<font color='#000000'>رغم وسائل الراحة ورغد العيش التي يحياها الناس اليوم، إلا أن هناك رجال يشتاقون الى الماضي ويحنّون الى حياة الأمس يوم كانوا يسرحون خلف حلالهم وركابهم ومواشيهم غير محملين بالهموم والأفكار، لا يحملون سوى الإيمان بالله والرضا بقضائه وقسمته لهم في معيشتهم، وحتى إذا تذكروا الماضي ذرفت أعينهم الدموع حنينا اليه وهو ما لمسناه من خلال ينابيع الذاكرة الفوارة للوالد محمد بن راشد بن خليفة بن شايع بن حتروش الشعري المنصوري والتي هاجت بذكريات حلوة ومرة عاشها وأقرانه بين ليوا والعين.



سيهيان والحمرا

ولدت في الحمرا قرب مورد “سيهيان” وهو طوي قديم جدا ويقال إن السيوح كانت تحيط به وكانت فيها النخيل بكثرة وقيل إن اسمه جاء من “سيح” و”هيجان” أي أن هذا السيح كان دائما يمتلئ بمياه الأمطار ويسيل ويهيج أيام المطر فلهذا سموه سيح الهيجان وبعده وقفت على سيهجان، وقد ذكر هذه المنطقة الشاعر ابن ظاهر في قصيدة طويلة قالها من أكثر من ثلاثمائة عام أو أكثر والتي وصف فيها المنطقة من شرقها إلى غربها من الفجيرة إلى أبوظبي وذكر فيها موارد ومنازل العرب القديمة وهو قوله:

ورويت لرض من شرق وغرب &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;

واسقت كلما حازت عماني

من أفيوي الينوب إلى الشمال

من الظفرة إلى سيفة إدهاني

إلى قوله الذي ذكر فيها منطقتنا سيهيان

أو “سيهجان “ وهو قوله: &nbsp;

واسقت من فلاح إلى العذيب &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;

مجوج الما ثمان في ثماني

على نهلا وعثمر والغويل

على وادي سلام وسيهجاني

وكانت قبيلتنا ترتاد هذه المنطقة والكثير من المناطق القريبة منها في ليوا والحمرا وغيرهما من مناطق قلب الجزيرة العربية والربع الخالي والظفرة.

حياة الغوص



اعتمدنا في معيشتنا وكغالبية أهل المنطقة الغربية على حياة الغوص حيث نذهب في مواسم الغوص إلى أبوظبي وكنا نحصل على مردود يكفينا لبقية أيام السنة ولم يكن لدينا مدخول آخر وكان البعض لديه نخيل يوفر تمراً يكفيه لسنته وكانت تمر علينا أيام نأكل فيها محصول النخيل وهو البسر وقبل أن يصبح رطبا وتمرا.

يتم مبكر



كان والدي رحمه الله يعتمد كثيرا على موسم الغوص، وكان في بقية أيام السنة طليقاً يسرح بالنهار ويضوي بالليل ولم يكن عنده الوقت الكافي للالتقاء به ومحادثته وأخذ أخبار الدنيا منه، وقد اعتمدت على نفسي، ولمساعدة والدتي وأهلي قمت بالكد والعمل في رعي الحلال، وقد مات والدي وأنا صغير السن وتبعته والدتي رحمهما الله بعد مدة وجيزة فرباني خالي ناصر بن محمد بن حتروش المنصوري الذي كان خالاً وأباً، وكانت الحياة في هذا الوقت صعبة جدا.

الشيخ غانم



كان يوجد بيننا العديد من شيوخ الدين والمطاوعة وكان من أشهرهم الشيخ غانم بن يريو من آل بالشعر من المناصير وكان هذا الشيخ هو الذي يعقد عقود القران بين الأهالي ويعلم الأولاد القرآن الكريم ويقضي بين الناس وله كلمة مسموعة، وكان من كبار القبيلة ورجالاتها الشيخ راشد بن خادم بن حليمان والشيخ سعيد بن مبارك الرحمي المنصوري والشيخ محمد بن قبي بن سويت وهؤلاء شيوخ لهم مكانة مرموقة ومنزلة عالية ويلجأ إليهم الناس وقت الخصومة والنزاعات ويقبلون بحكمهم.

