بسم الرحمن الرحيم
<span style='color:Blue'>الأسس النفسية لإرشاد المراهق</span>
يضع علم النفس الحديث مجموعة من الأسس والقواعد النفسية أو السيكولوجية التي تحكم إرشادنا للأفراد، وتوجه هذا الإرشاد بحيث يؤتي ثماره المرجوة بأقل جهد ممكن وفي أقصر وقت.
وأول ما يتبادر إلى الذهن هو تحديد مفهوم عملية الإرشاد النفسي .
التي يعتمد عليها في علاج مشكلات <span style='color:Red'>المراهقين</span> وفي الوقاية من الإصابة بها.
و الإرشاد لغة : من (رشد) ، والرشاد ضد الغي، تقول رشد، يَرْشُد، وأرشده الله تعالى ، والطريق الأرشد ، وأرشد يرشد إرشاداً . والرُّشد هو الصلاح - ضد الغي والضلال - أي تحقيق الصواب، والفاعل منه: راشد ومُرشد.
ومؤدى ذلك أن الإرشاد معناه الوصول إلى الرشاد أو الصلاح أو السداد أو السواء، وبذلك يشير اللفظ إلى تقديم العون والمساعدة والنصح والتوجيه وتغيير السلوك وتعديله ، وتعليم الفرد أنماطاً سلوكية جديدة ، وتخليصه من العادات السلبية وتوعيته بالأساليب السليمة ، بغية تخليصه مما يعانيه من المشكلات والأزمات ، أو إرشاده إلى الطريق الصواب ، وإبعاده عن طريق الضلال أو الغي أو الطغيان أو الفساد والانحراف، أو المعاناة من الأمراض والأزمات النفسية الخفيفة نسبياً . ذلك لأن المشكلات النفسية الصعبة تحتاج إلى العلاج النفسي، ولا يكفي معها الإرشاد.
وللإرشاد النفسي تعريفات كثيرة تختلف باختلاف بؤرة اهتمام المرشد ،
- ولكن بوجه عام - تستطيع أن تقول إنه : تلك العمليات التي تستهدف مساعدة الفرد على حل مشكلاته، ومن ثم حسن استغلال طاقاته وإمكاناته وقدراته واستعداداته وميوله ، واستخدامها استخداماً صحيحاً . وبذلك يؤدي الإرشاد النفسي إلى مزيد من تكيف الفرد مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش في وسطه. ويقوم بهذه العملية شخص مؤهل تأهيلاً علمياً ومهنياً هو المرشد . وتتطلب هذه العملية أن تقوم علاقة بين المرشد وبين العميل - أي الشخص الذي نقدم له العون والمساعدة - قوام هذه العلاقة الثقة المتبادلة والتعاون .
ويساعد الإرشاد الفرد على فهم نفسه فهماً حقيقياً وموضوعيّاً ، وعلى إقامة علاقات طيبة وإيجابية مع غيره من الناس . ومعنى ذلك أن الإرشاد في جوهره ، عملية تعليم وتعلم ، وإن كان تعلماً اجتماعياً.
والمعروف أن التعلم هو : تغير يطرأ على سلوك الكائن الحي، أو هو تعديل في السلوك يحدث نتيجة المران والتدريب والخبرة والممارسة، فهو المجهود الذاتي الذي يبذله الفرد لكي يتعلم، أما التعليم فهو النشاط الذي يبذله المعلم .
<span style='color:Blue'>الأصول الإسلامية للإرشاد النفسي:</span>
وعلى الرغم من ادعاء الغرب أن الإرشاد النفسي من منجزاته إلا أن لهذه العملية أصولها الإسلامية ، فللإسلام فضل السبق على حضارة الغرب في هذا المضمار . فإذا كانت عملية الإرشاد - في جوهرها - عبارة عن مساعدة الفرد عن طريق إسداء النصح وتقديم المشورة، فلقد قام إسلامنا الحنيف على أساس من العديد من المبادئ الإنسانية من بينها مبدأ النصيحة إلى الحد الذي جعلنا نصف ديننا الإسلامي بالقول بأن [ الدين النصيحة ] [رواه البخاري ومسلم ] .
وفي الأثر أن المسلم مدعو لتقديم النصح لأخيه المسلم إذا استنصحه، أي إذا طلب منه النصح ، والتراث الإسلامي الأغر حافل بكل ما يوجه الإنسان ويرشده ، وينوره ، ويوقظ ضميره ، ووعيه ، وإدراكه ،ويقدم له الأدلة والشواهد والبراهين، ويساعده على الاقتناع والإيمان .
