المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يا قلبي ابتعد وارحل..



المزيوونه
11-06-03 ||, 03:40 PM
<font color='#EE9A4D'><span style='color:deeppink'>يا قلبي ابتعد وارحل</span>

في تلك الليلة الباردة ومن إحدى زوايا أحد المطاعم المشهورة في عروس الصحراء وفاتنة الشتاء مدينة الرياض ، انطلقت ضحكة ساخرة من حنجرة طارق وهو يجلس على مقعده أمام صديقه نواف الذي جلس قبله .. ثم ابتسم طارق هو يقول :
- يا صديقي الحب هي كلمة تم اختراعها ليصل مدعوها إلى أهدافهم ..
هز نواف كتفية بلا مبالاة وقال ردا عليه :
- من الخطأ أن تتحدث عن شيء لم تجربه في حياتك رغم أن عمرك اقترب من السادسة والعشرين ..
أخذ طارق نفسا عميقا .. ثم قال بثقة :
- ألا يقولون أن الحب من أول نظرة ؟؟ هممم إذن أنا أحب كل امرأة جميلة أشاهدها في المجلات أو على شاشات التلفزيون ..
وضع نواف ذقنه بين راحتيه وقال بابتسامة :
- العين تعشق .. والأذن تعشق .. ولكن أنا أتحدث عن عشق القلوب لا الحواس &#33;&#33;
مط طارق شفتيه بعدم رضا .. ثم قال محاولا الدفاع عن رأيه :
- عفوا ولكن لا أظنك تحب امرأة غير جميلة ..
غمز نواف بعينة وكأنه ينتظر هذه الكلمة من طارق ثم قال :
- ولكنك تعلم كما أنا أعلم أن المرأة الغير جميلة أيضا تتزوج .. لماذا يا ترى ؟؟
رفع طارق يده ومررها على شعره الناعم قبل أن يلتفت حوله قائلا :
- الخدمة في هذا المطعم بطيئة أليس كذلك ؟؟
وكانت الضحكة هذه المرة من حنجرة نواف ..

*** *** *** *** *** *** ***

عندما عاد طارق إلى منزله في تلك الليلة الباردة .. اتجه إلى غرفته مباشرة .. كان أول شيء يفعله هو تشغيل جهاز الكمبيوتر .. ثم يقوم بتغيير ملابسه .. لم تكن غرفته صغيرة .. ولكنها دائما تكون في حالة فوضى .. وهو يعشق هذه الفوضى ..
بعد أن قام طارق بتغيير ملابسه أغلق نور الغرفة كعادته دوما ليبقى النور الذي ينبعث من شاشة الكمبيوتر والتي لم تمضي لحظات حتى كان هو يجلس أمامها وتبدأ أصابعه في مداعبة لوحة المفاتيح .. لم يكن طارق يميل لغرف الدردشة التي أصبحت الشغل الشاغل لهواة الإنترنت .. لكنه كان مولعا بتصميم الصفحات وإنشاء المواقع .. ويجد متعته دائما في استعراض مهارته وإبداعه أمام الآخرين ..
ولكن في تلك الليلة صادف أمرا غريبا جعله يصاب بالغيظ .. لقد وجد في صندوق بريده الخاص بالموقع رسالة طويلة تقيم أعماله وتنتقده في بعضها وتعطيه بعض المقترحات لتحسين أداءه .. وفي النهاية كان توقيع كاتب الرسالة كلمة واحدة .. هي : البروفيسور ..
وهنا شمر طارق عن ساعديه .. وقضى ليله كله في التفنن على كتابة رد استفزازي للبروفيسور .. وشعر طارق بالرضا بعد انتهى من كتابة الرسالة .. ثم أرسلها وهو يقول في نفسه شامتا : سنرى كيف ترد الآن يا بروفيسور مغرور ..

*** *** *** *** *** *** ***

كان طارق متلهفا لمعرفة الرد الذي سيصله من البروفيسور .. ولكن الرد جاء بشكل غير الذي توقعه .. كان قصيرا وساخرا ومقتضبا .. :
" هههههههه ..
مغرور لأني واثق من نفسي ..
إذا كنت تملك الموهبة .. فأنا أملك العلم والموهبة ..
المغرور هو من لا يتقبل النقد و يعتقد أن لا أحد أفضل منه ..
هههههههه لا أقصدك أنت ..
وأنا ما زلت على استعداد أن أساعدك وأفيدك بعلمي وخبرتي .. "
شعر طارق بالغضب يعصف نفسه .. لكنه سرعان ما تمالك نفسه .. كان طارق دائما يثق في ذكاءه .. وبسرعة عجيبة كان يرسم في ذهنه تصورا للأحداث التالية .. لقد قرر أن يثبت موهبته للبروفيسور بطريقته الخاصة .. وابتسم بخبث وهو يرسل للبروفيسور رسالة قصيرة جدا كتب فيها :
" أرجو أن تسمح لي بالتحدث إليك عن طريق الماسنجر لأمر هام "

*** *** *** *** *** *** ***

كان نواف يقود سيارته بمهل نظرا للأمطار التي تهطل منذ فترة طويلة .. وكان طارق يجلس بجواره وهو يمسك بين كفيه بكوب القهوة حتى يصل إلى جسده الدفء من سخونتها .. وبعد فترة من الصمت قال نواف بحيرة :
- لكن لماذا تريد أن تنتقم من هذا البروفيسور .. إنه لم يفعل شيئا يستحق ..
أجابه طارق بعصبية :
- أرجوك يا نواف .. هو يدعي الأفضل .. وأعتقد أن الأفعال هي التي تحدد وليست الأقوال
ابتسم نواف وقال وهو يعبث بيده في الراديو بحثا عن قناة الاف ام :
- إنك لست مغرورا فقط .. و عنيد أيضا ..
ابتسم طارق وهو يقول وقد احمرت وجنتاه :
- لكني طيب جدا ..
ضحك الاثنان بمرح .. وفي نفس الوقت كان صوت راشد الماجد ينبعث من راديو السيارة : " خلاص الماضي ودعته .. محيت ذكراه من قلبي " مع نغمات سقوط المطر ..

*** *** *** *** *** *** ***

شعر طارق بنشوة النصر وهو يرى اسم البروفيسور يضاف إلى قائمة المتصلين لديه في الماسنجر .. وأسرع يرحب به ويشكره على اهتمامه بالموقع وحرصه على نجاحه .. كان طارق حسب مخيلته يعتقد أن البروفيسور تجاوز الثلاثين من عمره على أقل تقدير .. كما كان يعتقد أن الحوار سيكون معه مملا كأسلوب محاضرات الجامعة ..
ولكن أول مفاجأة كانت أن البروفيسور لم يتجاوز عمره 22 عاما .. ثم توالت المفاجآت تباعا .. فقد كان شخصا مرحا وله أسلوب شيق .. حتى أن طارق لم يذكر يوما ضحك من قلبه مثل هذا اليوم .. عرف أنه من مدينة الخبر ويدرس في كلية علوم الحاسب .. وضع طارق في مخيلته أنه من الممكن أن تكون المعلومات التي يتحدث بها البروفيسور عن نفسه غير صحيحة ، ولكنه شعر بصدقه عندما سأله طارق عن اسمه فكان جوابه :
- يمكنني أن أعطيك أي اسم وأقول لك هذا اسمي .. ولكني لا أريد أن أكذب ، لذلك أرجو أن تعفيني من هذا السؤال في الوقت الحالي على الأقل ..
تعجب طارق من هذا الجواب لكنه لم يلقى له بالا كثيرا .. واستمر في الحديث معه .. ومع كل دقيقة يزداد إعجابه بالبروفيسور .. ونسي طارق فكرة الانتقام التي كانت تسيطر على رأسه ..

*** *** *** *** *** *** ***

لم يكن صعبا على نواف أن يلاحظ إعجاب طارق بالبروفيسور .. كان يتحدث عنه بشكل مستمر .. لدرجة أن نواف بدأ يشعر بالضيق كلما سمع اسم البروفيسور حتى قال يوما :
- طارق .. هذا البروفيسور ليس سوى اسم .. والصورة التي أخذتها عنه هو الذي أخبرك عنها .. أي أنك لا يمكن أن تتأكد من صحتها على الإطلاق .. إنك في حقيقة الأمر تتحدث مع شاشة كمبيوتر لا مشاعر أو أحاسيس لها ..
صمت طارق للحظات مفكرا بجملة نواف .. ثم قال :
- إن حبل الكذب قصير .. فإن كان كاذبا فسينكشف أمره .. ولا أظن الفترة ستطول كثيرا لأتحقق من ذلك .. وسأثبت لك أنك كنت مخطئا ..
وخيل لنواف أنه رأى عيني طارق تلمعان ببريق الدهاء ..