الشرهة



وكنا نقصد أبوظبي للسلام على الشيوخ وشراء حوائجنا من السوق وكنا نقطع من المقطرة غربي بني ياس، حيث فيها الدفاع والجيش حاليا وكان اسمها قديما جرن يافور ومنها نقصد أبوظبي ونمر على الكثير من الموارد منها ما هو مسمى وما هو غير مسمى ومنها ما هو محفور من القدم ولا يعرف حافره ولا اسمه.

وأول ما نصل إلى أبوظبي نقصد الحاكم في الحصن ونأخذ “الشرهة” منه وهي مبالغ يدفعها الحاكم إلى رعاياه من البدو وكانت تتفاوت بين الروبيتين والعشر روبيات حسب حجم العائلة ومكانة الرجل والميسور عند الشيوخ وكنا نأخذ الشرهة ونقصد السوق لشراء احتياجاتنا من التمر والعيش والقهوة والسكر والطحين وغيرها من ميرة، وكان التجار في سوق أبوظبي القديم معظمهم من العيم (العجم) والبانيان (التجار الهنود) وأذكر أن من تجار السوق محمد صالح رحمه الله والذي كان يعطينا ويعطي البدو ما يريدون من بضائع وسلع من دون أن يقبض منا روبية واحدة وكان يقول خذوا الحين وادفعوا باكر أو بعد باكر والله يرحمه مات ومات الناس وفي ذمتهم دين له عليهم، ومن هذه المهنة عشت وعاش أهلي حتى كبرت وأصبحت شابا قويا.

طرّاف



كنت في صغري أطرف البوش التي كانت تسرح وتأكل من الأرض وتقيل وتبيت فيها وترجع نهار ثاني وأحيانا تبطي ونتركها تسير في البر على راحتها ليومين وثلاثة أيام وترد للما (المورد) بعد ما تستد وتأخذ كفايتها من المرعى.

القراش



ولم تكن هناك أمراض تصيب الحلال إلا المحل حيث تضعف (القراش) وهي الإبل التي تأكل كل ما تجده أمامها من أعشاب وأشجار ونباتات صحراوية، ومن هنا تسمى الإبل أيضا ب “القراش”، وكنا إذا ما مرضت الإبل بمرض مثل الكبد أو اللغوب واللقم وهما يصيبان البعير أو اليرح (الجرح) فإننا نقوم بوسمها في مكان الإصابة بالمرض فتطيب الناقة بفضل الله وبحمده وهذا مما ورثناه من أجدادنا ونقوم به نحن أصحاب الحلال بأنفسنا دون لجوء إلى طبيب أو مختص بهذا العلاج.

الحيوانات طبيبة



وكنا نعرف كما علمنا آباؤنا والأولون ورأينا بأنفسنا إنه إذا مرضت الناقة أو حتى الماشية فإننا نتركها طليقة وهي تذهب إلى حيث العشبة والنبتة والشجرة التي فيها شفاؤها ويا سبحان الله فكأنها ملهمة من الله وتعرف أين يوجد الدواء والعلاج لمرضها وذلك من تجاربها وإلهام الله سبحانه وتعالى لها.

أيام الشباب



لما كبرت سافرت إلى قطر وعملت في شركات التنقيب عن النفط هناك، وعندما بدأ التنقيب عن النفط في أبوظبي رجعت وعملت في داس في شركة النفط العاملة هناك، وبعدها عملنا في “البارتي” وهي شركة التنقيب عن النفط في المناطق البرية والبحرية، حيث يحفرون الرقوق بحثا عن النفط، وعملت حينها في بوحصا.

وبعد ذلك عملت في دائرة الزراعة في العين وذلك من أكثر من خمسة وعشرين عاما وبسبب عملي في دائرة الزراعة حضرت إلى مدينة العين وسكنت فيها.

