عيون خورفكان
14-08-07 ||, 04:47 PM
الكبار يموتون كباراً .. بقدر ما يعطون للناس والحياة ..
في شبابهم الابداعي بقدر ما ينزفون فرادى في آخر الدرب ..
ويموتون كما تموت الفيلة التي ما ان تشعر بقرب اجلها حتى تقترب الى زاويه مجهوله في الغابة وتغادر ..
مات الشاعر بدر شاكر السياب الذي شغل الناس وتخاطفت قصائده المجلات والصحف وحيداً، وفي اللحظة التي كانت جنازته تعبر احد شوارع البصرة، في يوم غائم ماطر وخلفها يمشي عدد قليل من اصدقائه ،كانت بلدية البصرة تطرد عائلته من البيت لأنها لن تدفع الايجار ..
وعاش عبدالحليم حافظ ملكــاً يقود عواطف الشباب العربي لاكثر من اربيعيت سنة ،ثم مات بصورة دراماتيكية في غرفة وحيداً ، في غياب الملايين التي احببته بجنون لم يكن الفريق الطبي البريطاني الذي هرع الى غرفاه قادراً على ايقاف النزف الذي تدفق بالدم في بطنه واحال اغطية السرير البيضاء الى الاحمر القاني .. ثم عاد في صندوق ضيق ،هو الذي ملأ فضاء الغناء العربي برومانسية صوته الدافى الدافق المفعم بأجمل وانبل القيم الروحيه ..
اميرة الشاشه العربيه سعاد حسني لم توجه رسالة الى نقابة الفنانين "تطلب" "فيها" "مساعدتها " على العلاج ، وماتت في لندن وحيدة وهي التي ابهجت العين العربية وتعلقت بها قلوب ملايين الشباب العرب لخفتها وعمق ادوارها ورقة دلعها العالي ، الذي كان وسيظل أنموذجــاً لانوثه العربيه .. وماتت كل ذالك الربيع الاستثنائي الذي كان يسكن قلبها ويشيع فيه العنفوان وحيناً والاسى آخر ..
ومات عبدالوهاب البياتي الشاعر الذي ترك بصماته هميقة في النص الشعري العربي المعاصر ، وهو جالس على كرسي في ليلة لم يكن يعلم ان لا صبح لها ..
ومات عندنا في الامارات الشاعر جمعه الفيروز وحيداً في غرقة معتمه ، لا صوت يؤنسه في لحظات الحشرجات الاخيرة ولا يد تلمس جبينه وحين أشرقت شمس ذالك اليوم كانت شمسه وهو قد غابت منذساعات ..
كم هو محزن ان يكتشف الاطفال القادمون ان الاسماء الادبيه الفنيه الكبــرى التي نقلنا تراثها أليهم .. ومات اصحابها فرادى تحت ضغط ضجيج السياسه والاقتصاد .. كم هو مؤلم أن ينظر الفنان والمثقف- اللذان سيصبح نتاجهما امتداداً لتراث الامة ، الشهور الطوال - الالتفاته التي تدفع تكاليف علاجهمــا وتؤكد لهما ان العمر الذي منحاه للوطن والانسان لم يكن صرخة في واد غير ذي زرع ..
وما اكثر المثقفين والفنانين الذين انتهى مشوار دفاعهم عن الذاكره الحضاريه العربيه الى بيوت العجز ومستشفيات الدرجة العاشره ، ثم ماتوا واطفالهم لا يملكون قطميراً يواصلون به الحياة .. وما اكثر المثقفين الذين دهستهم عجلات الوظيفة بحثاً عن لقمة الخبز وانتهى مشوار ابداعهم قبل ان يبلغ مبتغاه .. ولو منحتهم وزرات الثقافة العربيه التفرع الكامل للكتابة والرسم والاخراج والتلحين والتمثيل والتشكيل ، لتركوا بعد رحيلهم تراثــاً أنقى واجمل وابقى للامه كلها .. ولكن الادارات الثقافيه في وطننا العربي تنظر الى الامــؤ من زاوية المال واللحظه الحسابيه العابرة لا من زاوية الروح المقاومة للتلف الحضاري الذي بدأ ينخر الانسان العربي في ظل فقدانه للمناعه التي لن تكن ادواتها وانساقها الا ثقافية في الدرجة الاولى ..
نقول هذا وفي الذاكرة طريق طويل لتراجيدنا المثقف العربي منذ اقدم العصور .. حيث سال دمه وانتهكت روحه وحرقت كتبه وصودرت حريته .. لكنه قاوم بإبداعه وهو الذي بقى عاليا في ذاكرة التاريخ وبقي ابداعه سنداً للأجيال التي جاءت بعده لتواصل الصراع ضد الشر والظلم ..
