44444
29-07-03 ||, 10:56 AM
<font color='#000000'><img src="http://oasis.bindubai.com/download/444motors/beljafla.JPG" onload = "javascript:if(this.width > (screen.width/2)){this.width = (this.width/2)}" onclick="javascript:if(this.width > (screen.width/2)){this.width = (this.width/2)} else {this.width = (this.width*2)}" border="0" alt='Posted image: Click to resize'>
<span style='color:firebrick'> عيد بن سيف بالجافلة
ثمانون عاما بين البر والبحر
أكثر من ثمانون عاما قضاها الوالد عيد بن سيف بن خلفان بن سويدان بالجافلة الحميري المنصوري مرتحلا بين البر والبحر ، ورغم بلوغه من السن عتيا وكما يقول " خانتني التواير " أي الإطارات والعجلات ويقصد بها الرجلين إلا أنه لا يزال يتابع أمور معيشته بنفسه معتمدا على ما أعطاه الله من بقية قوة وصحة .
ولادة ونشأة في البر :
عن ولادته يقول الوالد عيد بأنني ولدت في البر في منطقة " الحفير " بمنطقة اعين قرب عمان ، وعشت طفولتي وشبابي مع ووسط أبناء عمي وقراباتي من آل بالجافلة وبني عمهم من آل بوحمير والمناصير أمثال أبناء عمومتي محمد بن خميس بالجافلة الذي عنده خمس أولاد وخميس بن خلفان بالجافلة الذي عنده تبارك الرحمن إثنى عشر ولدا ، وراشد وعيد بن مبارك بالجافلة ومبارك بن راشد بالجافلة وسلطان بن سيف بن درويش بالجافلة وسعيد بن محمد بن درويش بالجافلة .
بالجافلة :
لقد سمعت من أحد الفروخ (الأبناء الشباب) أنه قرأ في كتاب الرحالة والمصور الإنجليزي كودري تحت صورة عمي خميس بالجافلة بأنه هو سبب تسميتنا بهذا اللقلب كونه إستطاع السيطرة على قالفة لوحده فلهذا سمي بالجافلة وسرت التسمية على بقية الأهل والأقارب ، وهذا خطأ كبير وعلى أصحاب الكتاب تصحيحه والتأكد منا قبل نشره ، وسبب التسمية هو أن أجدادنا القدماء الذين كانوا يعيشون في المناطق الداخلية وخاصة منطقتي " الحفير " و " عفر " التي قام جدنا خلفان بزرع نخيلها ومحفر مياهها أي حافر آبارها ، وكانوا تجار لهم قوافل كبيرة تأتي بالبضائع من مدن الساحل وخاصة دبي والشارقة وأبوظبي أيضا ويذهبون بها إلى أماكن تجمعات البدو في الداخل فيبيعونهم هذه البضائع وخاصة " الميره " وهي المواد التموينية مثل العيش (الرز) والطحين والشكر (السكر) والقهوة والعومة والعوال والمالح (من السمك المجفف والمملحة) وغيرها من ميره ، وفي المقابل كانوا يشترون من البدو بعض البضائع مثل الحطب والصخام (الفحم) والسمن واللبن (الحليب) ويأخذون إلى المدن لبيعها في أسواقها ، وكانوا دائما على هذه الحالة وفي سرعة دائمة فلهذا كانوا يقولون عند ذكرهم فلان " جفل " أي أسرع في سيره ومن هنا جاءتنا التسمية من جفل ومجفل أي مسرع وليس من " قافلة " رغم إننا نقلب القاف إلى جيم في " قافلة " فنقول : " جافلة " .
حياة البر :
كنا نعتمد في معيشتنا على الطبيعة وما فيها من مسببات الحياة ، حيث كنا نحفر الآبار بأنفسنا لنستخرج منها المياه للشرب ولسقي إبلنا وحلالنا (ماشيتنا) ، وكنا في أيام المطار نعتمد على البحوث والخرايج وهي أبار تحفر لمسافة قدم أو قديم ونجد فيها المياه التي تكون حلوة أول الأمر وبعدها تصب مالحة من كثر نزف الماء منها ، وكانت المطار قديما لا تتوقف وفي كل عام يأتينا الحيا وهو تسمية المطر عندنا لأن من الماء خلق الله كل شئ وبها كنا نحيا وتحيى إبلنا وماشيتنا وزرعنا وعشب ونبات الأرض .
