المزوحي
10-03-03 ||, 01:29 AM
<font color='#000000'>انقل لكم من الاستشارات بعنوان <span style='color:Red'>الدعوة الشخصية</span>
أريد الوصول إلى قلبه .. الصدق والاهتمام
يحكي:
<span style='color:Purple'>أنا عمري إحدى وعشرون سنة، أدرس بالفرقة الرابعة بكليَّة الطبّ، وأدعو شابّا اسمه محمد في الخامسة عشرة من عمره "طالبٌ في المرحلة الثانويَّة"، وأنا مسئولٌ عن تربيته خارج بيته.. في المسجد والنادي.</span>
لقد أدركت أنِّي لن أجني ثمارًا دون الوصول إلى قلبه، فأنا أريد أن أجعل منه مسلمًا صالحًا في نفسه نافعًا لغيره، أريد أن أجعل منه أخًا مسلمًا بحقّ.
لقد حاولت مرارًا أن أكون له صديقًا وأخًا أكبر، ففي مرَّةٍ منذ 3 أشهر تقريبًا، بينما كنَّا نتمشَّى سويّا قلت له: لماذا لا تعتبرني يا محمَّد أخًا أكبر لك، فأنت الابن الوحيد "الذكر" لوالديك ؟ ففاجأني بقوله: أعرف ما تنوي فعله، وأنا لن أفتح لك قلبي، فقد حاول كثيرون من قبلك فعل ذلك ولم أعطهم الفرصة!!
<span style='color:Green'>ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول الوصول إلى قلبه، وأخذت أصارحه بحبِّي له، وأخبرته بأنِّي لست متسلِّطًا عليه، حتى أنِّي فعلت شيئًا ما مؤخرًا حيث أعطيته رسالةً أخبره فيها بأنِّي أحبُّه في الله، وأشعر أنَّه أخٌ أصغر لي، وقلت له فيها: أنا لا أريد أن أفارقك لا في الدنيا ولا في الآخرة، لذلك لا تتضايق إذا وجدتني حريصًا على نصحك وعلى أن تتوطَّد صلتك بالله.</span>
وطلبت منه أن يردَّ عليَّ، وما إذا كان موافقًا على أن نكون إخوة، فلم يخبرني شفاهةً، وإنَّما كتب لي على السيَّارة "موافق"، هذا تقريبًا آخر ما وصلت إليه علاقتنا، ولكنِّي لا أعرف ما إذا كان صادقًا حينما أخبرني بأنَّه موافق.. هل ما فعلته كان سليمًا ؟ وكيف أعرف صدق مشاعره ؟.
وأودُّ أن أخبركم بأنِّي أخشى أن أكلِّمه في موضوعٍ وعظيٍّ، كالصلاة أو غضِّ البصر، حتى لا يفهم أنِّي "أجرُّ رجله" كما قالها لي من قبل.
إنِّي بحاجةٍ إلى نصائحكم.
أرجوكم لا تبخلوا عليَّ بأقلِّ معلومةٍ، فخبرتي جدُّ قليلةٍ في هذا الموضوع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
<span style='color:Blue'>وكان الرد كما يلي:</span> يا بني العزيز:
عندما كنت في سنِّك تقريبًا وقعت يدي على كتابٍ أعتقد أنَّه أجمل كتابٍ قرأته في حياتي وأكثر كتابٍ أفادني وأثَّر بي، رغم أنَّه بحجم راحة اليد، هو كتاب "الصدق"، والاسم الآخر لهذا الكتاب: "الطريق إلى الله" ومؤلفه هو أحد العارفين بالله الذي - للأسف - غاب عن ذاكرتي اسمه، لذلك سأستمد حديثي معك من اسم الكتاب، ولن يكون - لذلك - إلا صدقًا بإذن الله، ومن هنا أرجو أن تتقبَّل كلامي ما دام لا يحمل في طيَّاته إلا النصح والصدق والإخلاص.
