انت لي

[درة الشرق]

<font color='#000000'>[ أنت لي &#33;]




السلام عليكم





[ الحلقة الأولى ]



* * * * * * * * *



مخلوقة إقتحمت حياتي &#33;





توفي عمي و زوجته في حادث مؤسف قبل شهرين ، و تركا طفلتهما الوحيدة ( رغد ) و التي تقترب من الثالثة من عمرها ... لتعيش يتيمة مدى الحياة .







في البداية ، بقيت الصغيرة في بيت خالتها لترعاها ، و لكن ، و نظرا لظروف خالتها العائلية ، اتفق الجميع على أن يضمها والدي إلينا و يتولى رعايتها
من الآن فصاعدا .





أنا و أخوتي لا نزال صغارا ، و لأنني أكبرهم سنا فقد تحولت فجأة إلى
( رجل راشد و مسؤول ) بعد حضور رغد إلى بيتنا .







كنا ننتظر عودة أبي بالصغيرة ، (سامر) و ( دانة ) كانا في قمة السعادة لأن عضو جديد سينضم إليهما و يشاركهما اللعب &#33;






أما والدتي فكانت متوترة و قلقة




أنا لم يعن لي الأمر الكثير



أو هكذا كنت أظن &#33;








وصل أبي أخيرا ..




قبل أن يدخل الغرفة حيث كنا نجلس وصلنا صوت صراخ رغد &#33;




سامر و دانة قفزا فرحا و ذهبا نحو الباب راكضين



" بابا بابا ... أخيرا &#33; "




قالت دانه و هي تقفز نحو أبي ، و الذي كان يحمل رغد على ذراعه و يحاول تهدئتها لكن رغد عندما رأتنا ازدادت صرخاتها و دوت المنزل بصوتها الحاد &#33;






تنهدت و قلت في نفسي :


" أوه &#33; ها قد بدأنا &#33; "







أخذت أمي الصغيرة و جعلت تداعبها و تقدم إليها الحلوى علها تسكت &#33;


في الواقع ، لقد قضينا وقتا عصيبا و مزعجا مع هذه الصغيرة ذلك اليوم .






" أين ستنام الطفلة ؟ "


سأل والدي والدتي مساء ذلك اليوم .


" مع سامر و دانه في غرفتهما &#33; "






دانه قفزت فرحا لهذا الأمر ، ألا أن أبي قال :


" لا يمكن يا أم وليد &#33; دعينا نبقيها معنا بضع ليال إلى أن تعتاد أجواء المنزل، أخشى أن تستيقظ ليلا و تفزع و نحن بعيدان عنها &#33; "







و يبدو أن أمي استساغت الفكرة ، فقالت :



" معك حق ، إذن دعنا ننقل السرير إلى غرفتنا "





ثم التفتت إلي :


" وليد ،انقل سرير رغد إلى غرفتنا "






اعترض والدي :

" سأنقله أنا ، إنه ثقيل &#33; "





قالت أمي :

" لكن وليد رجل قوي &#33; إنه من وضعه في غرفة الصغيرين على أية حال &#33; "








(( رجل قوي )) هو وصف يعجبني كثيرا &#33;


أمي أصبحت تعتبرني رجلا و أنا في الحادية عشرة من عمري &#33; هذا رائع &#33;



قمت بكل زهو و ذهبت إلى غرفة شقيقي و نقلت السرير الصغير إلى غرفة والدي .




عندما عدت إلى حيث كان البقية يجلسون ، وجدت الصغيرة نائمة بسلام &#33;


لابد أنها تعبت كثيرا بعد ساعات الصراخ و البكاء التي عاشتها هذا اليوم &#33;