المطر وصلاة الإستسقاء :
أما اليوم فالمطار محبوس عنا وما أظنها إلا من قلة الإستغفار وذكر الله واْنصراف واْنغماس أبناء هذا العصر في الركض وراء المال والأعمال الدنيوية وتركهم لصلاتهم وعبادتهم وذكرهم لله واْستغفارهم من ذنوبهم فلهذا حبس الله عنا المطر ، وكان المطاوعة سابقا إن أردنا صلاة الإستسقاء يطلبون منا قبل يوم من الصلاة أن لا نذهب لأعمالنا ونجلس في بيوتنا وأماكننا والمساجد للصلاة والإستغفار وفي اليوم الثاني يأمر الحاكم بعض رجاله بالمرور على الدكاكين والتفتيش على الموازين والتأكد بأنه لا يوجد أحد يحتال بها أو يبخس الناس حقوقهم وبعد ذلك يحضر الحاكم والأهالي والمطاوعة للصلاة ، وأذكر في مرة من المرات إننا لم نكد نفرغ من صلاتنا حتى بعث الله لنا المطر واْستمر لمدة سبعة أيام متواصلة ليل ونهار حتى أننا عند عبورنا لمنطقة جميرا نمر على منطقة الحضيبة فلا نكاد نعبرها من كثرة وطول الحشائش والزرع الذي نبت فيها حتى اليح والبطيخ نبت لوحده من كثرة مياه المطر وكنا نأخذ منه في كل مرة أثناء عبورنا لهذه المنطقة .
قسوة الحياة :
كان الناس قديما يطلبون الحياة ولأجلها يقاومون قسوة الحياة وظروفها القاتلة وكان الناس كثيرا ما تتقاتل من أجل البقاء ، وكان أصحاب النفوس الضعيفة يغيرون على غيرهم من القبائل كي يسلبوها ما لديها من إبل وماشية ومتاع ، وكنا نحن وأهلنا من الذين كانوا يصدون الهجمات على أطراف دبي وكنا دائما في حالة إستنفار وقد أصبت في إحدى المواجهات القبلية بطلقة في بطني من الأمام والتي تسمى " نقل " أي مقبل على الحرب وليس مدبر ومصاب من الخلف ، وقد كافئنا الشيوخ على عملنا وأجزلوا لنا العطاء ومنحونا العمارات والأراضي لقاء ما قدمناه من تضحيات لأجل الوطن وحماية حدوده وأمنه من الأخطار الداهمة ، وقد كافئني المرحوم الشيخ راشد بن سعيد بعمارتين والشيخ حمدان بن راشد منحني عمارة والشيخ محمد بن راشد منحني أرض تجارية بنينا عليها بنايات تجارية ولله الحمد والله عوض صبرنا بخير والله يطول عمر الشيوخ .
قصة الذيب :
كان يوجد في أطراف ذيب (ذئب) كان كثيرا وفي كل يوم وليلة يهجم على حلال (ماشية) القوم وياخذ منها راس أو راسين ، وعجز الناس عن صده والقضاء عليه لأنه يغافلهم ويهجم في الليل حيث الناس والحرس نيام ، وقد وضع الشيوخ " شارة " وهي جائزة وكانت عدد من الإبل والحلال لمن يصيد الذيب ويأتي به للشيوخ ، وقد " سبرت " له أي كمنت له أنا واْبن عمي عبيد بالجافلة وفي ليلة من الليلة تلاقينا معه وجه لوجه فضرب الذيب عبيد بالجافلة فقمت وضربته فأصبته في المقتل وسحبناه وجئنا به للشيوخ الذي أعطونا الجائزة وريّحنا العرب والقوم من شره وبليته .
