المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظــات في حيـــاة رجــل تـــائـــه



المنصوري
17-10-07 ||, 11:57 PM
من قــديــم ما كـتــبـــت ,,



لحظــات في حيـــاة رجــل تـــائـــه

إبراهيــم المنصـــوري



أجواء مدينة ( امستردام ) الهولنديـة جميلة للغايــة، فهي على عكس ما نعيشــه معظم الوقت في بلداننــا الخليجـيــة ، حيث الحر الشديد والرطوبة المرتفعـة والضغوط العاليــة سواء أكان السبب من الجو أو من البشــر. اعتدت على السيــر في الصبــاح الباكــر بين العمارات مع وجود نفات مطر بشكل مستمر ويومي في تلك الأجواء المغيـّــمــه، اذهب لتناول فطوري في أي ( كوفي ) قريب من الفندق الذي اقطنه مع أصدقائي الثلاثـة والذين يقبعون في تلك الغرفـة في نوم عميق بسبب سهراتهم الليلـيــة، والتنويع مطلوب في المحلات لتجد الأفضل وتواضب عليــه. ذات يوم وأنا اتنقل لأتبضع بعض الهدايا قبــل العودة للجــو ( النــار )، لفت انتباهي شخص لطالمــا لمحتــه ولكــن دون أن أعيــره أي اهتمـــام، يحمل في يديه السوداويتين مزمار شرقي قديم، اعتاد على أن يعزف عليــــه، وقفت لبرهــة أتأمل في ذلك الجسد المتهالك، ويبدو على صاحب المزمار أنه من أصول عربيـــة. أغلب قاطني البلدة من الأجانب، يضعون بعض النقود المعدنية لذلك العازف، جلست على كرسي قريب من كرسي العازف، اشاهد الناس وهم يقفون وينصتون لعزفـه الأنيــق والذي لا يعكس مظهره الخارجي. بعد الأنتهاء ذكّــرني صوت بطني بأن موعد وجبة الإفطار قد حان ولابد أن اذهب حتى اشتري ما اريد. لظروف الحرب في منطقة الخليج وخاصة مع غزو الأمريكان لعراق الأصالـة، قررنا أن نمدد الرحلة أسبوعاً آخراً تجنبــاً لمخاوف التحليق فوق تلك المنطقــة، وكم هي فضيعة تلك الصور التي تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد اليوميـة. بعد مضي أيـــام على مكوثنــا الإضطراري في هذه البلدة، اعتدت في كل صباح على ان اذهب واستمع لتلك المعزوفات الجميلة من ذلك الشخص. في اليوم الثالث من مواضبتي على سماعــه، شعرت بفضول ينتابني ويدفعني للحديث مع ذلك الشخص المسكين والبائـس. تقدمت بعدما انهى معزوفتــه التي يتقطع لها القلب عند سماعها وخاصة بعد ذهاب الناس من حولــه، حادثتـــه بلغة عربيــة بدأتها بالسلام وقال لي: كيف عرفت بأني عربي؟ رد علي السلام وبدأت اتحدث معه عن جمال هذه المدينــة. حدثني قليلاً عن الشعب الهولندي ثم تركتــه ذاهبــاً. في اليوم التالي عادت الأسطوانة لما كانت في اليوم السابق. ولكن هذه المرة تشعبنــا في الحديث لأنني في الليلة الماضية تتبعتــه لأراه نائمــاً عند إحدى قمامات امستردام الأنظف من شوارعنــا العامــة.قال لي بانه اعتاد على النوم في تلك الأماكن، وأن أصحابه نصحوه باقتناء بيت له يلمه ويكون مؤوى له. ولكن رفض وقال بأن كل شخص يعلم ما يجب أن يفعله وأن تلك القمامات هي مسكنه.تجولت معه قليلاً بين العمارات لأراه يجلس ويخرج سيجارة رأيته يلفها بنفســه. قال لي بأنه مدمن على المخدرات ومنذ فترة ليست بالقصيــرة. رغم بشتره الحنطاويه إلا أن أصابعه شديدة السواد من القاذورات.ذهبت عنه وبدأت افكر في هذا الشخص الذي لا حول له ولا قوة، أهو القدر الذي أوصله إلى هذا الحد أم أن هناك أسباباً يخفيها خلفــه!!
ومع حلول العصر، رأيتــه قرب حديقة جميلة في إحدى أحياء المدينـة، تابعتــه من بعيــد بحيث لا يراني، شاهدتــه يقف خلف سور الحديقــة، وعيناه لا تبرح أحد الأطفال، يشاهده بتأمل، ورأيت الدموع تتساقط ولكن سرعان ما مسحها حتى لا يلحظ عليه أحد تلك الدموع، اشار باصابعه المخيفة باتجاه الطفل الذي لم يتعدى السنتين، تقدم الطفل باتجاهه، ولكن سرعان ما أتى أب الطفل وأخذه معه وفي نفس اللحظه اختبأ خلف تلك الأشجار حتى لا يره أحد. اقتربت منه وعندما علم بأنني كنت اراقبــه قال: فقدت عائلتي منذ ثمان سنوات، فقد طلبت زوجتي الطلاق لأني فقيرٌ لا أملك ما يسد حاجتنـــا، ولا اعلم أي شيء عن أطفالي الثلاثة. ومنذ ذلك اليوم وأنا على هذا الوضع. اصطحبتني احدى الهولنديات إلى هنا بعدما تعرفت عليها في إحدى الحانات في بلدي الأصلي المغرب. أوهمتني بأن بامكاني العمل في أي وظيفة في بلادهــا، وعندما قدمت إلى هنا بطريقة غير شرعيــة لم أجد وظيفــة سوى عامل نظافـــة. قلبي ومع كل كلمة منه يتقطع وكأن أحداً يمزقــه بسكيــن، تساقط الدموع على تلك الثياب السوداء. وعندما رأى مشاعر الشفقة في عيني. تركني مسرعاً راكبـاً ( الميترو).
في صباح اليوم التالي، حيث لم يبق على موعد رحيلنا إلا يوميــن، ذهبت إلى تلك الساحة باحثاً عن ( الشاطر حسن ) كما يطلق عليه أصحابه والمقربين له. لم أجده في تلك الساحة وقد كان غيابه يشكل لغز غريب لدي. بحثت عنه في كل مكان اعتاد الذهاب إليه، سألت رفاقه والذين ليسوا بأفضل من حالتــه، فكم هم كُثــار أمثال الشاطر حسن. لم يشاهده أحد منذ البارحــة. قبل موعد رحلة العودة وعندما كنت اتناول غداءي في أحد المطاعم القريبة من الساحـة ،أتى إلي أحد المتسولين أصحاب الشاطر حسن وقال لي بأنهم عثروا على الشاطــر حســـن. عثروا على جثتــه معلقــة بحبل شانقــاً نفســــه في إحدى قمامات امستردام !!