*** *** *** *** *** *** ***

كانت مفاجأة للبروفيسور عندما طلب منه طارق أن يتحدث معه هاتفيا .. وعندما لاحظ طارق تأخر البروفيسور في الرد أسرع يكتب على شاشة الكمبيوتر :
- لماذا أنت متردد ؟؟ إنها الخطوة الأولى .. فأنا أيضا أريد أن أقابلك ..
جاءه الرد من البروفيسور غير متوقعا حيث قال :
- آسف يا طارق لا أستطيع أن ألبي طلبك ..
رغم شعور طارق بالغضب من هذا الرد وتذكره لكلام نواف .. إلا أنه حاول أن يتمالك نفسه وكتب يقول :
- لماذا لا تستطيع ؟؟ هل رأيت شيئا سيئا مني طوال فترة الشهر التي كنا فيها معا ؟؟ إنني أسعد كثيرا بلقائك وأتمنى أن نكون أصدقاء .. فلماذا ترفض أن تمد يدك إلى يدي التي تريد مصافحتك ..
جاءت حروف البروفيسور بطيئة كما رآها طارق وهي تقول :
- لم أرى منك إلى كل خير .. وأنا معجب كثيرا بأفكارك وأخلاقك وأيضا صراحتك ..
لم يستطع طارق أن يتمالك نفسه وبدأت أصابعه تضغط بعنف على لوحة المفاتيح :
- إذن لماذا ؟؟ حتى أنك لم تقل لي اسمك حتى الآن .. هل لأنك لا تثق بي ؟؟ أم لأنك تكذب علي .. هيا أخبرني لماذا أنت صامت هكذا ؟؟؟؟
جاءه الرد هذه المرة من البروفيسور صاعقا :
- لأنني فتاة يا طارق .. هل فهمت الآن ؟؟

سمع طارق صوت طرقات على باب غرفته .. ثم صوت شقيقته التي تكبره سنا تدعوه لتناول العشاء .. لكنه أجابها بصوت منخفض :
- أريد أن أنام ..
كان طارق مستلقيا فوق سريره منذ وقت مبكر .. ليس لأنه يرغب بالنوم .. ولكن لأنه يشعر بأن عقله قد أجهد من التفكير .. منذ أن علم بحقيقة الفتاة التي تخفت خلف شخصية البروفيسور وهو متردد بما يجب أن يفعل .. هل يستمر في محادثته معها ؟؟ أم هي نقطة نهاية هذا التواصل الذي كان بينهما ؟؟
لم يكن يجول في خاطر طارق منذ أن عرف الانترنت أن يستخدمه في محادثة الفتيات كهدف .. كان يؤمن في قرارة نفسه أن علاقة الفتى بالفتاة لا يمكن السيطرة عليها .. ولا يمكن وضع حدود لها .. لأن المشاعر هي التي تتحكم بالإنسان وليس العكس .. ولكن الذي حصل معه الآن لم يكن باختياره .. بل كانت مفاجأة لم تخطر حتى على باله ..
أطلق طارق تنهيدة قوية ثم أغمض عينيه وهو يقول بصوت هامس لا يكاد يسمع :
- أي حيرة صنعتيها لي يا منار &#33;&#33;

*** *** *** *** *** *** ***

ألقى نواف نظرة فاحصة على طاولة البلياردو قبل أن يمسك بالعصا ليضرب الكرة البيضاء التي تقف في منتصف الطاولة بعنف .. ثم التفت إلى طارق قائلا :
- أنا لا أفهمك يا طارق .. لماذا تفكر بأن تقطع علاقتك معها ؟؟
كان طارق ينقر بأصابعه سطح المنضدة في حركات سريعة وهو يرد على نواف :
- لقد كنت سابقا أتحدث مع عقل .. والآن أصبحت أتحدث مع أنثى ..
توقف نواف عن اللعب .. ثم وضع العصا جانبا واقترب من طارق ووضع كفه فوق كتفه قائلا له ببطء :
- هل تخشى على نفسك ؟؟ أم تخشى عليها من نفسك ؟؟
التفت طارق برأسه إلى نواف ونظر إلى عينيه برهة قبل أن يقول في حزم :
-بل أخشى أن يستسلم العقل أمام جبروت العاطفة ..
وكان الصمت هو سيد المكان بعد تلك العبارة ..

*** *** *** *** *** *** ***

لم يكن من الصعب على منار أن تلاحظ التغير الذي حدث في طريقة وأسلوب طارق في حواره معها .. لقد أصبح أكثر تحفظا .. شعرت بأن كبرياءها كأنثى يخدش .. وأخذت تلوم نفسها لأنها أخبرته بالحقيقة .. لم تستطع أن تتحمل هذا الأسلوب كثيرا .. فكتبت له :
- إذا كنت تشعر أني ضيفة ثقيلة عليك فأخبرني ؟؟ لماذا تغيرت يا طارق ؟؟
مضى وقت ليس بالقصير قبل أن يظهر رد طارق أمامها :
- أخشى أن ينطق لساني يا منار بكلمة تسبب لك ضيقا فأندم عليها إلى الأبد ..
حاولت أن يكون تعليقها واثقا وهادئا :
- طارق .. لقد عرفتك قبل أن تعرفني .. فلا تحذرني من نفسك ..
صمتت لحظة ثم أضافت عبارة أخرى :
- هل نسيت أنني البروفيسورة ؟
وشعرت منار بالسعادة وهي تشاهد ذلك الوجه الأصفر المبتسم يرتسم على شاشة الماسنجر .. لقد ابتسم لها طارق لأول مرة بعد أن عرف أنها فتاة ..</font>

المزيوونه
11-06-03 ||, 03:41 PM
<font color='#EE9A4D'>تدافعت الطالبات للخروج من قاعة المحاضرات في الكلية بعد أن انتهت المحاضرة .. إلا أن منار لزمت مقعدها وهي تمسك بقلمها بين اصبعيها في حين كانت تضع ذقنها على راحة يدها الأخرى .. انتظرتها صديقتها لتخرج معها .. إلا أن منار اعتذرت منها متعللة بأنها تشعر بصداع خفيف وتريد أن تأخذ قسطا من الراحة ..
لقد كانت في حقيقة الأمر تفكر بذلك الشخص المدعو طارق .. شخص آخر مكانه سيكون سعيدا لأن فتاة تتحدث معه .. فلماذا تعتقد أنه شعر بالضيق عندما عرف أنها فتاة ؟ كانت هذه النقطة تحيرها كثيرا .. أحيانا تتمنى لو أنها لم تخبره .. وأحيانا أخرى تظن أن الذي فعلته هو الأمر الصحيح ..
كانت منار مثالا للفتاة المجتهدة الذكية صاحب العقل الراجح .. تتميز بقدرتها الرائعة على الرؤية الثاقبة و تحليل الأمور .. تثق كثيرا في نفسها .. لكنها أيضا تملك قلبا رقيقا يجعلها تشعر أنها ضعيفة أمام نفسها وكذلك أمام الآخرين .. ودون وعي منها .. انتبهت منار أنها كانت تكتب اسم طارق على كتابها بالقلم الذي تحمله .. أغلقت الكتاب ثم نهضت مغادرة القاعة ..

*** *** *** *** *** *** ***

وقف طارق أمام منار ينظر إلى عينيها بشوق .. ابتسمت له وقد احمرت وجنتاها من الخجل قبل أن تخفض عينيها إلى الأرض .. أمسك يدها برفق وسار معها في خطوات بطيئة نحو أمواج البحر المتلاطمة بعنف .. كان نسيم البحر يداعب خصلات شعرها فيشعر طارق أن التي معه طفلة صغيرة ..
الشمس تشرف نحو المغيب .. والعصافير من حولهما تغرد بأصوات عذبة اختلطت مع أصوات الموج .. وغاب كل شيء مع حلول الظلام .. لكن ضوء القمر المنعكس على سطح البحر يبعث في النفس الطمأنينة .. ما أجملها من لحظات .. هكذا كان طارق يهتف لنفسه بصوت ليس له صدى ..
وعندما اقتربت الغيوم تعانق ضوء القمر .. لمع ضوء البرق في السماء .. وبدأت السماء تمطر ماءها العذب .. خلع طارق معطفه ليحمي منار من ذلك البرد الذي بدأ يقتحم صمتهما الذي يزخر بكل أنواع المعاني .. تزايد هطول المطر .. ووجد طارق نفسه يركض مع منار نحو الأفق .. حتى اختفيا عن العيون ..
وهنا استيقظ طارق من نومه .. لقد كان يحلم .. إنه يشعر بقلبه ينبض بعنف .. نظر إلى النافذة ليتأكد من أن السماء تمطر .. لكنها لم تكن كذلك .. حاول أن يتذكر ملامح منار التي رآها في منامه .. لكنه عجز عن ذلك ..