سكنى الشندقة :
إنتقل بعض أهلنا للعيش في المدن وقد سكن والدنا في منطقة الشندقة بدبي حيث مقر الشيوخ والحكومة ، وكان بيتنا مجاور لبيت الدويس قرب مسجد وبيت الشيخ جمعة بن مكتوم رحمه الله وكانت لنا ثلاثة بيوت بيت لمحمد بن صالح بالجافلة وبيت راشد بن صالح بالجافلة وبيت والدي رحمه الله وكان مقاسة مائة فوت في مائة وكان فيه عشرون غرفة فيها كل أولاده ، وبعدها تحولوا إلى منطقة الغبيبة وبنوا لهم فيها بيوتهم الجديدة ، ومنها إنتقلوا في أماكن مختلفة من دبي مثل جميرا والشعبية وغيرها .
حياة الغوص :
بعد سكنى الشندقة أصبحنا قريبين جدا من الشيوخ وأصبحنا من رجالهم والمرافقين لهم في كل تحركاتهم وسكناهم ، وبحكم سكنانا قرب البحر تحولت حياتنا من بدو إلى أهل بحر وذلك بعد أن دخلنا البحر مع بعض بني عمنا من المناصير الذين كانوا يحضرون في مواسم الغوس ويكرون (يستأجرون) محامل (سفن) الغوص ويدخلون بها البحر وكنا ندخل معهم وقد دخلت البحر لأكثر من سبعة عشر سنة تقريبا ، ولقد لحقت على سردال البحر والغوص لأهل دبي حياة المرحوم حميد البسطي وجمعة الأملح وهما من آل بوفلاسا شيوخ دبي .
قطعة من جهنم :
كان السابقون يقولون مرارا وتكرارا في حديثهم اليومي وخاصة أيام الغوص " الغوص قطعة من جهنم " وكانوا يقولون أيضا " الغوص غص بريجه لو فيه روبيات " أي أن الغوص غصة يغص بها الإنسان ولا تمر في حلقه وتنزل بطنه ولو أنها مصدر للروبيات وهي المال وأجره في الغوص .
لقد كان موسم الغوص بالنسبة لمعظم الأهالي المصدر الأول للدخل ، حيث يقوم الأهالي بترحيل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم وعجائزهم إلى " المقايض " وهي المصايف التي في ليوا والعين والبريمي والمناطق الداخلية الأخرى ، ويذهب الرجال القادرين على الغوص والصغار معهم أيضا إلى الغوص على ظهر السفن العديدة التي في المدينة والتي يملكها تجار ونواخذة الغوص ، وكان الإنسان يختار أفضل مالك ونوخذة سفينة ، حيث يوجد بين الملاك والنواخذة الطيب الرحيم الذي يتمنى السفر معه أي إنسان ، ويوجد منهم من هم أصحاب القلوب القاسية والذي لا يحترم خيار الرجال حيث ينهرهم ويزجرهم ويضربهم أحيانا ، فكما يقال : " النوخذة شيخ البحر " أي أن النوخذة وهو ربان السفينة يصبح حاكما في البحر يأمر وينهى بما يحب ويشتهي ويراه صوابا وأعتقد أن هذا يحدث في معظم سفن وبحار وبلدان العالم ، والقليل منهم من يتعامل بإنسانية مع البحّاره والغواويص الذين يخرجون معه ، وكم روى الأجداد ورأينا نحن ولا نسنتطيع الرواية الآن من الكثير من تصرفاة بعض النواخذة الشائنة التي اودت بحياة الكثير من الغواويص ورجال الغوص وكذلك أضرت بالكثير منهم وأمرضتهم وأقعدتهم في بيوتهم إلى أن ماتوا ، وكل هذا والبحر وما فيه من مخاطر لا ترحم والنواخذة من جهة اخرى على ظهر السفينة لا يرحمون أحدا إلا القليل منهم .
