السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هذه احدى القصص التي أعجبتني و أنا أقرأها و أحزنتني في نفس الوقت




من الواقع ... الضحكة الأخيرة
العنود كانت آخر العنقود، لم تتوقع والدتها أن تحمل.. صحيح انها لا تزال في بداية الأربعينات لكنها تجهز لفرح ابنتها خجلت من ان تتكلم أمام أولادها الذين تفاجأوا بالخبر قبل ولادتها بشهرين فقط. كانت ترتدي ملابس فضفاضة حتى لا يلاحظ أحد انتفاخ بطنها، وكان زوجها يضحك منها ويقول لها تتصرفين وكأنك ارتكبت خطأ، انت ما زلت صغيرة وكثير من النساء ينجبن وهن اكبر منك سناً، أنجبت أم ناصر فتاة جميلة جداً ما لبثت ان حولت صمت المنزل وهدوءه إلى خلية نحل هي ملكتهم التي تقودهم تتنقل بين غرفة وأخرى ضحكتها تملأ المكان، أصبح والدها تقريباً لا يبرح المنزل بسببها. كان وكأنه لم ينجب إلا من قبل. كانت مدللة من الجميع طلباتها أوامر يتسابق أشقاؤها لنيل ضحكة منها أو ضمّة. هذا يبتاع لها الحلوى والآخر يأتي لها بدمية، تلك تسرح شعرها وأخرى تقرأ لها قصة قبل النوم كانت فعلاً كاللعبة عندهم، كانت لطيفة جداً وتحب الجميع وتعاملهم بطيبة كانت تسبق الجميع بإلقاء التحية والسلام.




كانت تحب أن ترى حافلة المدرسة التي تقف أمام منزلهم لتأخذ الأطفال وكانت دائما تسأل والدتها متى تذهب معهم فتقول لها قريباً، إلى ان أصبحت في سن الرابعة وتحقق حلمها بالذهاب إلى المدرسة مع باقي الأطفال، توقع والديها ان تبكي في أول يوم عندما يتركانها لكنها انسجمت بسرعة مع الباقين، شعر والداها ان اليوم لن يمر فكانا ينظران إلى الساعة بانتظار مرور الوقت وعندما وصلت الحافلة أخيراً تسابقا إليها حملها والدها وأنزلها وهو يسألها اخبريني كيف كان يومك؟ هل تريدين الذهاب غداً فقالت نعم طبعاً لماذا ألا نستطيع الذهاب كل يوم؟ قال طبعاً تستطيعين لكن والدتك وانا اشتقنا إليك كثيراً فقالت تعالا معي في الغد فسوف تحبانها فقط اشتريا شنطة وأقلاماً للرسم والتلوين.

كان أبو ناصر يذهب إلى الشركة عندما تكون العنود في المدرسة ويعود قبلها ليستقبلها وتخبره كيف قضت يومها وتنشد له الأناشيد التي تعلمتها والأحرف المرتبطة بصور الحيوانات والألوان، كان ينظر إليها بفرح كبير، كان يضمها إلى صدره بحنان، حتى ان أشقاءها وشقيقاتها أصبحوا يشعرون بالغيرة منها كانوا يقولون له انت لم تكن قط معنا مثلما انت معها فكان يبتسم ويقول لهم انتم سوف تتركوننا قريبا أما هي فباقية لوقت طويل معنا أو إلى ان نقابل وجهه الكريم. لكنه لم يعلم ما يخبئه القدر له، ففي آخر يوم دراسي استيقظت العنود قبل الوقت المحدد وتوجهت إلى غرفة والديها واندست معهما في السرير فقالت لها والدتها عودي إلى النوم فلا يزال الوقت مبكراً قالت الصغيرة لا أريد ان أكون جاهزة لأنني اليوم سوف استلم شهادتي ولقد قالت لي المدرسة بأنني نجحت وأنني الأولى في الفصل لذلك سوف أقف في الوسط والجميع سيصفق لي كما انني أريد ان ارتدي الفستان الجديد وتسرحي لي شعري بطريقة جميلة فأنا لا أريد ان اعقصه اليوم، ضحك والدها وقال لها حسناً كما تريدين وانا سوف ابتاع لك هدية بهذه المناسبة فماذا تريدين قالت أريد حاسوباً صغيراً ومنزلاً لدميتي باربي فقال حاضر وسوف ابتاع لك كعكة عليها صورة لك وندعو الأهل ليباركوا لك بالنجاح، فرحت جداً بالفكرة وأخذت رأسه بين يديها الصغيرتين لتعطيه قبلة قبل ان تسرع متوجهة إلى غرفتها وتبدأ بارتداء ملابسها بمساعدة والدتها وضحكتها الرنانة تملأ المنزل.