*** *** *** *** *** *** ***

عندما فتحت منار بريدها الالكتروني وجدت رسالة من طارق .. وكعادتها بدأت بقراءة الرسائل الأخرى وجعلت رسالة طارق هي الأخيرة .. كان تفعل ذلك لأنها تعتقد أن قراءتها لرسالة طارق تأخذ زمنا طويلا .. ولأنها أيضا كانت ترغب أن تكون كلمات طارق هي آخر ما تقرأ فلا تنساها .. ولكنها تفاجأت كثيرا عندما فتحت رسالة طارق ولم تجد فيها إلا سطرا واحدا فقط .. كان يقول :
" سأنتظرك عند الساعة العاشرة .. هناك شيء هام أريد أن أقوله "
لم تدري منار لم شعرت بقلبها ينقبض عندما قرأت هذه الرسالة .. قرأت العبارة أكثر من مرة محاولة أن تصل إلى ذلك الشيء الهام الذي يتحدث عنه طارق .. كانت هناك فكرة واحدة تقلقها لكنها تلح عليها كثيرا .. واعترفت منار لنفسها .. إنها تخشى أن تفقده ..
كانت فكرة أن يقول لها :" وداعا " أمر مؤلم بالنسبة لها .. إنها لا تعرف هل هو الذي وجدها أم هي التي وجدته .. لكنه متأكدة من شيء واحد .. إنها لا تريد أن تفقده .. لذلك كانت تحاول قدر الإمكان ألا تثير ضيقه .. وشعرت منار أن الوقت الذي يفصلها عن الساعة العاشرة طويل جدا رغم أنه لا يتجاوز الخمس ساعات ..

*** *** *** *** *** *** ***

رغم أن طارق دخل الانترنت قبل أكثر من عشر دقائق من موعده مع منار .. إلا أنه تفاجأ بوجودها ضمن قائمة المتصلين .. كانت هي المبادرة بالتحية .. ولم تنتظر إجابته .. بل أسرعت تسأله دون شعور :
- خيرا يا طارق ؟؟ ماذا تريد أن تقول ؟؟
شعر طارق بأن الكلام الذي رتبه في ذهنه واستعد لقوله يضيع منه .. مشاعر شتى كانت تعصف به في ذلك الوقت .. حاول أن يسترد أنفاسه وهو يقول :
- هل أنت هنا منذ فترة طويلة ؟
أدركت منار أن طارق يحاول أن يتهرب من سؤالها .. وبدأت كلمة واحدة تتردد في ذهنها .. وداعا يا منار .. كتبت له بعد لحظات من الصمت :
- ليس مهما متى أتيت .. المهم أني أتيت لأسمع منك ماذا تريد أن تقول ..
تنهد طارق بقوة .. ثم استجمع شجاعته وقال :
- لي رجاء واحد .. ألا تغضبي مني أو تغيري نظرتك عني ..
أجابته وقد شعرت بأن صبرها يكاد ينفد :
- لا تقلق يا طارق .. هيا قل أرجوك ؟؟
شعر طارق بأن يده أصبحت ثقيلة فوق لوحة المفاتيح وأنفاسه بدأت تتسارع وهو يكتب لها :
- منار .. أنا أحبك ..
وعاد الصمت يسيطر على الموقف من جديد ..
اتجه نواف إلى باب منزله ليفتحه بعد أن سمع رنين الجرس ، كان يمشي بتثاقل وهو يضم ذراعيه إلى صدره من برودة الجو ويقول متثائبا :
- أنا قادم .. لحظة من فضلك ..
وعندما فتح الباب وجده طارق .. استغرب نواف حضوره في هذا الوقت .. إلا أنه سرعان ما نفض الأفكار من رأسه ودعاه إلى الدخول مرحبا به .. لاحظ نواف أن ملامح طارق جامدة وكأنها اكتسبت صلابتها من الجو البارد .. وعندما جلسا في الغرفة كان أول شيء يفعله نواف هو أن قدم كوبا من الشاي إلى طارق ، ثم سأله باهتمام :
- طارق ماذا هناك ؟؟ إنك تريد قول شيء أليس كذلك ؟؟
انطلقت من طارق زفرة قوية .. ثم سرد لنواف ما حدث له مع منار .. كان نواف يصغي باهتمام .. وبعد إن انتهى طارق ابتسم نواف قائلا :
- يبدو أنك تعريفك للحب الآن يختلف عن تعريفك له سابقا ..
تجاهل طارق هذا التعليق .. ونظر إلى عيني نواف ثم قال :
- نواف .. ماذا بعد الحب ؟؟
تفاجأ نواف بالسؤال .. لكنه أجاب بسرعة وبصوت واثق :
- المعاناة ..

*** *** *** *** *** *** ***

تأملت منار صورتها المنعكسة على المرآة وهي تقوم بتسريح شعرها في غرفتها .. ما زالت عبارة طارق ترن في أذنها .. " أحبك يا منار " .. لا تستطيع أن تصف شعورها عندما سمعت تلك العبارة .. كانت مزيج بين المفاجأة والذهول والفرح والخوف ..
كانت منار تحاول أن تفكر لماذا أحبها طارق ؟؟ إنها لم يرها فيعجب بجمالها .. ولم يسمع صوتها فيطرب له .. ووصلت إلى نقطة واحدة .. إنه معجب بذكائها .. ولكنها هذا الرأي لم يكن له قبول في نفسها لأنه يتجاهل أنوثتها ..
ثم انطلقت بتفكيرها إلى سؤال آخر .. هل هي تحبه ؟؟ لا تعرف لماذا تشعر بالارتباك عندما تفكر في هذا السؤال .. إنها لا تنكر أنها كانت تخشى من فقده .. فهل هذا هو الحب ؟ وفجأة شعرت منار بحنين إليه .. كانت ترغب في أن تحادثه .. التفت إلى جهاز الكمبيوتر ثم ألقت نظرة على ساعتها .. ما زال الوقت مبكرا موعدهما ..
وبينما كانت منار تتنقل بين أفكارها وحيرتها .. سمعت صوت والدتها تناديها لإعداد سفرة العشاء .. فأسرعت ترتب نفسها .. ثم غادرت غرفتها وأغلقت الباب بهدوء شديد .. وكأنها تخشى أن تزعج أحدا داخل الغرفة ..


*** *** *** *** *** *** ***


انطلقت ضحكة ساخرة من حنجرة داليا ابنة عمة منار وهي تقول :
- هذا هو وهم الحب يا منار ..
شعرت منار بالضيق لهذا التفسير وحاولت أن تدافع عن ذلك الحب الذي بدأ بذرة صغيرة في قلبها ويحاول أن ينمو بسرعة .. لكن داليا لم تمنحها الفرصة .. إنها تكبر منار بعامين لكن ذلك لم يمنع أن تكون بينهما صداقة قوية إضافة إلى القرابة التي تجمع بينهما .. كانت داليا تكمل وجهة نظرها قائلة بثقة :
- ما يدريك أنه لم يعرف فتاة قبلك ؟؟ وما يدريك أنه لن يعرف أخرى بعدك ؟؟ عندما يكون لدينا فراغ عاطفي فإن أول شخص يحاول أن يملأ هذا الفراغ سنتمسك به .. ولكن هل سيستمر ذلك طويلا .. لا أعتقد ..
اندفعت منار تقول بعصبية :
- غير صحيح .. فنحن لم نبحث عن الحب .. الحب هو الذي بحث عنا ..
ابتسمت داليا قبل أن تقول بهدوء :
- أنا لا أريد أن أضايقك .. ولكن لا تجعلي عاطفتك تتغلب على عقلك ..
ابتسمت منار هي الأخرى وقالت بصوت واثق :
- إن عقلي أحبه قبل قلبي &#33;&#33;


*** *** *** *** *** *** ***


تكررت لقاءات طارق ومنار على الماسنجر بشكل شبه يومي .. وفي كل يوم كان تقاربهما يزداد بصورة أكبر من الناحية الفكرية وكذلك العاطفية .. وذات ليلة .. كان طارق قد كتب لمنار بعد تردد :
- شعرت بالقلق عليك لعدم حضورك بالأمس .. خشيت أن أفقدك ..
اعتذرت منه منار وقالت بحرج :
- لقد كان لدينا ضيوف .. ولم أستطع أن أكتب لك رسالة على بريدك .. أنا آسفة ..
صمت طارق برهة وكأنه يفكر مليا بما يريد أن يقول .. ثم كتب :
- لا أحد يعلم ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل يا منار .. وأنا أخشى أن لا أجدك في الماسنجر أو تنقطع رسائلك إلي لأي سبب كان .. لقد كنت أفكر بذلك ليلة أمس .. إنها فكرة مؤلمة جدا ..
لم تعلق منار بانتظار أن يكمل طارق كلامه وهذا ما فعله حيث كتب رقما ثم أضاف :
- هذا رقم هاتفي .. أنا لا أطلب منك أن تستخدميه .. ولكن أتمنى أن تحفظيه لديك .. فربما يكون ذا فائدة في المستقبل ..
تجاهلت منار الكلام السابق لطارق وكأنه لم يكن .. وسألته عن موضوع آخر .. وشعر طارق وكأن إبرة وخزت قلبه ..


