بن دبي
22-10-04 ||, 11:42 PM
<font color='#000000'><p align=center><font color=#3300cc>والآن لابد من عرض المراجع التاريخية الوثيقة التي وصلت الى يدي متقصداًَ إيراد النصوص القاطعة الدالة على عروبة البلوش . بألفاظ كاتبها وبكلمات المصنفين أنفسهم . إن كانت كتبهم مسطورة باللغة العربية أو كانت مكتوبة باللغات الأخرى . كاللغة الأوردية والفارسية والإنجليزية وغيرها . فإن من الواجب الإتيان بها مترجمة بالحرف والمطابقة التامة . ولا شك أن هذه المدارك المهمه التي نشرها الثقاة المتبحرون من أهل التحقيق وذوي المعرفة بتاريخ الشعوب وأجناسها ستكون براهين بتاريخ العرب عامة . وقد كان من الازم علينا نحن العرب الإعتراف بوجود البلوش العربي وكان من الواجب أيضاًَ إعتماد أقوال البلوش أنفسهم في إنتساب آبائهم وأجدادهم الى الأصل العربي بدون الذهاب الى نصوص التاريخ التي دونها الأجانب قديماًَ وحديثاًَ . فإن قوماًَ قد أمضوا هذه القرون الطويلة وهم يلهجون بأصلهم العربي . وقد تعرضوا في سبيل ذلك للموت والقتل الجماعي والتدمير وإحراق بيوتهم والطرد والترحيل وصلب شيوخهم على أيدي البهويين الفرس والأنجليز وغيرهم . فلم يصرفهم ذلك عن الإحساس بالعرق العربي ولم يمنعهم من المجاهرة بدعوى العروبة والتمسك بالرس العربي . ولم يوقف تمثلهم بشمائل العرب وشجاعتهم ووفائهم بالعهد وإقرائهم الضيف ويعرفهم علية ويثبت لهم إرتباط تاريخ آبائهم بالأمة العربية . فالبلوش إذن لم يكونوا منتظرين حتى يأتيهم أحد المؤلفين ليعلمهم أسانيد التاريخ الذي يصلهم بإخونهم في أرض العرب أو يدرسهم أدلة الأحتجاج لترسيخ أقوالهم اللاهجة بعروبتهم . لقد كان النسب العربي ولا يزال يفور دماًَ في أجسام البلوش الأصلاء ويتفجر عزماًَ وشعوراًَ في قلوبهم ويتسامى زهواًَ وعزاًَ في سجايلهم العربية المنحدرة اليهم من قلب هذه الأمه . إن البلوشي ليس محتاجاًَ لمن يلقنه الإستدلال على أصلة العربي . فمنذ ألفي عام وكرمان ومكران مربع من مرابع الهجرة العربية الخالصة القبائل . ولكن البلوش في هذا الزمان مفتقرون كل الإفتقار لمن يعلمهم اللسان العربي . ومحتاجون كل الإحتياج لمن يربط حبال القربى بينهم وبين إخوانهم العرب . فهم يبحثون عمن يعرف قلوبهم ووجوههم العربية ويريدون من يجوس خلال بلو?ستان ليقلب عينية في آثار الظلم والتنكيل والبطش . الذي كان البلوش هدفاًَ له في كل أدوار تاريخهم . البلوش يريدون من إخوانهم العرب أن يتفاعلوا معهم في طريق تحررهم وفي سبيل إنعتاقهم من ربقة الذل والهوان . نعم إنهم لم ينتظروا من أحد ليقول لهم أيها البلوش إنكم عرب . فهم عرب أصلاًَ ودماًَ مثل سائر العرب الآخرين . لكنهم يجهلون اللسان العربي ولا يستطيعون النطق به للإسباب التي ذكرناها . غير إني أسوق أمام الباحثين هذه المصادر المتنوعة الثاتبة من قبيل تقرير المقرر وتحصيل الحاصل في البرهنه على الواقع المشاهد بالحواس العيانية . ففي هذا البحث المبني على شهادات العارفين بمنازل العرب وأيام الإسلام والقائم على إستقراءات المؤرخين الغربيين والشرقيين والمثبت بالمؤلفات المحبرة بأقلام البلوش أنفسهم فإني سأقدم أسانيد متينة ووثائق مؤيده بالعقل والمنطق للبيان في أصل البلوش العربي المبني على الواقع الوجودي التاريخي والجغرافي . قال المقدسي المعروف ـ بالبشاري ـ المتوفي 375 هـ صفحة ـ 480 ـ من كتابة ـ أحسن التقاويم في معرفة الأقاليم ـ طبع بالأفست 1909م ( ملتان تكون مثل المنصورة غير إنها أعمر . ليست بكثير الثمار غير إنها رخيصة الأسعار . ثلاثون خبزاً بدرهم . والفانيذ ثلاثة أمنان بدرهم . ليس عندهم زنا ولا شرب الخمر . ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه أو حدوه . ولا يكذبون في بيع ولا يبخسون في كيل . ولا يخسرون في وزن . يحبون الغرباء . وأكثرهم عرب شربهم من نهر غزير ) . ولكن هذا المؤرخ الجغرافي الكبير بعد أن يقر الأصل العربي في ملتان وبعد أن يقر النسب العربي للقفس اليمانيين يتناول في الصفحة ـ 488 ـ والصفحة ـ 489 ـ من كتابة بالتجني عليهم بأوصاف الغدر والقسوة وسفك الدماء . وينعتهم بكل النعوت الكريهة ثم يعترف لهم بالشجاعة والكرم والأصل العربي . ولقد إعتمد المقدسي الأوصاف والنعوت والتهم التي رددها أعداء العرب في ذلك الزمان ضد القفس اليمانيين خاصة . ولم ينتبه هؤلاء المؤرخون الى ما تعرض له العرب في الملتان وفي مكران من القتل الجماعي والإبادة والذبح العام في قرون متتابعة . وسنين متلاحقة . وقد كان أشدها هولاًَ وأفظعها فتكاًَ تلك الهجمات التي قام بها البويهييون على قبائل القفس اليمانية في كرمان ومكران . لأن هؤلاء القفس قد أنفوا من الخضوع لعضد الدولة وللسلاطين من أمثالهم . الذين قد تربعوا في أرض الفتح العربي الإسلامي وأخذوا يزرون بالعرب ويذلونهم وينكرون جهادهم . والغريب في المسأله إن كبار المؤرخين الذين جاؤو بعد المقدسي ذكروا في مصنفاتهم القبائل العربية اليمانية المسماه بالقفس أوالقفص . ونصوا في كتبهم على وجود الأصل العربي في كرمان ومكران . وتحدثوا عن العرب الذين يقطنون جبال البلوص وأشادوا بشجاعتهم وكرمهم وعلو هممهم وأنفتهم من الذل ونخوتهم في إغاثة اللهيف والإيثار وإكرام الضيف . قد ترسموا خطى المقدسي أيضاًَ في شتم القفس والطعن بدينهم وسيرتهم غافلين عن الأسباب والعوامل والأحوال المفروضه عليهم آنذاك ومتغافلين عن الظلم والإعتداء والضيق الذي كان يدفع هذه القبائل العربية اليمانية للدفاع عن حماها والذب عن أرضها وشرفها وديار آبائها وأجدادها بالدماء والأرواح