أولاً: إن الداعية - يا بُنيَّ - لا يكفي له أن يكون متمكِّنًا لسانيّا، بل لابد أن يكون متمكِّنًا قلبيّا؛ لأنَّ الدعوة تنجح أكثر مع مَنْ شرح الله صدره للإيمان، فوصل إلى مرحلةٍ من الاطمئنان، بحيث يكون راسخًا في العلم القلبيِّ والشرعيِّ، وأضرب لك مثالاً بموسى وهارون عليهما السلام، فموسى خاطب ربَّه قائلاً: "وأخي هارون هو أفصح منِّي لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدِّقني إنِّي أخاف أن يُكذِّبون" ومع ذلك فإن الله سبحانه اختار موسى، فأيده بالمعجزات، وهيأه لدعوة فرعون، ولزعامة بني إسرائيل، رغم أن هارون هو الأفصح لسانًا، وذلك لأن موسى كان الأفصح جَنَانًا، فهو كليم الله، وهو من أولي العزم.
فاعمل أن تكون فصاحتك القلبية سابقة لفصاحتك اللسانية، وهذا لا يكون إلا باتباع سنن الأنبياء والصالحين، فهم المنصورون بالدعوة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: "إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد".
ثانيًا: أنا واثقة من حماسك أن تجعله مسلمًا صالحًا وأخًا مسلمًا، لكنني أعتقد أن طريقتك في البدء معه ينقصها شيء من الخبرة، إذ لا يحمِل للمراهق أيّ معنى أن تأتيه وتقول له: "أنا أحبك وأريدك أن تحبني"، أو: "لا تتضايق إذا وجدتني أنصحك، فأنا أريد لك الخير"، فهذا الكلام مرفوض قبوله في منطق المراهق؛ لأن منطقه متمرد، لم يخضع بعد للعقل، وإنما هو في سن يبحث عن ذاته فيها، والطريقة الوحيدة التي يراها مناسبة هي النقد لما حوله، فلا يعجبه شيء إلا بعد أن يعرضه ويمحصه في عقله، الذي قد يظن أنه من أكمل العقول، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
ولذلك كانت مهمة التفاهم مع المراهقين من أصعب المهمات، فهم ليسوا أطفالاً يتأثرون بكلامنا العاطفي، وليسوا ناضجين يقنعهم كلامنا العقلاني، ففترة المراهقة تحمل شيئًا من النضج الانفعالي؛ لأنه في فترة بحث واكتشاف، ولا يحب أن يوجهه أحد بشكل مباشر إلى الحقيقة، بل متعته الحقيقية في اكتشافها بنفسه، وهو لذلك لا يعتبر بتجارب الآخرين؛ لأنه يعتقد أن من حقه أن يجرّب بنفسه ما جرّبه غيره، وقد يكون هذا شيئًا مفيدًا له على صعوبته؛ لأن من لُذِعَ بنار التجارب لن ينسى حَرّ الكي في قلبه ونفسه ما عاش، اللهم إلا إذا كان أحمق لا يتعظ بتجاربه.
ثم أنت نفسك لم تخرج من فترة المراهقة إلا لفترة الشباب الأولى، وهي كذلك فترة تتميز بالانفعالات التي تتعرض للتغير، وإن كانت بداية لتكوين قناعات راسخة.
على كل حال أنا لا أريدك أن تيأس من هذا الفتى، ولكن عليك أن تقترب منه بطريقة أكثر حكمة، بأن
تدرس شخصيته جيدًا، وأنت طالب في كلية الطب، وطلاب الطب يتمتعون بالذكاء، بل إن الطبيب في السابق كان يطلق عليه "حكيم"، ومازال هذا لقبه في بعض البلاد العربية، ثم عليك أن تقترب منه كصديق، بأن تعامله معاملة الند للند، وجميل منك أن تطلب منه أن يعتبرك أخًا أكبر له، لكن ليس لك من هذه الأخوة ما قد يفهمه البعض خطأ أن من مستلزمات الأخوة السيطرة والتسلط، إذ ليس لك من مفهوم الأخوة إلا المحبة والحنان والعطف والرفق، إضافة إلى شيء من المسئولية، لكن بدون أن تجعله يشعر أنك مسئول عنه.
