<font color='#996699'><p style="margin-top: 0px; margin-bottom: 0px" align=center><font size=4><font face="times new roman">
<font color=#666699>لم تكن المرة الأولى التي يعرض علي عبدالكريم فيها مرافقته ، للقيام بمهمات من هذا النوع ، وكنت في كل مرة ،
أتذرع بحجة مختلفة . لكني أتذكر ، أنه في تلك المره استفزني .. وسخر من (الانسان) البليد ، الجامد في داخلي ، كما قال :
- هل تريد أن ترى البؤس يمشي على قدميه .. هل تريد أن تستعيد شيئا .. شيئا فقط ، من إنسانيتك المهدره ،
بين كلام مجرد عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه .. لتولد .. وتشب .. وتكبر .. وتمنح الحياة ،
لكائنات لم تعرف معنى للحياة منذ خلقت ..
وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ، إلى (آلية) من آليات السوق ..
أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ، عند (آدم سميث) ، وتلامذته .. رقما .. آليه .. قدرة شرائية .. أنت بإختصار .. (لا إنسان) ..
دع عنك الهمهمة المعتادة :
"الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" ..
اليوم .. وكل يوم .. أنت تفعل الشئ نفسه .. تتقمص نفس الدور المسخ .. (آليه) ..
كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : mr. market mechanism
اليوم .. وكل يوم .. أنت تمارس بسادية ، وأد الانسان في داخلك .
تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم .. لمشهد الحرمان .. الـذي يصنعـه الفقر ..
تعال لترى الانسان عند نقطة الصفر .. كيف هو ..
أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر .. ؟
تستلب الحياة من كل شئ فيه .. إلا عينيه ..
أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر ..؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد .. أنت تعرف السعادة ..
وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف الا الشقاء .
أنت تعرف شيئا اسمه الحزن .. والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن ..
أنت تعرف الشئ ونقيضه ، بدرجات متفاوته .. هو يعرف الكلمة وحدها .. بمعناها السلبي فقط
.. بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة ..
البؤس .. والعجز .. والحرمان .. والألم .. والعري .. والجوع ..
،
،
استفزني عبدالكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه ..
لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الانسان في داخلي ، كما يقول ، ولأتاكد إذا ما كان ذلك (الانسان) الجامد البليد موجودا ..
كنت اتنقل مع عبدالكريم ، من بيت إلى بيت ..
كنت معه في سباق مع الألم ..
في كل مرة يغرس نصلا ..:
- أترى هذا الطفل .. لا يملك إلا ثوبا واحدا .. إذا عاد من المدرسة خلعه .. وخرج إلى الشارع ،
يلعب بسروال فقط .. أتدري لماذا ؟ .. ليس لغزا ..
ولا رياضة ذهنية ..
إنه لا يملك غيره .. ويجب أن يبقى نظيفا .. حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة .
لم ينتظر مني تعليقا ..
في بيت آخر ..
- أرأيت هذه الطفلة .. تم سحبها من المدرسة بعد أن وصلت الصف الرابع ..
لا .. أهلها ليسوا ضد تعليم البنات .. لكنهم اضطروا لذلك ، لأن شقيقها وصل سن الدراسة ..
وليس لديهم القدرة على الصرف إلا على (دارس) واحد .. فكان الولد ..
من منزل لآخر ..
حتى استغرقنا النصف الأول من الليل .. كنت لا أسمع .. إلا :
أرأيت .. أرأيت ..
كان عبدالكريم ، وهو يتجول بي من بيت لبيت .. يفتح أمامي أبواب الحزن والبؤس .. على مصاريعها ..
ويوقفني على مشاهد للحرمان .. ويسكب في عيني ألما ..
- توصلني قريب من مدرستي .. لو كلفت عليك ..؟
أتى رجاؤها مخنوقا .. ممزوجا بالخوف ، ليقطع علي سلسلة الصور التي تداعت إلى ذهني عن حي الأمل ،
وما بقى من آثار تجربه إعادة اكتشاف الانسان البليد الجامد، المغموس بالتفاهات ، الموجود في داخلي ...
،
- لا ... تبقين معي إلى وقت الخروج من المدرسة .. ثم أوصلك ..
غمرها شعور بالسكينة ..
لاحظت ذلك وأنا أرى صدرها يهبط .. ثم تطلق نفسا عميقا ، دفع غطـاء وجهها إلى الأمام ..
أخذت أقلب الأفكار فيما أفعله ، لأخرج من هذا المأزق الذي وقعت فيه . الواقع المزري لحي الأمل كان
حاضرا ، وأنا أبحث عن حل يتجاوز .. أن (أتخلص) أنا ، من (ورطة) موضي ..
كنت أريد حلا لها هي ، حتى لا تعود لنفس الطريق . من السهل أن (أرميها) ، كما تقول ، قرب مدرستهـا ، لتذهب لبيت أهلها ،
وسوف تجد إجابة تقنع بها أمها ، عن سبب تمزق (مريولها) .
أشعر أني غير قادر على الخروج بشيء ذي بال .. في موضوعها . هل يملك (رجال الهيئة) حلا يعطي التجاوز فرصة ، ويوفر علاجا جذريا ..
لو أني لجأت إليهم ..؟
ماذا لو اتصلت عليهم لطلب الاستشارة فقط ..؟
مرت دقيقة أو أكثر ، والافكار تطوح بي يمينا وشمالا ، قبل أن يقطع تفكيري صوت بكائها. توهمت في البداية أنها سمعتني ،
وأنا أحدث نفسي حول الاتصال بالهيئة . التفت إليها ، كانت قد وضعت وجهها بين كفيها وتنتحب ...
- ما بك يا موضي ..؟
قالت بصوت يقطعه البكاء ..
- كيف أشكرك .. (وشلون) أشكرك ..؟
لم يكن بكاؤها عن سبب ، كانت تفرغ شحنة عاطفية مكبوتة .. </font></font>
:</font></p></font>
مواقع النشر (المفضلة)