أنا أيضا أحسست بالتعب، و لذلك أويت إلى فراشي باكرا .







~~~~~~~~~







نهضت في ساعة مبكرة من اليوم التالي على صوت صراخ اخترق جدران الغرفة من حدته &#33;



إنها رغد المزعجة









خرجت من غرفتي متذمرا ، و ذهبت إلى المطبخ المنبعثة منه صرخات ابنة عمي هذه



" أمي &#33; أسكتي هذه المخلوقة فأنا أريد أنا أنام &#33; "




تأوهت أمي و قالت بضيق :

" أو تظنني لا أحاول ذلك &#33; إنها فتاة صعبة جدا &#33; لم تدعنا ننام غير ساعتين أو ثلاث والدك ذهب للعمل دون نوم &#33; "








كانت رغد تصرخ و تصرخ بلا توقف .


حاولت أن أداعبها قليلا و أسألها :

" ماذا تريدين يا صغيرتي ؟ "






لم تجب &#33;



حاولت أن أحملها و أهزها ... فهاجمتني بأظافرها الحادة &#33;




و أخيرا أحضرت إليها بعض ألعاب دانه فرمتني بها &#33;





إنها طفلة مشاكسة ، هل ستظل في بيتنا دائما ؟؟؟ ليتهم يعيدوها من حيث جاءت &#33;








في وقت لاحق ، كان والداي يتناقشان بشأنها .

" إن استمرت بهذه الحال يا أبا وليد فسوف تمرض &#33; ماذا يمكنني أن أفعل من أجلها ؟ "


" صبرا يا أم وليد ، حتى تألف العيش بيننا "


قاطعتهما قائلا :


" و لماذا لا تعيدها إلى خالتها لترعاها ؟ ربما هي تفضل ذلك &#33; "




أزعجت جملتي هذه والدي فقال :

" كلا يا وليد ، إنها ابنة أخي و أنا المسؤول عن رعايتها من الآن فصاعدا . مسألة وقت و تعتاد على بيتنا "





و يبدو أن هذا الوقت لن ينتهي ...



مرت عدة أيام و الصغيرة على هذه الحال ، و إن تحسنت بعض الشيء و صارت تلعب مع دانه و سامر بمرح نوعا ما





كانت أمي غاية في الصبر معها ، كنت أراقبها و هي تعتني بها ، تطعمها ، تنظفها ، تلبسها ملابسها ، تسرح شعرها الخفيف الناعم &#33;



مع الأيام ، تقبلت الصغيرة عائلتها الجديدة ، و لم تعد تستيقظ بصراخ و كان على وليد ( الرجل القوي ) أن ينقل سرير هذه المخلوقة إلى غرفة الطفلين &#33;







بعد أنا نامت بهدوء ، حملتها أمي إلى سريرها في موضعه الجديد . كان أخواي قد خلدا للنوم منذ ساعة أو يزيد .

أودعت الطفلة سريرها بهدوء .









تركت والدتي الباب مفتوحا حتى يصلها صوت رغد فيما لو نهضت و بدأت بالصراخ

قلت :

" لا داعي يا أمي &#33; فصوت هذه المخلوقة يخترق الجدران &#33; أبقه مغلقا &#33; "



ابتسمت والدتي براحة ، و قبلتني و قالت :

" هيا إلى فراشك يا وليد البطل &#33; تصبح على خير "








كم أحب سماع المدح الجميل من أمي &#33;

إنني أصبحت بطلا في نظرها &#33; هذا شيء رائع ... رائع جدا &#33;








و نمت بسرعة قرير العين مرتاح البال .


الشيء الذي أنهضني و أقض مضجعي كان صوتا تعودت سماعه مؤخرا



إنه بكاء رغد &#33;




حاولت تجاهله لكن دون جدوى &#33;



يا لهذه الـ رغد ... &#33; متى تسكتيها يا أمي &#33;



طال الأمر ، لم أعد أحتمل ، خرجت من غرفتي غاضبا و في نيتي أن أتذمر بشدة لدى والدتي ، ألا أنني لاحظت أن الصوت منبعث من غرفة شقيقي ّ




نعم ، فأنا البارحة نقلت سريرها إلى هناك &#33;









ذهبت إلى غرفة شقيقي ّ ، و كان الباب شبه مغلق ، فوجدت الطفلة في سريرها تبكي دون أن ينتبه لها أحد منهما &#33;



لم تكن والدتي موجودة معها .


اقتربت منها و أخذتها من فوق السرير ، و حملتها على كتفي و بدأت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها .



و لأنها استمرت في البكاء ، خرجت بها من الغرفة و تجولت بها قليلا في المنزل


لم يبد ُ أنها عازمة على السكوت &#33;

يجب أن أوقظ أمي حتى تتصرف ...

كنت في طريقي إلى غرفة أمي لإيقاظها ، و لكن ...






توقفت في منتصف الطريق ، و عدت أدراجي ... و دخلت غرفتي و أغلقت الباب .


والدتي لم تذق للراحة طعما منذ أتت هذه الصغيرة إلينا .

و والدي لا ينام كفايته بسببها .

لن أفسد عليهما النوم هذه المرة &#33;





جلست على سريري و أخذت أداعب الصغيرة المزعجة و ألهيها بطريقة أو بأخرى حتى تعبت ، و نامت ، بعد جهد طويل &#33;





أدركت أنها ستنهض فيما لو حاولت تحريكها ، لذا تركتها نائمة ببساطة على سريري و لا أدري ، كيف نمت بعدها &#33;





هذه المرة استيقظت على صوت أمي &#33;

" وليد &#33; ما الذي حدث ؟ "

" آه أمي &#33; "




ألقيت نظرة من حولي فوجدتني أنام إلى جانب الصغيرة رغد ، و التي تغط في نوم عميق و هادى &#33;



" لقد نهضت ليلا و كانت تبكي .. لم أشأ إزعاجك لذا أحضرتها إلى هنا &#33; "




ابتسمت والدتي ، إذن فهي راضية عن تصرفي ، و مدت يدها لتحمل رغد فاعترضت :


" أرجوك لا &#33; أخشى أن تنهض ، نامت بصعوبة &#33; "



و نهضت عن سريري و أنا أتثاءب بكسل .


" أدي الصلاة ثم تابع نومك في غرفة الضيوف . سأبقى معها "



ألقيت نظرة على الصغيرة قبل نهوضي &#33;

يا للهدوء العجيب الذي يحيط بها الآن&#33;










بعد ساعات ، و عندما عدت إلى غرفتي ، وجدت دانه تجلس على سريري بمفردها . ما أن رأتني حتى بادرت بقول :



" أنا أيضا سأنام هنا الليلة &#33; "








أصبح سريري الخاص حضانة أطفال &#33;



فدانه ، و البالغة من العمر 5 سنوات ، أقامت الدنيا و أقعدتها من أجل المبيت على سريري الجذاب هذه الليلة ، مثل رغد &#33;





ليس هذا الأمر فقط ، بل ابتدأت سلسلة لا نهائية من ( مثل رغد ) ...





ففي كل شيء ، تود أن تحظى بما حظيت به رغد . و كلما حملت أمي رغد على كتفيها لسبب أو لآخر ، مدت دانه ذراعيها لأمها مطالبة بحملها (مثل رغد ) .



أظن أن هذا المصطلح يسمى ( الغيرة ) &#33;



يا لهؤلاء الأطفال &#33;


كم هي عقولهم صغيرة و تافهة &#33;




