كان لدى أبو سلطان منزل في إحدى الدول العربية حيث كانوا يقضون إجازتهم السنوية وكان سلطان الولد الوحيد عنده بين ثلاث فتيات ولدن قبله فكان طبعاً المدلل وطلباته أوامر عند الجميع، وكان يحب السفر الى ذلك البلد حتى أصبح شاباً وقرر الالتحاق بكلية الحقوق واختار الكلية في بلده الثاني مع أصدقاء الطفولة، رحب والداه بالفكرة وباركوها فهناك لديه منزله وجيران يحبونه ويهتمون به كولد من أولادهم ثم انه على مرمى حجر منهم لو أرادوا رؤيته في وقت وعلاوة على ذلك فهو لا يزال في بلد عربي قريب بعلاقاته الاجتماعية وعاداته وتقاليده من بلده الأم.. جلست أم سلطان في غرفتها ودموعها على خدها فدخل زوجها وابتسم قائلا لها لماذا تبكين انه مستقبله وانت تعلمين جيداً ان هذا اليوم سوف يأتي فلم البكاء، قالت له انت تعلم انها المرة الأولى التي أفارقه فأنا لا أستطيع أن أغمض عيني إذا لم يكن في المنزل فكيف إذا كان بعيداً عني آلاف الأميال لا اعرف إذا كان يأكل جيداً او سيشعر بالغربة وإذا احتاج لشيء فهو يخجل ان يطلب من احد فانت تعلم كم هو خجول ورقيق ويخاف أن يزعج الناس من حوله. قال لها لو كان في بلاد الغرب فأنا معك لكنه قريب منا ولديه أم محمد في المنزل مع زوجها فهو لا يخجل منها كما انه يحبها ويحب طعامها ألا تذكرين ثم لا تنسي أصدقاءه وأهلهم فهم يحبونه جداً لا عليك يا أم سلطان وكلي أمره الى الله سبحانه وتعالى وهو يدبر أمره، أما سلطان فما ان وصل الى هناك حتى خرج مع أصدقائه بسيارته الجديدة يقودها في شوارع المدينة المكتظة بالناس وهو فرح فالجامعة لن تبدأ قبل أسبوع ولديه الوقت الكافي ليجهز نفسه، لا سيما ان والده كان قد ابتاع له السيارة التي ارادها واشرف على تجهيز المنزل بكل ما يحتاجه وحيده ثم قال له انتبه جيداً الى نفسك يا ولدي.



مضى العام الأول والثاني على خير وكان سلطان قد اختار ان يصبح محامياً نظراً لما يتمتع به من قوة إقناع وكلام منمق وحبه لسماع مشاكل الناس ومحاولة إيجاد حلول لهم فمنذ صغره كان يكره الظلم والظالمين وكان دائماً يشده أي فيلم يكون فيه احدهم في المحكمة فكان يشاهده بانتباه وتركيز شديدين الى ان قال لهم أريد ان أصبح محاميا عندما اكبر وهكذا صار وها هو أصبح في عامه الثالث، وكان يودع أهله كعادته عند البدء بعام دراسي جديد عندما حضر زوج شقيقته وقال له أريد ان أكلمك على انفراد فقال له طبعاً تفضل الى غرفتي فجلس وهو قلق وقال له خير إن شاء الله ماذا هناك؟ قال لن تستطيع السفر قال لماذا؟ قال له هل تعرف فتاة اسمها سارة فأجابه: لا لماذا؟.. قال له لأن احد زملائي الضباط من مركز الشرطة اتصل بي ليخبرني بان الفتاة قد اشتكت عليك بتهمة التحرش وانك قد أخذتها بالقوة وتحت تهديد السلاح الى احد الأماكن المعزولة لكنها تمكنت من الفرار وأتت الى المركز بثيابها الممزقة وخدوش ظاهرة على يديها لتعطيهم اسمك ورقم سيارتك وسوف تصل دورية الشرطة بين لحظة وأخرى لاصطحابك فقل لي الحقيقة قبل ان يصلوا ويعلم والداك بالأمر فقال: ماذا تقول انت تعلم جيداً إنني إنسان اخاف الله وملتزم حتى إنني لا أتكلم ولا اعرف أي فتاة هنا، وحيث ادرس يوجد لدي صديقات في الجامعة وانا اعتبرهن كأخوات لي ثم انت أكثر إنسان قريب مني فهل تصدق هذا الكلام عني؟ قال طبعاً لا لكنني اردت ان أتأكد فقط.. على كل حال تعالى معي لنذهب الى المركز قبل ان يأتوا فقد طلبت من الضابط ان ينتظر اتصالي قبل ان يرسل أحداً خوفا على والديك من الخبر وبأذن الله سوف نحل الموضوع معه..

عند دخوله الى المكتب هجمت عليه فتاة في حوالي السادسة عشرة من العمر وأخذت تضربه بيديها وتقول له ألا تخاف الله ماذا فعلت لك لتفعل بي ما فعلت فنظر إليها والدهشة تملأ وجهه، وقال عفواً يا أختي هل انت متأكدة بأنني الشخص الذي حاول مهاجمتك قالت طبعاً سوف تقوم بلعب دور الحمل الوديع الآن لكنك لن تنجح فأمثالك مكانهم هو السجن، نظر إليها زوج شقيقته، وقال انت على حق يجب ان يسجن، لكن قبل ذلك قولي لي هل هو من أحدث تلك الخدوش في ذراعيك ورقبتك؟.. قالت نعم.. هل رأيت كم هو متوحش؟.. فقال فعلا لو كان هو فسوف يكون همجياً ويأخذ نصيبه لكننا يجب ان نتأكد من كلامك ونحولك الى الطب الشرعي حيث يقومون بأخذ عينات منك ويحللونها كالحمض النووي وما علق على جلدك من أثر أظافره ونقارنها معه وعندها ينال ما يستحقه من عقاب، هنا تسمرت الفتاة ونظرت إليهم بذعر قائلة هل هذا ضروري؟ قال طبعاً والا لكان بأمكان أي أحد باتهام أي شخص ورميه بالسجن، عندها جلست الفتاة على الكرسي وأخذت بالبكاء واعترفت انها كانت تريد ان تلقنه درساً لأنه رفض ان يكلمها بعدما اتصلت به عدة مرات على هاتفه وفي آخر مرة قال لها كلاماً قاسياً وأغلق السماعة في وجهها، لم يحب الضابط بمساعدة سلطان ان تأخذ القصة حجماً اكبر من حجمها فهي فتاة صغيرة وأهلها كما يبدو لم يجيدوا او ليسوا متفرغين لتربيتها فتركوها تذهب بعد ان ألقوا عليها محاضرة بالأخلاق وتهديد خفيف بسجنها بسبب كذبها وإزعاج السلطات وتمنوا ان تكون قد تلقت درساً، أما سلطان الذي وبالرغم من خوفه في البداية على أن تتمسك الفتاة بأقوالها إلا أنه حزن عليها وما آلت إليه أحوال الناس من حقد وغل وهم بأعمار صغيرة لكنه شكر الله على ان القصة انتهت على خير وظهر الحق بسرعة قبل ان يعلم أهله بالذي جرى، عاد الى جامعته ليكمل حياته التي اهتزت قليلا بسبب تلك الحادثة وعرف بأنه يجب عليه ان أراد ان يصبح محامياً لامعاً ان يشك بالجميع الى ان يثبتوا له العكس فها هي فتاة صغيرة سردت أمامه قصة عنه وكاد ان يكذب نفسه ويصدقها بسبب صدقه وتعامله مع الناس بطيبة.


الجنيــــــــ الحلوة ــــة