كان طاقم السفينة يتكون من " الغواويص " وهم الغاصة الذين يغوصون البحر لجلب المحار ، وكان بعض النواخذة يتعامل مع الغاصة بحسب ما يخرج من لآلئ ، وكان بعضهم يجبر الغواص على الغوص وإن كان يشتكي المرض ، حيث أن بعض الغاصة يصابون بالزكام فتنغلق أنوفهم فلا يستطيعون الغوص وإن غاصوا " تنطر " أي تتمزق طبلة إذنهم فيتم معالجتهم بـ " الفشى " وهي عبارة عن الهيكل الطباشيري لحيوان النغر حيث يطحن ويخلط بالزعتر ومن ثم تصف في الأذن التي تنزف دما دلالة على تمزق الطبلة من جراء الضغط الذي حصل للإنسان أثناء غوصه وهو مريض .
وكان البعض من الرجال يضطر لدخول موسم الغوص مع أحد هؤلاء العتاد من النواخذة ويقوم بأخذ ما تحتاجه عائلته من " ميره " أي مؤونة تكفيهم مدة غيابه عنهم في البحر ، ويقوم النوخذة بتسجيل ذلك في دفتر خاص به يعرف بـ " الدفتر " فإن حصل الرجل على نوخذة أفضل يتوجب عليه نقل الدفتر من ذلك النوخذة إلى هذا النوخذة حيث يقوم النوخذة الجديد بتسليمه نفس مواد " الميره " و" الخرجية " وهي مبلغ بسيط من المال ، ويقوم الرجل بتسليمها للنوخذة الأولي ويبرئ ذمته ومن ثم يلتحق بالنوخذه الجديدة ، كما كان يوجد على ظهر السفينة من الرجال والبحارة " السيب " ، وهو الذي يمسك بالحبل الذي يمسك به الغواص وينزل به إلى البحر ، ويوجد أيضا " التباب " وهو ولد صغير السن يكون عمره بين العشر وخمسة عشر سنة حيث لا يستطيع الغوص في البحر ، ويختص التباب بخدمة النوخذة ويحضر له حاجياته ، وكذلك " الوليد " وهو ولد يقوم بخدمة بقية أهل السفينة حيث يقوم بتقديم الكل والماء لهم وأحيانا يقوم بفلق المحار وأخرى يساعد السيب على جر الغاصة وهكذا حتى يكبر التباب والوليد ويشتد عوده فيصبح غواص أو سيب أو أي مهنة خاصة بالكبار ، كما يوجد " السكوني " وهو قائد السفينة وسمي بهذه التسمية نسبة إلى " السكان " وهو مقود أو عجلة القيادة وتسمى دفة السفينة أيضا ، ويوجد أيضا " المجدمي " وهو المختص بشؤون السفينة وتوفير إحتياجاتها المختلفة حيث يفحص حبال السفينة والشراع والدقل وجسم السفينة ، ويعمل المجدمي أيضا مساعدا للسكوني وهو قائد السفينة .
وجبة يوميا :
كان يقدم للغاصة وجبة صباحية عبارة عن عدد بسيط من حبات التمر مع " قبعة " ماء وهي بقدر كوب الماء ، حيث لا يأكل ولا يشرب الغواص كثيرا حتى لا " يزوع " أي يُرجِّع ما أكله من جراء التعب والغوص المتعدد ، أما السيب فتكون وجبته أكبر لأنه لا يغوص ، وفي وقت الضحى تقدم لهم حبات من التمر أكثر من الأولى وتسمى هذه الوجبة " محياه " ، وفي العصر تقدم لهم وجبة كاملة عبارة عن رز وسمك وتكون هي وجبة الغداء والعشاء معا ، ومن ثم يجلس أهل السفينة جميعا لفلق المحار والسمر إلى موعد النوم حيث يقومون قبل شروق الشمس للصلاة ومن ثم العودة لعملهم اليومي والمعتاد في الغوص .
وكانت رواتب الرجال تختلف من شخص لآخر ومن وظيفة لأخرى وتسمى الرواتب بـ " الحاصله " ، والغواص يأخذ حاصلة ونصف لأن طبيعة عمله الأكثر تعبا ومشقة ، أما السيب والمجدمي والتباب والوليد فلهم حاصلة والنهام له حاصلة أو حاصلة إلاّ ربع .