~~~~~~





كانت المرة الأولي و لكنها لم تكن الأخيرة ... فبعد أيام ، تكرر نفس الموقف ، و سمعت رغد تبكي فأحضرتها إلى غرفتي و أخذت ألاعبها .





هذه المرة استجابت لملاعبتي و هدأت ، بل و ضحكت &#33;

و كم كانت ضحكتها جميلة &#33; أسمعها للمرة الأولى &#33;





فرحت بهذا الإنجاز العظيم &#33; فأنا جعلت رغد الباكية تضحك أخيرا &#33;


و الآن سأجعلها تتعلم مناداتي باسمي &#33;


" أيتها الصغيرة الجميلة &#33; هل تعرفين ما اسمي ؟ "



نظرت إلي باندهاش و كأنها لم تفهم لغتي . إنها تستطيع النطق بكلمات مبعثرة ، و لكن ( وليد ) ليس من ضمنها &#33;





" أنا وليد &#33; "



لازالت تنظر إلى باستغراب &#33;



" اسمي وليد &#33; هيا قولي : وليد &#33; "




لم يبد الأمر سهلا &#33; كيف يتعلم الأطفال الأسماء ؟


أشرت إلى عدة أشياء ، كالعين و الفم و الأنف و غيرها ، كلها أسماء تنطق بها و تعرفها . حتى حين أسألها :


" أين رغد ؟ "



فإنها تشير إلى نفسها .



" و الآن يا صغيرتي ، أين وليد ؟ "



أخذت أشير إلى نفسي و أكرر :



" وليد &#33; وليـــد &#33; أنا وليد &#33;

أنت ِ رغد ، و أنا وليد &#33;

من أنت ؟ "



" رغد "



" عظيم &#33; أنت رغد &#33; أنا وليد &#33; هيا قولي وليد &#33; قولي أنت وليد &#33; "





كانت تراقب حركات شفتيّ و لساني ، إنها طفلة نبيهة على ما أظن .