والغالي والنفيس . فلم يلتفت هؤلاء المؤرخون الى الكوارث والمهالك والمآسي التي أوقعها الأكاسرة في العهود القديمة بالقفس والبلوص . ولم يلتفتوا الى المذابح وقتل الصغير والكبير الذي أنزله البويهيون والغزنويون بهؤلاء . كان هؤلاء المؤرخون إبن حوقل ( في صورة الأرض ) وإبن النديم في ( تقويم البلدان ) وياقوت الحموي ( في معجم ) يعيدون ويكررون أقوال المقدسي في شتم القفس أجداد البلوش الأوائل . ويتناقلونها بحروفها والفاظها . كأنها قد كتبت لتعمم على هؤلاء الأفذاذ من أهل الفضل والتحقيق نصوصاًَ مقررة لا تقبل الجدل والمعارضة . مع إجماع هؤلاء العلماء الأماثل من مؤرخي الإسلام إجماعاًَ تاماًَ في كل عصور الحضارة الإسلامية على وجود العرب وغيرهم من القحطانيين والحميريين والعدنانيين في كرمان ومكران من أقدم العصور . قال ـ أبوالقاسم محمد الحوقلي البغدادي ـ المعروف ـ بأبي القاسم النصيبي ـ في كتابه ( صورة الأرض ) الطبعة الثانية ـ مدينة ليدن ـ مطبعة بريل 1967م صفحة ـ 320 ـ ( والمنصورة مدينة مقدارها في الطول والعرض نحو ميل . في مثله ويحيط بها خليج من نهر ـ مهران ـ وهي شبه بالجزيرة . وأهلها مسلمون . ملكها من قريش . من ولد هبار بن الأسود . وقد تغلب عليها أجداده وساسوهم سياسة أوجبت الرعية فيهم . وإيثارهم على من سواهم . غير أن الخطبة لبني العباس ) . صورة الأرض إبن حوقل صفحة ـ 309 ـ ( ومفازة بين القفص . ومكران وغريبها ـ البلوص ـ وحدود نواحي المتوجان ونواحي ـ مرموز ـ ويقال إنها سبعة أجبال ولكل جبل رئيس منهم وهم صنف مثل ـ الأكراد ـ وحي من أحيائهم ويكونون على ما قاله أهل نواحيهم نحو عشرة آلف رجل مستظهرين ممتنعين . وكان للسلطان عليهم جراية يستكفهم بها . وهم مع ذلك يقطعون الطريق . ويخيفون السبيل في عامة ـ كرمان ـ الى مفازة سجستان . وحدود فارس فإستأصل الملك شأفتهم وكسر شوكتهم وجاس ديارهم . وأخرب نواحيهم وشتتهم ثم الجاهم الى خدمته . ومزقهم في اكناف نواحية . ومملكته وهم رحالة لا دواب لهم . والغالب على خلقهم النحافة والسمرة وتمام الخلق . ويزعمون إنهم من العرب . وكانوا في دعوة أهل المغرب في جملة جزيرة خرسان ) . هذا هو النص الأصلي من النسخة العربية الأصلية . وسنلم بهذا النص وهو مترجم الى اللغة الفارسية . ليطلع القارئ على إعلان ـ البلوص والقفس ـ في كل زمن من الأزمان عن أصولهم العربية . وليرى القارئ مجاهرة البلوص والقفس والقفس فعلاًََ وقولاًَ في كرمان ومكران بأنهم من العرب على أية حالة من الحالات خلال القتل والتدمير والإستئصال الذي وصفه إبن حوقل وليعلم الناس أن البلوش مصرون كل الأصرار على إظهار إحساسهم برباط الدم والتاريخ بقومهم العرب في كل عصر من العصور . ولا ريب أن كل هذا التشهير والسب في أبناء القفس وبالبلوش المنحدرين من القبائل العربية الإسلامية التي فتحت كرمان و مكران قد كان بوحي من السلاطين ـ الغزنويين والبويهيين والسامانيين ـ الذين كانوا يبتدعون الوسائل المختلفة لطرد العرب من خراسان وكرمان ومكران . وتبديل اللسان العربي كما فعل الساميون والغزنويون . وفي هذه النسخة من كتاب ـ صورة الأرض ـ لأبن حوقل المترجمة الى اللغة الفارسية بقلم الأستاذ ـ جعفر الشعار ـ منشورات بنياد فرهنك إيران ـ ( المؤسسة الثقافية الإيرانية ) ـ طبع طهران ـ 345 ـ شمسي ـ صفحة ـ 75 ـ بعد أن يصف ـ إبن حوقل ـ الإبادة والقتل وسفك الدماء الذي أوقعة السلطان بالقفس . وبعد أن يتحدث عن فقرهم وعوزهم ونحافة أجسامهم وشجاعتهم وكرمهم وإنهم لايركبون الأنعام . يقول في الصفحة المذكورة إنهم عرب وإنهم موجودون في جميع ـ جزيرة خراسان ـ وإنهم يتبعون دعوة أهل المغرب القرمطية . فإن حوقل العلم الفرد في التحقيق الجغرافي والتاريخي يشهد تقريراًَ وإثباتاًَ بعروبة القفس أجداد البلوش . ولقد تعمتد الإشارة الى النسخة المترجمة الى الفارسية إشعاراًَ بالاجماع التاريخي على عروبة البلوش وتنبيهاًَ الى إقرار الإعلام الإيراني ال?هلوي بعروبة القفس والبلوص . ولأن هذه النسخة من ـ صورة الارض ـ قد ترجمت الى الفارسية بالإشراف ال?هلوي . وقد جاءت مقرة بوجود عربي في كرمان بوادي البلوص وديار القفس . مما يغيظ الدولة الإيرانية ذكره والتنويه به . وإظهاره مكتوباًَ ومطبوعاًَ الى الملأ . قال الحموي في المعجم الجزء الرابع صفحة ـ 147 ـ طبع المدرسة المحروسة 1899م . ومثله في كل النسخ الأخرى ( بلوص بضم الام وسكون الواو وصاد مهملة . جيل كالأكراد . ولهم بلاد واسعة بين فارس وكرمان . تعرف بهم في سفح جبال القفص . وهو املوا بأس وقوة وعدد وكثرة ولا تخاف القفص وهم جيل آخر ذكروا في موضعهم صفحة ـ 147 ـ من ( معجم البلدان ) المجلد نفسه . مع شدة بأسهم من أحد إلا البلوص . وهم أصحاب وبيوت شعر إلا إنهم لا يقطعون الطريق ولا يقتلون الأنفس كما تفعل القفس . وعند جميع المؤرخين كالإدريسي في ( نزهة المشتاق في إختراق الآفاق ) والمسعودي و الحموي و إبن خرداذبة في ( أوضح المسالك ) والأصطخري في ( صورة الأقاليم ) وصفي الدين عبدالمؤمن البغدادي في ( مراصد الإطلاع ) وإبن الفقيه وفي ( لسان العرب ) وفي ( القاموس ) وفي ( مقاييس اللغة ) لأبن فارس . وفي القاموس الفارسي المعروف ( برهان قاطع ) أن ـ البلوص والقفس والقفص و والبلو? والكو? ـ كلهم شئ واحد وإنهم عرب . وجاء في ( معجم قبائل العرب ) لعمر كحالة الجزء الأول صفحة ـ 16 ـ نقلاًَ عن ـ ياقوت الحموي ـ في المعجم ( القفس من جبال كرمان مما يلي البحر . وسكانة من اليمانية . ثم من الأزد ثم من ولد سليمة بم مالك بن فهم ).
