بسم الله الرحمن الرحيم ...
هذه قصة قمت بكتابتها قبل فترة طويلة و أهملتها بعد ذلك أمسكت بقلمي من جديد لأضيف إليها بعض التعديلات الطفيفة إنها في ذكرى شخص رحل بعيدا جدا حتى طوته الذكريات و قذفت به في عالم آخر و إن كانت هذه القصة تسطر الحرمان و المعاناة و الصراع في جزئها الأول الذي سأعرضه اليوم إلا أنها في الأجزاء الأخرى التي ربما أكتبتها في المستقبل القريب أو ربما لا أتمكن من كتابها على الإطلاق قد تضيف معاني جديدة على أية حال إليكم الجزء الأول ...
الجزء الأول : ( المعاناة الأبدية )
في تلك الزاوية المظلمة من غرفتي جلست وحيدا أنقر بطرف أصبعي على طاولتي و أحدق في ذلك الظلام الدامس الذي خيم على كل شيء في الغرفة كنت أحدق هناك إلى تلك المرآة المصقولة في الطرف الآخر من الغرفة لاحظت إنعكاس صور بعض الأشياء في الغرفة و ظهورها على صفحة المرآة كانت الصور غير واضحة بسبب الظلام فاقدة لبقريقها و ألوانها الحقيقية و معظم أجزاءها لم يكن بالإمكان رؤيتها إلا أنه يمكن تمييزها بسهولة إلا وجهي فقد إستعصت علي رؤيته كنت أفكر في ما آلت إليه حالي و أتساءل أين الخطأ فيما أقوم به حتى تؤول الأمور إلى ما آلت إليه كان ذلك أشبه بكابوس مخيف أبا إلا أن يظل جاثما على حياتي و ألا يفارقها أبدا في الليل و في النهار و لسعات البرد تتغلل في جسدي لتزيد من حالتي سوءا أغمض عيني فلم يعد باستطاعتي احتمال المزيد هناك شيء واحد لا بد من عمله لإصلاح الأمور و لكن هيهات فلم يعد باستطاعتي بعد اليوم عمل أي شيء حتى أصغر الأعمال كانت تسبب لي من الإرهاق ما لا أطيقه إنني أفتقد التصميم و العزم إنني أفتقد القوة و الأمل إنني مجرد طفل أضاع طريقه في غابة مظلمة فأضناه التعب فحط رحاله بالقرب من عرين الأسود الجائعة فأغمض عينيه و نام من شدة الإرهاق و التعب و الشعور الداخلي بالضياع و عند بزوغ الفجر و إذا به يستيقظ على ذلك الصوت المخيف و مجموعة من الأسود المتحفزة و الجائعة تحيط به ليطلق صرخة قصيرة غير مسموعة و ينهار بعدها دون حراك و يختفي جسده الغض من هذه الأرض و إلى الأبد في تلك الأيام كنت المتهم و الجاني في نفس الوقت في جريمة لم اقترفها كنت البريء الذي ينتظر صدور الحكم بإعدامه لم يكن هناك أي مجال للمقاومة أو الهرب من القدر فالنهاية آتية لا محالة و لا شيء يمكن أن يحول دون تمكن القدر من الفتك بفريسته التي أستسلمت دون أي بوادر عن المقاومة و لكن تبقى في كل منا قوة خفية إنها كامنة في أعماقنا تتحرق شوقا لتنطلق في هذا العالم و تكسر حاجز المستحيل المرة تلو الأخرى و لكن هذه القوة و دون سبب مقنعة و هو المفتاح الحقيقي الذي باستطاعته فتح ذلك الباب الأسطوري فلن تخرج أبدا إلى الحياة و حتى و إن وصلت إلى عتبة الباب فستنظر بعين الحزن إلى ذلك العالم المنهار و المتصدع و ستجد أنه من الأفضل لها أن تعود إلى سباتها لأنه لم يعد هناك المزيد من الأمل في هذا العالم و هو الشيء الوحيد القادر على إبقائها حية ذلك الباب الذي نجهل جميعا ما يخفي وراءه إنه وحش يغط في سبات عميق إنه الانعكاس الحقيقي لذواتنا إنه الأحلام التي تولد معنا و نجد أنفسنا و قد قتلناها بأيدينا و قمنا بدفنها لألا يذكرنا أي شيء بها في المراحل المبكرة من حياتنا لننساها بعد ذلك و كأنه لم يكن لها وجود لنعيش بعدها حياتنا و نقنع أنفسنا بعد كل تلك السنوات أننا سعداء حقيقة و لا ينتابنا أدنى شعور بالذنب و الغريب أننا جميعا ننجح في ذلك.
