روى الناجي الوحيد في حادث العبارة المنكوبة من بين أصدقاء زاملوا بعضهم في رحلة العبارة ووصف الحادث المؤلم المحزن.. وقد بدأ صالح أبونوير الرواية بقوله:
فيصل النوار، غالب السهلي: زملائي في شركة الكهرباء وكنا متفقين ان نسافر دائما مع بعضنا البعض.. هذه السفرة بالذات لم أكن مرتاحا لها حتى أنهم كانوا يرغبون في ان أسافر معهم ولكنني كنت أتهرب منهم وجاؤوني هنا في الساعة 12 مساء من يوم الأربعاء وذهبنا الى ينبع لأخذ زميلنا سعد فذهبنا اليه واصطحبناه معنا بالسيارة مواصين ولم ننم في ينبع حيث كنا مخططين ان ننام في العبارة ريثما نصل واتجهنا الى ضبا وتركنا سيارتنا هناك وتعودنا دائما ان نسافر بالعبارة السريعة ولكن لم نجدها لذلك اخترنا السفر بالعبارة السلام 98 ووجدنا التنظيم جيدا هناك في ميناء ضبا وانا اشكر المسؤولين هناك على تسهيل جميع امور السعوديين وغير السعوديين صعدنا العبارة في تمام الساعة السادسة مساء واخترنا الدرجة الممتازة في الدور السابع وفي الساعة السابعة مساء تقريبا تحركت العبارة في طريقها الى الغردقة ذهبت انا وزملائي الى الغرف وذهب كل واحد الى غرفته لأخذ قسط من الراحة و بعد مرور حوالى اربع ساعات حوالي الساعة العاشرة مساء من نفس اليوم سمعنا طرقات على الأبواب ولكن لم نعرها أي اهتمام ظننا ان احد الاطفال يعبث في ممرات العبارة وبعد دقائق فوجئنا بان الطاقم دخلوا علينا بعد ان فتحوا الباب بطريقتهم الخاصة وقالوا لنا اخرجوا بسرعة واحملوا ما خف وزنه وغلا ثمنه لان هناك حريقا بالعبارة وعندما خرجنا على السطح ووجدنا الهواء باردا جدا فرجعنا الى غرفنا و لبسنا بعض الملابس الثقيلة وسمعنا اصواتا من الميكرفونات تطلب من الركاب التوجه الى الجهة اليسرى وذلك لموازنة السفينة وكان الموقف مخيفا ورفضنا النزول الى اسفل وكانت الامواج عالية وحين صعدنا وجدنا العبارة تسير على جهة واحدة ومائلة ويحركها محرك واحد فزميلي فيصل قال انا بردان وقام بجلب بطانية وجلس على جانب وسمعنا اصوات صراخ في العبارة وكان الموقف مهولا وكان سعد جالسا على كرسي وكان غالب يرافقني طوال الوقت ونتنقل من هنا وهناك ودخلنا في الكبائن لنبحث عن ستر نجاة ووجدنا سترتين أعطينا سعد واحدة لأنه لا يعرف السباحة والسترة الثانية أعطيناها لغالب السهلي ليلبسها لأنه ايضا لا يعرف السباحة واثناء وجودنا في الخارج وجدنا امرأة مصرية كبيرة في السن تقول انا لا اعرف أعوم أنا لا اعرف أعوم فقام غالب بخلع سترة النجاة وألبسها للمرأة المسنة مع انه لا يعرف السباحة، وربطناها جيدا وجلسنا تقريبا الى الساعة الثانية صباحا سمعنا كابينة القيادة ينادون المهندسين والدكتور ونصائح للركاب ليتجهوا الى الجهة اليسرى وكل ما نسأل شخصا من أفراد الطاقم يقول لنا الوضع تحت السيطرة من جميع النواحي وآخر شيء سمعناه ان قائد المركب يطلب من الدكتور وضابط آخر الذهاب إلى مقدمة العبارة وبعد ذلك انقطع الاتصال وكلام الميكرفون.
وهناك روائح على احتراق بوية او مادة بلاستيكية والخشب وآخر شيء انتبهنا له ان الماطور احترق واصبح يخرج دخانا ومالت السفينة اكثر وكانت الليلة ليلة ظلماء وكانوا يقولون ان الحريق في مخزن السيارات وبدا يصعد الحريق الى الدور الاول وباقي السفينة واعتقد ان القبطان لو غير مسار السفينة لكان وصل الشواطئ السعودية و4 ساعات اعتقد أنها كافية ولكن لا ادري ما سبب عدم تغيير الوجهة هل انه سوء تصرف أم ادعاء المعرفة؟ لا ادري .
ونحن نرى الحريق يتصاعد أمام أعيننا من دور الى آخر وطاقم السفينة يؤكدون ان الوضع تحت السيطرة حتى وهي تغرق يقولون ان الوضع تحت السيطرة .