قال الرهني . القفس جبل من جبال كرمان مما يلي البحر وسكانة من اليمانية ثم من الأزد بن الغوث ثم ولد سلمه بن مالك بن فهم وولده . لم يكونوا في جزيرة العرب على دين العرب للإعتراف بالمعادة والإقرار بالبحث . لقد أردت من هذا النقل إبراز صورة البحث ليقف عليها العرب . وليعرفوا ما للبلوش وما عليهم . وليزداد اليقين بعروبة هذه القبائل البلوشية . إن الحموي وجميع الذين كتبوا عن البلوص والقفص والقفس من المؤرخين المسلمين . فإنهم يعتقدون جميعاًَ بأصلهم العربي اليماني . ويؤكدون إنهم من جنس عربي واحد . وإنهم لا فرق بينهم إلا بالتسمية . وأن جبال القفص هي جبال البلوص وأن التفاوت بينهم في المواقع والمنازل قرباًَ وبعداًَ بين بعضها بعضاًَ مثل التفاوت بين بعض الجماعات من قبائل العرب .هذا ما نفهمه من كلام الحموي . ومن كلام الذين نقل عنهم ( الرهني و البشاري المقدسي ) . ولكن أريد أن أقول أن عادة النهب والسلب والقتل إن صحت تهمتها منطبقة على القفس والبلوص فإنها قد تكونت في هذه القبائل اليمانية من شدة الشعور بالظلم والإهانة . ومن شدة الإحساس بالجور والأذى والبطش الذي نزل بهم من الدولة البويهية . بعد تمزق دولة الإسلام وبعد تفرق شمل العرب . وبعد قيام الدويلات والإمارات التي إستقلت منفردة في سلطان خراسان وفارس وما وراء النهر . أي بعد ظهور ـ السامانية ـ في طبرستان والغزنوية في خراسان والبويهية في إيران والعراق أيضاًَ . والصفارية والسلجوقية الى جانب ما صاحب تلك القرون والأزمان والأحداث وما جاء قبلها وما تلاها من الثورات والحركات ـ المزدكية والزرتشية ـ التي تمثلت في ـ البابكية الخرمية والمازيارية وثورة الزنج ـ الشعوبية والغنوصية التي إستهدفت الجنس العربي بالإبادة والمحق الكلي والتشوية التاريخي والدس الفكري . فكانت هذه الأفكار الشعوبية هي التي يسرت السبيل لبروز ـ أبي مسلم الخراساني ـ وكانت مبادئها ودعواها بذوراًَ فاسدة نبتت منها ونمت فوق تربتها ـ حركة أبي مسلم ـ فتمزقت العرب في المشرق . وإنهدم كيان أمتنا في فارس وخراسان والعراق . وتهشم صرح الوحدة بعدئذ فخرجت تلك السلطانات والإمارات تحارب العرب في كل مكان من أرض خراسان وما وراء النهر وفارس وحتى بغداد نفسها . فحورب اللسان العربي وإزيحت القبائل العربية من مساكنها في أرض الفتوح . وغيرت هذه الإمارت التي أشرنا اليها أسماء جميع الأماكن والأراضي والمدن والمساجد التي كانت منسوبة الى العرب . أو كانت مسماة بأسماء القبائل العربية . فتشتت الجمع العربي وإنضمت بعض القبائل العربية الى جيوش محمود الغزنوي ومشى بعضها تحت لواء البويهيين ولجأ الكثير من العرب الى جبال القفص والى الديار المكرانية . فالذي يسميه هؤلاء المؤرخون سلباًَ ونهباًَ وفتكاًَ وتمثيلاًَ بالناس هو في حقيقته أعمال إنتقامية . وردود أفعال وثارات يقوم بها هؤلاء العرب بوجه الدولة البويهية التي إستبد بها نفر قليل يخزنون الذهب ويلعبون بدماء الناس وأموالهم . ويتباهون بأنهم قد داسوا صدر الخليفة العباسي بأقدامهم وأرغموا دار الخليفة على التسليم لهم والإذعان لإمرهم . وكان أهل كرمان ومكران من ـ القفس والقفص والبلوص وسائر العرب الاخرين يقتاتون ـ النبق ـ ويقومون ويقعدون ببطون خاوية من الطعام حتى إستندوا على دليل شرعي في الإغارة على أموال الدولة البويهية والتمرد عليها وقتل مأموريها . وليس هناك أي حكم فقهي إسلامي يلزم هؤلاء الناس بإطاعة البويهيين والإنقياد لهم . فليس للبويهيين أي وصف في الخلافة الشرعية . وليس لهم إذن بيعة مفروضة الطاعة . وأقول مرة أخرى إني قد تعمدت نقل هذه النصوص كاملة ليعرف الباحثون العرب تأثر بعض المؤرخين والكتاب بأوامر السلاطين وأهل الإمارات المنفصلين عن دولة العرب والاسلام . فتملقوا للبويهيين والغزنويين وأمثالهم . وأيدوهم بإباحة القتل وسفك دماء العرب . وإلا فكيف جاز لعضد الدولة البويهي أن يفني جيلاًَ كاملاًَ من المسلمين . وكيف حق له أن يقتل الصغير والكبير في تلك الحملة الغاشمة . التي لا يزال البلوش حفدة القفس والقفص يئنون من وقعها المدمر حتى زماننا هذا . والتي دهش لها العالم الاسلامي من أقصاه الى أقصاه لما أريق فيها من الدماء . ومهما ورد من الذم والسباب والقدح في القفس والقفص والبلوص في هذه الصفحات والسطور المنقولة من ـ معجم البلدان ـ ومن غيره فإنها تمثل صورة دقيقة المعاني صافية المنظر يراها القارئ فيبصر فيها عروبة هؤلاء القوم من العرب اليمانيين متمنعين نافرين من الذل . ويبدو القفس والبلوص عرباًَ أحراراًَ أباة للضيم أمام البويهيين والخنوع لسلطان البويهيين الذين كان وجودهم شؤماًَ على هذه الامة . وطالع سوء على بغداد التي أهانوا عزتها وأرغموا أنفها في شخص الخليفة العباسي الضعيف . يضاف الى هذه الحقائق أن البلوص والقفس عندما كانوا يتصدون لهذه القوافل فينهبونها أو ينالون أصحابها بالأذى والضرر . فقلد كانوا يتحركون الى مباشرة هذه الإعمال ومزاولة التصرفات المناوئه ـ لآبويه ـ بفتوى من علمائهم وفقهائهم مبنية على حالة الإضطرار من الجوع والفقر وخوف الموت من فقدان الزاد وإنعدام الطعام . فإخذوا في الإجتهاد في كون حكم البويييهن حكماًَ جائراًَ خارجاًَ على الخلافة معطلاًَ لأحكام الله وحدوده .