تحفه
18-10-07 ||, 12:08 AM
:"< هاي القصه حقيقيه؟

ألم ترى
18-10-07 ||, 01:00 AM
عاش حزين ومات دفين !
ما هي الحياه الا دقائق
.
.
ناشدتك الله بإن ترحم قلوبنا
وقد قلتها من قبل !
ناشدتك الله
ناشدتك الله
ناشدتك الله
:smile2:

مزايا
18-10-07 ||, 11:38 AM
أقف هنــا عاجزة ً عن الرد أمام هذا الصرح العظيــم ، صرح كتـاباتك
دمــت لنا مبدع يا إبراهيم المنصوري

العجيبة
18-10-07 ||, 12:35 PM
وهل صار الانتحار وسيلة للابتعاد عن الهموم والآلام للأبد ؟

ولماذا توأد الأنفس ويُحرم الغير والنفس من منافع بقائها ؟!

وهل جاء الفرج والهناء والخلاص بعد أن تأثم بنفسه !!

ومن قال أن السعادة والهناء يأتيان بالمال والبنون فقط !
كثر هم أولئك الذي يملكون المال الوفير ولا تهنأ لهم غمضة عين !
وكثيرون لديهم البنون والبنات ولكن لم يروا منهم سوى الهم والشقاء .. فما فائدة أن يكون لدي ولد عاق أحمل همه سنيناً طوال ولا أرى منه سوى النكران والانكار !


أو أين هو عن قصة الصبر العظيمة التي تحلى بها سيدنا أيوب عليه السلام ! إنه المثال الأعظم الذي يجب أن يضعه نصب عينيه كل من ضاقت به الحياة بما رحبت !


هي مجرد تساؤلات وأفكار راودت فكري المشوش بعد أن قرأت هذه القصة ...

فعجـبت من نفسي عندما رأيت إجابتها في العنوان ، فما هو إلا رجل تائه كان يحتاج لمن يدله لطريق الحق والصواب ....



شكرا أخي الكريم المنصوري ! ضيعتنا في سطورك الجميلة كالعادة

ومرحبا بك وقديمك المتألق دائماً وأبداً ..!


تقبل تحياتي

المنصوري
18-10-07 ||, 06:22 PM
:: تحــفـــه ::

كثيـــرة هي القصص الحقيقيــة التي تحـــدث في الغــرب للجاليـــات العربيــة التي تسافــر إلى هنــاك بحثــاً عن العيــش فلا تجــد إلا المـــوت !!
سعـــدت كثيــراً بتواجــدكم الكريــم بين ربوع كلمـــاتي .. شكراً أم خدود

والمعذرة

المنصوري

حلم الطفوله
18-10-07 ||, 07:11 PM
السلام عليكم

كتبت فأتقنت يا خوي

أتمنى أن يكون القادم من رائع لأروع:)

