أن أفهم عقلي و طريقة عمله هو أمر يبلغ حد الإستحالة فطوال سنوات دراستي الطويلة و أنا أمني نفسي بأن أكون الأول و لكن ذلك لم يحدث أبدا و كان نصيبي في كل سنة هو خسارة كبيرة في الدرجات في مجموعة من المواد و النجاح على الحافة حتى ذلك الوقت لم أكن أنعت نفسي بالغبي أو بأن طريقتي في الدراسة خاطئة و لكنني كنت أقولك لو قمت ببعض العمل بطريقة معينة فلن أواجه أي مشاكل على الإطلاق و مع مرور السنوات أصبحت أفكر بالطريقة المثالية للدراسة و أوصلني تفكيري إلى أن أفضل طريقة هي النوم أثناء النهار و الدراسة طوال الليل حتى اليوم التالي و هكذا و مع ذلك لم أقم بتجربة هذه الطريقة أبدا و واصلت دراستي و كانت النتائج كما هي و سنة بعد أخرى كان الهبوط في المستوى يتواصل حتى السقوط الكامل و لم يكن هناك مفر من الإعتراف بالحقيقة و هي كوني شحص غبي.
بعد السقوط أدركت الحقيقة المرعبة و هي إن لم أنهض من جديد فرؤية الناجحين و فرحة النصر و الشماتة على وجوههم ستقتلني من الأعماق واصلت حياتي من جديد وفق قواعد جديدة و مع ذلك لم أتواصل لعلاج الكثير من المشكلات التي أعاني منها فأثناء شرح المدرس لمادة معينة كانت تنتابني حالة غامضة من الصداع العميق لا تنقشع إلا في اللحظة التي يغادر فيها المدرس قاعة الفصل و عندها أشعر براحة عميقة تغمر قلبي دون أي سبب واضح و في مواد أخرى كان تركيزي مع المدرس يتواصل من البداية و حتى النهاية و دائما كنت أقول لنفسي عندما أعود إلى المنزل سأذاكر تلك المادة التي شعرت بالصداع أثناء شرحها و سأتمكن من فهمها بكل سهولة فلا يوجد أي شيء صعب و لكن ذلك قلما كان يحدث كان الدروس تتراكم يوما بعد يوم و عندما يحين وقت الإمتحان تتحول المراجعة إلى كابوس حقيقي و تتناقص فرص النجاح إلى الحد الأدنى و إلى ما دون ذلك.
في الثانوية العامة لم يختلف الوضع كثيرا فقد كنت أذاكر كلما سنحت لي الفرصة و لكن مع الأيام أحسست أن اليوم أصبح يمر علي بسرعة دون أن أقوم بما يتوجب علي القيام به أصبحت الدروس تتراكم و كان الخوف يمزق قلبي و لكن ليس من الدرجة التي يحرمني فيها من النوم لأنني كنت أقول دائما لنفسي ما لم أفعله اليوم سأفعله غدا و لا يوجد أي داعي للسهر عندما أنهيت امتحانات نصف العام لم تكن نسبتي تتجاوز الــ 72% أدركت خطورة الوضع على مستقبلي فبمثل هذه النسبة لن أجد لي أي مقعد في كلية الهندسة التي لطالما تمنيت كثيرا الإلتحاق بها و على الأخص تخصص الهندسة الميكانيكية فهذا الاسم يجعل قلبي يخفق مثل طائر و لطالما تمنيت أن أصبح في يوم من الأيام كبير مهندسي المحركات واصلت الدراسة طوال النصف الثاني و كنت أركز على شرح المدرسين بأقصى ما يمكنني من تركيز و لم أكن أفتح أي كتاب من الكتب الدراسية حتى وجدت نفسي قريبا من شهر أبريل و يبقى الكثير من الوقت على الامتحانات النهائية لسوء الحظ لم أتمكن من الإستعانة بأي مدرس خصوصي و لو أستعنت بأحدهم لساعدني ذلك كثيرا أصبح الوضع يتأزم و بدأ شعر رأسي بالتساقط و عندها بدأ عقلي بالعمل و أصبحت أجلس لساعات طويلة في غرفتي دون أن أفتح أي كتاب فقط كنت أفكر بأفضل الطرق التي تختصر الوقت و تقلل خسارتي من الدرجات إلى الحد الأدنى و كنت أفكر متى و أين أراجع تلك المادة و إلى أي حد يجب أن يكون إستعدادي فيها و كل ذلك لهدف واحد هو تقليل خسارتي في الدرجات إلى الحد الأدنى أصبح عقلي يضع الخطط لوحده و يقوم بتعديلها إذا أقتضت الضرورة و بعد ذلك قمت بشراء حزمة من نماذج الامتحانات لجميع المواد و قمت بتفكيكها لتتواءم مع المواد المرتبطة بها و بعد ذلك رميتها في أحد أطراف غرفتي و قمت بتغيير نظام نومي فكنت أنام في النهار و أعمل طوال الليل بهدوء و عزم و تصميم لم يكون هناك أي أمل في الأفق و مع ذلك كنت أعمل و أعمل و أنا لدي هدف واحد و هو إنجاز المهمة و إن كنت سأخسر بعد كل هذا العمل فسأكون سعيدا في النهاية لأنني قمت بما يتوجب علي القيام به و بأفضل طريقة ممكنة و بعد أسبوعين من العمل المتواصل حدثت معجزة حقيقية لم أكن أحسب لها أي حساب فطوال الأسبوعين كان شعر رأسي يتساقط و أيضا نصف وجهي الأيسر بدأت تظهر فيه الشرايين الدموية بشكل واضح للعيان و بعد الأسبوعين أختفت كل تلك الأعراض و أصبح عقلي يعمل بسرعة جنونية يحلل و يفهم و يحفظ كنت أمتص المادة تلو الأخرى المشكلة الوحيدة كانت الوقت أرشدني عقلي لسلسة معقدة من الإجراءات و قبيل كل امتحان كنت أقرأ فقط نماذج لتلك الامتحانات و كنت أقارنها بما درسته كان عملا في غاية الدقة يصعب علي وصفه أخيرا تمكنت من إنجاز تلك المهمة و حصلت على النسبة التي دفع الكثير من الطلاب عشرات الآلاف من الدراهم في سبيل بلوغها و لم يستطيعوا ذلك.
عندما علم بعض الأصدقاء بأنني خسرت بعض الدرجات المهمة في مواضيع سخيفة أبدوا الكثير من الاستياء حيال ذلك و لكن الحقيقة هي أن عقلي و في الوقت القصير المتبقي قبيل الامتحانات قام بأفضل الاختيارات و حذف بعض تلك الأمور و في نظري فقد قام عقلي بأداء المهمة لدرجة بلغت حدود الكمال.
إلى الآن لست أفهم عقلي و طريقة عمله و إن كان يمتلك كل تلك القوة فماذا لم يقم بإظهارها؟ ذلك غير مهم على الإطلاق و لكن و مع تجربتي الطويلة في الدراسة تعلمت أن الضغط على الدماغ بشكل مدروس و لمدة جيدة سيجعل الدماغ ينطلق بكل قوة و عندها لن يقف أي شيء في وجهه.
مواقع النشر (المفضلة)