ولأن القفس والبلوص قوم جياع يعيشون في القحط والمتربة في كل شهور السنة فقد كان لهم الحق في بيت المال هذا إنهم كانوا يشاهدون بعيونهم وهم يعانون التنكيل والغارات وجبروت البويهيين ما كان يعانية العرب في خراسان وفارس من معرة هذه الدولة وغمطها للعرب وحقدها . فلا بد أن يتمرد هؤلاء على قوانين عضد الدولة ويعتصموا بشرفهم مطالبين بحقوقهم كعرب وكمسلمين . أما نفي الرحمة عن قلوب القفس والبلوص وتكفيرهم وتجريدهم من الكرامة الإنسانية ووصمهم بكل الوصمات المشينة كما ورد في النعوت والأوصاف الآنفة الذكر . فذلك كلام قد توسل به أولئك السلاطين لتشوية هذه الأقوام العربية . التي كانت تأبى الخنوع لهم والطاعة بين أيديهم . فاخذوا يخترعون الأسباب ويبتدعون الحالات والذرائع لقتل القفس والبلوص . وتعويض وجودهم وطردهم من كرمان ومكران جرياًَ على سنة الدولة الكسروية التي انزلت بالقفس والبلوص قبيل ظهور الإسلام كل ضروب التدمير الكلي والذبح الشنيع . وقد سطر هذا في مصادر التاريخ الإيراني وتحدث عنه جميع الذين كتبوا في تاريخ مكران خلال العهد الساساني . وقد أشار الى ذلك الأستاذ ـ إسلام كاظمية ـ في كتابه ( جاي باي اسكندر ) الطبعة الثانية ـ طهران ـ انتشارات ـ جاويدان . فبعد أن تكلم هذا الكاتب عن أصل البلوش ـ البابلي ـ صفحة ـ 13 ـ وبعد أن قرر إنهم من ذرية ـ النمرود ـ أخذ يدافع عنهم . وشرع يفصل ما نال البلوش من الذبح والقتل والتدمير على أيدي الساسانيين وعلى أيدي الذين جاؤو بعدهم من ملوك الفرس وسلاطينهم الذين كانوا يأخذون أولاد البلوش رهائن جيلاًَ بعد جيل . كما جاء في ( معجم البلدان ) وقال الأستاذ إسلام كاظمية ( ويجب أن يذكر هنا ما فعله جنكيزخان وما أوقعة من السيوف في رقاب البلوش وما ركزه من الرماح في صدورهم ) وينبغي أن يذكر ـ حبيب الله خان ـ الذي أغار عليهم في زمن ـ محمد شاه قاجار ـ فخرب قلعة ـ ?مبور ـ وقتلهم قتلاًَ ذريعاًَ جماعياًَ . وأسر الكثير منهم . صفحة ـ 16 ـ وكذلك جاء في هذا المصدر أن الأمير الكبير ـ ولي طهماسب ـ حاول ضرب البلوش وتدميرهم ومثله أيضاًَ ـ ناصر الدين شاه ـ فلقد وجه القائد العسكري ـ فيروز ميرزا فارما نفرما ـ والي كرمان ـ لغزو بلو?ستان . ثم يقول الأستاذ ـ إسلام كاظمية ـ معلقاًَ على الحملات العسكرية التي قام بها السلاطين الإيرانيين لأجل إبادة البلوش ( وعلى أثر تلك النذالة والقسوة إختفت الكثير من الولايات البلوشية . وتفرق أهلها في الجبال ) . ( لقد ترجمت هذا النص الفارسي بحرفة من الكتاب المذكور ) . قال ـ صفي الدين عبدالمؤمن عبدالحق البغدادي ـ المتوفي 739 هـ في كتابه ( مراصد الإطلاع في معرفة الأمكنة والبقاع ) الجزء الثالث صفحة ـ 1113 ـ طبع القاهرة ـ منشورات دار إحياء الكتب العربية ـ ( القفس بالضم ثم السكون والسين المهمله . وأكثر ما يتلفظ فيه غير أهله بالصاد جبل بكرمان أهله كالأكراد يقال لهم القفس والبلوص وهو مما يلي البحر وأصل أهله عرب . لم يكن لهم دين يرجعون إليه . موصوفون بقلة الرحمة والفساد في الأرض لايقنعون بأخذ المال حتى يقتلوا صاحبة شدخاًَ لرأسه بالحجر وكان البلوص شراًَ منهم فتتبعهم عضد الدولة حتى أفناهم ) . والعبرة هنا هي إجماع هؤلاء المؤرخين كافة على أن البلوص والقفس منحدرون من أصل عربي . وإنهم أرومات من قبائل عربية يمانية مهما فرط من أقلام هؤلاء الأعلام من نعت القفس والبلوص بأحط النعوت وأرذل الصفات فسبب ذلك معلوم وقد جلونا حقيقة الأمر المحتجبة فيه وراء الأغراض والغايات الخاصة بالدولة البويهية . وجاء في ـ برهان قاطع ـ وهو من القواميس الفارسية الرائجة المعتمدة لدى الناطقين باللغة الفارسية تأليف العلامة مولوي محمد حسن المتخلص مارس 1829م الهند . مادة كو? وبلو? ـ ( كو? وبلو? بضم باي ابجد ولام اين است از توابع ارست : نام طائفة باشد در صحرانشينان كه در كوههاي اطراف ـ كرمان ـ توطن دارند و?ويند اينها أزعربان حجازند ، وحرفت إيشان جن? وخونريزي ودوزدي وراهزني بأشد أكر احياناًَ بي?انه نيابند يكد ي?را بكشند ومال يكد يكرا تاراج سنند . وهم?ين برادران وخويشان وقرابتان ودوستان باهم جن? كنند . أين فعل رابسيار خوب دانند . وبعض ?وبند ( موضعي است ميان اصفهان وكرمان ) . ولقد ترجمت هذا النص الى العربية ( الكو? والبلو? ) بضم الباء واللام تابع لذلك هو إسم لطائفة صحراوية مستوطنة في الجهات الجبلية من كرمان ويقولون إنهم من عرب الحجاز وحرفتهم هي الحرب وسفك الدماء والسرقة وقطع الطريق . وإذا لم يجدوا غريباًَ في بعض الأحيان فإنهم يقتتلون بينهم . ويغير بعضهم على أموال البعض . وكذلك الإخوان أبناء العمومة والأقارب والأصدقاء يحارب بعضهم بعضاًَ . وإنهم يتباهون بهذا العمل . ويقول البعض إنه موضع بين أصفهان وكرمان ومعنى ـ كو? ـ باللغة الفارسية البدو الرحل المنتقلون في الصحاري ) . إن هذا نص لغوي تاريخي مثبت في أدق مصادر اللغة الفارسية يقرر ناطقاًَ أن البلوش من عرب الحجاز . وما علينا من الأوصاف والنعوت المعهودة المكررة في إتهام البلوش وقذفهم . ولكن في هذا النص البين الواضح حجة ساطعة بوجه الكتاب الإيرانيين الذين يكتبون التاريخ بدافع الأغراض والأهداف الحكومية . وليس ثمة إعتراض لمعترض أمام هذه الوثيقة اللغوية التاريخية المستندة على هذا المرجع الدقيق من ( برهان قاطع ) ذلك القاموس المهذب الراجح لدى اللغويين الفرس . علماًَ أن الطبعة الجديدة لهذا القاموس طهران ـ 1332 ـ شمسي بإهتمام الدكتور ـ محمد معين ـ الأستاذ في جامعة طهران قد ورد فيها النص المذكور عينه . ولم يحرف كما حرفت نصوص عديدة في المراجع الفارسية وقد كانت تنص على نسبة البلو? الى الأصل العربي . وقد صدرت بعض القواميس الفارسية تحت ظل الحكم ال?هلوي فتعمد كاتبوها التحريف والتغيير . وكمثل لذلك جاء في ـ فرهن? جديد ـ تأليف ـ فريدون كار ـ الطبعة الأولى طهران ـ 1345 ـ شمسي ( بلو? : قطعه كوشت قرمزي كه برفرق خروس ديده ميشود . تاج خروس ـ خو? ـ نام يكي از قبائل إيراني كه در بلو?