وفي القرآن الكريم آيات الترغيب والترهيب ، وهي ليست إلا ضرباً من ضروب النصح والتوجيه والإرشاد والوعظ والإنذار، كذلك فإن اتباع الشريعة الإسلامية في حد ذاته ضرب من توجيه سلوك الفرد توجيهاً صحيحاً ، فالإسلام يرشد أصحابه ، ويوجههم ، وينصحهم ، وينظم لهم حياتهم الفردية والأسرية والجماعية والعقائدية والاقتصادية والعملية، وعلاقاتهم بغيرهم من الأمم ، وينظم شؤونهم الأسرية والسياسية .
والدروس الدينية والخطب المنبرية والبرامج الدينية وما إليها ليست في الحقيقة سوى إرشاد للناس إلى سواء السبيل، وللتخلص من مشكلاتهم وآلامهم، والاستفادة من نعم الله عليهم ، والاهتداء إلى سواء السبيل ، والإيمان بالله تعالى وبرسوله العظيم.
ولقد كان المسلمون عبر الأجيال المختلفة ، إذا ألمت بالواحد منهم مشكلة ما يذهب إلى إمامه يستوضحه الأمر ، ويطلب منه النصح والمشورة ، ويتعرف منه على حكم الشرع في مشكلته ، وما يزال هذا المنهج سائداً كما يحدث الآن ويذهب المواطن إلى المرشد النفسي يسأله النصيحة، والمساعدة لحل مشكلاته، فالإرشاد النفسي ليس غريباً عن المناخ الإسلامي بل إن أصوله نابعة من تراثنا الخالد الذي شمل -بحق- كل جوانب المعرفة الإنسانية من علوم وفنون وفلسفة وآداب وعمارة..إلخ.
أليست الدعوة لتعلم القراءة والكتابة ضرباً من الإرشاد ، والتوجيه لتنمية قدرات المسلم وخبراته ومعارفه : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ) . [العلق: 1-5] .
ويهتم الإسلام بتعليم أبنائه القرآن الكريم ، ومن خلال هذا الدستور العظيم يتم الإرشاد الخلقي والروحي والاجتماعي والإيماني والنفسي والقلبي للمسلم ، ولم تكن مهمة المعلم قاصرة على تعليم القراءة والكتابة ، بل تعليم الآداب والسلوك المهذب ، ولذلك كثيراً ما كانت تطلق كلمة "مؤدب الصبية" لتترادف مع كلمة "معلم الصبية"، مشيرة إلى دور المعلم في توجيه أبنائه وإرشادهم، وتهذيب خلقهم وسلوكهم . وليس ذلك بمستغرب على الإسلام الذي اهتم بالطفولة ، واعتبر الأولاد زينة الحياة الدنيا : ( المال والبنونَ زينة الحياة الدنيا ) . [الكهف: 46] .
ومن وجوه الإرشاد الإسلامي الدعوة لإقامة العلاقات الأسرية على أساس من الحب والعطف والمودة والرحمة والسكينة: ( ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) . [الروم: 21].
ومن وجوه إرشاد الأب أن يحسن لأسرته، كما جاء في هدي رسولنا الكريم [ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] رواه الترمذي .
وليست الدعوة للتوسط والاعتدال سوى ضرب من ضروب الإرشاد للأمة الإسلامية لتكون وسطاً ، فلا إفراط ولا تفريط في شتى مظاهر الحياة، ولا إسراف ولا تقتير.
ولقد وردت معاني الرشد والإرشاد في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة: 186 وفي استعمال الرشد في مقابل الغي يقول الله سبحانه : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة: 256.
ومبدأ عدم القسر أو الإكراه من مبادئ الإرشاد السليم ، حيث يؤمن الإنسان بالفكرة أو بالعقيدة عن اقتناع ورضًى، وليس نتيجة للقسر أو القهر أو الإكراه.
وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم أيضاً: ( إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنا به ) الجن 1-2 . وقوله تعالى: ( فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) [ النساء: 6 ] وقوله تعالى : ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً ) الكهف: 10 كما ترد كلمة "الراشدون" في قوله تعالى: (أولئك هم الراشدون) . الحجرات:7
وكذلك لفظة " رشيد " في قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام: ( فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) . هود: 78 . وترد كلمة "مرشد" في هذه الآية الكريمة : ( ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ) . الكهف:17 . فالرشد يعني الاهتداء إلى طريق الحق .
<span style='color:Blue'>قدرة المراهق على الإسهام في حل مشكلاته :</span>
ويقوم الإرشاد النفسي في مرحلة المراهقة على أساس اعتقاد المرشد النفسي COUNSELOR في قدرة المراهق على الإسهام في حل المشكلات التي يعاني منها،وذلك بسبب ما وصل إليه من النضج العقلي والنفسي والجسمي والاجتماعي ويستطيع المراهق أن يحل مشكلاته، وأن يحقق ذاته، إذا ساعدناه في فهم ذاته وفي فهم مشكلاته فهماً صحيحاً .