تقبلوا فائق احترامــي وتقديــري
أختكم
"عيون خورفكان "
في شبابهم الابداعي بقدر ما ينزفون فرادى في آخر الدرب ..
ويموتون كما تموت الفيلة التي ما ان تشعر بقرب اجلها حتى تقترب الى زاويه مجهوله في الغابة وتغادر ..
مات الشاعر بدر شاكر السياب الذي شغل الناس وتخاطفت قصائده المجلات والصحف وحيداً، وفي اللحظة التي كانت جنازته تعبر احد شوارع البصرة، في يوم غائم ماطر وخلفها يمشي عدد قليل من اصدقائه ،كانت بلدية البصرة تطرد عائلته من البيت لأنها لن تدفع الايجار ..
وعاش عبدالحليم حافظ ملكــاً يقود عواطف الشباب العربي لاكثر من اربيعيت سنة ،ثم مات بصورة دراماتيكية في غرفة وحيداً ، في غياب الملايين التي احببته بجنون لم يكن الفريق الطبي البريطاني الذي هرع الى غرفاه قادراً على ايقاف النزف الذي تدفق بالدم في بطنه واحال اغطية السرير البيضاء الى الاحمر القاني .. ثم عاد في صندوق ضيق ،هو الذي ملأ فضاء الغناء العربي برومانسية صوته الدافى الدافق المفعم بأجمل وانبل القيم الروحيه ..
اميرة الشاشه العربيه سعاد حسني لم توجه رسالة الى نقابة الفنانين "تطلب" "فيها" "مساعدتها " على العلاج ، وماتت في لندن وحيدة وهي التي ابهجت العين العربية وتعلقت بها قلوب ملايين الشباب العرب لخفتها وعمق ادوارها ورقة دلعها العالي ، الذي كان وسيظل أنموذجــاً لانوثه العربيه .. وماتت كل ذالك الربيع الاستثنائي الذي كان يسكن قلبها ويشيع فيه العنفوان وحيناً والاسى آخر ..
ومات عبدالوهاب البياتي الشاعر الذي ترك بصماته هميقة في النص الشعري العربي المعاصر ، وهو جالس على كرسي في ليلة لم يكن يعلم ان لا صبح لها ..
ومات عندنا في الامارات الشاعر جمعه الفيروز وحيداً في غرقة معتمه ، لا صوت يؤنسه في لحظات الحشرجات الاخيرة ولا يد تلمس جبينه وحين أشرقت شمس ذالك اليوم كانت شمسه وهو قد غابت منذساعات ..
كم هو محزن ان يكتشف الاطفال القادمون ان الاسماء الادبيه الفنيه الكبــرى التي نقلنا تراثها أليهم .. ومات اصحابها فرادى تحت ضغط ضجيج السياسه والاقتصاد .. كم هو مؤلم أن ينظر الفنان والمثقف- اللذان سيصبح نتاجهما امتداداً لتراث الامة ، الشهور الطوال - الالتفاته التي تدفع تكاليف علاجهمــا وتؤكد لهما ان العمر الذي منحاه للوطن والانسان لم يكن صرخة في واد غير ذي زرع ..
وما اكثر المثقفين والفنانين الذين انتهى مشوار دفاعهم عن الذاكره الحضاريه العربيه الى بيوت العجز ومستشفيات الدرجة العاشره ، ثم ماتوا واطفالهم لا يملكون قطميراً يواصلون به الحياة .. وما اكثر المثقفين الذين دهستهم عجلات الوظيفة بحثاً عن لقمة الخبز وانتهى مشوار ابداعهم قبل ان يبلغ مبتغاه .. ولو منحتهم وزرات الثقافة العربيه التفرع الكامل للكتابة والرسم والاخراج والتلحين والتمثيل والتشكيل ، لتركوا بعد رحيلهم تراثــاً أنقى واجمل وابقى للامه كلها .. ولكن الادارات الثقافيه في وطننا العربي تنظر الى الامــؤ من زاوية المال واللحظه الحسابيه العابرة لا من زاوية الروح المقاومة للتلف الحضاري الذي بدأ ينخر الانسان العربي في ظل فقدانه للمناعه التي لن تكن ادواتها وانساقها الا ثقافية في الدرجة الاولى ..
نقول هذا وفي الذاكرة طريق طويل لتراجيدنا المثقف العربي منذ اقدم العصور .. حيث سال دمه وانتهكت روحه وحرقت كتبه وصودرت حريته .. لكنه قاوم بإبداعه وهو الذي بقى عاليا في ذاكرة التاريخ وبقي ابداعه سنداً للأجيال التي جاءت بعده لتواصل الصراع ضد الشر والظلم ..
تقبلوا فائق احترامــي وتقديــري
أختكم
"عيون خورفكان "