و كنت مصرا جدا على جعلها تنطق باسمي &#33;



" قولي : أنــت ولـيـــد &#33; ولــيـــــــد ...

قولي : وليد ... أنت ولـــــيـــــــــــــــــ د &#33; "




" أنت لــي " &#33;&#33;
















كانت هذه هي الكلمة التي نطقت بها رغد &#33;


( أنت لي &#33; )


للحظة ، بقيت اتأملها باستغراب و دهشة و عجب &#33;

فقد بترت اسمي الجميل من الطرفين و حوّلته إلى ( لي ) بدلا من
( وليد ) &#33;



ابتسمت ، و قلت مصححا :


" أنت وليــــــــد &#33; "

" أنت لـــــــــــي "



كررت جملتها ببساطة و براءة &#33;

لم أتمالك نفسي ، وانفجرت ضحكا ....





و لأنني ضحكت بشكل غريب فإن رغد أخذت تضحك هي الأخرى &#33;

و كلما سمعت ضحكاتها الجميلة ازدادت ضحكاتي &#33;


سألتها مرة أخرى :


" من أنا ؟ "

" أنت لــــــــي " &#33;






يا لهذه الصغيرة المضحكة &#33;

حملتها و أخذت أؤرجحها في الهواء بسرور ...



منذ ذلك اليوم ، بدأت الصغيرة تألفني ، و أصبحت أكبر المسؤولين عن تهدئتها متى ما قررت زعزعة الجدران بصوتها الحاد ....





~~~~~~





انتهت العطلة الصيفية و عدنا للمدارس .

كنت كلما عدت من المدرسة ، استقبلتني الصغيرة رغد استقبالا حارا &#33;

كانت تركض نحوي و تمد ذراعيها نحوي ، طالبة أن أحملها و أؤرجحها في الهواء &#33;

كان ذلك يفرحها كثيرا جدا ، و تنطلق ضحكاتها الرائعة لتدغدغ جداران المنزل &#33;



و من الناحية الأخرى ، كانت دانة تطلق صرخات الاعتراض و الغضب ، ثم تهجم على رجلي بسيل من الضربات و اللكمات آمرة إياي بأن أحملها (مثل رغد ) .


و شيئا فشيا أصبح الوضع لا يطاق &#33; و بعد أن كانت شديدة الفرح لقدوم الصغيرة إلينا أصبحت تلاحقها لتؤذيها بشكل أو بآخر ...




في أحد الأيام كنت مشغولا بتأدية واجباتي المدرسية حين سمعت صوت بكاء رغد الشهير &#33;


لم أعر الأمر اهتماما فقد أصبح عاديا و متوقعا كل لحظة .


تابعت عملي و تجاهلت البكاء الذي كان يزداد و يقترب &#33;


انقطع الصوت ، فتوقعت أن تكون أمي قد اهتمت بالأمر .


لحظات ، وسمعت طرقات خفيفة على باب غرفتي .



" أدخل &#33; "



ألا أن أحدا لم يدخل .



انتظرت قليلا ، ثم نهضت استطلع الأمر ...




و كم كانت دهشتي حين رأيت رغد واقفة خلف الباب &#33;




لقد كانت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة ، و وجهها عابس و كئيب ، و بكاؤها مكبوت في صدرها ، تتنهد بألم ... و بعض الخدوش الدامية ترتسم عشوائيا على وجهها البريء ، و كدمة محمرة تنتصف جبينها الأبيض &#33;


أحسست بقبضة مؤلمة في قلبي ....





" رغد &#33; ما الذي حدث ؟؟؟ "




انفجرت الصغيرة ببكاء قوي ، كانت تحبسه في صدرها



مددت يدي و رفعتها إلى حضني و جعلت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها .


هذه المرة كانت تبكي من الألم .


" أهي دانة ؟ هل هي من هاجمك ؟ "




لابد أنها دانة الشقية &#33;


شعرت بالغضب ، و توجهت إلى حيث دانة ، و رغد فوق ذراعي .


كانت دانة في غرفتها تجلس بين مجموعة من الألعاب .


عندما رأتني وقفت ، و لم تأت إلي طالبة حملها ( مثل رغد ) كالعادة ، بل ظلت واقفة تنظر إلى الغضب المشتعل على وجهي .



" دانة أأنت من ضرب رغد الصغيرة ؟ "




لم تجب ، فعاودت السؤال بصوت أعلى :



" ألست من ضرب رغد ؟ أيتها الشقية ؟ "

" إنها تأخذ ألعابي &#33; لا أريدها أن تلمس ألعابي "




اقتربت من دانة و أمسكت بيدها و ضربتها ضربة خفيفة على راحتها و أنا أقول :


" إياك أن تكرري ذلك أيها الشقية و إلا ألقيت بألعابك من النافذة "






لم تكن الضربة مؤلمة ألا أن دانة بدأت بالبكاء &#33;






أما رغد فقد توقفت عنه ، بينما ظلت آخر دمعتين معلقتين على خديها المشوهين بالخدوش .




نظرت إليها و مسحت دمعتيها .



ما كان من الصغيرة إلا أن طبعت قبلة مليئة باللعاب على خدي امتنانا &#33;


ابتسمت ، لقد كانت المرة الأولى التي تقبلني فيها هذه المخلوقة &#33; ألا أنها لم تكن الأخيرة ....




