عنـدمـا تسجـل أقـدارنـا ونحـن مازلنـا في أرحـام أمهاتنـا
فذلـك لا يعنـي سوى أن تلك الأقـدار آتيـة ، ستـأتي آجلا أم عاجـلا
آتيــة هي لا محـالة .. تفـاصيـل أحـداثها مكـتـوبة ، ودقائقها بثوانيهـا محسـوبة ..
قـد تكـون تلك الأقـدار حلـوة كشهـد العسـل
،
وقـد تكـون مـرة نحـاول أن نستسيغها بصعوبة .. من منطـلق أنها أقـدار ..
أقـدار نـرضـى بهـا في كلا الحـالتيـن ..
فنفـرح لحـلاوتهـا ، ونصبـر عند مرارتهـا
فلا مجـال لنـا بتغييـرهـا أبـدا ..
هـذا ما حـدث بالضبـط في ذلك اليـوم المشـؤوم ، عندمـا ساقتنـا أقـدارنـا لنلقـى قـدرنـا ونطبقـه على أرض الواقـع ، بعـد أن سجـل لنـا كحـدث يجب أن يحدث ويصيـر ..
في ذلك المسـاء ، مسـاء الجمعـة 31/3/2006 ، كـان اصـرار القـدر أقـوى من كل العـادات التي كنا نتبعهـا ، ففي يوم الجمعة يوم المنـزل ، لا خروج منـه إلا للضـرورة ، ولكـن في تلك الجمعـة أصرت والدتي على أن نخـرج لنـزهة بحـرية ، كيف لا تصـر وهي من وعـدت أبنـاء أخيهـا بهذه الرحلة ، وهاهو الوقـت حــان !
خـرجنـا من منـزلنـا ، إلى منـزل خالي الذي ما أن وقع قفـا السيـارة في ساحته إلا أقبل الأطفـال مسـرعين للـركـوب فيهـا ، فأسمع حمـد يقـول بعـد أن سلم بفـرحة ملحـوظة : ( عمـتـي ترانـا بنسـبـح ) ، فتـرد عليه أمي بـرحـابة صـدر موافقـة على طلبه ، فيتـوجـه الأطفـال لأخـذ ما يريدون لسباحتهم هذه ، حتى أختي التي لم تكن تعلم بأمـر السباحة هذا ، توجهت فور علمها لاستعـارة ملابس !
هنـا لم أجـد سـوى أن أحتـار :kkk: ، فمـا أراه غريـب جـدا ! لم يحـدث سابقـا !!
اكتفيـت بالصمـت كابتة معه غضبي على أختي وبعض تصـرفاتهـا الهمجيـة :nono:
واكتفت هي الأخرى بنـظـرة وخـزتنـي بهـا وكأنها تقـول لي " مـا لـج خـص "
توجهنـا إلى البحـر بعـد أن حـاولت الاقتنـاع بمـا يحـدث ، وفي طريقنـا إلى البحـر -الذي لم يبعـد سوى كليومتـرات قليلة عن منـزل خالي - كانت الفـرحة والبشـر تعمـان على الوجـوه ..
وصلنـا إلى المكـان الذي اختـرته بنفـسي ، فقـد كـان جميـلا ، الهـدوء يسكنـه بشكـل ينسـيـك ما حولك ، ونسيم البحـر الهـادئ يجبـرك على أن تقـول " آآآآآآه ما أجمــلــك يا بحــر " !!
انطلق الأطفـال السباحيـن إلى البحـر ، يلعبـون برمـاله وعلى أطراف شاطئه النظيـف ، وجلسنـا بالقـرب منهم على مرتفـع صخـري موجـود هنـاك ، وأعيننـا لم تغفـل لحظة عن الانتبـاه عليهم ، وتحذيـرات أمـي وزوجـة خالي لم تتـوقف لهم بألا يبتعـدوا كثيـرا عن الشـاطئ وهذا ما فعـلوه بالضبـط ..
بعـد فتـرة ليسـت بالطويلة من جلـوسي بالقـرب من أمي وزوجـة خالي وابنتهـا ، توجهـت إلى طـرف المرتفع الصخـري ، أريـد أن أتـأمـل البحـر عن القـرب ..
هكـذا أنـا .. أعـشـق البحـر ، أحـب لونـه الأزرق الهـادئ ، أحـب امتـداده الشـاسع
فهـو يوحي لي بالكثيـر الكثيـر ، هـدوءه وغمـوضه يسحـراننـي !
ولكــن ، لم أصل لطـرف المـرتفـع بعـد إلا وأنـا أرى مشهـد أنسـانـي من أكـون !
رأيـت ما حـذروا منـه مـرارا وتكـرارا !!
أخـتـي وابـن خـالـي يستنجـدان .. نعـم إنهمـا يغـرقـان !
هذا ما رأيته فرأسيهمـا هي التي تظـهـر مع يـد واحـدة لكل منهما !!