ستان زنطكي ميكنند ) الترجمة ( البلو? : قطعه من اللحم حمراء تلوح على مفرق الديك ( عرف الديك ) . خرقه حمراء تعلق برأس الرمح . إسم ( لأحد القبائل التي تعيش في بلو?ستان ) هكذا فإن الدوائر المعارف والقواميس والخرائط والكتب الحديثة الصادرة في إيران يتقصد كاتبوها في هذا الزمان تجاهل الأصل العربي لقبائل ـ البلو? ـ ولقد تغافل مؤلف قاموس ـ فرهن? جديد ـ عن المعنى المطابق لكلمة ـ بلو? ـ وخرج على إجماع القواميس الفارسية المصدقة المكتوبة قبل الحكم ال?هلوي . ولا شك أن من أسهل الظواهر . في الكذب المسطر والبهتان المدون في أوراق الكتب . هو أن تطبع القواميس والموسوعات اللغوية والجغرافية مبدلة الأسماء محرفة الألفاظ المواد والمقاصد حسب الأهواء وبدافع من الأغراض النفعية كما رأينا في أكثر المؤلفات المطبوعة بإشراف الإعلام الإيراني ال?هلوي . والتي يظهر ذلك فيها عندما تتحدث عن تاريخ العرب عامة . والخليج العربي وتاريخ بلو?ستان بخاصة مما سنفصل القول فيه في الصفحات القادمة من هذا الموضوع . تلك مراجعات سريعة قد أجريتها بين بعض القواميس ودوائر المعارف الصادرة باللغة الفارسية . وربما إستدل المؤرخون على نسبة موقع من المواقع أو نسبة أثر من الآثار الى أمة من الأمم بسبب معنى الإسم الذي يصدق على ذلك الموقع أو على ذلك أثر . وبسبب كلمة واحدة قد تكشف الأصل التاريخي لبعض الأمكنة والديار . ولذلك فإن من الواجب إمعان النظر في أصل الأسماء والتعمق في تفسيرها على مسمياتها . ولغة الأمة دائماًَ ومفرداتها اللفظية هي لسان تاريخها والدليل المهتدي الى عروقها الأولى وجذور سلالتها . فعند الكلام حول أصل جماعة من الجماعات أو التنقيب عن بقية من أحد القوم التابعين لإحدى الأمم لا يجوز إهمال صيغة الإسم وليس من الفهم والدرس المفيد إغفال المدلول اللغوي خاصة إذا كان الاسم منطبقاًَ على أوضاع تاريخية ومراحل معينة من القرون والسنين . والواقع الجغرافي مثل كلمة بلوص بلو? قفس قفص . ولقد ثبت في التاريخ أن في أرض العرب قبيلة من قبائل العرب أسمها بنو بلوص وقد راجع بعض الباحثين كلمة بلوص الى أصلها البابلي من بيلوس كما هو معروف وواضح وسوف نبنيه في الصفحات القادمة . إن هذه النصوص التي أوردناها هي من أدق المصادر الدالة على عروبة مكران والمثبتة لوجود العرب في السواحل الفارسية منذ أيام النبي ـ موسى عليه السلام . وإنها من أهم المراجع والشواهد التي يجب العودة اليها . والنظر فيها من قبل أي باحث في تاريخ مكران والخليج العربي . وفي تعيين مواقع ـ سيف ـ مكران الذي قامت على ترابه السيادات العربية . ونشأت فوق أرضه البيوت من سراة العرب في عصور سحيقة ودهور طويلة . والذي كان موطناًَ من مواطن الأزد وبني تميم وقبائل العرب الأخرى . ولا شك في وجود هؤلاء العرب بمكران وقد أجمع مؤرخوا الإسلام جميعاًَ على تأييد ذلك والقول به . وقد ذكر ـ الأصطخري ـ أن ملوك هؤلاء العرب الذين كانوا يعمرون مكران . وإزدهرت بهم سواحلها كانوا من أقوى ملوك الإسلام . ولا ريب أيضاًَ فيما سطره التاريخ من المجد الأثيل ـ لآل الجلندري ـ فإن لهم الفخر كل الفخر إذ يختصهم رسول الله عليه الصلاة والسلام برسالة مكتوبة يدعوهم فيها للإسلام ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسبير ) لأبن سيد الناس ـ طبع بيروت ـ دار الجيل 1974م الجزء الثاني صفحة ـ 267 ـ ( كتاب الرسول عليه الصلاة والسلام الى ـ جفير وعبدأبني الجلندري الأزديين ملكي عُمان مع عمروا بن العاص ) . ومن الحق أن أقول إن المسح الجغرافي الذي تقدم به الأصطخري فإنه كسب علمي قيم في البرهنة على أن مكران والساحل الآخر من الخليج العربي موطن عربي منذ عهد النبي عليه السلام . والأصطخري هو عالم التاريخ والجغرافية . وقد كان خبيراًَ بمعادن العرب . وعارف بأنسابها وأيامها وعلى علم شامل بالسلطان العربي على سواحل مكران وسواحل الخليج العربي بجانبيه . وقد كان يسمي المنازل والأماكن بأسمائها وينسبها متأكداًَ الى سكانها العرب . وإنه قد كان يذكر هذه البيوتات العربية ـ الأزدية والتميمية ـ التي حكمت مكران بلهجة المطمئن الى ما يقول فيما يورد ويصدر من التقريرات والأدلة التاريخية والجغرافية ولم يسرف ـ الأصطخري ـ في ذم القفس والقفص كما فعل أقرانه . ولقد عرف نسب الجلندريين ذوي الشأن الكبير في تاريخ الساحل العربي من جهة الأرض المكرانية . فأفدنا من علم ـ الأصطخري ـ ومن بعده في الجغرافية التاريخية فإنكشف لنا الوجود العربي في مكران . وفي الساحل الثاني من الخليج العربي على منطق من الواقع والدراية والمشاهدة مما لا يمكن الجدل فيه . ولقد علمت أن القبائل البلوشية المنحدرة من سلالات الجلندريين لا تزال في مواطنها الأولى أو قريباًَ من بلو?ستان ولكن أسمائها قد تبدلت وتغيرت وتحول إنتسابها من قبيلة الى قبيلة حتى إندمج أكثرها في قبيلة الرند المعروفة الواسعة الفروع وتوزع الآخرون وإنقسموا بين العشائر البلوشية ومن الحقائق التي لا يمكن أن تجحد ولها نور ساطع في صفحات التاريخ البلوشي . هي أن ـ القفس والقفص والبلوص ـ منذ زمن الذي كتب فيه ـ الأصطخري ـ كتابه حتى الآن . وهم يصرحون بإنتسابهم العربي . ويصرون على إرتباطهم بالعرب . ولا زالوا منذ القرون البعيدة التي سبقت ظهور الإسلام الى كل القرون التي تلت ذلك وهم يذكورن آباءهم العرب . ولم يستطع أي مؤرخ من الذين تحدثوا عن ـ القفس و القفص والبلوص ـ أن يتجاهل رجوع هؤلاء الناس الى أمة العرب كلما سألهم سائل عن منابت أصولهم وعن منشأ عروقهم . وكلما تعرضوا للتحدي والمفاخرة فإنهم يعودون الى التمسك بآبائهم الأولين في أرض الجزيرة العربية . فما فتئ البلوش وهذه لهجتهم في كل عصر وفي كل جيل من الأجيال الى يومنا هذا يموت الرجل منهم غيظاًَ ويحترق دمه في قلبة وتيبس عروق جسمة من التألم والضجر إذا قيل له : أنت لست عربياًَ.
