انت لي

[درة الشرق]

<font color='#000000'>[ أمنية رغد &#33;]




الحلقة الثالثة

* * * * * * *











أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن



دراستي و امتحاناتي ، رغد الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب موشكة &#33;


إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى جانبها .



إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا




كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، و مجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و مبعثرة فوق المكتب .


لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، ألا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي


الدراسة ، أمر بيدي و أستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد

أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله &#33;

أما رغد الصغيرة ...

فهي بين يدي ... و لا أملك السيطرة على أموري معها &#33;


و آه من رغد &#33;






يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ) يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك &#33;



هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق و السماح له بالدخول من عدمه &#33;




" وليـــد وليـــــــــد و ليـــــــــــــــــــــــ ــد &#33; "




قفزت رغد فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي &#33;



" وليد علّمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة &#33; "




إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سامر على ما أذكر &#33;


نظرت إليها و ابتسمت و أنا في عجب من أمرها &#33;


" رويدك صغيرتي &#33; مهلا مهلا &#33; متى عدت من المدرسة ؟ "



أجابتني على عجل و هي تمد يدها و تمسك بيدي تريد مني النهوض :


" عدت الآن ، أنظر وليد الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا &#33; "




تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة &#33;

إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق &#33;

و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد &#33;



تأملتها و ابتسمت &#33; و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها &#33;


قلت :

" حسنا سيدتي الصغيرة &#33; سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا &#33; "






بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة علوية تسمح للنقود المعدنية ، و النقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول &#33;




رغد طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم &#33; و أخذت العلبة الأسطوانية و جرت مسرعة نحو الباب &#33;


" إلى أين ؟؟ "


سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي :


" سأريها سامر &#33; "


و انصرفت ...





اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، و نلصق الطوابع ، و نضحك بمرح قد انتهت ...



أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي شيء يخصني ؟؟



كم أنا سخيف &#33;






انتظرت عودتها ، لكنها لم تعد ...

لابد أنها لهت مع سامر و نسيتني &#33;

نسيت حتى أن تقول لي ( شكرا ) &#33; أو أن تغلق الباب &#33;




غير مهم &#33; سأطرد هذا التفكير المزعج عن مخيلتي و أتفرغ لكتبي ... أو حتى ... لقضايا البلد السياسة فهذا أكثر جدوى &#33;





بعد ساعة ، عادت رغد ...




كان الصندوق لا يزال في يدها ، و في يدها الأخرى قلما .



اقتربت مني و قالت :


" وليد ... أكتب كلمة ( صندوق الأماني ) على الصندوق &#33; "




تناولت الصندوق و القلم و كتبت الكلمة ، و أعدتهما إليها دون أي تعليق أو حتى ابتسامة


هل انتهينا ؟



صرفت نظري عنها إلى الكتاب الماثل أمامي فوق المكتب ، منتظرا أن تنصرف


يجب أن تنتبه إلى أنها لم تشكرني &#33;





" وليد ... "


رفعت بصري إليها ببطء ، كانت تبتسم ، و قد تورّد خداها قليلا &#33;

لابد أنها أدركت أنها لم تشكرني &#33;



قلت بنبرة جافة إلى حد ما :


" ماذا الآن ؟ "


" هل لا أعطيتني ورقة صغيرة ؟ "



يبدو أن فكرة شكري لا تخطر ببالها أصلا &#33;



تناولت مفكرتي الصغيرة الموضوعة على المكتب ، و انتزعت منها ورقة بيضاء ، و سلمتها إلى رغد



أخذتها الصغيرة و قالت بسرعة :


" شكرا &#33; "



ثم ابتعدت ...



ظننتها ستخرج ألا أنها توجهت نحو سريري ، جلست فوقه ، و على المنضدة المجاورة و ضعت ( الصندوق ) و الورقة ... و همّت بالكتابة &#33;







أجبرت عيني ّ على العودة إلى الكتاب المهجور ... لكن تفكيري ظل مربوطا عند تلك المنضدة &#33;



" وليد ... "



مرة أخرى نادتني فأطلقت سراح نظري إليها ...


" نعم ؟"


سألتني :


" كيف أكتب كلمة ( عندما ) " ؟



نظرت من حولي باحثا عن ( اللوح ) الصغير الذي أعلم رغد كيفية كتابة الكلمات عليه ، فوجدته موضوعا على أحد أرفف المكتبة ، فهممت بالنهوض لإحضاره ألا أن رغد قفزت بسرعة و أحضرته إلي قبل أن أتحرك &#33;



أخذته منها ، و كتبت بالقلم الخاص باللوح كلمة ( عندما ) .


تأملتها رغد ثم عادت إلى المنضدة ...


بعد ثوان ، رفعت رأسها إلي ...