لا أدري كيـف لازالت هذه التفـاصيـل في ذاكـرتي بعـد ، ولا أدري أصلا كيف ركـزت فيهـا !
لم أبطـئ بالصـراخ ، فعـلا صـوتي لجملـة واحـدة "
شـيمـــااااااء ردي بسسســرعــة ! "
بعـدهـا لم أجـد شيئـا أفعـله سـوى أني أقفـز من المـكـان الذي أقف فيه ..
لا أدري أبـدا ما الذي دفعـنـي لذلك ..
ربمـا كـانت الانسـانية التي تسكـن في أعماقي والتي جعلتني لا أحتمـل رؤية المـوت البطيئ أمـامي !
ولمـن ؟ لأختي الوحيــدة !
أختـي التي طالمـا بكيـت في طفـولتـي أريـدهـا ..
كنـت أريــد أختـا كبـاقي البنـات اللواتـي يفتخـرن ويتفـاخـرن بأخواتهن !
أتـت إلي هذه الأخـت ، جـاءت بفـارق ليس بسيط في السن بيني وبينهـا
وهو ما سـبب عائقـا كبيـرا في التفاهـم في كثيـر من الأمـور بيننـا ..
فهـي تعتبـرني مصـدر إزعـاج رئيس في حياتهـا عنـدمـا أوجهها لواجباتها !
وأنا أعتبـرهـا مصـدر الغـرابـة ، فهـي تفعـل مالم أعتـد عليه أبـدا ، تريد مالم أريده أبـدا !
رغـم هذا وذاك ، كل ما حـدث وما سيحـدث ..
في تلك اللحـظة لم أفكـر سـوى رغبتي في بقائهـا
أريـدهـا ، ولا أريـد أن أفقـدهـا .. فأنـا أحبهــا ..!
ولهذا ...
لم أفكـر أبـدا ! لم أستشـر أحـدا ! لم أنتظـر أمـرا !
نفــذت فقـط ..
كـيف لي أن أفكـر أو أستشـيـر أحـد أو حتى أنتظـر أمـر يوجهنـي
فكـانت إنسانيتي وبجوارهـا حبي لهـا أكبر دافعـان لي لألحق بأختي ..
قفـزت بالقـرب من أختـي ، حـاولت أن أمسـك بيـدهـا ، ولكني لم أستطع
فالبحـر الذي كنـت أتغـزل به منذ لحظـات لم يساعـدني أبـدا ،
عـانـدني بغضبه وتمـرده المفاجئـان ، وجـرني إلى ناحيـة بعيدة عن أختي
حـاولت أن أقترب منها ولكـن ، لا مجـال !
أخـرجت كل مواهبي وقـدراتي وخبـراتي ومعلوماتي البسيطة عن السباحة وطبقتها لأول مرة في ذلك المكـان !
ولكـن بدلا من أن ينفعني ذلك كله في التقـرب من أختي ، وضعني في موقف حـرج لا أجـد أمـامه سوى أنني أضعت موقعي ومعه موقع أختي !
حينها وجـدت نفسي أصـارع عالم كبيـر ، لا أعرف كيف ستكـون نهايـة هذا الصـراع
ولكنني صـارعتـه كثيـرا ، حـركت يدي ورجلي بكل ما أوتيت من قـوة ..
وأيضا ما عرقلني ضعـف قـوتي ووهـن جسمـي ..
فكـنت لا أسمـع سـوى أصـوات صـراخ وعـويل في الخـارج تبث في نفسي روح الأمـل ..
وأيضـا قدماي اللتـان تلامسان صخـور القـاع ، كان ذلك يشعـرني بالألـم فيبث هذا الألم روح الأمـل في داخـلـي ..
إنهـا روح الأمـل التي أعلمتنـي بأننـي مازلت حيـة أرزق ، ولكنني لم أكن حية في أرض الله الواسعة ، إنمـا في ميـاه الخليـج الشـاسعـة ..
وهذا ما يجعلني أواصل صراعـي مع هذا الكبيـر الهائــج ! فيهجـانه وقـوته بدت تقضـي على قـوتي ، إلى أن تعبـت ، وبـدأ صـوت الصـراخ يبتعـد عنـي !
تشهـدت بالله سبحـانه وتعالى .. وسلمـت نفسـي ، فقـد أصبحت لا حيلة لي ولا قـوة !
توقفـت عن الحـركـة وبـدأ جسمـي يسكـن ، يجـذبه قـاع البحـر باتجاهه ،
فجـأة أحسسـت بيـد تمـتـد نحـوي ،
تشبثـت بهـا بما تبقـى لي من قـوة ،
ولكن تلك القـوة لم تكـن كافية بمـا يكفـي ،
فلم أعلم ما حـدث بعـدهـا ، لأن روحـي ردت إلى بارئهـا !