العائلة والأولاد :
لقد تزوجت في حياتي الطويلة الكثير من النساء ولي ولله الحمد الكثير من الذرية منهم ثمانية بنات وخمسة أولاد أكبرهم خلف وبعده راشد فسيف فصالح وآخرهم حمد الله يحفظهم جميعا ويبارك فيهم وفي أبناء المسلمين جميعا .</span></font>
<span style='color:firebrick'> عيد بن سيف بالجافلة
ثمانون عاما بين البر والبحر
أكثر من ثمانون عاما قضاها الوالد عيد بن سيف بن خلفان بن سويدان بالجافلة الحميري المنصوري مرتحلا بين البر والبحر ، ورغم بلوغه من السن عتيا وكما يقول " خانتني التواير " أي الإطارات والعجلات ويقصد بها الرجلين إلا أنه لا يزال يتابع أمور معيشته بنفسه معتمدا على ما أعطاه الله من بقية قوة وصحة .
ولادة ونشأة في البر :
عن ولادته يقول الوالد عيد بأنني ولدت في البر في منطقة " الحفير " بمنطقة اعين قرب عمان ، وعشت طفولتي وشبابي مع ووسط أبناء عمي وقراباتي من آل بالجافلة وبني عمهم من آل بوحمير والمناصير أمثال أبناء عمومتي محمد بن خميس بالجافلة الذي عنده خمس أولاد وخميس بن خلفان بالجافلة الذي عنده تبارك الرحمن إثنى عشر ولدا ، وراشد وعيد بن مبارك بالجافلة ومبارك بن راشد بالجافلة وسلطان بن سيف بن درويش بالجافلة وسعيد بن محمد بن درويش بالجافلة .
بالجافلة :
لقد سمعت من أحد الفروخ (الأبناء الشباب) أنه قرأ في كتاب الرحالة والمصور الإنجليزي كودري تحت صورة عمي خميس بالجافلة بأنه هو سبب تسميتنا بهذا اللقلب كونه إستطاع السيطرة على قالفة لوحده فلهذا سمي بالجافلة وسرت التسمية على بقية الأهل والأقارب ، وهذا خطأ كبير وعلى أصحاب الكتاب تصحيحه والتأكد منا قبل نشره ، وسبب التسمية هو أن أجدادنا القدماء الذين كانوا يعيشون في المناطق الداخلية وخاصة منطقتي " الحفير " و " عفر " التي قام جدنا خلفان بزرع نخيلها ومحفر مياهها أي حافر آبارها ، وكانوا تجار لهم قوافل كبيرة تأتي بالبضائع من مدن الساحل وخاصة دبي والشارقة وأبوظبي أيضا ويذهبون بها إلى أماكن تجمعات البدو في الداخل فيبيعونهم هذه البضائع وخاصة " الميره " وهي المواد التموينية مثل العيش (الرز) والطحين والشكر (السكر) والقهوة والعومة والعوال والمالح (من السمك المجفف والمملحة) وغيرها من ميره ، وفي المقابل كانوا يشترون من البدو بعض البضائع مثل الحطب والصخام (الفحم) والسمن واللبن (الحليب) ويأخذون إلى المدن لبيعها في أسواقها ، وكانوا دائما على هذه الحالة وفي سرعة دائمة فلهذا كانوا يقولون عند ذكرهم فلان " جفل " أي أسرع في سيره ومن هنا جاءتنا التسمية من جفل ومجفل أي مسرع وليس من " قافلة " رغم إننا نقلب القاف إلى جيم في " قافلة " فنقول : " جافلة " .
حياة البر :
كنا نعتمد في معيشتنا على الطبيعة وما فيها من مسببات الحياة ، حيث كنا نحفر الآبار بأنفسنا لنستخرج منها المياه للشرب ولسقي إبلنا وحلالنا (ماشيتنا) ، وكنا في أيام المطار نعتمد على البحوث والخرايج وهي أبار تحفر لمسافة قدم أو قديم ونجد فيها المياه التي تكون حلوة أول الأمر وبعدها تصب مالحة من كثر نزف الماء منها ، وكانت المطار قديما لا تتوقف وفي كل عام يأتينا الحيا وهو تسمية المطر عندنا لأن من الماء خلق الله كل شئ وبها كنا نحيا وتحيى إبلنا وماشيتنا وزرعنا وعشب ونبات الأرض .