تم اقتيادي إلى تلك المحكمة كما اقتيد غيري إليها لأن أحلامهم لم تكن تعرف حدودا لقد خرجت أحلامهم عن القانون و أصبحت مصدر تهديد و خطر على الجميع و لذلك يجب إعدامهم و مع موتهم لن تجد أحلامه تلك أي فرصة لتتجسد على أرض الواقع و ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه في يوم من الأيام أن يحلم و يجعل أحلامه تخرج إلى الحياة و بدأ وكيل النيابة ذلك الثعلب العجوز بعد تدخين غليونه الذي كانت تملؤه رسومات طفولية حتى شككت أنه قد رسمها بنفسه في إحدى أوقات فراغه الطويلة لقلوب و سهام تخترقها في سرد لائحة طويلة من الاتهامات طالب في نهايتها بإيقاع أشد عقوبة بي أمسك القاضي بالقلم و دون أن يرف له جفن وقع على قرار بإعدامي و سألني بعد ذلك و ابتسامة ذئب عجوز قد ارتسمت على وجهه هل هناك أي دفاع لدى الفتى؟ ببطء يملؤه اليأس هززت رأسي بالنفي شعرت أن ذلك مضيعة للوقت فلم يكن منه إلا أن بدأ بسرد الحكم الجائر و مع كل كلمة كانت تلك الابتسامة تزداد اتساعا و حياتي تظلم شيئا فشيئا و تقترب من نهايتها في تلك اللحظات شعرت بفراغ نفسي هائل لم أشعر به من قبل لم أعد أشعر بشيء كل شيء في هذه الحياة لم تعد له أي أهمية تخلى عني الجميع و لم يعد أي منهم يتذكر حتى اسمي و أثناء خروجي من قاعة المحكمة في طريقي إلى ساحة الإعدام بدأت أفحص تلك الوجوه التي أمر بها عسى أن يكون منها وجه شخص أعرفه و لكن كانت خيبة أملي أكبر بكثير مما أتصور و أنفطر قلبي المتصدع الذي انهارت أركانه و هوى ساقطا متناثرا كحبات البلور المتلألىء على الأرض و صوت ارتطامه و تناثر أجزاءه لا يزال يرن في أذني كانت تلك مسافة طويلة تلك التي تم اقتيادي خلالها إلى منصة الإعدام فاعترى الإرهاق جسدي المتعب.
هذا هو جسدي الآن بعد إعدام صاحبه يحمل بلا مبالاة و يلقى في حفرة تم إعدادها على عجل في قلب الصحراء لماذا في قلب الصحراء 1تحديدا؟ لا أدري و لكن ذلك لا يبدو رومانسيا على الإطلاق هذا ماحدث لجسدي و لكن أين أنا آه تذكرت لقد كنت هناك في ما يشبه النفق الطويل المظلم الذي ليس له نهاية و إن بدا في الأفق بصيص من نور يخيل للرائي و لكن ذلك ليس حقيقة إنه أشبه بالسراب في الصحراء كنت لا شعوريا أسير باتجاه ذلك الضوء الخافت الذي يلمع في الأفق البعيد لا أدري كم مضى من الوقت و أنا على هذه الحال إلى أن بدأ ذلك الضوء في الأفق البعيد يزداد شدة و تألقا و لمعانا و فجأة ملأء الضوء كل شيء حولي و من شدته لم أستطع رؤية أي شيء أثناء ذلك بدأت تراودني الأفكار الغريبة عندها بدأت الرؤية تتضح قليلا يبدو أنني وصلت إلى الجنة أخيرا لكن لحظة يبدو أنني مخطىء لا لا يمكن ذلك فدرجة الحرارة التي بدأت أشعر بها أصابتني بالجنون هل يعقل أنني في الجحيم؟ و لكن ماهذا؟ هناك شيء جاثم على صدري أخيرا اتضحت الرؤية إنها السماء الزرقاء الصافية مع بعض الغيوم الخفيفة تنفست الصعداء أخيرا فلست في الجنة أو حتى في الجحيم بدأت أنظر حولي إلى تلك الصحراء الشاسعة لكن ماهذا الشيء الجاثم على صدري؟ رفعت رأسي قليلا إلى الأعلى إنه شيء أشبه بالنسر الأصلع و لكنه يختلف عنه كثيرا إن لونه ذهبي هل أنا أحلم أو أن ما أراه حقيقة؟ كانت عينا ذلك الطائر مفتوحتين و مع ذلك كانتا فاقدتين لبريقهما المعتاد إنه مجرد طائر ميت إذا و لكن ما الذي أتى به إلى جسد رجل ميت أيضا؟!
مواقع النشر (المفضلة)