</font><font color=#cc0000>المصدر: بلوشستان ديار العرب للشيخ معن بن شناع العجلي الحكامي</font></p></font>
قال الرهني . القفس جبل من جبال كرمان مما يلي البحر وسكانة من اليمانية ثم من الأزد بن الغوث ثم ولد سلمه بن مالك بن فهم وولده . لم يكونوا في جزيرة العرب على دين العرب للإعتراف بالمعادة والإقرار بالبحث . لقد أردت من هذا النقل إبراز صورة البحث ليقف عليها العرب . وليعرفوا ما للبلوش وما عليهم . وليزداد اليقين بعروبة هذه القبائل البلوشية . إن الحموي وجميع الذين كتبوا عن البلوص والقفص والقفس من المؤرخين المسلمين . فإنهم يعتقدون جميعاًَ بأصلهم العربي اليماني . ويؤكدون إنهم من جنس عربي واحد . وإنهم لا فرق بينهم إلا بالتسمية . وأن جبال القفص هي جبال البلوص وأن التفاوت بينهم في المواقع والمنازل قرباًَ وبعداًَ بين بعضها بعضاًَ مثل التفاوت بين بعض الجماعات من قبائل العرب .هذا ما نفهمه من كلام الحموي . ومن كلام الذين نقل عنهم ( الرهني و البشاري المقدسي ) . ولكن أريد أن أقول أن عادة النهب والسلب والقتل إن صحت تهمتها منطبقة على القفس والبلوص فإنها قد تكونت في هذه القبائل اليمانية من شدة الشعور بالظلم والإهانة . ومن شدة الإحساس بالجور والأذى والبطش الذي نزل بهم من الدولة البويهية . بعد تمزق دولة الإسلام وبعد تفرق شمل العرب . وبعد قيام الدويلات والإمارات التي إستقلت منفردة في سلطان خراسان وفارس وما وراء النهر . أي بعد ظهور ـ السامانية ـ في طبرستان والغزنوية في خراسان والبويهية في إيران والعراق أيضاًَ . والصفارية والسلجوقية الى جانب ما صاحب تلك القرون والأزمان والأحداث وما جاء قبلها وما تلاها من الثورات والحركات ـ المزدكية والزرتشية ـ التي تمثلت في ـ البابكية الخرمية والمازيارية وثورة الزنج ـ الشعوبية والغنوصية التي إستهدفت الجنس العربي بالإبادة والمحق الكلي والتشوية التاريخي والدس الفكري . فكانت هذه الأفكار الشعوبية هي التي يسرت السبيل لبروز ـ أبي مسلم الخراساني ـ وكانت مبادئها ودعواها بذوراًَ فاسدة نبتت منها ونمت فوق تربتها ـ حركة أبي مسلم ـ فتمزقت العرب في المشرق . وإنهدم كيان أمتنا في فارس وخراسان والعراق . وتهشم صرح الوحدة بعدئذ فخرجت تلك السلطانات والإمارات تحارب العرب في كل مكان من أرض خراسان وما وراء النهر وفارس وحتى بغداد نفسها . فحورب اللسان العربي وإزيحت القبائل العربية من مساكنها في أرض الفتوح . وغيرت هذه الإمارت التي أشرنا اليها أسماء جميع الأماكن والأراضي والمدن والمساجد التي كانت منسوبة الى العرب . أو كانت مسماة بأسماء القبائل العربية . فتشتت الجمع العربي وإنضمت بعض القبائل العربية الى جيوش محمود الغزنوي ومشى بعضها تحت لواء البويهيين ولجأ الكثير من العرب الى جبال القفص والى الديار المكرانية . فالذي يسميه هؤلاء المؤرخون سلباًَ ونهباًَ وفتكاًَ وتمثيلاًَ بالناس هو في حقيقته أعمال إنتقامية . وردود أفعال وثارات يقوم بها هؤلاء العرب بوجه الدولة البويهية التي إستبد بها نفر قليل يخزنون الذهب ويلعبون بدماء الناس وأموالهم . ويتباهون بأنهم قد داسوا صدر الخليفة العباسي بأقدامهم وأرغموا دار الخليفة على التسليم لهم والإذعان لإمرهم . وكان أهل كرمان ومكران من ـ القفس والقفص والبلوص وسائر العرب الاخرين يقتاتون ـ النبق ـ ويقومون ويقعدون ببطون خاوية من الطعام حتى إستندوا على دليل شرعي في الإغارة على أموال الدولة البويهية والتمرد عليها وقتل مأموريها . وليس هناك أي حكم فقهي إسلامي يلزم هؤلاء الناس بإطاعة البويهيين والإنقياد لهم . فليس للبويهيين أي وصف في الخلافة الشرعية . وليس لهم إذن بيعة مفروضة الطاعة . وأقول مرة أخرى إني قد تعمدت نقل هذه النصوص كاملة ليعرف الباحثون العرب تأثر بعض المؤرخين والكتاب بأوامر السلاطين وأهل الإمارات المنفصلين عن دولة العرب والاسلام . فتملقوا للبويهيين والغزنويين وأمثالهم . وأيدوهم بإباحة القتل وسفك دماء العرب . وإلا فكيف جاز لعضد الدولة البويهي أن يفني جيلاًَ كاملاًَ من المسلمين . وكيف حق له أن يقتل الصغير والكبير في تلك الحملة الغاشمة . التي لا يزال البلوش حفدة القفس والقفص يئنون من وقعها المدمر حتى زماننا هذا . والتي دهش لها العالم الاسلامي من أقصاه الى أقصاه لما أريق فيها من الدماء . ومهما ورد من الذم والسباب والقدح في القفس والقفص والبلوص في هذه الصفحات والسطور المنقولة من ـ معجم البلدان ـ ومن غيره فإنها تمثل صورة دقيقة المعاني صافية المنظر يراها القارئ فيبصر فيها عروبة هؤلاء القوم من العرب اليمانيين متمنعين نافرين من الذل . ويبدو القفس والبلوص عرباًَ أحراراًَ أباة للضيم أمام البويهيين والخنوع لسلطان البويهيين الذين كان وجودهم شؤماًَ على هذه الامة . وطالع سوء على بغداد التي أهانوا عزتها وأرغموا أنفها في شخص الخليفة العباسي الضعيف . يضاف الى هذه الحقائق أن البلوص والقفس عندما كانوا يتصدون لهذه القوافل فينهبونها أو ينالون أصحابها بالأذى والضرر . فقلد كانوا يتحركون الى مباشرة هذه الإعمال ومزاولة التصرفات المناوئه ـ لآبويه ـ بفتوى من علمائهم وفقهائهم مبنية على حالة الإضطرار من الجوع والفقر وخوف الموت من فقدان الزاد وإنعدام الطعام . فإخذوا في الإجتهاد في كون حكم البويييهن حكماًَ جائراًَ خارجاًَ على الخلافة معطلاًَ لأحكام الله وحدوده .