وابتعد عن الكلمات غير الموجودة في قاموسه بعد، مثل: "أريد أن أكون أخاك في الدنيا والآخرة"، فهو - كما فهمت من كلامك - ليس ملتزمًا بالصلاة بعد، فيجب أن تبدأ من هنا بسد هذا الخلل الكبير، قبل أن تأمره بغض بصر أو بعد عن أية معصية، فقد قال الله تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". وروى الإمام القرطبي في تفسيره أن أنس رضي الله عنه قال: كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئًا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فذُكِر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الصلاة ستنهاه" فلم يلبث أن تاب وصلُحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أقل لكم ؟!".
وتعالَ لنبدأ خطوة خطوة، فيما عليك أن تفعله مع صديقك محمد:
1- اسأله عن هواياته واهتماماته، واشترك معه في هذه الاهتمامات والهوايات، وافعلها كأنَّها صادرةٌ من نفسك، كي لا يشعر بتصنُّعك وتكلُّفك فيملّ صحبتك، ولا مانع من ذلك مادامت كلُّها مشروعةً ومباحةً ولا تدخل في نطاق الحرام.
2- اسأله عن نتائجه في الدراسة، وإذا كان ضعيفًا في أيِّة مادَّة، فأخبره عن سعادتك إذا ساعدته في أيِّ شيء، وكي تبقى معه وقتًا أطول خاصَّة في العطلة الصيفيَّة، اقترح عليه أن تعطيه دروسًا في المادَّة التي هو ضعيفٌ فيها للسنة القادمة، وإذا كان لديه بعض الأصدقاء الذين يودُّ أن يشتركوا معه في الدرس، فقد يكون هذا أفضل له ليتشجَّع، وكذلك أفضل لك لأن يصبح مجال دعوتك أوسع.
وعندما يراك تبذل نفسك في فعل الخير له دون مقابلٍ، لابدَّ أن يتأثَّر بذلك، وقد تصبح مدعاةً لفخره أمام أصدقائه الآخرين أنَّ لديه صديقًا مثلك.
3- تفهَّم بيئته جيِّدًا وهل والداه ملتزمان أم لا، لكن تذكَّر أنَّ السؤال عن أيِّ شيءٍ يمسُّ الحياة الشخصيَّة يجب أن يكون بطريقةٍ غير مباشرة، كي لا يعتبر ذلك تدخُّلا منك في حياته الخاصَّة.
4- استعمل أسلوب الدعم النفسي، فهذا كثيرًا ما يؤثر في الجميع، خاصَّة من هم بسنِّه، وأكثِر من ملاحظاتك الإيجابيَّة له، وزِدْ في منحه الثقة بالنفس، وأبدِ إعجابك به وامدحه، وهذا لا يدخل ضمن المدح المذموم، بل إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتَّبع هذه الطريقة مع صحابته دائمًا.
5- كن مثال القدوة الحسنة له، فلا تنهَه عن فعل وتأتيه، فتفقد مصداقيتك أمامه، والتربية بالقدوة من أهمِّ الطرق التي اتَّبعها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده.
6- انطباعي عن محمَّد أنَّه شخصٌ صادق، أي لا يحبُّ "اللف والدوران"، وانطباعي عنك أنَّك أنت أيضًا كذلك، فأنتما تصلحان لأن تكونا أصدقاء برغم فارق العمر، فاعمل على تقوية علاقتك به بشتَّى الوسائل، كأن تديم السؤال عنه، وتهديه شيئًا يحبُّه، وتلقاه بنفسٍ مُنشرحة، وابتسامةٍ طلقة، وتغاضٍ عن زلاته، وعفوٍ عن هفواته.
وباختصار: عامله بكاملٍ الإحسان كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم……. فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
7- ابدأ معه بطريق الترغيب، لا الترهيب، وذكِّره بأفضال الله علينا ونعمه، واغتنم الفرص لتُذكِّره بآلاء الله سبحانه، لكن بدون أن يكون ذلك سببًا لدخول الملل إلى قلبه.