" وليد &#33; "




" نعم صغيرتي ؟ "

" كيف أكتب كلمة ( أكبُر ) ؟ "



كتبت الكلمة بخط كبير على اللوح ، و رفعته لتنظر إليه .






ثوان أخرى ثم عادت تسألني :


" وليد &#33; "


ابتسمت &#33; فطريقتها في نطق اسمي و مناداتي بين لحظة و أخرى تدفع إي كان للابتسام &#33;



" ماذا أميرتي ؟ "


" كيف أكتب كلمة ( سوف ) " ؟؟


كتبت الكلمة و أريتها إياها ، صغيرتي كانت مؤخرا فقط قد بدأت بتعلم كتابة الكلمات بحروف متشابكة ، و لا تعرف منها إلا القليل ...



بقيت أراقبها و أتأملها بسرور و عطف &#33;

كم هي بريئة و بسيطة و عفوية &#33;

يا لها من طفلة &#33;




رفعت رأسها فوجدتني أنظر إليها فسألت مباشرة :


" كيف أكتب كلمة ( أتزوج ) ؟ "








فجأة ، أفقت من نشوة التأمل البريء ...

هناك كلمة غريبة دخيلة وصلت إلى أذني ّ في غير مكانها &#33;




حدقت في رغد باهتمام ، و اندهاش ...

هل قالت ( أتزوج ) ؟؟

أتزوج &#33;

ألا تلاحظون أنها كلمة ( كبيرة ) بعض الشيء &#33; بل كبيرة جدا &#33;




سألتها لأتأكد :

" ماذا رغد ؟؟ "

قالت و بمنتهى البساطة :

" أتزوج &#33; كيف أكتبها ؟؟ "




أنا مندهش و متفاجيء ...


و هي تنظر إلي منتظرة أن أكتب الكلمة على لوحها الصغير ...



أمسكت بالقلم بتردد و شرود ... و كتبت الكلمة ( الكبيرة ) ببطء ، ثم عرضتها عليها فأخذت تكتبها حرفا حرفا ...




انتهت من الكتابة ، فوضعت اللوح على مكتبي ، في انتظار الكلمة التالية ...


انتظرت ...

و أنتظرت ...


لكنها لم تتكلم

لم تسألني عن أي شيء

رأيتها تطوي الورقة الصغيرة ، ثم تدخلها عبر الفتحة داخل صندوق الأماني &#33;




( عندما أكبر سوف أتزوج .... ؟؟؟ )


الاسم الذي تلا كلمة أتزوج هو اسم تعرف رغد كيف تكتبه &#33;

كأي اسم من أسماء أفراد عائلتنا أو صديقاتها ...

كـ وليد ، أو سامر ، أو أي رجل &#33;





رغد الصغيرة &#33;

ما الذي تفعلينه &#33;؟؟





الآن ، هي قادمة نحوي ...

و الصندوق في يدها ...


" وليد اكتب أمنيتك &#33; "




" ماذا صغيرتي ؟؟ "



" أكتب أمنيتك و ضعها بالداخل ، و حينما نكبر نفتح الصندوق و نقرأ أمنياتنا و نرى ما تحقق منها &#33; هكذا هي اللعبة &#33; "

إنني قد افعل أشياء كثيرة قد تبدو سخيفة ، أما عن وضعي لأمنيتي في صندوق ورقي خاص بطفلتي هذه ، فهو أمر سأترك لكم انتم الحكم عليه &#33;




نزعت ورقة من مفكرتي ، و كتبت إحدى أمنياتي &#33;


فيما أنا اكتب ، كانت رغد تغمض عينيها لتؤكد لي أنها لا ترى أمنيتي &#33;


أي أمنية تتوقعون أنني أدخلتها في صندوق الأماني الخاص بصغيرتي العزيزة ...؟؟






لن أخبركم &#33;







بعد فراغي من الأمر ، طلبت مني رغد أن أحفظ الصندوق في أحد أرفف مكتبتي ، لأنها تخشى أن تضيعه أو تكتشف دانة وجوده فيما لو ضل في غرفتها &#33;





" وليد لا تفتح الصندوق أبدا &#33; "

" أعدك بذلك &#33; "






ابتسمت رغد ، ثم انطلقت نحو الباب مغادرة الغرفة و هي تقول :

" سأخبر سامر بأنني انتهيت &#33; "







بعد مغادرتها ، تملكتني رغبة شديدة في معرفة ما الذي كتبته في ورقتها

كدت انقض وعدي و أفتح الصندوق من شدة الفضول ...

لكني نهرت نفسي بعنف ... لن أخيب ثقة الصغيرة بي أبدا

( عندما أكبر سوف أتزوج ... ؟؟ )

من يا رغد ؟؟

من ؟

من ؟؟







~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




في عصر اليوم ذاته ، قرر والدي أخذنا لنزهة قصيرة إلى إحدى الملاهي ، حسب طلب و إلحاح دانة &#33;



أنا لم أشأ الذهاب ، فأنا لم أعد طفلا و لا تثير الملاهي أي اهتمام لدي ، ألا أن والدتي أقنعتني بالذهاب من باب الترويح عن النفس لاستئناف الدراسة &#33;



قضينا وقتا جيدا ...