ولأن القفس والبلوص قوم جياع يعيشون في القحط والمتربة في كل شهور السنة فقد كان لهم الحق في بيت المال هذا إنهم كانوا يشاهدون بعيونهم وهم يعانون التنكيل والغارات وجبروت البويهيين ما كان يعانية العرب في خراسان وفارس من معرة هذه الدولة وغمطها للعرب وحقدها . فلا بد أن يتمرد هؤلاء على قوانين عضد الدولة ويعتصموا بشرفهم مطالبين بحقوقهم كعرب وكمسلمين . أما نفي الرحمة عن قلوب القفس والبلوص وتكفيرهم وتجريدهم من الكرامة الإنسانية ووصمهم بكل الوصمات المشينة كما ورد في النعوت والأوصاف الآنفة الذكر . فذلك كلام قد توسل به أولئك السلاطين لتشوية هذه الأقوام العربية . التي كانت تأبى الخنوع لهم والطاعة بين أيديهم . فاخذوا يخترعون الأسباب ويبتدعون الحالات والذرائع لقتل القفس والبلوص . وتعويض وجودهم وطردهم من كرمان ومكران جرياًَ على سنة الدولة الكسروية التي انزلت بالقفس والبلوص قبيل ظهور الإسلام كل ضروب التدمير الكلي والذبح الشنيع . وقد سطر هذا في مصادر التاريخ الإيراني وتحدث عنه جميع الذين كتبوا في تاريخ مكران خلال العهد الساساني . وقد أشار الى ذلك الأستاذ ـ إسلام كاظمية ـ في كتابه ( جاي باي اسكندر ) الطبعة الثانية ـ طهران ـ انتشارات ـ جاويدان . فبعد أن تكلم هذا الكاتب عن أصل البلوش ـ البابلي ـ صفحة ـ 13 ـ وبعد أن قرر إنهم من ذرية ـ النمرود ـ أخذ يدافع عنهم . وشرع يفصل ما نال البلوش من الذبح والقتل والتدمير على أيدي الساسانيين وعلى أيدي الذين جاؤو بعدهم من ملوك الفرس وسلاطينهم الذين كانوا يأخذون أولاد البلوش رهائن جيلاًَ بعد جيل . كما جاء في ( معجم البلدان ) وقال الأستاذ إسلام كاظمية ( ويجب أن يذكر هنا ما فعله جنكيزخان وما أوقعة من السيوف في رقاب البلوش وما ركزه من الرماح في صدورهم ) وينبغي أن يذكر ـ حبيب الله خان ـ الذي أغار عليهم في زمن ـ محمد شاه قاجار ـ فخرب قلعة ـ ?مبور ـ وقتلهم قتلاًَ ذريعاًَ جماعياًَ . وأسر الكثير منهم . صفحة ـ 16 ـ وكذلك جاء في هذا المصدر أن الأمير الكبير ـ ولي طهماسب ـ حاول ضرب البلوش وتدميرهم ومثله أيضاًَ ـ ناصر الدين شاه ـ فلقد وجه القائد العسكري ـ فيروز ميرزا فارما نفرما ـ والي كرمان ـ لغزو بلو?ستان . ثم يقول الأستاذ ـ إسلام كاظمية ـ معلقاًَ على الحملات العسكرية التي قام بها السلاطين الإيرانيين لأجل إبادة البلوش ( وعلى أثر تلك النذالة والقسوة إختفت الكثير من الولايات البلوشية . وتفرق أهلها في الجبال ) . ( لقد ترجمت هذا النص الفارسي بحرفة من الكتاب المذكور ) . قال ـ صفي الدين عبدالمؤمن عبدالحق البغدادي ـ المتوفي 739 هـ في كتابه ( مراصد الإطلاع في معرفة الأمكنة والبقاع ) الجزء الثالث صفحة ـ 1113 ـ طبع القاهرة ـ منشورات دار إحياء الكتب العربية ـ ( القفس بالضم ثم السكون والسين المهمله . وأكثر ما يتلفظ فيه غير أهله بالصاد جبل بكرمان أهله كالأكراد يقال لهم القفس والبلوص وهو مما يلي البحر وأصل أهله عرب . لم يكن لهم دين يرجعون إليه . موصوفون بقلة الرحمة والفساد في الأرض لايقنعون بأخذ المال حتى يقتلوا صاحبة شدخاًَ لرأسه بالحجر وكان البلوص شراًَ منهم فتتبعهم عضد الدولة حتى أفناهم ) . والعبرة هنا هي إجماع هؤلاء المؤرخين كافة على أن البلوص والقفس منحدرون من أصل عربي . وإنهم أرومات من قبائل عربية يمانية مهما فرط من أقلام هؤلاء الأعلام من نعت القفس والبلوص بأحط النعوت وأرذل الصفات فسبب ذلك معلوم وقد جلونا حقيقة الأمر المحتجبة فيه وراء الأغراض والغايات الخاصة بالدولة البويهية . وجاء في ـ برهان قاطع ـ وهو من القواميس الفارسية الرائجة المعتمدة لدى الناطقين باللغة الفارسية تأليف العلامة مولوي محمد حسن المتخلص مارس 1829م الهند . مادة كو? وبلو? ـ ( كو? وبلو? بضم باي ابجد ولام اين است از توابع ارست : نام طائفة باشد در صحرانشينان كه در كوههاي اطراف ـ كرمان ـ توطن دارند و?ويند اينها أزعربان حجازند ، وحرفت إيشان جن? وخونريزي ودوزدي وراهزني بأشد أكر احياناًَ بي?انه نيابند يكد ي?را بكشند ومال يكد يكرا تاراج سنند . وهم?ين برادران وخويشان وقرابتان ودوستان باهم جن? كنند . أين فعل رابسيار خوب دانند . وبعض ?