~~~~~~




توالت الأيام و نحن على نفس هذه الحال ...

ألا أن رغد مع مرور الوقت أصبحت غاية في المرح ...

أصبحت بهجة تملأ المنزل ... و تعلق الجميع بها و أحبوها كثيرا ...

إنها طفلة يتمنى أي شخص أن تعيش في منزله ...


و لان الغيرة كبرت بين رغد و دانة مع كبرهما ، فإنه كان لابد من فصل الفتاتين في غرفتين بعيدا عن بعضهما ، و كان علي نقل ذلك السرير و للمرة الثالثة إلى مكان آخر ...

و هذا المكان كان غرفة وليد &#33;





ظلت رغد تنام في غرفتي لحين إشعار آخر .

في الواقع لم يزعجني الأمر ، فهي لم تعد تنهض مفزوعة و تصرخ في الليل إلا نادرا ...




كنت أقرأ إحدى المجلات و أنا مضطجع على سريري ، و كانت الساعة العاشرة ليلا و كانت رغد تغط في نوم هادئ


و يبدو أنها رأت حلما مزعجا لأنها نهضت فجأة و أخذت تبكي بفزع ...




أسرعت إليها و انتشلتها من على السرير و أخذت أهدئ من روعها


كان بكاؤها غريبا ... و حزينا ...


" اهدئي يا صغيرتي ... هيا عودي للنوم &#33; "


و بين أناتها و بكاؤها قالت :

" ماما "




نظرت إلى الصغيرة و شعرت بالحزن ...

ربما تكون قد رأت والدتها في الحلم


" أتريدين الـ ماما أيتها الصغيرة ؟ "

" ماما "



ضممتها إلى صدري بعطف ، فهذه اليتيمة فقدت أغلى من في الكون قبل أن تفهم معناهما ...


جعلت أطبطب عليها ، و أهزها في حجري و اغني لها إلى أنا استسلمت للنوم .



تأملت وجهها البريء الجميل ... و شعرت بالأسى من أجلها .



تمنيت لحظتها لو كان باستطاعتي أن أتحول إلى أمها أو أبيها لأعوضها عما فقدت .


صممت في قرارة نفسي أن أرعى هذه اليتيمة و أفعل كل ما يمكن من أجلها ...


و قد فعلت الكثير ...