المطر وصلاة الإستسقاء :
أما اليوم فالمطار محبوس عنا وما أظنها إلا من قلة الإستغفار وذكر الله واْنصراف واْنغماس أبناء هذا العصر في الركض وراء المال والأعمال الدنيوية وتركهم لصلاتهم وعبادتهم وذكرهم لله واْستغفارهم من ذنوبهم فلهذا حبس الله عنا المطر ، وكان المطاوعة سابقا إن أردنا صلاة الإستسقاء يطلبون منا قبل يوم من الصلاة أن لا نذهب لأعمالنا ونجلس في بيوتنا وأماكننا والمساجد للصلاة والإستغفار وفي اليوم الثاني يأمر الحاكم بعض رجاله بالمرور على الدكاكين والتفتيش على الموازين والتأكد بأنه لا يوجد أحد يحتال بها أو يبخس الناس حقوقهم وبعد ذلك يحضر الحاكم والأهالي والمطاوعة للصلاة ، وأذكر في مرة من المرات إننا لم نكد نفرغ من صلاتنا حتى بعث الله لنا المطر واْستمر لمدة سبعة أيام متواصلة ليل ونهار حتى أننا عند عبورنا لمنطقة جميرا نمر على منطقة الحضيبة فلا نكاد نعبرها من كثرة وطول الحشائش والزرع الذي نبت فيها حتى اليح والبطيخ نبت لوحده من كثرة مياه المطر وكنا نأخذ منه في كل مرة أثناء عبورنا لهذه المنطقة .
قسوة الحياة :
كان الناس قديما يطلبون الحياة ولأجلها يقاومون قسوة الحياة وظروفها القاتلة وكان الناس كثيرا ما تتقاتل من أجل البقاء ، وكان أصحاب النفوس الضعيفة يغيرون على غيرهم من القبائل كي يسلبوها ما لديها من إبل وماشية ومتاع ، وكنا نحن وأهلنا من الذين كانوا يصدون الهجمات على أطراف دبي وكنا دائما في حالة إستنفار وقد أصبت في إحدى المواجهات القبلية بطلقة في بطني من الأمام والتي تسمى " نقل " أي مقبل على الحرب وليس مدبر ومصاب من الخلف ، وقد كافئنا الشيوخ على عملنا وأجزلوا لنا العطاء ومنحونا العمارات والأراضي لقاء ما قدمناه من تضحيات لأجل الوطن وحماية حدوده وأمنه من الأخطار الداهمة ، وقد كافئني المرحوم الشيخ راشد بن سعيد بعمارتين والشيخ حمدان بن راشد منحني عمارة والشيخ محمد بن راشد منحني أرض تجارية بنينا عليها بنايات تجارية ولله الحمد والله عوض صبرنا بخير والله يطول عمر الشيوخ .
قصة الذيب :
كان يوجد في أطراف ذيب (ذئب) كان كثيرا وفي كل يوم وليلة يهجم على حلال (ماشية) القوم وياخذ منها راس أو راسين ، وعجز الناس عن صده والقضاء عليه لأنه يغافلهم ويهجم في الليل حيث الناس والحرس نيام ، وقد وضع الشيوخ " شارة " وهي جائزة وكانت عدد من الإبل والحلال لمن يصيد الذيب ويأتي به للشيوخ ، وقد " سبرت " له أي كمنت له أنا واْبن عمي عبيد بالجافلة وفي ليلة من الليلة تلاقينا معه وجه لوجه فضرب الذيب عبيد بالجافلة فقمت وضربته فأصبته في المقتل وسحبناه وجئنا به للشيوخ الذي أعطونا الجائزة وريّحنا العرب والقوم من شره وبليته .