ومع كثرة الميلان أصبحت تميل وبدأت بالغرق ومع النزول بدأت تتفجر الأدوار واحدا تلو الآخر ونسمع شبابيك تطير وسررا تتطاير من قوة النزول ولم نجد ستر نجاه كافية ووجدنا بعضها تالفا وغير صالح للاستخدام كيف يقال أنها مرت من عند المواصفات والمقاييس.. غالب كان بجانبي وأنا آخر واحد وهو نزلنا من العبارة أنا وزملائي ومع بداية غرق العبارة،رأيت أناسا وقفوا على أطراف العبارة حتى نزلت كليا وقمت بالتشهد انا وزميلي وقفزنا من العبارة وتفرقنا بعد ذلك ولم اعد ار سعد الشريف وفيصل النوار أبدا ولم ننزل سويا لأننا افترقنا منذ ميلان العبارة والله يرحم غالب يقول لي ارمي نفسي يا صالح وانا اقول له اصبر حتى أصبحت المياه في مستوانا وقلت له خلاص ما في امل وتشهدنا وافترقنا هو ذهب الى اليمين وانا ذهبت الى جهة اليسار مع الموج العالي ووجدت أمامي برميلا كبيرا وهناك عدد من الإخوان المصريين ممسكين به فأمسكت به معهم واتضح في النهاية انه قارب نجاة ولكن للأسف الشديد إنني أسافر على مثل هذه العبارات منذ صغري لأكثر من 30 عاما ولم توضح ادنى فكرة عن هذه القوارب ولم تكن لنا ارشادات ونصائح اذا كان هناك حالة طوارئ و أي حاجة وهناك سبب آخر في قلة سترات النجاة حيث ان الركاب اصبحوا يذهبون الى الكبائن لأخذ ولبس اكثر من سترتين رغم قلتها وأتذكر انه كانت عائلة سعودية بكاملها وكنت اسمع والدهم يلقنهم الشهادة واحدا تلو الآخر وكانت ابنته الصغيرة تقول يا بابا ماذا افعل فكان الرد يقول تشهدي.!
وهذا قبل غرق العبارة وكنت اشاهد مواقف مثيرة ولكن إرادة الله فوق كل شيء فقد تجد هناك من يعرف ويجيد السباحة متوفى وتجد من لا يعرف السباحة غير متوفى وهذا قدر الله عز وجل وترى عددا من الناس على قوارب وآخرين على خشبة متعلقا بها وآخر يصفر للنجاة بصفافير وكشافات وكان الليل دامسا.
ومع العلم ان هناك قوارب نجاة على اليمين واليسار ولم تستعمل بالشكل الصحيح وعلى حسب ما يقال ان الحريق كان على الساعة الثامنة والنصف أي بعد مغادرة الميناء بساعة ونصف.. واعتقد ان اكثر الناس الذين غرقوا كان غرقهم بسبب ان أشخاصا آخرين لايعرفون السباحة تعلقوا بهم وسحبوهم الى الأعماق.
ومن المواقف المثيرة تجد أناسا قاموا بالمشي فوق شكمان العبارة فتجده محروقا ووجدت من الناس الذين كانوا معي أناسا محروقين في أيديهم وأرجلهم.
وأمسكت بهذا البرميل الكبير أنا وهؤلاء الأشخاص ولا ترى الا والجثث تعبر مع الأمواج على يمينك ويسارك ووجدنا طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز الست سنوات تقول ان اسمها فاطمة (مصرية) سحبناها من المياه ووضعناها فوق البرميل وقلت لها اجلسي هنا واني مثل قائدنا واذا وجدتي أي واحد فينا يغفو او يغمض عينيه قومي بضربه، قالت لي الصغيرة عيب يا عمو قلت لها معليش وربطنا أنفسنا نحن الثمانية بحبل وشدينا بالبرميل ووجدنا قاربا متجها الينا في ساعات الصباح الأولى نحونا فيه العدد زائدا جدا أعطيناه الطفلة الصغيرة وقلت له هذه امانة عندكم وكانت الأمواج ترفعنا وتذهب بنا الى الجهة الأخرى.
وتجد الناس تسحبك لدرجة أنني كم مره حاولت ان افقد البرميل وكنت امسك به بقوة وكان الذي يربطني فيه إصبعي الصغير وكان كل موج يرمينا الى جهة الى أخرى ويخلف ذلك موت احد أفرادنا ونقوم بفك عقدة الحبل من يده ونقرا عليه الفاتحة بعد ان نتأكد من موته ونتركه ومن الصباح حتى الظهر اليوم التالي فقدنا عدة أشخاص وبقينا ثلاثة فقط وكانت حالتنا النفسية سيئة للغاية كيف وأنت ترى واحد يموت تلو الآخر وقد يكون دورك القادم وكانت لا تفارقني كلمة طوال فترة الغرق (الشهادة و اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي) وتجد الجثث تتخبط فيك وأنت في النهار وأكثرهم أطفال ونساء كبار في السن فكينا من الحبل الساعة العاشرة مساء.