وفي موضوع الصلاة بالذات لا عليك أن يكون حديثك إليه مباشرًا، لكن لا تدخل عليه من باب أنَّها فريضة، بل من باب أنَّ الله سبحانه يستحقُّ أن نشكره لما أسبغه علينا من نعم، وحبِّب الله إليه، فالله هو الرحيم وهو الودود وهو اللطيف، وهو الذي ندعوه إذا احتجنا، ونسأله إذا عجزنا، ونتوسَّل إليه إذا افتقرنا، وذكِّره أنَّه مخلوقٌ من ترابٍ، ولكن فيه نفحةٌ من روح الله، والجسم كما هو بحاجةٍ للغذاء لينمو، كذلك فإنَّ الروح بحاجةٍ أن تتَّصل بالله لتنمو، واذكر له كم يعاني الغربيِّون من الضياع والقلق وحالات الانتحار بسبب فقدانهم صلتهم بالله، ومع ذلك إذا بقي غير مواظبٍ على صلاته، فلا تقاطعه، بل تغاضَ عن ذلك حتى تمنحه مجالاً لإصلاح نفسه وقلبه.
8- باب الدعوة إلى الله بابٌ واسع، فعليك أن تعرف أقرب الطرق إلى قلبه وأحبَّها إليه، والطريق التي أنصحك بها هي طريق التوازن بين جانبي العقل والقلب، وهذا يمكنك القيام به دون حرجٍ إذا بدأت مساعدتك له في دروسه أو في أموره الأخرى، لكن لا تجعله يشعر أنَّ هذا مقابل ذلك، بل عليك بالتحلِّي بالصبر حتى تجد القبول لك من نفسه، وعندها يفضَّل أن تختار مجموعةً من الكتب لتقرآها معًا، وتناقشاها ولو ساعةً واحدةً في اليوم، ولكن لابدَّ لك من ثقافةٍ واسعةٍ فيما إذا تعرَّضت لأيِّ سؤالٍ أو شبهةٍ من جانبه كي تعرف كيف تردَّ عليها، لذلك أرجو أن يكون لديك بعض من ثقافة الداعية، وهي موجودةٌ في كثيرٍ من الكتب، وكذلك في استشاراتٍ كثيرةٍ على هذه الصفحة.
الشيء الأهمّ في كلِّ ما نصحتك به - يا بنيَّ العزيز - أن تبدأ بنفسك فتزكِّيها عن شوائبها، وتنوي بعملك في هداية هذا الفتى وجهَ الله، بدون أن تهتمَّ بقيلٍ وقال، فأنت عليك العمل وليس عليك النتائج، وكما قيل: "العبد في التفكير والله في التدبير".
ولذلك أَدِم الوقوف بباب الله سبحانه، متضرِّعًا داعيًا إيِّاه: "ربِّ برئتُ من حَولي وقوتي، واستعنتُ بحَوْلك وقوَّتك"، ولا تنس أنَّ وقوفك الدائم بباب الله متذلِّلا بين يديه متقرِّبًا إليه بكلِّ أنواع الطاعات بالفرائض والنوافل، سببٌ لحبِّه سبحانه وتعالى لك، وإذا أحبَّ الله العبد وضع محبَّته في القلوب كما في الحديث الذي أخرجه الترمذيُّ بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا أحبَّ الله عبدًا نادى جبريل: إنِّي قد أحببتُ فلانًا فأحبَّه، قال: فينادي في السماء، ثمَّ تنزل له المحبَّة في أهل الأرض، فذلك قول الله تعالى: "إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّا".
وليس هناك باب ندخل فيه على الله كبَاب العبوديَّة له، ومن ألبسه الله خلعة العبوديَّة كان من المقبولين عنده، المنصورين بأمره، الذين هم مصابيح الهُدى، جعلنا الله وإيَّاك منهم.
وعسى الله أن يأخذ بيدك إلى ما فيه خيرك، وخير هذا الشاب.
وأهلاً بك وبتساؤلاتك دائمًا.