*** *** *** *** *** *** ***


لأول مرة يشعر طارق بأنه قد تهور .. لماذا أعطاها رقم هاتفه ؟؟ شعر بهم ثقيل يجثم على قلبه .. ماذا ستقول عنه الآن ؟؟ أكثر ما يخافه هو أن تعتقد أنه شخص عابث يريد التسلية لا أكثر .. وهو يعرف أن ذلك غير صحيح .. إنه يحبها بدرجة كبيرة لم تخطر على باله .. لدرجة أنه يعاتب نفسه الآن خشية أن يكون تصرفه سبب لها ضيقا ..
كم يتمنى أن يعود به الزمن إلى الوراء حتى يحذف هذا التصرف الأرعن الذي قام به .. إنها لم تظهر رد فعل واضحة .. فقط تجاهلت ما حصل وكأنه لم يكن .. لكنها بالتأكيد بعد أن انتهى الحوار بينهما ستفكر كثيرا بما حدث .. فماذا لو كان قرارها أن طارق رسب في الامتحان ؟؟
نظر طارق إلى الساعة .. إنها تقترب من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل .. إنه لا يستطيع النوم وهذه الأفكار تجول في ذهنه .. تنهد طارق بقوة ثم قال لنفسه يلومها : أي حماقة هذه الذي قمت بها &#33;&#33;</font>

المزيوونه
11-06-03 ||, 03:42 PM
<font color='#EE9A4D'>تدافعت الطالبات للخروج من قاعة المحاضرات في الكلية بعد أن انتهت المحاضرة .. إلا أن منار لزمت مقعدها وهي تمسك بقلمها بين اصبعيها في حين كانت تضع ذقنها على راحة يدها الأخرى .. انتظرتها صديقتها لتخرج معها .. إلا أن منار اعتذرت منها متعللة بأنها تشعر بصداع خفيف وتريد أن تأخذ قسطا من الراحة ..
لقد كانت في حقيقة الأمر تفكر بذلك الشخص المدعو طارق .. شخص آخر مكانه سيكون سعيدا لأن فتاة تتحدث معه .. فلماذا تعتقد أنه شعر بالضيق عندما عرف أنها فتاة ؟ كانت هذه النقطة تحيرها كثيرا .. أحيانا تتمنى لو أنها لم تخبره .. وأحيانا أخرى تظن أن الذي فعلته هو الأمر الصحيح ..
كانت منار مثالا للفتاة المجتهدة الذكية صاحب العقل الراجح .. تتميز بقدرتها الرائعة على الرؤية الثاقبة و تحليل الأمور .. تثق كثيرا في نفسها .. لكنها أيضا تملك قلبا رقيقا يجعلها تشعر أنها ضعيفة أمام نفسها وكذلك أمام الآخرين .. ودون وعي منها .. انتبهت منار أنها كانت تكتب اسم طارق على كتابها بالقلم الذي تحمله .. أغلقت الكتاب ثم نهضت مغادرة القاعة ..

*** *** *** *** *** *** ***

وقف طارق أمام منار ينظر إلى عينيها بشوق .. ابتسمت له وقد احمرت وجنتاها من الخجل قبل أن تخفض عينيها إلى الأرض .. أمسك يدها برفق وسار معها في خطوات بطيئة نحو أمواج البحر المتلاطمة بعنف .. كان نسيم البحر يداعب خصلات شعرها فيشعر طارق أن التي معه طفلة صغيرة ..
الشمس تشرف نحو المغيب .. والعصافير من حولهما تغرد بأصوات عذبة اختلطت مع أصوات الموج .. وغاب كل شيء مع حلول الظلام .. لكن ضوء القمر المنعكس على سطح البحر يبعث في النفس الطمأنينة .. ما أجملها من لحظات .. هكذا كان طارق يهتف لنفسه بصوت ليس له صدى ..
وعندما اقتربت الغيوم تعانق ضوء القمر .. لمع ضوء البرق في السماء .. وبدأت السماء تمطر ماءها العذب .. خلع طارق معطفه ليحمي منار من ذلك البرد الذي بدأ يقتحم صمتهما الذي يزخر بكل أنواع المعاني .. تزايد هطول المطر .. ووجد طارق نفسه يركض مع منار نحو الأفق .. حتى اختفيا عن العيون ..
وهنا استيقظ طارق من نومه .. لقد كان يحلم .. إنه يشعر بقلبه ينبض بعنف .. نظر إلى النافذة ليتأكد من أن السماء تمطر .. لكنها لم تكن كذلك .. حاول أن يتذكر ملامح منار التي رآها في منامه .. لكنه عجز عن ذلك ..

*** *** *** *** *** *** ***

عندما فتحت منار بريدها الالكتروني وجدت رسالة من طارق .. وكعادتها بدأت بقراءة الرسائل الأخرى وجعلت رسالة طارق هي الأخيرة .. كان تفعل ذلك لأنها تعتقد أن قراءتها لرسالة طارق تأخذ زمنا طويلا .. ولأنها أيضا كانت ترغب أن تكون كلمات طارق هي آخر ما تقرأ فلا تنساها .. ولكنها تفاجأت كثيرا عندما فتحت رسالة طارق ولم تجد فيها إلا سطرا واحدا فقط .. كان يقول :
" سأنتظرك عند الساعة العاشرة .. هناك شيء هام أريد أن أقوله "
لم تدري منار لم شعرت بقلبها ينقبض عندما قرأت هذه الرسالة .. قرأت العبارة أكثر من مرة محاولة أن تصل إلى ذلك الشيء الهام الذي يتحدث عنه طارق .. كانت هناك فكرة واحدة تقلقها لكنها تلح عليها كثيرا .. واعترفت منار لنفسها .. إنها تخشى أن تفقده ..
كانت فكرة أن يقول لها :" وداعا " أمر مؤلم بالنسبة لها .. إنها لا تعرف هل هو الذي وجدها أم هي التي وجدته .. لكنه متأكدة من شيء واحد .. إنها لا تريد أن تفقده .. لذلك كانت تحاول قدر الإمكان ألا تثير ضيقه .. وشعرت منار أن الوقت الذي يفصلها عن الساعة العاشرة طويل جدا رغم أنه لا يتجاوز الخمس ساعات ..

*** *** *** *** *** *** ***

رغم أن طارق دخل الانترنت قبل أكثر من عشر دقائق من موعده مع منار .. إلا أنه تفاجأ بوجودها ضمن قائمة المتصلين .. كانت هي المبادرة بالتحية .. ولم تنتظر إجابته .. بل أسرعت تسأله دون شعور :
- خيرا يا طارق ؟؟ ماذا تريد أن تقول ؟؟
شعر طارق بأن الكلام الذي رتبه في ذهنه واستعد لقوله يضيع منه .. مشاعر شتى كانت تعصف به في ذلك الوقت .. حاول أن يسترد أنفاسه وهو يقول :
- هل أنت هنا منذ فترة طويلة ؟
أدركت منار أن طارق يحاول أن يتهرب من سؤالها .. وبدأت كلمة واحدة تتردد في ذهنها .. وداعا يا منار .. كتبت له بعد لحظات من الصمت :
- ليس مهما متى أتيت .. المهم أني أتيت لأسمع منك ماذا تريد أن تقول ..
تنهد طارق بقوة .. ثم استجمع شجاعته وقال :
- لي رجاء واحد .. ألا تغضبي مني أو تغيري نظرتك عني ..
أجابته وقد شعرت بأن صبرها يكاد ينفد :
- لا تقلق يا طارق .. هيا قل أرجوك ؟؟
شعر طارق بأن يده أصبحت ثقيلة فوق لوحة المفاتيح وأنفاسه بدأت تتسارع وهو يكتب لها :
- منار .. أنا أحبك ..
وعاد الصمت يسيطر على الموقف من جديد ..
اتجه نواف إلى باب منزله ليفتحه بعد أن سمع رنين الجرس ، كان يمشي بتثاقل وهو يضم ذراعيه إلى صدره من برودة الجو ويقول متثائبا :
- أنا قادم .. لحظة من فضلك ..
وعندما فتح الباب وجده طارق .. استغرب نواف حضوره في هذا الوقت .. إلا أنه سرعان ما نفض الأفكار من رأسه ودعاه إلى الدخول مرحبا به .. لاحظ نواف أن ملامح طارق جامدة وكأنها اكتسبت صلابتها من الجو البارد .. وعندما جلسا في الغرفة كان أول شيء يفعله نواف هو أن قدم كوبا من الشاي إلى طارق ، ثم سأله باهتمام :
- طارق ماذا هناك ؟؟ إنك تريد قول شيء أليس كذلك ؟؟
انطلقت من طارق زفرة قوية .. ثم سرد لنواف ما حدث له مع منار .. كان نواف يصغي باهتمام .. وبعد إن انتهى طارق ابتسم نواف قائلا :
- يبدو أنك تعريفك للحب الآن يختلف عن تعريفك له سابقا ..
تجاهل طارق هذا التعليق .. ونظر إلى عيني نواف ثم قال :
- نواف .. ماذا بعد الحب ؟؟
تفاجأ نواف بالسؤال .. لكنه أجاب بسرعة وبصوت واثق :
- المعاناة ..