وقفت رغد أمام إحدى الألعاب المخيفة و أصرت على تجربتها &#33;

طبعا لم يوافق أحد على تركها تركب هذا القطار السريع المرعب ، و كما أخبرتكم

فإنها حين ترغب في شيء فإنها لن تهدأ حتى تحصل عليه &#33;





و حين تبكي ، فإنها تتحول من رغد إلى رعد &#33;




والدي زجرها من باب التأديب ، إذ أن عليها أن تطيع أمره حين يأمرها بشيء


توقفت رغد عن البكاء ، و سارت معنا على مضض ...



كانت تمشي و رأسها للأسفل و دموعها تسقط إلى الأرض &#33;




أنا وليد لا أتحمّل رؤيتها هكذا مطلقا ... لا شيء يزلزلني كرؤيتها حزينة وسط الدموع &#33;




" حسنا يا رغد &#33; فقط للمرة الأولى و الأخيرة سأركب معك هذا القطار ، لتري كم هو مخيف و مرعب &#33; "



أعترض والداي ، ألا أنني قلت :



" سأمسك بها جيدا فلا تقلقا "



اعتراضهما كان في الواقع على سماحي لرغد بنيل كل ما تريد


أنا أدرك أنني ادللها كثيرا جدا


لكن ...

ألا تستحق طفلة يتيمة الأبوين شيئا يعوضها و لو عن جزء من المائة مما فقدت ؟

تجاهلت اعتراض والدي ّ ، و انطلقت بها نحو القطار






ركبنا سوية ذلك القطار و لم تكن خائفة بل غاية في السعادة &#33;


و عندما توقف و هممت بالنزول ، احزروا من صادفت &#33;؟؟




عمّار اللئيم &#33;




" من وليد &#33; مدهش جدا &#33; تتغيب عن المدرسة لتلهو مع الأطفال &#33; عظيم &#33; "




تجاهلته ، و انصرفت و الصغيرة مبتعدين ، ألا أنه عاد يلاحقني بكلام مستفز خبيث
لم أستطع تجاهله ، و بدأنا عراكا جديدا &#33;




تدخل مجموعة من الناس و من بينهم والدي لفض نزاعنا بعد دقائق ...


عمار و بسبب لكمتي القوية إلى وجه سالت الدماء من أنفه

كان يردد :


" ستندم على هذا يا وليد &#33; ستدفع الثمن "





أما رغد ، و التي كانت تراني و لأول مرة في حياتها أتعارك مع أحدهم ، و أؤذيه ، فقد بدت مرعوبة و التصقت بوالدتي بذعر &#33;







عندما عدنا للبيت وبخني أبي بشدة على تصرفي في الملاهي و عراكي ...
و قال :


( كنت أظنك أصبحت رجلا &#33; )




و هي كلمة آلمتني أكثر بكثير من لكمات عمّار







استأت كثيرا جدا ، و عندما دخلت غرفتي بعثرت الكتب و الدفاتر التي كانت فوق مكتبي بغضب




لا أدري لماذا أنا عصبي و متوتر هذا اليوم ...


بل و منذ فترة ليست بالقصيرة


أهذا بسبب الامتحانات المقبلة ؟؟






بعد قليل ، طرق الباب ، ثم فتح بهدوء ...

كانت رغد




" وليد ... "



ما أن نطقت باسمي حتى قاطعتها بحدة :


" عودي إلى غرفتك يا رغد فورا "



نظرت إلي و هي لا تزال واقفة عند الباب ، فرمقتها بنظرة غضب حادة و صرخت :

" قلت اذهبي ... ألا تسمعين ؟؟ &#33; "




أغلقت الصغيرة الباب بسرعة من الذعر &#33;



لقد كانت المرة الأولى التي أقسو فيها على رغد ...

و كم ندمت بعدها








ألقيت نظرة على ( صندوق الأماني ) ثم أمسكت به و هممت بتمزيقه &#33;

ثم أبعدته في آخر لحظة &#33;

كنت أريد أن أفرغ غضبي في أي شيء أصادفه

إنني أعرف أنني يوم السبت المقبل سأقابل بتعليقات ساخرة من قبل عمّار و مجموعته




و كل هذا بسبب أنت أيتها الرغد المتدللة ...


لأجلك أنت أنا أفعل الكثير من الأشياء السخيفة التي لا معنى لها &#33;







و الأشياء المهولة ... التي تعني أكثر من شيء ... و كل شيء ...







و التي يترتب عليها مصائر و مستقبل ...






كما سترون ...








]]] يتبع ]]]</font>