سكنى الشندقة :
إنتقل بعض أهلنا للعيش في المدن وقد سكن والدنا في منطقة الشندقة بدبي حيث مقر الشيوخ والحكومة ، وكان بيتنا مجاور لبيت الدويس قرب مسجد وبيت الشيخ جمعة بن مكتوم رحمه الله وكانت لنا ثلاثة بيوت بيت لمحمد بن صالح بالجافلة وبيت راشد بن صالح بالجافلة وبيت والدي رحمه الله وكان مقاسة مائة فوت في مائة وكان فيه عشرون غرفة فيها كل أولاده ، وبعدها تحولوا إلى منطقة الغبيبة وبنوا لهم فيها بيوتهم الجديدة ، ومنها إنتقلوا في أماكن مختلفة من دبي مثل جميرا والشعبية وغيرها .
حياة الغوص :
بعد سكنى الشندقة أصبحنا قريبين جدا من الشيوخ وأصبحنا من رجالهم والمرافقين لهم في كل تحركاتهم وسكناهم ، وبحكم سكنانا قرب البحر تحولت حياتنا من بدو إلى أهل بحر وذلك بعد أن دخلنا البحر مع بعض بني عمنا من المناصير الذين كانوا يحضرون في مواسم الغوس ويكرون (يستأجرون) محامل (سفن) الغوص ويدخلون بها البحر وكنا ندخل معهم وقد دخلت البحر لأكثر من سبعة عشر سنة تقريبا ، ولقد لحقت على سردال البحر والغوص لأهل دبي حياة المرحوم حميد البسطي وجمعة الأملح وهما من آل بوفلاسا شيوخ دبي .
قطعة من جهنم :
كان السابقون يقولون مرارا وتكرارا في حديثهم اليومي وخاصة أيام الغوص " الغوص قطعة من جهنم " وكانوا يقولون أيضا " الغوص غص بريجه لو فيه روبيات " أي أن الغوص غصة يغص بها الإنسان ولا تمر في حلقه وتنزل بطنه ولو أنها مصدر للروبيات وهي المال وأجره في الغوص .
لقد كان موسم الغوص بالنسبة لمعظم الأهالي المصدر الأول للدخل ، حيث يقوم الأهالي بترحيل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم وعجائزهم إلى " المقايض " وهي المصايف التي في ليوا والعين والبريمي والمناطق الداخلية الأخرى ، ويذهب الرجال القادرين على الغوص والصغار معهم أيضا إلى الغوص على ظهر السفن العديدة التي في المدينة والتي يملكها تجار ونواخذة الغوص ، وكان الإنسان يختار أفضل مالك ونوخذة سفينة ، حيث يوجد بين الملاك والنواخذة الطيب الرحيم الذي يتمنى السفر معه أي إنسان ، ويوجد منهم من هم أصحاب القلوب القاسية والذي لا يحترم خيار الرجال حيث ينهرهم ويزجرهم ويضربهم أحيانا ، فكما يقال : " النوخذة شيخ البحر " أي أن النوخذة وهو ربان السفينة يصبح حاكما في البحر يأمر وينهى بما يحب ويشتهي ويراه صوابا وأعتقد أن هذا يحدث في معظم سفن وبحار وبلدان العالم ، والقليل منهم من يتعامل بإنسانية مع البحّاره والغواويص الذين يخرجون معه ، وكم روى الأجداد ورأينا نحن ولا نسنتطيع الرواية الآن من الكثير من تصرفاة بعض النواخذة الشائنة التي اودت بحياة الكثير من الغواويص ورجال الغوص وكذلك أضرت بالكثير منهم وأمرضتهم وأقعدتهم في بيوتهم إلى أن ماتوا ، وكل هذا والبحر وما فيه من مخاطر لا ترحم والنواخذة من جهة اخرى على ظهر السفينة لا يرحمون أحدا إلا القليل منهم .
كان طاقم السفينة يتكون من " الغواويص " وهم الغاصة الذين يغوصون البحر لجلب المحار ، وكان بعض النواخذة يتعامل مع الغاصة بحسب ما يخرج من لآلئ ، وكان بعضهم يجبر الغواص على الغوص وإن كان يشتكي المرض ، حيث أن بعض الغاصة يصابون بالزكام فتنغلق أنوفهم فلا يستطيعون الغوص وإن غاصوا " تنطر " أي تتمزق طبلة إذنهم فيتم معالجتهم بـ " الفشى " وهي عبارة عن الهيكل الطباشيري لحيوان النغر حيث يطحن ويخلط بالزعتر ومن ثم تصف في الأذن التي تنزف دما دلالة على تمزق الطبلة من جراء الضغط الذي حصل للإنسان أثناء غوصه وهو مريض .