هذا ما أحسسـت به ، لأن احساسـي وشعـوري انعـدم ..
أعضـاء جسمي كلهـا توقفـت عن الحـركة عـدا قلبي !
فقـد كان قلبي دليـل منقـذيّ الذين سارعـوا لإخضـاعي لتنفس صنـاعي عـاجـل !
لم أفق بعـدهـا إلا وأنا أسمع أصـوات كثيــرة ، اختلطـت علي في بادئ الأمـر ..
فميـزت أولا صـوت أمي التي كـانت تصيـح باسمـي " *** ، مــاتــت بنـتـي ! "
بعـدها ميـزت أصـوات قـريبـة منـي ، تكـرر سـؤال واحـد " شـي هواء ؟ "
لأرد بسـرعة " هيييه " ولكـن يبدو أن جوابي لم يفهم فتكـرر السؤال
لأرد مرة أخــرى " هيييه أبــااا أميييييي " كنت أقـولهـا متقطعة
يمنعني مـاء البحـر المـالح الذي كان يخـرج بكثـرة من أنفي وفمـي من أقولها متصلة !
زحـفـت إلى أمي التي كـانت تبكـي وعنـدما اقتـربت منها بـدأت تحمـد الله وتشكـره !
فقـلت لهـا بسـرعـة " بعـدني مـا مـت "
رفعـت رأسي لأقـول " ويينهـم "
لا أدري عمـن كنت أبحـث ، لأن جميعهم كـانـوا هنـاك !
أخبـرتنـي بعـدهـا أمي بأن جميعهم بخييـــر ..
لأنتبـه أخيـرا بأن أختي كـانت بالقـرب من أمي ..!
اطمـأن قلبـي وجلسـت بهـدوء ، صحبـه ألم شـديد في صـدري وصعـوبة في التنفس
فهاهو ماء البحـر لم يتـوقف عن الخـروج من أنفي بكثــرة !
بعـدهـا وقفـت !
آثرت الوقـوف رغم الجـراح في قـدمي ! وألم عضلات رجلي اللتـان
لم تتـوقفـان عن صراع ذلك الكبيـر بسهـولة .. فـلم يكـن استسلامي بسهـولة أبـدا !
وقفـت ..
مددت ببصـري إلى ذلك الأزرق الممـتـد ..
تنهـدت لأقـول
"
آآآآآآه يا بحــــر .. أيقـنــت بـأنـك غـدار "
آه كم كنـت أستهيـن بهذه الحقيقـة .. لم أعرهـا أي من اهتمـامي أصلا
كـانت مجـرد عبـارة تقـال عندمـا يذكـر البحـر لا أكثر .. هذا ما اعتقـدته ..
ولكننـي اليـوم عشتهـا وواقعهـا بكـل التفاصيــل المــرة ..
البحــر ..
ذلك الذي كنت أعشـقـه ، أحبـه ، أنظـر له وأتـأمله بكـل إعـجـاب ..
" طـاح من عيني " في لحظة غضبه وتمرده التي أراد بها تفـريق الأهل والأحبـاب !
ذلك الذي لم أعـد أراه سـوى عالم أسـود مغبـر ..
لقـد أصبحـت أكـرهه ، أكـره ذكـره
كيف لا أكـرهه وهـو من حـاول أن يبتلعني ووالـدتي واختي وابن خالي وأمـه !
في 31/3/2006 ، كـان تـاريـخ ميـلادي الجـديد ، فقد كتب لي عمـر جـديد !
(
استــويت موديل 2006 ) :cop:
هذه هي الأقــدار ..
مثلمــا كـان فيهـا قـدر غـرقـي في ميـاه الخليــج
في نفس المكـان ، سُجّـل قــدر ولادتي من جـديد !
الحمــدلله ، الحمــدلله !
اليــوم 6/4/2006 ، اليـوم السـادس من عمـري
ولكننـي لازلـت لا أصـدق بأنني أرى أمي وأختي وأهلي مـرة أخـرى
ومـازلت لا أصـدق بأنني ذهـبـت إلى المـدرسـة مـرة أخـرى ومارست حيـاتي الطبيعية كمـا كانت
لا أصـدق بأننـي الآن أمـام شـاشـة جهـاز الكمبيـوتـر أسطـر بأحـرف وكلمـات غير مرتبة قصـة وفـاتي وولادتي !
هذه أنـا ، لا أصـدق ، ولن أعتقـد بأنني سـأصـدق يـومـا مـا !
هـل تصـدقـون ؟! :kkk:
اسمحــولـي لأني خـذيت من وقتكـم شـوي
ولكـن ، حقيقـة .. أتمنـى أن تأمنـوا شـر هذا الغــدار !
حفظكـم الله وجميـع أمـة محمد صلى الله عليه وسلم ..
أختكم .. اللي جـربت وشـافت المــوت
الـعـجـيـبـة
مواقع النشر (المفضلة)