يومها وهو مسبب رعب للكل، وكل اللي في مريشيد يتذكرون اليوم اللي شرد من المزرعة- نفس اليوم اللي توفت فيه أصيلة- ويذكرون ان السيارات وقفت في الشارع من الخوف لأنه كان يركض مثل المينون ..

وايد ناس يستغربون ليش ما باع سالم شاهين لين ألحين؟ ناس يقولون ان السبب هو ان محد راضي يشتريه، وناس يقولون لأنه ذكرى من أصيلة، بس الواقع غير جذي، سالم محتفظ بالحصان لأنه حقير مثله هو تماماُ. كل يوم يتواجه سالم وشاهين وكل يوم يكرهون بعض أكثر وأكثر. وأكثر من مرة حاول سالم يقتل الحصان برصاصة من مسدسه، لكن في شي كان يمنعه..

"مرحبا" قال سالم مثل عادته في كل مرة يدش فيها الاسطبل ويمر صوب شاهين. وشرات كل مرة ، طنش الحصان سالم ولا كأن حد مر جدامه. "حيوان حقير." قال سالم من القهر، حتى هالحصان الغبي يتكبر عليه. "ما أدري شو شايف عمرك."

في اليوم اللي نط هو وحصة المزرعة عشان يعدون الخيول، شافهم كريم الهندي اللي كان يصلح الطوي لما سمع كلب أصيلة ينبح بأعلى صوته. ويوم سار كريم الاسطبل لقاهم منخشين ورا واحد من الخيول.
قوم الكندي كانو ناس متكبرين وايد. ومحد من الفجيرة كان يدش بيتهم، وعبيد الكندي كان يموت ولا يخلي أحد منهم يدش مزرعته. حتى في المناسبات وحفلات أعياد الميلاد، كانو المعازيم كلهم من أهلهم في دبي وأبوظبي بس. ولا مرة عزموا جيرانهم أو الناس اللي يشتغلون وياهم.
كانت حصة وسالم متأكدين انهم بيتمشكلون إذا حد شافهم، بس حصة كان راسها يابس وكان لازم تعد الخيول. لين ألحين وسالم يتذكر صوت الريح هذاك اليوم.. يسمع هالصوت في أحلامه ويوم يتمشى في المزرعة بروحه. . يذكر سالم انه كان مستحيل يسمع اللي كانت حصة يالسة تقوله في هالجو، لكنه كان شايف انه تنورتها عالقة في مسمار كبير في الاسطبل. وكلب أصيلة تخبل وعظ إيد حصة قبل لا يظربه سالم على راسه بحصاه. بس عقب شو؟ كانت ايد حصة تنزف وايد.
" أنا في يتصل حق شرطة" قال كريم الهندي بصوت عالي عشان يسمعونه.
كانت حصة لابسة قميص أبيض واسع صار كله دم من إيدها، لكن اللي كان شاغل بالها ألحين انه سالم انسجن مرتين، مرة لأنه بيدعم وحدة عيوز بدراجته وراحت العيوز واشتكت عليه. ومرة لأن الدورية زخته هو وربعه سكرانين عند الكورنيش. وإذا انسجن هالمرة بعد بيروح فيها.
"إشرد" صرخت عليه حصة. "يالله.. إشرد."
بسبب خوفه من الشرطة، وظيجه من الريح.. طلع سالم من الاسطبل وشرد. ومن يومها وهو يفكر كل ليلة شو كان بيصير لو انهم زخوه؟ لو انه تم ويا حصة؟ شو كان بيصير لو هو وحصة قعدوا في البيت هذاك اليوم بدل لا يروحون مزرعة قوم الكندي؟ سالم خرّب مستقبله بإيده لما تخلى عن حصة هذاك اليوم.

في ناس.. يحسون باللحظة اللي يخسرون فيها كل شي. ولما يردون يفكرون باللي صار، كل شي يكون واضح جدامهم.. واللي ما يقدرون يفهمونه هو.. ليش ما قدروا يتفادون المصيبة من أساسها؟ ليش ما تم سالم ويا حصة؟ ليش شرد وودرها؟

عقب ما طلع سالم من المزرعة، وقف عند الشارع يتريا حصة اليوم بطوله، وخفت الريح عقب المغرب وسالم واقف مكانه والصداع اللي في راسه ذابحنه.. وحصة بعدها ما ردت وما طلعت من بيت الكندي إلا عقب الساعة عشر.
كانت شايلة في إيدها باقة ورد من حديقة أم أصيلة، وكانت حاظنة باقة الورد الجوري وهي تركض صوب سالم.. هذا اللي شافه سالم حتى قبل لا يشوف ويهها. الورود الحمر اللي كانت في إيدها.. وفجأة حس بالدموع تتجمع في عينه وكان ممكن هالدموع تطلع لو ما كانت حصة يالسة تخبره عن اللي شافته.. انقهر سالم وهو يسمع اش كثر خالد الكندي شاطر وذكي، واش كثر اخته أصيلة طيبة وحبوبة لدرجة انه عندها ثعلب تربيه في البيت وتأكله حليب وخبز وترقده عندها على فراشها من دون ما أمها تعرف.. ما كان له داعي سالم يسمع كل هالتفاصيل عشان يعرف شو صار.. النظرة اللي كانت على ويه حصة كانت كافية،
في يوم واحد.. وبسبب غباءه.. ضاعت منه حصة للأبد..

