إحتضان الأطفال الأبرياء الذين خرجوا الى هذا العالم المتلاطم بكثير من الأحقاد وبعض الأمور الخفية التي لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها أو يتخيلها فكرة يقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر وما بين الرفض والقبول فترة من الزمن يعيشها هؤلاء الأطفال على حافة الطريق ينتظرون القطار أما قبول يعود بهم إلى الحياة وإما رفض يجعلهم بيد القدر ومهما تكن الإجابة فاليتم بحد ذاتها دعوة للمجتمع أكمله بان يفتح ابوابه على مصرعيها ويحتضن هؤلاء الأطفال الذين ما عرفوا مهد الرعاية والحنان وما حماهم من برد الشتاء القارص حرير أو قطن أو صوف أو حضن ام حنون بل هي الأرض ربما كانت شديدة البرودة وقست على هذا الرضيع وربما كانت على عكس ذلك ومع هذا فهو لا يملك من شيئـًا من أمره إما أن يمر بطريقه محسنٌ يحمله من قارعة الطريق ووحشة المكان الى نعومة الأسِرة ورحابة المكان وإما أن يحاصره الجوع وينهشه العطش ويأتي الموت بموعد أو بغير موعد ويقضي على هذا الرضيع الذي لو وجد يدًا ترعاه لكان الحال غير الحال ولكنه القدر أخذ مجراه مات الطفل وكأنه ولد ليموت فالفاصل بين حياته ومماته شمس إما أن تظهر ليزداد الجوع والعطش وإما أن تغيب لينقطع الأمل وربما اختلف عن بقية الأموات فلا عزاء ولا مأتم ولا حتى عويل سيدفن مجهول الهوية أنجباه رجل وامرأة ربما ماتا قبله وترك هو ليموت من بعدهما وربما أنجباه بغير إرادتهما ولكنه الهوى عندما يعانق قذارة التفكير ولست أعجب من شيئــًا عجبي من رجل لا يفكر في عواقب الأمور ولا يريد من الحياة إلا دقائق معدودة يعيشهما كيف مايريد وحيث ماشاء ومن بعدها سيخرج هذا الرضيع الى هذا الوجود ليجد امرأة هي الأخرى أعجب من أمرها فكيف تتنكر امرأة من غريزة الأمومة وتأخذ رضيعها ليس لإرضاعها والإعتناء به بل للتخلص منه وإلقائه في متاهات الطرق ولست أدري لماذا تم إنجابه ؟ وكيف تستريح ضمائرهم بعد أن مات الطفل بائس مسكين وقد كان من الممكن إنقاذه إما بقرار شجاع جريء وإما بأسرة محسنة لديها القدرة على تبني هذا الطفل وإحتضانها واحتساب الأجر من رب العباد الذي بيده كل شيء وهنا تكمن الإنسانية بأروع صورها فإنقاذ حياة طفل أو طفلة ليس بالأمر السهل وإذا كان الإنقاذ في بعض الأحيان لا يكون إلا بالتبني فالتبني أمر سهل ولكنه يحتاج الى قرار فهناك أسر كثيرة تبنت أطفال أيتام واعتنت بهم وصنعت منهم أبطال ولولا هذه اللمسة الإنسانية من تلك الانامل الرحيمة لعاش بعضهم حتى يموت وبقي البعض الآخر نزلاء يجدون أصناف الرعاية وأنواع العناية من مجمع دور الرعاية ومع هذا يفتقرون الى وجود اسرة تتكون من أب وأم ومجموعة من الأخوة فهم اخوة بعض وهم أسرة وربما سأل أحد الأطفال أين أمي ؟ أو ربما جاء إليه المدرس وقال له غدًا لا تأتي إلا بوالدك هنا اطرق الطفل برأسه ونظر الى الارض ثم بكى ليبكي لبكائه التاريخ وعاد في نهاية الدوام ودموعه على خده يسأل أين ابي هل مات هو الآخر ومن يذهب معي الى المدرسة وربما كانت إلى جانبه تلك الأم البديله فبكت لبكائه ولكنها حتمـًا لا تملك إجابة لسؤال هذا الطفل وكم يعجبني هؤلاء الأطفال الذين يشقون الإبداع طريق لهم في هذه الحياة ويعجبني أكثر أنهم يتفهمون فلسفة الحياة فهي تحتاج إلى من يتحدها وطالما أنهم بقيوا على قيد الحياة فلا زال الأمل موجود بأن يصنعوا من حيز العدم مساحة للإبداع والتميز وخير دليل على ذلك هو ان الرسول العربي الهاشمي القرشي كان يتيم ومع ذلك وبالرغم من كل الصعوبات التي كانت في طريقه فهو أفضل البشر فلا قريش استطاعت أن تنال منه ولا اليتم انقص من قدره وهكذا نصل إلى الختام لنفدم باقة ورد لكل من فكر بالإحتضان وهكذا يكون التبني ما بين الرفض والقبول....

والسؤال هو التالي هل تفكر بالإحتضان إذا كان هو الحل الوحيد لإنقاذ طفل يتيم مهدد بالخطر والضياع إن لم يكن مهددًا بالموت والفناء ؟