مــهــابه
18-10-07 ||, 08:03 PM
المنصوري:
أنـت بـتسبب لـي عقـدة فـ حياتي / مواضيـعك بالذات لازم أقـراهم أكثر من مره عـسب أسـتوعب وافـهم المغـزى

بس اللي الجميع يـتفق عـليه ، أنـك راقـي فـ الأسـلوب والكتابه

ايه احبك
19-10-07 ||, 12:23 AM
اسلوب قصصي رائع تنافس فيه الأديب محمد المر يا المنصوري
اول شي ولكم باك XD
--
انا استغربت من تصرف هالرجل
لانه في هاي الدنيا الي هو متعلق فيها أمل مهما غلقت كل الأبواب يظل هناك المخرج والمنفذ
ليش فكر في الأنتحار كوسيله للهروب من الواقع
ليش ما فكر انه بالعزم يقدر يتغلب على همومه و أزمات
الأنسان لازم يتعض ويعرف انه مخير وغير مجبور
ومهما كان الفقر موجود الأمل بيعدد لشخص فرص كثيره لتحسين مستواه
يجب علينا ان نسى اليأس ونتعلق بالأمل ---لاحظ اللغه العربيه الفصحه XP

الجنيه
19-10-07 ||, 12:36 AM
المنصوري ,,,

لم تستلذ باجترار الحزن لقلوبنا ؟؟؟؟؟؟؟


اسلوبك يعور القلب من كثر ما حلو والقصه اتنتف القلب من كثر ما اتعور


الله المستعان

المنصوري
20-10-07 ||, 02:01 PM
:: ألـــم تــــرى ::

المعذرة أخي الكريم إذا ما كانت حروفي تسبب لك الألــم والحــزن والأســـى .. هي الحيـــاة التي يجــب أن نتقبلهـــا بحلوهــا ومـــرهــــا .. وعلينـــا أن نشــكــر الله على نعمـــة الصحـــة والفــرح والطمأنيــنـــة .. وأن نتفكـــر فيــمـــن هم حولنــــــا علنــــا نجــد الطريـــق السالــك إلى رحمــة الله

شكراً كثيـــراً على تواصلك الدائم مع أخوك ومحبك في الله

المعذرة

المنصوري

أنامل قلب
22-10-07 ||, 07:57 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الكريم المنصوري ..

كعادتك أخي ..
يكثر الأسى والغم بقصص تبسطها لنا ..
لواقع عايشه ويعايشه عدد من خلق الرحمن ..

بلحظات تيها ..
لرجل تائـــــــــــه .. !!

:

كرهت ما لقيت من ضعف فذل ..
خضوع لكل منحدر يسوقه من حال سيء إلى آخر أسوأ .. !!

كرهت من كان سببا لتشتت أمره ..
بيد أنه كان يجب أن يكون سندا صلبا يقوم عليه .. فيحل أمره .. !!

كرهت كيف استحل المكرمه ..
فتناسى حقه وخلق الرحمن عليه .. !!

كرهت كيف كان معاندا نفسه ..
طائشا مستعليا على المباح باتباعه درب الذل ..
بإصرار فردود فعل مناقضة .. !!

:

كثيرة هي القضايا بنثرك والعذر واحد ..
فهو مجرد رجل تائه .. !!

تائه عن ذاته ..
تائه عن دينه ..
تائه عمن يتخذ منهم سندا من الناس لسيره ..

فكثر هم من يتبعون دربه ..
لأسباب عدة أصلها التيهان والغفلة فحسب ..


:

جزاك الرحمن كل خير على ما تنثر من حالات اعترت درب أناس فأناس ..
وكل المنى أن يبقى رقي قلمك صاعدا دوما ..
لكن الله يخليك خف علينا شوي ..
تتناول مواضيع قاسية الفحوى والصياغة ..
جدا جدا جدا .. !!

كما جل المعذره على تعقيبي هنا ..
فهي مجرد أحاديث نفسية احتاشت فكري ..
وأنا لنثرك قارئة .. !!

فائق احترامي وتقديري لقلمك ..
إختك أنامل قلب ..

والمعذرة ثانية .. !!

..

أمطار
27-10-07 ||, 02:31 AM
يا الله!

خنفروش
27-10-07 ||, 09:38 PM
ما أدري وين وديتنا يالمنصوري ..



اعجابي الجم بالاسلوب الراقي و الفكر الراقي و الكاتب الراقي



ما ننحرم

وعد
28-10-07 ||, 02:59 PM
قصة الشاطر حسن ولاشئ من الي يصير للمواطن العربي في بلاده وبين هله

تسلم اخوي المنصوري

وحي القلم
31-10-07 ||, 01:50 AM
للأسف تمر علينا العديد من القصص التي تكون نهاياتها مأساوية كهذه

بسبب ضعف أبطالها

فلو تحلى هؤلاء بالصبر و احتساب الأجر عند الله

لما انتهوا إلى هذا المصير

.
.

المنصوري

بالفعل نفتقد مثل هذه المواضيع