لما صار بيت الكندي حق سالم، حرق أشجار الورد الجوري كلها. لكنها ردت طلعت مرة ثانية، ومن يومين اتفاجئ لما طلع من البيت الصبح وشاف وردة جوري حمرة في الشجرة، وكأن هالشجرة تتحداه يقضي عليها.. والليلة، شال سالم الورد من باله وفكر بالانتقام. ما في شي أحلى من الانتقام.. اللي يجربه مرة، يدمن عليه على طول. ويبدا يجمع أعداءه كلهم ويفكر كيف ممكن ينتقم منهم ويحتفل بانتصاره لما تنجح خطته.
وأكبر انتقام حققه سالم كان لما انتقم من سعيدوخذ منه ولده الوحيد حمد. سالم ربى حمد من لما كان ياهل وعوّده انه يسمع كلامه ويطيعه في كل شي. وأحياناُ، يكون حمد وايد مفيد، بس اليوم باين انه رد يدفّش مرة ثانية.. لأنه المفروض يراقب حصان سعود عشان لا ينسدح لكن حضرته رقد عالكرسي الهزاز ونسى الحصان اللي –لما دش سالم الاسطبل- شافه منسدح على جنبه اليمين.. شوي وبيختنق.

"نوم العوافي&#33;" قال سالم.
تفاجئ حمد وعلى طول وقف وتعثر بالكرسي. حمد ضخم وطويل وهالشي دايم يزعجه لأنه يحس انه حجمه أكبر عن كل ربعه.. عيونه عسلية ، نفس عيون ابوه، ولون بشرته أبيض شاحب.. تماماُ مثل ابوه سعيد.
"أوييه&#33;&#33;&#33;" قال حمد. وعلى طول طالع سالم عشان يشوف ردة فعله وهو يدعي ربه انه ما يضربه.
"إنت حمار؟ ما تفهم؟" سأله سالم. "أوه.. نسيت انك واحد أهبل شرات أبوك الخمار&#33;&#33;"
"آسف." قال حمد وهو منزّل راسه وتأكد انه ما في فايدة من الاعتذار، لأنه في راي سالم، حمد طول عمره بيتم حمار. لكن بصراحة حمد كان متظايج من الصبح، ومن يوم ما عرف انه عمته مريم ماتت وهو مب قادر يشيلها من تفكيره. معقولة عمته ماتت؟ هالرحومة اللي كانت تلاعبه هو وسعود كل يوم.. كانت تطبخ لهم الغدا والعشا كل يوم عقب ما ماتت أصيلة. بس لما مات سعود، مرضت مريم وتمت في بيتها وتعوّد سالم وحمد ياكلون المعلبات وأكل المطاعم.

كل سنة في يوم ميلاد حمد، كانت مريم تسوي له كيكة كاكاو وتطرشها حقه ويا كريم الهندي، وحمد كان ياكلها كلها بروحه.. وهو بعد ما كان يقصر ويا عمته. كان كل يوم جمعة يمر عليها ويشوف إذا محتاجه شي أو إذا في شي خربان عندها في البيت ويصلحه.
قبل لا تموت بعشرة أيام، كان حمد عندها عشان يصلح لها الحنفية في المطبخ وحلف عليها ما تتصل بكريم الهندي.. ولما خلص، سوت له برياني دياي ويلست تتغدى وياه.

كانت مريم دوم تطبخ لسعيد وتودي له الأكل في البيت الخرابة اللي ساكن فيه. حتى عقب مرضها، كانت دايم تزوره وتغسل له ثيابه وشراشفه وتودّي له كل اللي يحتاجه.
هاذي كانت عادتها، تهتم بكل اللي حواليها اهتمام كامل، إلا من ناحية عواطفهم ومشاكلهم اللي أبداُ ما تتدخل فيها. وعمرها ما نصحت احد إلا إذا هالشخص بروحه طلب نصيحتها. وعمرها- مثلاً- ما قالت لحمد: "ليش ما تروح تزور أبوك في البيت الخرابة؟" مع انها فكرت بهالشي أكثر من ألف مرة بس عمرها ما قالته حق حمد. هذا قرار حمد ومحد يقدر يقرر عنه، لكنها كانت متأكده ان حمد لو ما راح وشاف ابوه وتعرّف عليه، بيتم طول عمره يحس بالذنب. وكانت مريم تكتفي انها تحظن حمد وتبوسه قبل لا يروح ويخليها في البيت اللي المفروض يكون بيته بروحها..