<span style='color:Green'>اتمنى الاستفاده</span> <img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/inlove.gif" border="0" valign="absmiddle" alt=':ni:'></font>
أريد الوصول إلى قلبه .. الصدق والاهتمام
يحكي:
<span style='color:Purple'>أنا عمري إحدى وعشرون سنة، أدرس بالفرقة الرابعة بكليَّة الطبّ، وأدعو شابّا اسمه محمد في الخامسة عشرة من عمره "طالبٌ في المرحلة الثانويَّة"، وأنا مسئولٌ عن تربيته خارج بيته.. في المسجد والنادي.</span>
لقد أدركت أنِّي لن أجني ثمارًا دون الوصول إلى قلبه، فأنا أريد أن أجعل منه مسلمًا صالحًا في نفسه نافعًا لغيره، أريد أن أجعل منه أخًا مسلمًا بحقّ.
لقد حاولت مرارًا أن أكون له صديقًا وأخًا أكبر، ففي مرَّةٍ منذ 3 أشهر تقريبًا، بينما كنَّا نتمشَّى سويّا قلت له: لماذا لا تعتبرني يا محمَّد أخًا أكبر لك، فأنت الابن الوحيد "الذكر" لوالديك ؟ ففاجأني بقوله: أعرف ما تنوي فعله، وأنا لن أفتح لك قلبي، فقد حاول كثيرون من قبلك فعل ذلك ولم أعطهم الفرصة!!
<span style='color:Green'>ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول الوصول إلى قلبه، وأخذت أصارحه بحبِّي له، وأخبرته بأنِّي لست متسلِّطًا عليه، حتى أنِّي فعلت شيئًا ما مؤخرًا حيث أعطيته رسالةً أخبره فيها بأنِّي أحبُّه في الله، وأشعر أنَّه أخٌ أصغر لي، وقلت له فيها: أنا لا أريد أن أفارقك لا في الدنيا ولا في الآخرة، لذلك لا تتضايق إذا وجدتني حريصًا على نصحك وعلى أن تتوطَّد صلتك بالله.</span>
وطلبت منه أن يردَّ عليَّ، وما إذا كان موافقًا على أن نكون إخوة، فلم يخبرني شفاهةً، وإنَّما كتب لي على السيَّارة "موافق"، هذا تقريبًا آخر ما وصلت إليه علاقتنا، ولكنِّي لا أعرف ما إذا كان صادقًا حينما أخبرني بأنَّه موافق.. هل ما فعلته كان سليمًا ؟ وكيف أعرف صدق مشاعره ؟.
وأودُّ أن أخبركم بأنِّي أخشى أن أكلِّمه في موضوعٍ وعظيٍّ، كالصلاة أو غضِّ البصر، حتى لا يفهم أنِّي "أجرُّ رجله" كما قالها لي من قبل.
إنِّي بحاجةٍ إلى نصائحكم.
أرجوكم لا تبخلوا عليَّ بأقلِّ معلومةٍ، فخبرتي جدُّ قليلةٍ في هذا الموضوع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
<span style='color:Blue'>وكان الرد كما يلي:</span> يا بني العزيز:
عندما كنت في سنِّك تقريبًا وقعت يدي على كتابٍ أعتقد أنَّه أجمل كتابٍ قرأته في حياتي وأكثر كتابٍ أفادني وأثَّر بي، رغم أنَّه بحجم راحة اليد، هو كتاب "الصدق"، والاسم الآخر لهذا الكتاب: "الطريق إلى الله" ومؤلفه هو أحد العارفين بالله الذي - للأسف - غاب عن ذاكرتي اسمه، لذلك سأستمد حديثي معك من اسم الكتاب، ولن يكون - لذلك - إلا صدقًا بإذن الله، ومن هنا أرجو أن تتقبَّل كلامي ما دام لا يحمل في طيَّاته إلا النصح والصدق والإخلاص.