شعبية البصرة



في العام 1978 ميلادية حضرت إلى مدينة العين كموظف في دائرة الزراعة، حيث بنيت لنفسي خيمة وحظيرة، وبعد عام بنوا لنا مساكن في منطقة المويجعي بالعين قرب الشعبية السكنية المعروفة بشعبية البصرة، وكان سكننا في البيت بشكل متقطع، حيث نسكنه في الصيف وفي الشتاء نذهب الى المناطق الصحراوية لنرعى حلالنا واستمررنا على هذا الحال إلى عام 1984 ميلادية حين سجلت الأولاد في المدارس مما تطلب الاستقرار في البيت بشكل دائم بعد حياة البدو والترحال وحتى مع المدنية الحديثة وتوافر المساكن الشعبية ووسائل الراحة الأخرى التي وفرتها الدولة ببركات الله ورعاية ومتابعة صاحب السمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.

قبيلة المناصير



المناصير من أكبر وأكثر القبائل المنتشرة في منطقة الربع الخالي والظفرة وليوا وقد سكنوا هذه المناطق مع بني ياس منذ أقدم العصور وكان بعض أجدادنا وآبائنا من كبار السن يقولون إن المنصوري والياسي عظم واحد أي أنهما من أصل واحد وينسلان من جد واحد عامر بن صعصعة والد ياس ومنصور، ومنصور جد الهواجر أيضا وعامر جد العوامر وهلال جد بني هلال.

بالذباحة



ومن المناصير بيت بن ثويبت ومنهم بالهَيّة، منهم طارش بن مهير وباقٍ منهم عبيد بن ناصر بن مهير، وبيت آل نشيرة وهم المعروفون بآل بالذباحة وهم أبناء خلفان بن خلفان ومنهم راشد وسعيد بن خلفان بن خلفان بن نشيرة.

آل بالخيل



ومن كبار المناصير الباقين سالم بن غانم بن شايع المنصوري الذي يسكن حاليا في ليوا، ومنهم سعيد بن سويت بن تعيب ويسكن غرب الظفرة، وسعيد بن مبارك بن سالمين ويسكن المرخانية غرب، ومبارك بن عفيصان ويسكن العين عند سعيد بن مبارك وولده عبيد، والحواوشة يسكنون في الخزنة والقطري في الختم وشلبون ومرخان في الخزنة، هؤلاء من آل بالخيل الذين يسكنون الخزنة والختم، والختم تسمى قديما بالرمرام.

مناصير العين



وآل عصيان يسكنون العين وآل تريس يسكنون بين الختم والخزنة، ودليوي يسكنون العين في المرخانية ومعهم آل شحيمي، وطريفي والعواصي والطوارفة يسكنون العين وأكثرهم يسكنون منطقة بني ياس، والمخازمة يسكنون العين وبني ياس وغرب الدار الغربية.

الحياة تغيرت



كانت الحياة قديما أفضل من يومنا الحاضر رغم وسائل الراحة التي وفرتها الدولة ولله الحمد، كنا قديما نعيش في جو أسري واحد الكل يرى صديقه وأخاه واليوم الناس تفرقت ولا نرى بعضنا بعضا إلا في الأعراس أو الأعياد أو في مناسبات الحزن والعياذ بالله.

في ظل زايد



أنتم يا شباب ما شفتم حياتنا الأولى وكيف كانت الصعاب فيها يوم ما شي دختر (دكتور وطبيب) ولا في مستشفيات ولا أي وسيلة للعلاج والاستشفاء وكنا يوم يمرض الريال نوديه للموسم ويوسمه وين ما يشتكي ويم يصيب الكي ويم ما ينفع ويموت الريال أو الحرمة بعدها ولا نعرف عوقه من دواه، واليوم ولله الحمد وبفضل الله وبركات زايد كل شي متوفر ويوم يشتكي الواحد من علة على طول يتويه (يتجه) إلى أقرب مستشفى أو عيادة وهي ولله الحمد وايدة (كثيرة) وما عليه غير يكشف عليه الطبيب ويوصف له دواه وبعدها وبأمر الله يطيب والحمد لله كله والله يطول في عمر الشيخ زايد الذي بنى دولة وخلاها من بعد سبع يد واحد فيها كل زين وكامل من علم، وطيب وعمران وفضيلة ومساجد وكل ما يوفر الراحة والحياة الكريمة لشعبه ولعياله وإخوانه، وندعي الله في كل صلاة وفي كل قومة ويلسة (القيام والجلوس) إن الله يحفظه ويطول عمره ويخليه ذخرا لنا وللعرب والمسلمين.</font>