*** *** *** *** *** *** ***

تأملت منار صورتها المنعكسة على المرآة وهي تقوم بتسريح شعرها في غرفتها .. ما زالت عبارة طارق ترن في أذنها .. " أحبك يا منار " .. لا تستطيع أن تصف شعورها عندما سمعت تلك العبارة .. كانت مزيج بين المفاجأة والذهول والفرح والخوف ..
كانت منار تحاول أن تفكر لماذا أحبها طارق ؟؟ إنها لم يرها فيعجب بجمالها .. ولم يسمع صوتها فيطرب له .. ووصلت إلى نقطة واحدة .. إنه معجب بذكائها .. ولكنها هذا الرأي لم يكن له قبول في نفسها لأنه يتجاهل أنوثتها ..
ثم انطلقت بتفكيرها إلى سؤال آخر .. هل هي تحبه ؟؟ لا تعرف لماذا تشعر بالارتباك عندما تفكر في هذا السؤال .. إنها لا تنكر أنها كانت تخشى من فقده .. فهل هذا هو الحب ؟ وفجأة شعرت منار بحنين إليه .. كانت ترغب في أن تحادثه .. التفت إلى جهاز الكمبيوتر ثم ألقت نظرة على ساعتها .. ما زال الوقت مبكرا موعدهما ..
وبينما كانت منار تتنقل بين أفكارها وحيرتها .. سمعت صوت والدتها تناديها لإعداد سفرة العشاء .. فأسرعت ترتب نفسها .. ثم غادرت غرفتها وأغلقت الباب بهدوء شديد .. وكأنها تخشى أن تزعج أحدا داخل الغرفة ..


*** *** *** *** *** *** ***


انطلقت ضحكة ساخرة من حنجرة داليا ابنة عمة منار وهي تقول :
- هذا هو وهم الحب يا منار ..
شعرت منار بالضيق لهذا التفسير وحاولت أن تدافع عن ذلك الحب الذي بدأ بذرة صغيرة في قلبها ويحاول أن ينمو بسرعة .. لكن داليا لم تمنحها الفرصة .. إنها تكبر منار بعامين لكن ذلك لم يمنع أن تكون بينهما صداقة قوية إضافة إلى القرابة التي تجمع بينهما .. كانت داليا تكمل وجهة نظرها قائلة بثقة :
- ما يدريك أنه لم يعرف فتاة قبلك ؟؟ وما يدريك أنه لن يعرف أخرى بعدك ؟؟ عندما يكون لدينا فراغ عاطفي فإن أول شخص يحاول أن يملأ هذا الفراغ سنتمسك به .. ولكن هل سيستمر ذلك طويلا .. لا أعتقد ..
اندفعت منار تقول بعصبية :
- غير صحيح .. فنحن لم نبحث عن الحب .. الحب هو الذي بحث عنا ..
ابتسمت داليا قبل أن تقول بهدوء :
- أنا لا أريد أن أضايقك .. ولكن لا تجعلي عاطفتك تتغلب على عقلك ..
ابتسمت منار هي الأخرى وقالت بصوت واثق :
- إن عقلي أحبه قبل قلبي &#33;&#33;


*** *** *** *** *** *** ***


تكررت لقاءات طارق ومنار على الماسنجر بشكل شبه يومي .. وفي كل يوم كان تقاربهما يزداد بصورة أكبر من الناحية الفكرية وكذلك العاطفية .. وذات ليلة .. كان طارق قد كتب لمنار بعد تردد :
- شعرت بالقلق عليك لعدم حضورك بالأمس .. خشيت أن أفقدك ..
اعتذرت منه منار وقالت بحرج :
- لقد كان لدينا ضيوف .. ولم أستطع أن أكتب لك رسالة على بريدك .. أنا آسفة ..
صمت طارق برهة وكأنه يفكر مليا بما يريد أن يقول .. ثم كتب :
- لا أحد يعلم ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل يا منار .. وأنا أخشى أن لا أجدك في الماسنجر أو تنقطع رسائلك إلي لأي سبب كان .. لقد كنت أفكر بذلك ليلة أمس .. إنها فكرة مؤلمة جدا ..
لم تعلق منار بانتظار أن يكمل طارق كلامه وهذا ما فعله حيث كتب رقما ثم أضاف :
- هذا رقم هاتفي .. أنا لا أطلب منك أن تستخدميه .. ولكن أتمنى أن تحفظيه لديك .. فربما يكون ذا فائدة في المستقبل ..
تجاهلت منار الكلام السابق لطارق وكأنه لم يكن .. وسألته عن موضوع آخر .. وشعر طارق وكأن إبرة وخزت قلبه ..


*** *** *** *** *** *** ***


لأول مرة يشعر طارق بأنه قد تهور .. لماذا أعطاها رقم هاتفه ؟؟ شعر بهم ثقيل يجثم على قلبه .. ماذا ستقول عنه الآن ؟؟ أكثر ما يخافه هو أن تعتقد أنه شخص عابث يريد التسلية لا أكثر .. وهو يعرف أن ذلك غير صحيح .. إنه يحبها بدرجة كبيرة لم تخطر على باله .. لدرجة أنه يعاتب نفسه الآن خشية أن يكون تصرفه سبب لها ضيقا ..
كم يتمنى أن يعود به الزمن إلى الوراء حتى يحذف هذا التصرف الأرعن الذي قام به .. إنها لم تظهر رد فعل واضحة .. فقط تجاهلت ما حصل وكأنه لم يكن .. لكنها بالتأكيد بعد أن انتهى الحوار بينهما ستفكر كثيرا بما حدث .. فماذا لو كان قرارها أن طارق رسب في الامتحان ؟؟
نظر طارق إلى الساعة .. إنها تقترب من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل .. إنه لا يستطيع النوم وهذه الأفكار تجول في ذهنه .. تنهد طارق بقوة ثم قال لنفسه يلومها : أي حماقة هذه الذي قمت بها &#33;&#33;</font>

المزيوونه
11-06-03 ||, 03:43 PM
<font color='#EE9A4D'>لم تكن منار بأحسن حالا من طارق .. هي الأخرى لم تستطع النوم .. لم تكن تعرف هل هي سعيدة أم غاضبة بما فعله طارق .. لقد سجلت الرقم لديها .. وهي الآن تحفظه من كثرة تأملها له .. ولكن ماذا سيحدث بعد هذا ؟؟
لم يكن تصرف طارق مفاجئا لها .. فهي كانت تتوقع أن يفعل ذلك وإن كانت الاحتمالات التي وضعتها بهذا الخصوص ضعيفة .. فكرت أن تخبر داليا ابنة عمتها .. ولكنها تراجعت بسرعة عن هذه الفكرة .. فداليا حتما ستصور لها أن ما فعله طارق هو الهدف الرئيسي من استمرار علاقته بها .. وهي على يقين بأن ذلك ليس صحيحا .. إنها تشعر بالعطش .. نهضت من سريرها لتشرب كوبا من الماء .. وعندما ألقت بنفسها على السرير شعرت بالإنهاك من كثرة التفكير .. ولم تشعر بالنوم الذي بدأ يتسلل إلى عينيها ..


*** *** *** *** *** *** ***


- أنا آسف يا منار بشأن ما حدث ليلة الأمس .. أرجو أن تتجاهلي ما فعلته .. فأنا لا أريد منك أن تفقدي ثقتك بطارق الذي تعرفينه ..
قرأت منار هذه العبارة التي كتبها طارق .. فأسرعت ترد عليه بألم :
- طارق هل تعتقد أني أفقد ثقتي بك ؟؟ لن أسامحك على هذا القول .. أنا لم أعرفك ليلة الأمس يا طارق .. أنا أعرفك منذ أسابيع ..
شعر طارق بأن حبه لهذه الفتاة يزداد .. وقال لها :
- منار إني أسعى دوما أن يكون حبي لك مجردا من كل نزوات البشر .. نقيا مثل ماء المطر .. عنيفا مثل أمواج البحر الهائجة ..
شعرت منار بالرضا وهي تقرأ كلامه .. ثم كتبت :
- وأنا سأثبت لك الآن أن ثقتي بك لم تتغير ..
وقبل أن ينتهي طارق من قراءة عبارتها .. كانت نغمة هاتفه الجوال المميز لوصول رسالة نصية يخترق أذنه .. التقط الهاتف بهلفة وقرأ الرسالة التي كانت عبارة عن كلمة واحدة فقط .. كلمة : أحبك .. وشعر طارق بقلبه يخفق بقوة ..
**********---------------------------
ما أجمل الحب &#33;&#33; هكذا هتفت منار لنفسها بعد أن أنهت محادثتها مع طارق .. ما أروع أن يشعر المرء بروحه تحلق عاليا بعيدا عن البشر .. بين هامات السحب .. بجوار النجوم المتناثرة .. وخلف ظلال القمر .. ليس هناك أحد سواهما .. هي ومن تحب ..
ابتسمت وهي تتذكر قول طارق لها :
- منار ماذا ستفعلين لو انتابتني لحظة ضعف و قمت بالاتصال بك ؟؟ ألا تظنين أنك كنت متعجلة جدا في تصرفك هذا ؟
كانت معجبة جدا بردها حين قالت له :
- أنا واثقة أنك لن تفعل ذلك .. هل تعرف لماذا يا طارق ؟؟ لأني أشعر أنك بحبك تخشى علي حتى من نفسك ..
لم يعلق طارق على كلامها .. لكنها كانت متأكدة أنه تأثر بكلماتها كثيرا .. لدرجة أنه استأذنها في أن يرسل لها رسائل نصية عن طريق الهاتف من وقت إلى آخر رغم أنه يستطيع أن يفعل ذلك دون أن يطلب الإذن منها .. وهي لم تمانع .. لقد كانت فرصة لها في أن يكون قريبا منها بعيدا عن الانترنت بوقته المحدود ومواعيده الثابتة .. وهاهي الآن تمسك بهاتفها الذي تلقى أولى رسائل طارق ..