أولاً: إن الداعية - يا بُنيَّ - لا يكفي له أن يكون متمكِّنًا لسانيّا، بل لابد أن يكون متمكِّنًا قلبيّا؛ لأنَّ الدعوة تنجح أكثر مع مَنْ شرح الله صدره للإيمان، فوصل إلى مرحلةٍ من الاطمئنان، بحيث يكون راسخًا في العلم القلبيِّ والشرعيِّ، وأضرب لك مثالاً بموسى وهارون عليهما السلام، فموسى خاطب ربَّه قائلاً: "وأخي هارون هو أفصح منِّي لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدِّقني إنِّي أخاف أن يُكذِّبون" ومع ذلك فإن الله سبحانه اختار موسى، فأيده بالمعجزات، وهيأه لدعوة فرعون، ولزعامة بني إسرائيل، رغم أن هارون هو الأفصح لسانًا، وذلك لأن موسى كان الأفصح جَنَانًا، فهو كليم الله، وهو من أولي العزم.
فاعمل أن تكون فصاحتك القلبية سابقة لفصاحتك اللسانية، وهذا لا يكون إلا باتباع سنن الأنبياء والصالحين، فهم المنصورون بالدعوة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: "إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد".
ثانيًا: أنا واثقة من حماسك أن تجعله مسلمًا صالحًا وأخًا مسلمًا، لكنني أعتقد أن طريقتك في البدء معه ينقصها شيء من الخبرة، إذ لا يحمِل للمراهق أيّ معنى أن تأتيه وتقول له: "أنا أحبك وأريدك أن تحبني"، أو: "لا تتضايق إذا وجدتني أنصحك، فأنا أريد لك الخير"، فهذا الكلام مرفوض قبوله في منطق المراهق؛ لأن منطقه متمرد، لم يخضع بعد للعقل، وإنما هو في سن يبحث عن ذاته فيها، والطريقة الوحيدة التي يراها مناسبة هي النقد لما حوله، فلا يعجبه شيء إلا بعد أن يعرضه ويمحصه في عقله، الذي قد يظن أنه من أكمل العقول، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
ولذلك كانت مهمة التفاهم مع المراهقين من أصعب المهمات، فهم ليسوا أطفالاً يتأثرون بكلامنا العاطفي، وليسوا ناضجين يقنعهم كلامنا العقلاني، ففترة المراهقة تحمل شيئًا من النضج الانفعالي؛ لأنه في فترة بحث واكتشاف، ولا يحب أن يوجهه أحد بشكل مباشر إلى الحقيقة، بل متعته الحقيقية في اكتشافها بنفسه، وهو لذلك لا يعتبر بتجارب الآخرين؛ لأنه يعتقد أن من حقه أن يجرّب بنفسه ما جرّبه غيره، وقد يكون هذا شيئًا مفيدًا له على صعوبته؛ لأن من لُذِعَ بنار التجارب لن ينسى حَرّ الكي في قلبه ونفسه ما عاش، اللهم إلا إذا كان أحمق لا يتعظ بتجاربه.
ثم أنت نفسك لم تخرج من فترة المراهقة إلا لفترة الشباب الأولى، وهي كذلك فترة تتميز بالانفعالات التي تتعرض للتغير، وإن كانت بداية لتكوين قناعات راسخة.
على كل حال أنا لا أريدك أن تيأس من هذا الفتى، ولكن عليك أن تقترب منه بطريقة أكثر حكمة، بأن
تدرس شخصيته جيدًا، وأنت طالب في كلية الطب، وطلاب الطب يتمتعون بالذكاء، بل إن الطبيب في السابق كان يطلق عليه "حكيم"، ومازال هذا لقبه في بعض البلاد العربية، ثم عليك أن تقترب منه كصديق، بأن تعامله معاملة الند للند، وجميل منك أن تطلب منه أن يعتبرك أخًا أكبر له، لكن ليس لك من هذه الأخوة ما قد يفهمه البعض خطأ أن من مستلزمات الأخوة السيطرة والتسلط، إذ ليس لك من مفهوم الأخوة إلا المحبة والحنان والعطف والرفق، إضافة إلى شيء من المسئولية، لكن بدون أن تجعله يشعر أنك مسئول عنه.