مر اليوم بسرعة حيث توجه أبو ناصر لشراء الهدايا التي طلبتها صغيرته قبل ان يعود إلى المنزل لانتظار وصولها كعادته كل يوم من أيام المدرسة، رأيا الحافلة من بعيد فقالت أم ناصر لزوجها انظر ها هي قد ظهرت سمع صراخ الأطفال وضحكاتهم البريئة على بعد شارع منهم فجأة رأياً شاحنة كبيرة قادمة من الجهة المقابلة بسرعة جنونية كانوا يتوقعون منها ان تخفف سرعتها قبل الإشارة المرورية لكنها لم تفعل نظرا إلى حافلة المدرسة التي انطلقت حاولا تنبيه السائق لكنه كان بعيداً نسبياً عنهما وصوت الصغار يملأ أذنيه فما كاد يقطع الطريق الا وكانت الشاحنة قد وصلت إليه واصطدمت به بقوة كبيرة وجرته مسافة قبل ان يضرب العامود الكهربائي وتنقسم الحافلة نصفين، كل هذا جرى بلحظات قليلة، فجأة عّم هدوء غريب المكان، سكون مخيف سيطر على الشارع، كان والدا الصغيرة ينظران وكأنهما يشاهدان فيلماً سينمائياً أخذتهما الصدمة للحظات أخرى قبل ان يصرخ الوالد المكلوم ابنتي ويتوجه كالمجنون إلى مكان الحادث، كان الناس قد بدأوا يتصلون بالاسعاف والشرطة، اما هو فكانت أنفاسه تتقطع صعد إلى ما تبقى من الحافلة فرأى السائق والدماء تغطي وجهه لم يعرف ما إذا كانت ميتاً او حيا توجه إلى حيث تجلس صغيرته فوجدها تحت المقعد والدماء تغطيها وتسيل منها أخذها بين ذراعيه بحرص شديد وكان قد صعد وراءه شابان لمساعدته في إنزال الأطفال خوفاً من اشتعال الحافلة فرائحة البترول تملأ المكان، هالهم ما رأوا تقريبا خمسة او ستة أطفال يسبحون بدمائهم الزكية صراخهم بدأ يعلو اطمأنوا بأن أحداً منهم ما زال على قيد الحياة، وصلت سيارات الإسعاف والشرطة طلبوا من الجميع الابتعاد، كان أبو ناصر قد ترجل وجلس أرضاً يحتضن صغيرته ويناديها بصوت خافت ويقول هيا افتحي عينيك وانظري إلي اخبريني ماذا فعلت اليوم في المدرسة، كيف صفقوا لك ردي علي أنا بابا وصلت والدتها سقطت راكعة على الأرض وهي تنظر إلى العنود وهي جثة هامدة وشبه ضحكة على شفتيها فصرخت ابنتي حبيبتي، أتى المسعف ليأخذها فقالت أرجوك دعها قليلاً معي أريد ان اقبلها وأودعها.

غابت العنود وغاب كل شيء معها ودعت البسمة شفاه أهل المنزل الكبير الذي لفه البرود برحيل وردته وفراشته عنه، أبو ناصر يغالب المرض ينظر من وقت لآخر إلى الورقة التي كانت تحملها العنود بيدها الصغيرة ليقرأ اسمها وبجانبه كلمة الأولى في الفصل تغطيها نقاط من دمها، أما زوجته فهي قابعة في زاوية تصلي وتطلب ان يلهمهم الله سبحانه وتعالى الصبر والسلوان.

والسموحة