*** *** *** *** *** *** ***

وضع طارق كوب الشاي جانبا بعد أن وضع لمساته الأخيرة على البطاقة الفلاشية التي كان يصممها .. شعر بأنه أنجز عملا جيدا وهو يعرضها أمامه للبحث عن أية عيوب ..لا يدري لماذا تذكر وقتها منار .. وكأنه كان يبدع هذه البطاقة لأجلها .. شعور بالحنين إليها يحتويه هذه اللحظات .. وجد نفسه يستعرض إحدى رسائلها التي امتلأ بها بريده الإلكتروني .. كان يعيش مع حروفها وكأنه يقرأها لأول مرة .. كل كلمة من كلماتها تنطق بالحب الصادق ..
وبينما هو كذلك سمع صوت طرقات على باب غرفته ثم صوت شقيقته يقول :
- طارق .. إن نواف بالأسفل ينتظرك ..
تذكر فجأة أن هناك موعدا بينهما يفترض أن يكون قبل ربع ساعة .. أسرع يفتح باب غرفته بعد أن التقط شماغه وعقاله فوجد شقيقته تنظر إليه بحنان .. ابتسم وهو يستأذنها لأنه تأخر .. تابعته بنظراتها وهو يغادر المنزل .. وقبل أن تغلق باب غرفته لمحت كوب الشاي فوق الطاولة .. هزت كتفيها ثم دخلت الغرفة لتأخذ الكوب معها ووقعت عيناها على شاشة الكمبيوتر .. لم تستطع أن تمنع فضولها من النظر إلى تلك الرسالة التي كانت معروضة أمامها .. وبكل اهتمام بدأت تقرأ الرسالة من بدايتها ..

*** *** *** *** *** *** ***

هزت داليا رأسها بأسف قائلة لمنار :
- أي حماقة جعلتك تثقين به إلى هذه الدرجة ؟؟
قالت منار بضيق :
- داليا إنك لا تفهمين شيئا .. إن الذي بيني وبين طارق مختلف تماما عن الذي تفكرين به .. إنه الحب الحقيقي وليس ما تتصورينه ..
كان من الواضح أن الأحداث التي تمر بها منار قد سبق ومرت به داليا .. ويبدو أن نتائجها كانت مريرة لداليا .. وهي لا تريد لمنار أن تعيش نفس الموقف .. لذلك قالت لها :
- منار لا يوجد رجل يستحق أن نثق به .. إنه يغير قناعاته بين يوم وليلة ..
لكن منار كانت عنيدة ولم تؤثر كلمات داليا على مشاعرها نحو طارق .. مجرد أن تذكر اسمه تشعر بالقوة تسري في دماءها .. ولما وجدت داليا هذا التطرف في موقف منار قالت لها :
- حسنا لا بأس .. أنا سأثبت لك أن طارق هذا مثل غيره ..
نظرت إليها منار بحيرة وترقب وكأنها تستفسر من داليا عما ستفعله .. ولكن ابتسامة داليا ازدادت اتساعا وهي تنظر إلى جوال منار قائلة :
- مجرد اختبار بسيط ..
ولم تدري منار لماذا شعرت بعدم الارتياح من ابتسامة داليا ..

*** *** *** *** *** *** ***

عندما انتهت شقيقة طارق من قراءة رسالة منار شعرت بقلبها ينقبض .. كانت مفاجأة لم تخطر لها على بال .. لقد انكشف لها سر نجح طارق في أن يخفيه عنهم .. طارق يحب فتاة لا تعلم كيف عرفها أو هي عرفته .. وهي لا تدري على أي أسس بنيت مثل هذه العلاقة .. وكيف سوف تنتهي في حال أن كتب لها الاستمرار ..
تسمرت في مكانها عدة دقائق تحاول أن تفكر بما يجب أن تفعل .. ماذا لو علمت والدتها بالأمر وهي التي تريد أن تزوج طارق لابنة عمه .. ماذا سيفعل والده لو وصل إليه الخبر وهو الذي يحلم بأن يرى طارق عريسا .. لن يكون الموقف بأحسن حالا إذا عمهما وابنته أيضا علما بالأمر ..
كانت تدرك أن الأمر ليس سهلا .. لذلك حاولت أن تتماسك وقررت أن تكون أكثر صلابة لمواجهة طارق .. أطلقت تنهيدة قوية .. ثم أغلقت جهاز الكمبيوتر وأخذت كوب الشاي وغادرت الغرفة بهدوء ..

*** *** *** *** *** *** ***

حاول طارق أن يتذكر صاحب الرقم الذي يظهر على شاشة هاتفه .. لكن عجز عن ذلك فما كان منه إلا أن فتح الخط ليعرف من هو .. كان صوت فتاة مخطئة بالرقم اعتذرت منه ثم أغلقت الهاتف .. ولم تمضي دقيقة حتى كان نفس الرقم يتصل مرة أخرى .. أجاب طارق هذه المرة بصوت أكثر عصبية بأن الرقم خاطئ ثم أغلق الهاتف .. ولكن الفتاة لم تتوقف بل كررت الاتصال للمرة الثالثة .. فهتف بغضب :
- ماذا تريدين ؟
جاءه صوتها مبتسما وكأنها غير مبالية بعصبيته :
- لماذا أنت غاضب ؟؟ أنا أريدك أنت &#33;&#33;
تمالك طارق نفسه وحاول أن يكون هادئا وهو يسألها :
- وهل أنتي تعرفيني حتى تتكلمي معي بهذه الطريقة ؟
جاءه ردها مفاجئا حين قالت بثقة :
- هاأنا الآن أتعرف عليك .. وأنا سعيدة بذلك ..
وشعر طارق بالتوتر من الغموض الذي يكتنف هذه المحادثة ..

*** *** *** *** *** *** ***

- أخشى أن أقول لك رأيي فتغضب يا طارق ..
نطق نواف بهذه العبارة وهو يعبث بجهاز الريموت كنترول الخاص بالتلفزيون للبحث عن قناة فضائية تعجبه .. في حين كان القلق باديا على وجه طارق وهو يقول :
- لن أغضب .. هيا قل لي ما رأيك ..
اعتدل نواف في جلسته ثم نظر إلى عيني طارق قائلا :
- هذه الفتاة لم تصل إلى رقمك صدفة .. إنها تعرفك حتما .. وهي كانت تريد اختبارك
سكت طارق برهة قبل أن يقول :
- أنت تقصد أن البروفيسور غير واثق بحبي .. لذلك طلب من أحدهم أن يضعني في هذا الاختبار .. أو ربما يكون هو قد استخدم هاتفا آخر ..
نظر إليه نواف بصمت ثم أومأ برأسه إيجابا دون تعليق ..

*** *** *** *** *** *** ***

كانت المرة الأولى التي ترى منار فيها طارق عصبيا في محادثته معها .. شعرت بقلق خفي داخلها .. سألته بخوف وحذر عن الشيء الذي يزعجه .. لكن تجاهل سؤالها .. كان يتحدث عن مواضيع شتى متداخلة .. بين الحب والثقة والشمعة التي تنطفئ مع أخر نسمات الليل الباردة .. في داخلها كانت تشعر منار بأن طارق يكتب بحروف تتألم .. وكان أكثر شيء يرعبها أن تكون هي السبب في ذلك .. حاولت أن تسترجع كلامها لعلها تجد شيئا يكون سببا في الضيق الذي هو فيه .. لكنها لم تجد .. سألته بحزن متدفق :
- طارق .. هل تظن أن ثقتك بي ليست في محلها ؟
جاءها رده قاتما خاليا من المشاعر :
- بل ربما أنا الذي أكون غير أهلا للثقة ..
كلمات حادة مزقت قلبها الحالم .. كتبت بحروف شاحبة :
- لماذا تقول ذلك يا طارق .. ماذا فعلت لك ؟؟
استولى عليها الجزع وهي تشاهد الرقم الذي كتبه طارق على الشاشة قبل أن يسألها إن كانت تعرفه أم لا .. نعم إنها تعرفه تماما .. إنه رقم ابنة عمتها داليا .. وهوى قلبها بين قدميها وشعرت بالدنيا كلها تدور حولها ..