وابتعد عن الكلمات غير الموجودة في قاموسه بعد، مثل: "أريد أن أكون أخاك في الدنيا والآخرة"، فهو - كما فهمت من كلامك - ليس ملتزمًا بالصلاة بعد، فيجب أن تبدأ من هنا بسد هذا الخلل الكبير، قبل أن تأمره بغض بصر أو بعد عن أية معصية، فقد قال الله تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". وروى الإمام القرطبي في تفسيره أن أنس رضي الله عنه قال: كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئًا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فذُكِر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الصلاة ستنهاه" فلم يلبث أن تاب وصلُحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أقل لكم ؟!".
وتعالَ لنبدأ خطوة خطوة، فيما عليك أن تفعله مع صديقك محمد:
1- اسأله عن هواياته واهتماماته، واشترك معه في هذه الاهتمامات والهوايات، وافعلها كأنَّها صادرةٌ من نفسك، كي لا يشعر بتصنُّعك وتكلُّفك فيملّ صحبتك، ولا مانع من ذلك مادامت كلُّها مشروعةً ومباحةً ولا تدخل في نطاق الحرام.
2- اسأله عن نتائجه في الدراسة، وإذا كان ضعيفًا في أيِّة مادَّة، فأخبره عن سعادتك إذا ساعدته في أيِّ شيء، وكي تبقى معه وقتًا أطول خاصَّة في العطلة الصيفيَّة، اقترح عليه أن تعطيه دروسًا في المادَّة التي هو ضعيفٌ فيها للسنة القادمة، وإذا كان لديه بعض الأصدقاء الذين يودُّ أن يشتركوا معه في الدرس، فقد يكون هذا أفضل له ليتشجَّع، وكذلك أفضل لك لأن يصبح مجال دعوتك أوسع.
وعندما يراك تبذل نفسك في فعل الخير له دون مقابلٍ، لابدَّ أن يتأثَّر بذلك، وقد تصبح مدعاةً لفخره أمام أصدقائه الآخرين أنَّ لديه صديقًا مثلك.
3- تفهَّم بيئته جيِّدًا وهل والداه ملتزمان أم لا، لكن تذكَّر أنَّ السؤال عن أيِّ شيءٍ يمسُّ الحياة الشخصيَّة يجب أن يكون بطريقةٍ غير مباشرة، كي لا يعتبر ذلك تدخُّلا منك في حياته الخاصَّة.
4- استعمل أسلوب الدعم النفسي، فهذا كثيرًا ما يؤثر في الجميع، خاصَّة من هم بسنِّه، وأكثِر من ملاحظاتك الإيجابيَّة له، وزِدْ في منحه الثقة بالنفس، وأبدِ إعجابك به وامدحه، وهذا لا يدخل ضمن المدح المذموم، بل إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتَّبع هذه الطريقة مع صحابته دائمًا.
5- كن مثال القدوة الحسنة له، فلا تنهَه عن فعل وتأتيه، فتفقد مصداقيتك أمامه، والتربية بالقدوة من أهمِّ الطرق التي اتَّبعها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده.
6- انطباعي عن محمَّد أنَّه شخصٌ صادق، أي لا يحبُّ "اللف والدوران"، وانطباعي عنك أنَّك أنت أيضًا كذلك، فأنتما تصلحان لأن تكونا أصدقاء برغم فارق العمر، فاعمل على تقوية علاقتك به بشتَّى الوسائل، كأن تديم السؤال عنه، وتهديه شيئًا يحبُّه، وتلقاه بنفسٍ مُنشرحة، وابتسامةٍ طلقة، وتغاضٍ عن زلاته، وعفوٍ عن هفواته.
وباختصار: عامله بكاملٍ الإحسان كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم……. فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
7- ابدأ معه بطريق الترغيب، لا الترهيب، وذكِّره بأفضال الله علينا ونعمه، واغتنم الفرص لتُذكِّره بآلاء الله سبحانه، لكن بدون أن يكون ذلك سببًا لدخول الملل إلى قلبه.
