<font color='#000000'><p align=center><font size=3><font color=#000000><strong><font face="ms sans serif">
ربما لن أفهم ما كانت تقول، لكنني أدركت في النهاية قصتها، ومدى العناء الذي تحمله هذه الشابة من جراء التصاقها بصحوة ضمير، كان قد حركته أصابع الرفض، نحو تمرد في غير أوانه، رأيتها وهي تنهش بجسدها من وراء ثياب ممزقة، ومناظر الرعب تنتشر في كل صرخة تطلقها، بيد انها تندس في فراغات تعقبها ضحكات مريضة تنطلق من أفواه تافهة، لقد أيقنت أن المأساة ستصبح حدثا عابرا في ذاكرة هذه الغابة المجنونة.
لا أحد يسمعها وهي تولول وتندب نفسها، انها تبدو رخيصة في أسواق لا ثمن فيها للقلوب، غير ان الذي أدى بها للوصول إلى هذه الحالة، هو ذلك الاصرار والعناد لكل شيء إسمه المستحيل.
هكذا انتهت الرحلة المأساوية لفاطمة بعد ان فقدت زوجها في أقبية المعتقلات، وتوفي طفلها الوحيد أثناء الرحلة في المنطقة الفاصلة، بين حدين لرؤساء لا يعرفون غير أهمية الكراسي التي يجلسون عليها، لن تتذكر غير لحظات مرة، كبلتها بقيود في زمن ضائع، ومستقبل يتبعثر كالسراب.
دنوت منها، رغم احساسي بصعوبة الجلوس قرب امرأة مفجوعة في وسط ينظر إليها كأنها شاشة بيضاء يعرض من خلالها فيلم كوميدي، أردت ان ابدأ بالكلام لكن صرخاتها المتتالية جعلتني أطبق شفتاي، منتظرا هدوءها، غير انها رمقتني بنظرة حزينة، فهمت من خلالها التعجب الذي طفح على وجهها، وهي ترى إنسانا يقف إلى جانبها في مجتمع، لا يدرك غير الاستهزاء والسخرية.
وبهيئة خجلة تبعتها حشمة أنثوية، تكلمت وهي باكية فقالت:
ـ تفضل يا أخي، ماذا تريد ان أقص عليك من القصص العجاب، التي تنهد لها الجبال حين سماعها، لكنهم (أشد من قساوة الضحى)، قالتها وهي توما إلى الواقفين من حولنا، ثم تابعت كلامها بعد ان تنهدت بقوة مؤثرة:
ـ ليتني لم أنفذ من خلال ذلك الجدار السميك الذي كان يفصلني عنهم، لكن ما الفائدة، فقد تحطم الجدار بعد ان يئس الجميع من احتمال الدنو منه.
انها تتكلم عن الجدار الذي أوجدني هنا، مثلها، لكنها امرأة ثكلى يجب ان اهتم بها، أجبتها:
ـ يا أختاه ما فائدة البكاء والندم، فإن الذي ذهب قد ذهب، عليك الآن ان تستسلمي للواقع المر الذي يحتوينا بدون إرادة منا لكنني اصطدمت بدموعها المدرارة، وهي تجاوبني بصمت رهيب، بملأ أروقة المكان، الذي بدأ وكأنه حضرة قدسية تنتظر الدعوات من الجميع، ثم تكلمت فقالت:
ـ نعم، يجب علي ان أؤمن بالقدر، قبل ان اعترض عليه لكنني لن أجد من يحتضن عويلي، من يساعدني على مأساتي لقد كنت وأنا أصارع الجدار ورغم الاحتمالات التي كانت قد تقع، شامخة، لأنني ساصل إلى من كان يحبهم زوجي حين قال لي:
ـ لا تقلقي، انهم أصدقائي، سيحتضنون (عمار) ولدي الذي فقدته، قربانا لهذا الحشد القدسي (قالتها باستهزاء وهي تؤشر بأصبعها إلى الواقفين حولنا).
لكنني عندما وصلت، مررت ببنايات كثيرة لا أستطيع حصرها لكثرتها وحاصروني بسيل من الأسئلة، وقبل ان أجيبهم على التي أعرفها، كانوا يقولون لي، اعترفي أيتها الحمقاء، وإلا..!!، حقا انني حمقاء لكوني رفضت اعداءهم، وعندما ثبت لديهم برائتي من الأفكار التي كانت تجول في مخيلتهم، رموني هنا في الشارع، انصحني بالله عليك:
ـ إلى أين أذهب، من لي في هذا المنفى المجهول؟
لقد رمقوني بنظرة عطف، ثم رموا علي قليلا من أموالهم المتكدسة في خزائن الجدار، وكأنني كلبة سائبة تتبعهم، الآن لا أتذكر شيئا ما، فقط ذلك الشرطي الذي رافقني إلى جهة الجدار، لقد قال لي كلاما ربما لن أفهمه، لكنني أدركت في النهاية نصيحته الساذجة لقد قال لي (أختاه لا تتعبي نفسك، فستجدين أمامك ذئاب أخرى).</font>
والسموحة<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/biggrin.gif" border=0></strong></font></font></p></font>
مواقع النشر (المفضلة)