كانت الدموع قد تجمعت في عيني منار وهي تقول لداليا بغضب :
- لماذا تريدين أن تقتليني ؟ ماذا فعلت لك ..
لم يسبق لداليا أن سمعت منار وهي تتحدث لها بهذه النبرة من قبل .. وحمدت الله كثيرا أنها تتحدث إليها من خلال الهاتف وليس أمامها .. حاولت داليا أن تدافع عن نفسها قائلة :
- أنا أريد أن أحميك من نفسك.. لأني أحبك يا منار ..
جاءها صوت منار باكيا هذه المرة وهي تقول :
- ومن يحمي قلبي الذي ينزف الآن بسببك ؟؟
اختنقت الكلمات في حنجرة داليا ولم تستطع أن تقول شيئا في حين تابعت منار :
- لقد كان هدفك أن تكشفي لي أنه يعبث معي .. لكن ما فعلتيه جعله يعتقد أنني أنا من يعبث به .. هل هذا يرضيك الآن ؟؟
لم تستطع داليا أن تصبر أكثر .. فصرخت بألم :
- منار أرجوك أنت تقسين علي .. سامحيني ..
سالت دمعة على خد منار وهي تقول بصوت لا يكاد يكون مسموعا :
- المهم أن يسامحني هو ..</font>

المزيوونه
11-06-03 ||, 03:44 PM
<font color='#EE9A4D'>*** *** *** *** *** *** ***


لم يكن لدى طارق رغبة في أن يغادر غرفته ذلك اليوم .. كان يشعر بالضيق بعد اللقاء الأخير الذي جمعه مع منار .. أحيانا يشعر أنه ظلمها .. فهو لم يترك لها فرصة لتوضح له حقيقة الأمر .. فقد تعذر بالصداع وأنه يرغب بالنوم .. لأول مرة ينهي محاورته معها بدون أن يتمنى لها أحلاما سعيدة كعادته .. أليست هذه قسوة منه ؟؟
تذكر وقتها قول صديقه نواف أن ما بعد الحب هو المعاناة .. فهل هذه هي بدايتها ؟؟ لقد كان غاضبا وهو يعترف بذلك .. ولكن هذا الغضب كان بسبب حبه الشديد لها .. وربما هي فعلت ذلك لنفس السبب وهو حبها الشديد له ..
التقط طارق هاتفه الجوال .. وأخذ يتأمل الرسائل التي وصلته من منار .. كان يقرأ الرسالة ليعيش ذكراها مع منار .. وبدون أن يشعر ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهه .. فكر في أن يكتب رسالة نصية إليها .. فكر كثيرا قبل أن يكتب : " لأني أحبك أقول لك آسف .. فهل تقبلين أسفي ؟؟ " ثم كتب رقمها .. ولكن في آخر لحظة وقبل أن يضغط على زر الإرسال عدل عن رأيه .. وألغى الفكرة من رأسه .. ووضع هاتفه جانبا ..


*** *** *** *** *** *** ***


جلست داليا تتأمل في ملامح منار الشاحبة قبل أن تقول بصوت منخفض :
- منار هل أنت غاضبة مني حتى الآن ؟؟
التفت إليها منار وابتسمت ابتسامة باهتة وهي تقول :
- داليا أنت ابنة خالتي وصديقتي وأنا أعرف أنك فعلت ذلك لأجلي ..
نهضت داليا من مكانها وجلست بجوار منار وهي تقول بضيق :
- ولكن صمتك لا يعجبني .. دائما أجدك شاردة الذهن ..
خفضت منار عينيها إلى الأرض وهي تقول بحزن :
- لقدر أرسلت له أكثر من رسالة بواسطة البريد الإلكتروني لكنه تجاهلني ..
صمتت داليا قليلا قبل أن تقول بدهشة :
- أي حب هذا الذي منحتيه له ؟
رفعت منار عينيها الذابلتين لتنظر إلى داليا لكن بدون أي تعليق ..


*** *** *** *** *** *** ***


- طارق إن لم تكن مشغولا فإني أريد أن أتحدث معك ..
نطقت شقيقة طارق بهذه العبارة .. فابتسم لها هذا الأخير وهو يقول :
- بكل تأكيد سأكون سعيدا بالحديث معك ..
دخلا سويا إلى غرفة طارق وبعد أن تأكدت شقيقته من أن الباب مغلقا قالت له :
- إن والدي يرغب في أن يكون زواجك من ابنة عمك في صيف هذا العام فما رأيك ؟
بدا الارتباك واضحا على طارق وتظاهر بأنه منشغل في البحث عن شيء ما وهو يقول :
- ومن قال إني أفكر بالزواج الآن ..
كانت شقيقته تحاول أن تكشف ما يخفيه في أعماقه .. لذلك قالت :
- هل تقصد الزواج بشكل عام أم زواجك من ابنة عمك بالتحديد ؟؟
لم يشعر طارق بالارتياح لأسئلة شقيقته فسألها بحذر :
- ماذا تريدين أن تعرفي بالضبط ؟؟
صمتت برهة قبل أن تقول في حزم :
- من هي منار يا طارق ؟؟
وكانت مفاجأة لم يحسب لها طارق أي حساب ..


*** *** *** *** *** *** ***


انطلقت من طارق تنهيدة قوية وهو يغلق باب غرفته بعد أن غادرتها شقيقته .. قبل أن يرمي بنفسه على السرير وهو يفكر في الحديث الذي دار بينه وبينها .. وبينما هو كذلك سمع رنين هاتفه الجوال .. وأصابته الدهشة عندما لمح رقم داليا يظهر له في شاشة الهاتف الجوال .. ورغم الحيرة التي كان فيها قرر أن يعرف ماذا تريد منه .. قالت له متظاهرة بالحزم :
- سيكون هذا الاتصال الأخير بك .. ولكن أريد منك طلبا واحدا ..
أجابها طارق بكل برود :
- لن أعدك بشيء .. قولي ما لديك ..
أجابته بصوت غاضب هذه المرة :
- إن منار تحبك وهي لم تكن تعلم بما فعلته معك .. فلا تكن قاسيا معها .. إن لم تكن تحبها فأرجوك لا تعذبها يكفيها ما حصل بسببك ..
شعر طارق بالألم لهذه الكلمات .. وقال بصوت مرتفع وغاضب :
- الألم الذي تعيش فيه منار كان بسببك وليس بسببي .. وما يجمع بيني وبين منار لن أسمح لأحد أن يتدخل فيه .. لأنه يخصنا .. أنا وهي فقط .. شكرا لاتصالك ..
ثم أغلق الهاتف قبل أن يضرب بقبضته حافة السرير بعنف ..


*** *** *** *** *** *** ***


هز نواف كتفيه بحيرة وهو يقول لطارق :
- طارق لا أعتقد أن شقيقتك ستقتنع بأن علاقتك مع منار لن تتجاوز حدود الشبكة الالكترونية فأنت لا تعرف ماذا تعرف هي عن علاقتكما ..
أجابه طارق بشرود :
- هي تريد أن تطمئن إلى أني موافق على زواجي من ابنة عمي ..
نظر إليه نواف قبل أن يسأله باهتمام :
- وهل أنت موافق يا طارق على ذلك ؟؟
أجابه طارق بنفس الشرود :
- أليس الحب هو زواج مع وقف التنفيذ ؟؟
هز نواف رأسه نفيا قبل أن يقول :
- الحب لا يجعلك ترى إلا ما ترغب أن تراه .. لكن الزواج سوف يكشف لك خفايا كثيرة لم تكن تراها .. فأنت بالحب ترى بخيالك فقط وليس بعينيك ..
التفت إليه طارق وهو يقول :
- ليس عندما يكون العقل والقلب قد اتفقا على حبها ..


*** *** *** *** *** *** ***
شعرت منار بالخيبة وهي تتأمل بريدها الإلكتروني .. كانت تأمل أن تجد رسالة من طارق بعد صمته الطويل .. هل هو يعاقبها ؟ شعرت بالألم والخوف من هذا الخاطر .. لقد أرسلت له خمس رسائل الكترونية خلال الثلاثة الأيام الماضية .. لكنه لم يرد على أي منها ..
لمعت في رأسها فكرة مجنونة .. أخذت هاتفها الجوال ثم كتبت رسالة نصية : " أنتظرك على الماسنجر ، أرجوك لا تتأخر " شعرت بالارتياح وهي ترى الرسالة تنطلق إلى هاتفه الجوال .. انتظرت دقائق وهي تتأمل نافذة الماسنجر لعل اسمه يظهر فجأة .. لكنها شعرت بالدقائق تمر بطيئة دون أن يظهر .. أقنعت نفسها بأنه ربما يكون بعيدا عن جهاز الكمبيوتر أو حتى خارج المنزل .. لكن شعورها بالقلق أخذ بالازياد .. التقطت هاتفها الجوال مرة أخرى وكأنها تريد أن تتأكد من أنه لم يرسل رسالة نصية لها ..
لا تدري كم من الوقت مضى وهي تمسك بهاتفها دون أن تتحرك .. وفجأة امتدت أصابعها تضغط على أزرار الهاتف لتجري اتصالا بهاتف طارق .. لا تعرف من أين أتت لها هذه الجرأة .. كانت أنفاسها تتسارع ويديها ترتجفان في انتظار أن تسمع صوت طارق .. لكنه أيضا لم يجب على الهاتف .. شعرت بدموعها تتجمع في عينيها وهي تعيد الاتصال به .. لا يمكن لها أن تتحمل هذا الجفاء من طارق أكثر .. ولكن هذه المرة لم يخيب طارق رجاءها .. فقد جاءها صوته منخفضا وهو يقول :
- ألـو ؟
وشعرت منار بأن الحروف توقفت جميعها في حنجرتها ودموعها بدأت تسيل على خدها ..