وفي موضوع الصلاة بالذات لا عليك أن يكون حديثك إليه مباشرًا، لكن لا تدخل عليه من باب أنَّها فريضة، بل من باب أنَّ الله سبحانه يستحقُّ أن نشكره لما أسبغه علينا من نعم، وحبِّب الله إليه، فالله هو الرحيم وهو الودود وهو اللطيف، وهو الذي ندعوه إذا احتجنا، ونسأله إذا عجزنا، ونتوسَّل إليه إذا افتقرنا، وذكِّره أنَّه مخلوقٌ من ترابٍ، ولكن فيه نفحةٌ من روح الله، والجسم كما هو بحاجةٍ للغذاء لينمو، كذلك فإنَّ الروح بحاجةٍ أن تتَّصل بالله لتنمو، واذكر له كم يعاني الغربيِّون من الضياع والقلق وحالات الانتحار بسبب فقدانهم صلتهم بالله، ومع ذلك إذا بقي غير مواظبٍ على صلاته، فلا تقاطعه، بل تغاضَ عن ذلك حتى تمنحه مجالاً لإصلاح نفسه وقلبه.
8- باب الدعوة إلى الله بابٌ واسع، فعليك أن تعرف أقرب الطرق إلى قلبه وأحبَّها إليه، والطريق التي أنصحك بها هي طريق التوازن بين جانبي العقل والقلب، وهذا يمكنك القيام به دون حرجٍ إذا بدأت مساعدتك له في دروسه أو في أموره الأخرى، لكن لا تجعله يشعر أنَّ هذا مقابل ذلك، بل عليك بالتحلِّي بالصبر حتى تجد القبول لك من نفسه، وعندها يفضَّل أن تختار مجموعةً من الكتب لتقرآها معًا، وتناقشاها ولو ساعةً واحدةً في اليوم، ولكن لابدَّ لك من ثقافةٍ واسعةٍ فيما إذا تعرَّضت لأيِّ سؤالٍ أو شبهةٍ من جانبه كي تعرف كيف تردَّ عليها، لذلك أرجو أن يكون لديك بعض من ثقافة الداعية، وهي موجودةٌ في كثيرٍ من الكتب، وكذلك في استشاراتٍ كثيرةٍ على هذه الصفحة.
الشيء الأهمّ في كلِّ ما نصحتك به - يا بنيَّ العزيز - أن تبدأ بنفسك فتزكِّيها عن شوائبها، وتنوي بعملك في هداية هذا الفتى وجهَ الله، بدون أن تهتمَّ بقيلٍ وقال، فأنت عليك العمل وليس عليك النتائج، وكما قيل: "العبد في التفكير والله في التدبير".
ولذلك أَدِم الوقوف بباب الله سبحانه، متضرِّعًا داعيًا إيِّاه: "ربِّ برئتُ من حَولي وقوتي، واستعنتُ بحَوْلك وقوَّتك"، ولا تنس أنَّ وقوفك الدائم بباب الله متذلِّلا بين يديه متقرِّبًا إليه بكلِّ أنواع الطاعات بالفرائض والنوافل، سببٌ لحبِّه سبحانه وتعالى لك، وإذا أحبَّ الله العبد وضع محبَّته في القلوب كما في الحديث الذي أخرجه الترمذيُّ بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا أحبَّ الله عبدًا نادى جبريل: إنِّي قد أحببتُ فلانًا فأحبَّه، قال: فينادي في السماء، ثمَّ تنزل له المحبَّة في أهل الأرض، فذلك قول الله تعالى: "إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّا".
وليس هناك باب ندخل فيه على الله كبَاب العبوديَّة له، ومن ألبسه الله خلعة العبوديَّة كان من المقبولين عنده، المنصورين بأمره، الذين هم مصابيح الهُدى، جعلنا الله وإيَّاك منهم.
وعسى الله أن يأخذ بيدك إلى ما فيه خيرك، وخير هذا الشاب.
وأهلاً بك وبتساؤلاتك دائمًا.
<span style='color:Green'>اتمنى الاستفاده</span> <img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/inlove.gif" border="0" valign="absmiddle" alt=':ni:'></font>