* هل صادفت في حياتك شخصاً لايمتلك حاسة شم؟ ولا يستطيع التمييز بين الروائح؟

* وهل أصبت في يوم بزكام ووجدت نفسك عاجزا عن تفسير فقدانك الوقتي لهذه الحاسة؟

* وكم هي صعوبة الحياة بدونها؟

* هل شممت يوما ما عطرا اعجبك ولم يعجب من كان معك؟

* هل سألت نفسك لماذا نميز الروائح؟ ولماذا تشعرنا بعض الروائح بالغثيان واخرى بالفرح؟

* وهل سمعت بالعلاج بالعطور؟

* وهل صادفت اناساً اصحاب حاسة شم قوية جدا؟

أسئلة كثيرة تبحث عن اجابات سنحاول الاجابة عن البعض منها، من خلال عرض آخر ما توصل اليه العلم، وعن طريق عرض حقائق ومعلومات خاصة بهذه الحاسة الرائعة، التي ظلت لغزا خفيا لفترة طويلة، الا انه بدأ يتكشف مع تقدم العلم، الذي بدأ بخرق اسبار الحياة، محاولا فتح الابواب المغلقة، كاشفا عن ظلمه تحيط بالكثير مما حولنا وما بداخلنا. فعلى الرغم من الشوط الطويل الذي قطعه العلماء في مجالي التشريح وعلم الوظائف، الا ان ذلك لم يحل اللغز بشكل كامل، فجاء الدور الآن على علم الجينات، ليخترق مجاهيل هذه الحاسة، مزودا العلم والطب بمفاتيح جديدة لاسرار الجسم البشري.

خفايا حاسة الشم

وهب الله الانسان الحواس الخمس التي تمكنه من ادراك ما حوله، ومن قدرة الله سبحانه وتعالى ان جعل لكل حاسة منها عضوا وانسجة وخلايا واعصابا ومستقبلات خاصة، تميز فيما بينها، وآلية عمل مختلفة عن غيرها، وموقع ارتباط خاصا بالدماغ لايشارك الحاسة شيء فيه، ولاتتأثر الحواس الاخرى في حالة اصابة موقع احداها في الدماغ، مع وجود ارتباط بين هذه الحواس.

تعتبر حاسة الشم من اكثر حواسنا غرابة واستعصاء على الفهم، فهذه الحاسة التي صنفت كحاسة كيميائية، اي ان عملها يعتمد على تأثير المواد الكيميائية، لم يستطع العلماء الى الآن تفسير قدرتها على التمييز بين الروائح المختلفة التي يقدر ان الانسان يستطيع تمييز 010000 نوع منها. كذلك تفسير امتلاك بعض الحيوانات لحاسة شم قوية تعادل 20-50 ضعف قوة حاسة الشم لدى الانسان الطبيعي، بالاضافة الى محاولة علاج المرضى الذين يعانون من اضطراب او فقدان حاسة الشم، واخيرا اختراع اجهزة تحاكي الانف في قدراته على الشم وتمييز الروائح.

البداية

تعرف العلماء في الماضي على نوع الخلايا الداخلة في عملية الشم ووظائفها، وميزوا بين انواع منها، وحاولوا من خلال هذه الخلايا الوصول الى التفسير الكامل، الا انهم كانوا يصطدمون دائما بمنطقة مغلقة لايستطيعون تجاوزها، تتمثل في تركيبة من البروتينات والمستقبلات والاعصاب، لم يستطيعوا ايجاد رابط يجمعها. لذلك سنحاول هنا شرح بعض الاسس المهمة في عملية الشم واجزائها، ثم الدخول في آخر ما توصل اليه العلماء في هذا المجال.

تبدأ عملية الشم مع دخول الجزيئات المتطايرة الدقيقة جدا (اقل من 300 حجم جزيئي) الى فتحة الانف، ثم وصولها الى منطقة تدعى المنطقة الشمية، حيث تذوب هذه الجزيئات في الطبقة المخاطية الرقيقة المحيطة بهذه المنطقة والتي تفرز من قبل غدد بومان (Bowmanصs glands)، ثم تقوم بروتينات خاصة موجودة في المنطقة المخاطية بنقلها الى المستقبلات الشمية (Receptors Olfactory)، التي يقدر عددها بحوالي عشرة ملايين مستقبل، والتي تقع على سطوح بروزات دقيقة جدا تدعى الاهداب (Cilia)، وتتصل هذه المستقبلات بدورها بالاعصاب الشمية التي تتجمع في منطقة واحدة تدعى البصلة الشمية (Olfactory Bulb)، التي ترسل هذه الاعصاب الى منطقة الاميكلادا (amygdala) في الدماغ حيث يتم تحليل الرائحة والتعرف عليها. يدخل ضمن عملية الشم هذه عدد كبير من العمليات الكيميائية والجينية التي ما زال العلم الحديث عاجزا عن فك طلاسمها ومعرفة اسرارها.

ولابد هنا من الاشارة الى بعض الامور التي لديها علاقة مباشرة بحاسة الشم في محاولة لفك هذه الطلاسم، منها الصفات الخاصة التي يجب ان تمتلكها جزيئات الرائحة، فهذه الجزيئات يجب ان تكون دقيقة جدا بحيث لا تتجاوز 300 حجم جزيئي، ويجب ان تكون قليلة القطبية، وقابلة للذوبان في الماء والدهون.

وشيء آخر مهم يجب عدم اغفاله وهو ان مساحة المنطقة الشمية عند الانسان والموجودة في كل منخار لاتتعدى 5 سم مربع بينما عند القطط تصل الى 25 سم مربعا وعند الكلاب الى 50 سم مربعا. ولون هذه المنطقة عند الانسان يميل الى اللون الاصفر بينما يكون لونها بني عند الكلاب. ويرجع العلماء ذلك الى كثافة المستقبلات والاعصاب عند الكلاب في هذه المنطقة. يضاف الى ذلك امتلاك الاعصاب الشمية لصفة تميزها عن جميع انواع الاعصاب الاخرى وهي وجود خلايا جذعية تحتها تجعلها تتجدد كل 40 يوما.