ومن المشكلات التي تعرض في أغلب الأحيان على المرشد النفسي: مشكلة اختيار المهنة أو الدراسة المناسبة للمراهق ، ومشكلة العجز عن التكيف مع جماعة الأقران أو الأنداد، والرغبة في تغيير المراهق للمجتمع أو الانخراط فيه، وإيجاد مكان له فيه، والتخلص من التوترات الجنسية، والسعي لإيجاد علاقات طيبة مع الأسرة ، إلى جانب مشكلات التأخر الدراسي أو الضعف الدراسي، ومشكلة كراهيةالمدرسة والهروب منها، والشعور بالضياع في عالم مترامي الأطراف ، ومشكلة الشك في القيم القديمة، التي تلقاها وهو طفل وقبلها عن طيب خاطر .
وباعتبار مرحلة المراهقة مرحلة انتقال ، فإن المراهق لا يتسم بالصبر حتى تتم معالجته، ولكن يريد حلاً آنياً في الحال، ولذلك قد لا يواظب أو يداوم على متابعة المعالجة.
كذلك فمن المشكلات الشائعة في المراهقة وجود صراعات بين قيم الطفولة وقيم الرجولة وصراع بين الرغبة في الإشباع الآني أو المباشر لدوافعه والإشباع المؤجل . والمعروف أن الصراع حالة نفسية تتجاذب فيها الإنسان أهداف متعارضة إذا حقق أحدها تعذر عليه تحقيق الهدف الآخر. ويستطيع المرشد أن يوجه المراهق للاختيار الموضوعي الصائب.
ومن الخصائص النفسية للمراهق أنه يسعى للحصول على المساعدة من زملاء في مثل سنه أكثر من سعيه للحصول عليها من الكبار عامة. ويتأثر المراهق في ذلك باتجاهه العام نحو مجتمع الكبار، ويمكن استغلال ذلك في حل مشكلاته عن طريق مساعدة الجماعة التي ينتمي إليها، وفي كثير من الأحيان، تتطلب عملية الإرشاد مقابلة آباء <span style='color:Red'>المراهقين</span> أنفسهم لإرشادهم، وتعريفهم بحقيقة مرحلة النمو التي يمر بها المراهق وخصائصها بحيث يتأكدون من أن سلوك التمرد أو العصيان إنما هو جزء من النمو في هذه المرحلة. كما يساعد الآباء لتفهم حقيقة رغبة المراهق في الاستقلال عن الأسرة، بأنها رغبة طبيعية. ومن شأن هذا الإرشاد أن يساعد كلاً من المراهق ووالده على حد سواء.
ومن شروط الإرشاد الجيد : ألا نكلف المراهق ما لا طاقة له به، لأن تكليفه بأعباء فوق طاقته تزيد حالته سوءًا، ولذلك ينبغي مراعاة قدرات المراهق وإمكاناته، بحيث يقع الإرشاد في نطاق قدراته الطبيعية وخبراته.
على المرشد أن يراعي مبدأ الفروق الفردية بين <span style='color:Red'>المراهقين</span> ، فليس جميع <span style='color:Red'>المراهقين</span> نسخة واحدة، وإنما يختلفون فيما بينهم في كمية ما يمتلكون من الذكاء العام والقدرات والاستعدادات، والميول، والسمات، الشخصية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، وفي كيفية استخدامهم لذلك كله.
والمرشد الجيد يقيم علاقة ودية دافئة قوامها الثقة المتبادلة والاحترام بينه وبين المراهق، حتى تساعد هذه العلاقة أو تلك الرابطة العاطفية على إفصاح المراهق عما يجول في صدره من أسرار أو خبايا.
ولا بد أن يفهم المراهق أن المرشد يستهدف مساعدته، والأخذ بيده، وأنه يختلف عن رجال السلطة أو الإدارة.
ومن مبادئ الإرشاد الجيد مبدأ التدرج في سير خطوات المعالجة أو في العملية الإرشادية، فلا يصح أن تكون طفرية أو فجائية، ولكن لا بد من التسلسل والتدرج من مطلب إلى آخر، أو من مشكلة فرعية إلى أخرى، أو من خطوة إلى أخرى.
وتتطلب العملية إجراء تشخيص دقيق للحالة قبل علاجها، وذلك بالاعتماد على الوسائل الموضوعية الدقيقة في جمع المعلومات، كالاختبارات، والمقاييس والمقابلات، ودراسة تاريخ الحالة..الخ.
(بوعبدالله)
مواقع النشر (المفضلة)