حمد أصلاُ ما كان يعرف ان مريم ماتت إلا اليوم الظهر. كان في الجمعية يشتري له أغراض لما سمع وحدة تقول انها بتسير عزا مريم الشامسي، وعلى طول حس ان عيونه بتحترق لكنه يوّد عمره عشان لا يصيح جدام الناس. ووقف مكانه عند الثلاجات لين ما خف الدوار شوي وعلى طول راح يحاسب وطلع.
والليلة، بدل لا يهتم بالحصان، كان قاعد يفكر بويه عموته مريم وهي تخبره انه سعود مات. كانت ليلة باردة والمطر من ثلاث أيام مب راضي يخف. وكان حمد توه راد من برى متجمد من البرد، وكانت مريم تترياه عند باب الصالة وأول ما دش، حطت إيدها على كتفه وقالت: "سعود راح." وقعد حمد وياها في الصالة وهي تصيح من الساعة تسع لين أذان الفجر.
وهذا هو السبب اللي خلاه ينسى شغله الليلة، طول هالسنين وهو يفكر: شو بيكون احساسه لو انه فقد شخص عزيز عليه. أمه، نعيمة، ماتت لما كان بعده ياهل وما يتذكر عنها أي شي. وأبوه كان دوم ميت بالنسبة له. وسعود مات وعمره 12 سنة لما حمد كان بعده ما يعرف شو يعني حزن.. واليوم، عرف شو معنى انه ما بيشوفها مرة ثانية وما بيسمع صوتها وهي تدعي له وما بيشوف ابتسماتها الحلوة.. اليوم بس.. حس بطعم الموت..

سحب سالم الحصان لين ما وقفه على ريوله، واحمرّ ويه حمد لأنه المفروض هو اللي يسوي هالشي. ويوم وقف الحصان ربطه سالم بالعمود ونفخ الملح في خشمه. الشي الوحيد المشترك بين سالم وولده سعود انه اثنيناتهم يكرهون الخيول.. سعود كانت عنده حساسية من الخيول وكل ما يقترب من حصانه، كان ويهه يتقشر. بس أصيلة كانت عنيدة وأصرت انه ولدها يكون فارس شراتها. وعقب وفاة سعود، يلس حمد يترجى سالم عشان لا يبيع الحصان لأنه ذكرى من سعود.

"آسف لأني غفلت عن الحصان." قال حمد. "آخر مرة."
"كله منك.. ولا انا من زمان بايع هالحصان ومفتك منه." صرخ سالم.
تنهد حمد وما عرف شو يقول. تعود حمد يصك حلجه وما يرد على سالم لأنه خلاص تعوّد على ظلمه. وسالم متعود على حمد وعارف زين انه دوم يسكت عن حقه ويتحمل كل الإهانات.
"عرفت ان مريم ماتت؟" سأله سالم.
هز حمد راسه من دون ما يقول شي لأنه يخاف يقول كلمة تزعل سالم وتخليه يضربه. طلعوا اثنينهم من الاسطبل. الليلة السما صافية والنجوم منورة الدنيا.
مريم الشامسي كانت وحدة الكل يحترمها، حتى سالم. كان يحترمها لأنها دوم في حالها وما يخصها في غيرها. وفي الوقت اللي كان سعيد وربعه يعذبونه، كانت مريم ترحمه وتهتم فيه. بس هذا مب معناته انه لازم يتقلب ويصيح عليها في العزا. الحرمة خلاص ماتت ومحد يقدر يغير هالشي. ليش يتعب نفسه ويسير العزا؟
"إذا تبا تسير العزا.. سير" قال سالم لولد أخوه حمد.
"إنشالله .." قال حمد ." يمكن أسير باجر."

إذا سالم فكر يسير العزا بيكون السبب حصة الشامسي. لكنه مب ساير.. بيترياها لين ما هي بروحها ترجع له. وهو عارف انها بترجع له.. متأكد من هالشي.. سالم حقق كل أحلامه وما تم غير حصة. في حياته ما حب غيرها ولا راح يحب غيرها. كان يفكر إنه من دونها مستحيل يقدر يعيش، وكان معاه حق.. حياته من دونها هالسنين كلها كانت فارغة، مالها معنى.. وألحين فرصته عشان يعيش وإذا طنشها، حصة بتركض وراه.. يمكن تصبر يوم أو يومين لكنها أكيد في النهاية بترجع له وبتترجاه يحبها مثل قبل وأكثر.

الليلة بيرقد في الصالة لأنه ما يطيق يرقد في حجرة النوم اللي رقد فيها ويا المرحومة أصيلة. والصبح لما الكل يروح العزا، ولما تلبس حصة ثيابها وتسحي شعرها الأسود الطويل.. بيسوي سالم اللي يسويه كل يوم. بيشرب قهوته وبيسير المكتب يخلص أشغاله مثل كل يوم .. وعقب المغرب، بيتمشى في مزرعته عشان يتأكد إنه محد نط ودش من دون ما حد يشوفه. وما بيوقف شغل لين ما ينهد حيله من التعب لأنه يعرف إنه إذا وقف وارتاح دقيقة وحدة راح يدمر كل اللي خطط له وبيروح يبوس ريولها عشان ترجع له..

نهاية الفصل الثالث

شمس دبي <img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/smile.gif" border="0" valign="absmiddle" alt=':)'></font>