و الأيام .... أثبتت ذلك ...




~~~~~~





ذهبنا ذات يوم إلى الشاطئ في رحلة ممتعة ، و لكوننا أنا و أبي و سامر الصغير ( 8 سنوات ) نجيد السباحة ، فقد قضينا معظم الوقت وسط الماء .



أما والدتي ، فقد لاقت وقتا شاقا و مزعجا مع دانة و رغد &#33;

كانت رغد تلهو و تلعب بالرمال المبللة ببراءة ، و تلوح باتجاهي أنا و سامر ، أما دانة فكانت لا تفتأ تضايقها ، تضربها أو ترميها بالرمال &#33;



" وليد ، تعال إلى هنا "



نادتني والدتي ، فيما كنت أسبح بمرح .



" نعم أمي ؟ ماذا تريدين ؟ "



و اقتربت منها شيئا فشيئا . قالت :


" خذ رغد لبعض الوقت &#33; "


" ماذا ؟؟؟ لا أمي &#33; "



لم أكن أريد أن أقطع متعتي في السباحة من أجل رعاية هذه المخلوقة &#33; اعترضت :


" أريد أن أسبح &#33; "

" هيا يا وليد &#33; لبعض الوقت &#33; لأرتاح قليلا "



أذعنت للأمر كارها ... و توجهت للصغيرة و هي تعبث بالرمال ، و ناديتها :

" هيا يا رغد &#33; تعالي إلي &#33; "



ابتهجت كثيرا و أسرعت نحوي و عانقت رجي المبللة بذراعيها العالقة بهما حبيبات الرمل الرطب ، و بكل سرور &#33;



جلست إلى جانبها و أخذت أحفر حفرة معها . كانت تبدو غاية في السعادة أما أنا فكنت متضايقا لحرماني من السباحة &#33;



اقتربت أكثر من الساحل ، و رغد إلى جانبي ، و جعلتها تجلس عند طرفه و تبلل نفسها بمياه البحر المالحة الباردة


رغد تكاد تطير من السعادة ، تلعب هنا و هناك ، ربما تكون المرة الأولى بحياتها التي تقابل فيها البحر &#33;



أثناء لعبها تعثرت و وقعت في الماء على وجهها ...


" أوه كلا &#33; "


أسرعت إليها و انتشلتها من الماء ، كانت قد شربت كميه منه ، و بدأت بالسعال و البكاء معا .

غضبت مني والدتي لأنني لم أراقبها جيدا


" وليد كيف تركتها تغرق ؟ "

" أمي &#33; إنها لم تغرق ، وقعت لثوان لا أكثر "

" ماذا لو حدث شيء لا سمح الله ؟ يجب أن تنتبه أكثر . ابتعد عن الساحل . "




غضبت ، فأنا جئت إلى هنا كي استمتع بالسباحة ، لا كي أراقب الأطفال &#33;



" أمي اهتمي بها و أنا سأعود للبحر "



و حملتها إلى أمي و وضعتها في حجرها ، و استدرت مولّيا .



في نفس اللحظة صرخت دانة معترضة و دفعت برغد جانبا ، قاصدة إبعادها عن أمي

رغد ، و التي لم تكد تتوقف عن البكاء عاودته من جديد .




" أرأيت ؟ "



استدرت إلى أمي ، فوجدت الطفلة البكاءة تمد يديها إلي ...

كأنها تستنجد بي و تطلب مني أخذها بعيدا .

عدت فحملتها على ذراعي فتوقفت عن البكاء ، و أطلقت ضحكة جميلة &#33;

يا لخبث هؤلاء الأطفال &#33;



نظرت إلى أمي ، فابتسمت هي الأخرى و قالت :

" إنها تحبك أنت يا وليد &#33; "








قبيل عودتنا من هذه الرحلة ، أخذت أمي تنظف الأغراض ، و الأطفال .


" وليد ، نظف أطراف الصغيرة و البسها هذه الملابس "


تفاجأت من هذا الطلب ، فأنا لم أعتد على تنظيف الأطفال أو إلباسهم الملابس &#33;


ربما أكون قد سمعت شيئا خطا &#33;




" ماذا أمي ؟؟؟ "

" هيا يا وليد ، نظف الرمال عنها و ألبسها هذه ، فيما اهتم أنا بدانة و بقية الأشياء "




كنت أظن أنني أصبحت رجلا ، في نظر أمي على الأقل ...

و لكن الظاهر أنني أصبحت أما &#33;




أما جديدة لرغد &#33;




نعم ... لقد كنت أما لهذه المخلوقة ...

فأنا من كان يطعمها في كثير من الأحيان ، و ينيمها في سريره ، و يغني لها ، و يلعب معها ، و يتحمل صراخها ، و يستبدل لها ملابسها في أحيان أخرى &#33;

و في الواقع ...

كنت أستمتع بهذا الدور الجديد ...

و في المساء ، كنت أغني لها و أتعمد ان أجعلها تنام في سريري ، و أبقى أتأمل وجهها الملائكي البريء الرائع ... و أشعر بسعادة لا توصف &#33;







هكذا ، مرت الأيام ...





و كبرنا ... شيئا فشيئا ...





و أنا بمثابة الأم أو المربية الخاصة بالمدللة رغد ، و التي دون أن أدرك ... أو يدرك أحد ... أصبحت تعني لي ...


أكثر من مجرّد مخلوقة مزعجة اقتحمت حياتي منذ الصغر &#33; ....





~~~~~~~~~~







>>> يتبع >>></font>