*** *** *** *** *** *** ***
خيل لطارق أنه يسمع دقات قلبه وهو ينتظر أن يسمع صوت منار .. كان يسمع صوت أنفاسها لكنها لم تنطق بأي حرف .. قال بحذر وبصوت منخفض :
- منار هل تسمعيني
قالت له بصوتها الذي اختلط بالدموع :
- أنا آسفة يا طارق ..
وشعر طارق بالجزع عندما تأكد له أنها تبكي ، أسرع يقول :
- منار أرجوك لا تبكي .. أنا لن أقبل أن تقولي لي آسفة لأني لست غاضبا منك .. من أجلي يا منار امسحي دموعك واجعلي الابتسامة تنير وجهك ..
قالت له منار وقلبها يرقص طربا :
- إنها دموع الفرح يا طارق .. فأنا أسعد فتاة في الكون هذه اللحظات ..
شعر طارق بالرضا وهو يشاهدها سعيدة وقال لها بحب :
- وسأسعى جاهدا أن تكون السعادة هي عنوان حياتك .
صمتت منار لحظات قبل أن تقول بصوت هامس :
- طارق أرجوك لا تبتعد عني مرة أخرى ..
وكانت لهذه العبارة أبلغ الأثر على قلب طارق الذي ينبض بقوة هذه اللحظات ..



*** *** *** *** *** *** ***

جلست شقيقة طارق أمام شقيقها وهي تسأله في اهتمام :
- خيرا يا طارق ما هو الموضوع الذي تريد أن تحدثني فيه
كان من الواضح ارتباك طارق من خلال نظرات عينيه .. صمت قليلا محاولا أن يفكر كيف يبدأ الموضوع الذي يدور في رأسه .. قال وهو يتحاشى النظر إلى عيني شقيقته :
- يبدو أن فكرة زواجي من ابنة عمي ليس قرارا حكيما ..
كانت شقيقته تنظر إليه في صمت ودون أن تتحرك .. وشعر طارق بالعصبية فنهض من مكانه وهو يستطرد :
- أنا لا أريد أن أظلمها أو أظلم نفسي ..
خرجت الحروف من بين شفتي شقيقته ببطء قائلة :
- هي منار إذن
لم يعلق طارق وآثر الصمت .. فنهضت هي من مكانها وقالت :
- طارق أنت لست صغيرا .. ولكن أريد أن أخبرك شيئا .. إن الزواج في مجتمعنا ليس بين شخصين .. لكنه بين عائلتين .. هل فكرت في هذا الأمر
التزم طارق الصمت فاتجهت شقيقته إلى باب الغرفة وقالت قبل أن تغادرها :
- سوف نستكمل الموضوع في وقت لاحق .. بعد أن تفكر جيدا بوالديك وكل من يحبك..</font>

المزيوونه
11-06-03 ||, 03:45 PM
<font color='#EE9A4D'>وضعت داليا كوب العصير في المنضدة التي أمامها قائلة :
- ولكن ماذا بعد هذا الحب يا منار ما هي النهاية
انزعجت منار من هذا السؤال لأنه يثير خوفها .. مجرد التفكير في أن طارق سيبتعد عنها يؤلم قلبها .. قالت بنبرة فيها حزن دفين :
- لا أعرف .. أحيانا أشعر أني مصدر شقاء لطارق .. فأنا متأكدة من أنه يحبني كما أحبه .. ولكني هذا الحب يضعه في موقف صعب مع أهله لأنه يرغبون في زواجه من ابنة عمه .
قالت لها داليا باعتراض :
- ولماذا تكونين معلقة على أمور مستقبلية أكاد أجزم أنها لن تحدث .. ثم إنك تستطيعين أن تساعدي طارق على اختيار القرار الذي يناسب أهله ..
هتفت منار باستنكار :
- ما هذا الكلام الذي تقولينه
صمتت داليا برهة قبل أن تقول بهدوء :
- إذا كنت منار هي السبب في شقاء طارق فيمكنها أيضا أن تكون سببا في راحته ..
نظرت إليها منار في تساؤل ، فتابعت داليا بنفس الهدوء :
- عندما تتزوجين يا منار ستنقذين طارق من الحيرة التي يعيشها ..


*** *** *** *** *** *** ***


ابتسم نواف وهو يطوي الصحيفة التي بيده قبل أن يقول لطارق :
- وهل تعتقد أن زواجك منها بمثل هذه البساطة
هز طارق كتفيه وهو يقول :
- الزواج هو الطريقة الصحيحة لنهاية الحب ..
شبك نواف أصابع كفيه وهو يقول في جدية :
- لو فرضنا أنك أقنعت أهلك بمثل هذا الزواج .. هل تعتقد أن أهلها سيقتنعون بذلك
صمت طارق ولم يجب ، فتابع نواف كلامه :
- لو افترضنا أنه قد تم الزواج بينكما .. هل تصورت إلى أي حد ممكن أن يكون كلام الناس مؤذي لك ولها .. أعرف أنك تحبها ولن ترضى بأن يتطاول أحد عليها ..
صاح طارق بغضب :
- لماذا يجب أن يتحكم الناس في حياتي
ربت نواف على كتفه وهو يقول بحنان :
- لأنك واحد من الناس .. ولا تعيش بمعزل عن الآخرين ..


*** *** *** *** *** *** ***


شعرت منار بقلبها ينقبض وهي تشاهد اسم طارق يظهر على برنامج الماسنجر .. وبشكل غير إرادي كانت دموعها قد بدأت تسيل على جانبي خديها وهي تكتب :
- أرجوك سامحني .. لقد وافق والدي بالأمس على خطبتي من ابن صديق له .
لا يدري طارق لم كان متأكدا أنها تكذب .. ولكنه لم يرغب في أن يجادلها .. ولما طال صمته كتبت هي :
- طارق صدقني أنا أحبك جدا .. وأنا مستعدة لأنفذ كل ما تطلبه .
تنهد طارق بقوة قبل أن يكتب لها :
- أنا لا أريد أن يكون حبك لي مقابل أن تفقدي حب الآخرين لك .. لأن ذلك يعني أني أحب نفسي أكثر منك .. الحب الحقيقي هو الذي يضيف لنا وليس يجعلنا نفقد الآخرين .
كانت منار تجد صعوبة في القراءة بسبب الدموع التي في عينيها .. وعجزت أصابعها أن تكتب شيئا .. في حين أن طارق أصبحت أنفاسه تتردد بصوت مسموع دون أن يضيف شيئا .. وبعد فترة طويلة كتبت منار :
- لماذا أنت صامت هل أنت غاضب مني
أجابها طارق بعد تردد :
- لست غاضبا .. ولكني كنت أتحدث مع قلبي .
سألته بأصابع مرتجفة :
- وماذا كنت تقول له
جاء رده صاعقا ومؤلما لها حين كتب :
- يا قلبي ابتعد وارحل .




*** *** *** *** *** *** ***

حاول طارق أن يرسم قصته مع منار في كلمات فكانت هذه الحروف

ألمح الشمس من بعيد وهي تلوح لي بالوداع ..
أتابعها ببصري متمنيا أن تشرق بدلا من أن تغيب ..
خيوط الليل الداكنة تنسج ستار الظلام حولي ..
أظل وحيدا حائرا لا أعرف إلا نفسي ..
فقدت الشعور بالمكان والإحساس بالزمان ..
تائه أنا لا أعرف أي طريق أسير فيها ..
أتلفت حولي أبحث عن خيط من الشعاع ..
ما أتعس أن تعيش وحيدا في الفراغ ..
تسمع صدى صوتك يتردد بلا مجيب ..
أبحث عن أمل يحلق بي في سماء المجهول ..
ألا أيتها الشمس متى تشرقي من جديد ..

ما أصعب أن نرى زهرة تذبل قبل أن يكتمل تفتح أوراقها ..
وما أقسى أن نرى طفلا يسقط قبل خطوته الأولى ..
احزمي حقائبك وارحلي عن مدينة الأحزان ..
ولا تنسي أن تجمعي بقايا قلبك المبعثرة ..
ارحلي دوني أن تلتفتي إلى الوراء و لو كان الشوق يحتويك ..
لن أقول اذهبي إلى مدينة السعادة فهي أسطورة ..
ولكن ابحثي عن مكان تستطيعين فيه إعادة زراعة تلك الزهرة ..
وتستطيعين أيضا أن تبكي على أحزانك دون أن يراك أحد ..
فكما نحتاج للبسمة فنحن أيضا نحتاج للدمعة ..

نداء إليك أيتها الروح اليائسة ..
ارفقي بذلك الجسد الذي تسيطرين عليه ..
لماذا تحاولين أن تعذبيه من دون إثم ارتكبه ..
أيتها الروح اليائسة لماذا هذه الأنانية ..
لماذا تجعلين مشاعر اليأس تسيطر على نفسك البريئة ..
لماذا لا تتركين تلك الإنسانة تعيش حياتها بعيدا عن جبروتك ..
ألا يحق لها أن تبتسم وتحلق كالفراشات ..
ألا يحق لها أن تشدو بسعادة مع الأزهار ..
ألا يحق لها أن تفرح وتغرد كالعصافير ..
أيتها الروح اليائسة حرريها من قيودك المصنوعة من دموع ..

*** *** *** *** *** *** ****
<span style='color:deeppink'>the end</span></font>