وكنا جائعين جدا حتى صرنا نأكل ما نجده من جوارنا من بعض من الخبز المبلول في الماء او أي شيء يسد الرمق والذي يزيد من الذي نأكله لا نرميه لاننا لا نعرف مصيرنا او حتى فترة بقائنا وكان الهواء باردا جدا وبعد خامس شخص فككناه من الذين توفوا صرنا نضيق الحبل في مساحة اقصر ليجمعنا وحتى لا نفترق وجدت حبلا صغيرا سحبته لاربطه بيدي واذا أفاجأ بان الصندوق ينقسم الى قسمين الذي كنا فوقه هو قارب نجاه بعد عدة ثوان يسع اكثر من عشرين شخصا فمن يدري كيف يصنع الله الأسباب في نجاة العبد ويرزقه من حيث لا يحتسب فهذا الصندوق الذي جلسنا فوقه على مدى ساعات طويلة وشاهدنا الموت بأم أعيننا .. أناس يموتون وآخرون تكتب لهم الحياة .
وكنا نسمع باستمرار صفارات وطلقات مسدس .
ولم استطع ان اطلع على هذا القارب لان النصف السفلي من جسمي لا أحس به نهائيا وقمت بعمل عقد بحبل حتى استطيع ان اصعد الى القارب وتعلمت هذه العقد أثناء ما كنت في المرحلة المتوسطة وتعلمت عملية العقد منها فكانت الكشافة لها دور كبير الى ان اقتربت الى النهاية فقام بسحبي الأشخاص الذين كانوا معي ونحن في هذا القارب اذا وجدنا شخصا تأكدنا بأنه ميت تركناه وإذا كان حيا حاولنا إنقاذه وسحبناه الى القارب وتجمعنا حوالى احد عشر شخصا وكان جميع من في المركب من الرجال كلهم من الجنسية المصرية وكبار في السن سوى أنا فقط من الجنسية السعودية ولا ندري ان الموج الى أين يذهب بنا ووجدنا داخل هذا القارب كشافا وسكينا والعابا نارية إرشادية وبعض المياه الحلوة معبأة في أكياس وبعضا من البسكوت الذي مضى عليه مدة من الزمن لدرجة انه تصلب من الزمن وأصبحنا نقوم بالتأشير بالكشاف والألعاب النارية وفي حدود الساعة الواحدة وجدنا عبارة بها كشافات قمنا بالتأشير لها بالكشاف الموجود لدينا وكانت تسير بسرعة بطيئة تحسبا لوجود أشخاص أحياء وأتذكر هذا القارب المكتوب عليه ''سعودي جدة'' وتعتبر عبارة شخصية تقريبا واستقبلنا على هذه العبارة بكل ترحيب حتى أنهم كانوا يحملون بعض الأشخاص الذين لم يستطيعوا المشي بعد الساعات الطويلة التي بقوا فيها تحت الماء وأول ما دخلنا عرضونا على طبيبة كانت موجودة وتقدم لنا الشاي المر بدون سكر لتنظيف الصدر وأعطونا بعض البسكويتات ونقلونا الى جهة أخرى وجاءت مجموعة أخرى بعدنا وكانت عمليات الانقاذ مستمرة ووصلنا الغردقة وقام باستقبالنا السفارة السعودية والمسئولين من كافة الجهات المصرية وأتذكر منهم الأستاذ راشد العارضي وإبراهيم الحميد واستقبلونا أحسن استقبال وركبونا الباصات الى المستشفيات وأنزلونا في مستشفى الغردقة في أفضل قسم في المستشفى قسم الفندقة تقريبا وكانوا يشرفون علينا بأنفسهم ويحرصون على متابعتنا فردا فردا وانا اشكر اهالي الغردقة على رجولتهم ووقوفهم معنا وهذا يعبر عن الشهامة المصرية حتى أنهم كانوا يمرون علينا في الغرف ومعهم جوالاتهم الخاصة ويقولون ارجوكم الجوال مشحون اللي ما اتصل على اهله يتفضل يتصل .
وجبات اكل من نفس الأهالي وكانوا جزاهم الله خيرا لا يفرقون بين السعودي والمصري والشامي المشاعر كنت حزينة فالكل كان حزينا فنادرا ان لا تجد احدا غير حزين لان الكل تجده فاقد اخ او عزيز وكان الكل متعاطفا مع ضحايا العبارة كل الشعب والأهالي، وحين ما طلعت كان وجهي اسود وجسمي متنفخا من كثرة المياه.
وكان اليأس شديدا وما كنت اتوقع ان أنجو كنت أفكر في أبنائي وكان ابني يتمنى ان يسافر بالسيارة مصر وكنت أدعو ربي ان لا يريه هذه المعاناة وألا يسافر بمثل هذه العبارة .
اعتقد انني لن أرى مثل هذا الموقف الإنساني من زميلي غالب حين أعطى سترة النجاة للعجوز رغم انه لا يعرف السباحة وفي ذلك الموقف الصعب . المصدر http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=1319&pubid=1&CatID=74&articleid =144210
مواقع النشر (المفضلة)