وكان البعض من الرجال يضطر لدخول موسم الغوص مع أحد هؤلاء العتاد من النواخذة ويقوم بأخذ ما تحتاجه عائلته من " ميره " أي مؤونة تكفيهم مدة غيابه عنهم في البحر ، ويقوم النوخذة بتسجيل ذلك في دفتر خاص به يعرف بـ " الدفتر " فإن حصل الرجل على نوخذة أفضل يتوجب عليه نقل الدفتر من ذلك النوخذة إلى هذا النوخذة حيث يقوم النوخذة الجديد بتسليمه نفس مواد " الميره " و" الخرجية " وهي مبلغ بسيط من المال ، ويقوم الرجل بتسليمها للنوخذة الأولي ويبرئ ذمته ومن ثم يلتحق بالنوخذه الجديدة ، كما كان يوجد على ظهر السفينة من الرجال والبحارة " السيب " ، وهو الذي يمسك بالحبل الذي يمسك به الغواص وينزل به إلى البحر ، ويوجد أيضا " التباب " وهو ولد صغير السن يكون عمره بين العشر وخمسة عشر سنة حيث لا يستطيع الغوص في البحر ، ويختص التباب بخدمة النوخذة ويحضر له حاجياته ، وكذلك " الوليد " وهو ولد يقوم بخدمة بقية أهل السفينة حيث يقوم بتقديم الكل والماء لهم وأحيانا يقوم بفلق المحار وأخرى يساعد السيب على جر الغاصة وهكذا حتى يكبر التباب والوليد ويشتد عوده فيصبح غواص أو سيب أو أي مهنة خاصة بالكبار ، كما يوجد " السكوني " وهو قائد السفينة وسمي بهذه التسمية نسبة إلى " السكان " وهو مقود أو عجلة القيادة وتسمى دفة السفينة أيضا ، ويوجد أيضا " المجدمي " وهو المختص بشؤون السفينة وتوفير إحتياجاتها المختلفة حيث يفحص حبال السفينة والشراع والدقل وجسم السفينة ، ويعمل المجدمي أيضا مساعدا للسكوني وهو قائد السفينة .
وجبة يوميا :
كان يقدم للغاصة وجبة صباحية عبارة عن عدد بسيط من حبات التمر مع " قبعة " ماء وهي بقدر كوب الماء ، حيث لا يأكل ولا يشرب الغواص كثيرا حتى لا " يزوع " أي يُرجِّع ما أكله من جراء التعب والغوص المتعدد ، أما السيب فتكون وجبته أكبر لأنه لا يغوص ، وفي وقت الضحى تقدم لهم حبات من التمر أكثر من الأولى وتسمى هذه الوجبة " محياه " ، وفي العصر تقدم لهم وجبة كاملة عبارة عن رز وسمك وتكون هي وجبة الغداء والعشاء معا ، ومن ثم يجلس أهل السفينة جميعا لفلق المحار والسمر إلى موعد النوم حيث يقومون قبل شروق الشمس للصلاة ومن ثم العودة لعملهم اليومي والمعتاد في الغوص .
وكانت رواتب الرجال تختلف من شخص لآخر ومن وظيفة لأخرى وتسمى الرواتب بـ " الحاصله " ، والغواص يأخذ حاصلة ونصف لأن طبيعة عمله الأكثر تعبا ومشقة ، أما السيب والمجدمي والتباب والوليد فلهم حاصلة والنهام له حاصلة أو حاصلة إلاّ ربع .
العائلة والأولاد :
لقد تزوجت في حياتي الطويلة الكثير من النساء ولي ولله الحمد الكثير من الذرية منهم ثمانية بنات وخمسة أولاد أكبرهم خلف وبعده راشد فسيف فصالح وآخرهم حمد الله يحفظهم جميعا ويبارك فيهم وفي أبناء المسلمين جميعا .</span></font>