وبند ( موضعي است ميان اصفهان وكرمان ) . ولقد ترجمت هذا النص الى العربية ( الكو? والبلو? ) بضم الباء واللام تابع لذلك هو إسم لطائفة صحراوية مستوطنة في الجهات الجبلية من كرمان ويقولون إنهم من عرب الحجاز وحرفتهم هي الحرب وسفك الدماء والسرقة وقطع الطريق . وإذا لم يجدوا غريباًَ في بعض الأحيان فإنهم يقتتلون بينهم . ويغير بعضهم على أموال البعض . وكذلك الإخوان أبناء العمومة والأقارب والأصدقاء يحارب بعضهم بعضاًَ . وإنهم يتباهون بهذا العمل . ويقول البعض إنه موضع بين أصفهان وكرمان ومعنى ـ كو? ـ باللغة الفارسية البدو الرحل المنتقلون في الصحاري ) . إن هذا نص لغوي تاريخي مثبت في أدق مصادر اللغة الفارسية يقرر ناطقاًَ أن البلوش من عرب الحجاز . وما علينا من الأوصاف والنعوت المعهودة المكررة في إتهام البلوش وقذفهم . ولكن في هذا النص البين الواضح حجة ساطعة بوجه الكتاب الإيرانيين الذين يكتبون التاريخ بدافع الأغراض والأهداف الحكومية . وليس ثمة إعتراض لمعترض أمام هذه الوثيقة اللغوية التاريخية المستندة على هذا المرجع الدقيق من ( برهان قاطع ) ذلك القاموس المهذب الراجح لدى اللغويين الفرس . علماًَ أن الطبعة الجديدة لهذا القاموس طهران ـ 1332 ـ شمسي بإهتمام الدكتور ـ محمد معين ـ الأستاذ في جامعة طهران قد ورد فيها النص المذكور عينه . ولم يحرف كما حرفت نصوص عديدة في المراجع الفارسية وقد كانت تنص على نسبة البلو? الى الأصل العربي . وقد صدرت بعض القواميس الفارسية تحت ظل الحكم ال?هلوي فتعمد كاتبوها التحريف والتغيير . وكمثل لذلك جاء في ـ فرهن? جديد ـ تأليف ـ فريدون كار ـ الطبعة الأولى طهران ـ 1345 ـ شمسي ( بلو? : قطعه كوشت قرمزي كه برفرق خروس ديده ميشود . تاج خروس ـ خو? ـ نام يكي از قبائل إيراني كه در بلو?ستان زنطكي ميكنند ) الترجمة ( البلو? : قطعه من اللحم حمراء تلوح على مفرق الديك ( عرف الديك ) . خرقه حمراء تعلق برأس الرمح . إسم ( لأحد القبائل التي تعيش في بلو?ستان ) هكذا فإن الدوائر المعارف والقواميس والخرائط والكتب الحديثة الصادرة في إيران يتقصد كاتبوها في هذا الزمان تجاهل الأصل العربي لقبائل ـ البلو? ـ ولقد تغافل مؤلف قاموس ـ فرهن? جديد ـ عن المعنى المطابق لكلمة ـ بلو? ـ وخرج على إجماع القواميس الفارسية المصدقة المكتوبة قبل الحكم ال?هلوي . ولا شك أن من أسهل الظواهر . في الكذب المسطر والبهتان المدون في أوراق الكتب . هو أن تطبع القواميس والموسوعات اللغوية والجغرافية مبدلة الأسماء محرفة الألفاظ المواد والمقاصد حسب الأهواء وبدافع من الأغراض النفعية كما رأينا في أكثر المؤلفات المطبوعة بإشراف الإعلام الإيراني ال?هلوي . والتي يظهر ذلك فيها عندما تتحدث عن تاريخ العرب عامة . والخليج العربي وتاريخ بلو?ستان بخاصة مما سنفصل القول فيه في الصفحات القادمة من هذا الموضوع . تلك مراجعات سريعة قد أجريتها بين بعض القواميس ودوائر المعارف الصادرة باللغة الفارسية . وربما إستدل المؤرخون على نسبة موقع من المواقع أو نسبة أثر من الآثار الى أمة من الأمم بسبب معنى الإسم الذي يصدق على ذلك الموقع أو على ذلك أثر . وبسبب كلمة واحدة قد تكشف الأصل التاريخي لبعض الأمكنة والديار . ولذلك فإن من الواجب إمعان النظر في أصل الأسماء والتعمق في تفسيرها على مسمياتها . ولغة الأمة دائماًَ ومفرداتها اللفظية هي لسان تاريخها والدليل المهتدي الى عروقها الأولى وجذور سلالتها . فعند الكلام حول أصل جماعة من الجماعات أو التنقيب عن بقية من أحد القوم التابعين لإحدى الأمم لا يجوز إهمال صيغة الإسم وليس من الفهم والدرس المفيد إغفال المدلول اللغوي خاصة إذا كان الاسم منطبقاًَ على أوضاع تاريخية ومراحل معينة من القرون والسنين . والواقع الجغرافي مثل كلمة بلوص بلو? قفس قفص . ولقد ثبت في التاريخ أن في أرض العرب قبيلة من قبائل العرب أسمها بنو بلوص وقد راجع بعض الباحثين كلمة بلوص الى أصلها البابلي من بيلوس كما هو معروف وواضح وسوف نبنيه في الصفحات القادمة . إن هذه النصوص التي أوردناها هي من أدق المصادر الدالة على عروبة مكران والمثبتة لوجود العرب في السواحل الفارسية منذ أيام النبي ـ موسى عليه السلام . وإنها من أهم المراجع والشواهد التي يجب العودة اليها . والنظر فيها من قبل أي باحث في تاريخ مكران والخليج العربي . وفي تعيين مواقع ـ سيف ـ مكران الذي قامت على ترابه السيادات العربية . ونشأت فوق أرضه البيوت من سراة العرب في عصور سحيقة ودهور طويلة . والذي كان موطناًَ من مواطن الأزد وبني تميم وقبائل العرب الأخرى . ولا شك في وجود هؤلاء العرب بمكران وقد أجمع مؤرخوا الإسلام جميعاًَ على تأييد ذلك والقول به . وقد ذكر ـ الأصطخري ـ أن ملوك هؤلاء العرب الذين كانوا يعمرون مكران . وإزدهرت بهم سواحلها كانوا من أقوى ملوك الإسلام . ولا ريب أيضاًَ فيما سطره التاريخ من المجد الأثيل ـ لآل الجلندري ـ فإن لهم الفخر كل الفخر إذ يختصهم رسول الله عليه الصلاة والسلام برسالة مكتوبة يدعوهم فيها للإسلام ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسبير ) لأبن سيد الناس ـ طبع بيروت ـ دار الجيل 1974م الجزء الثاني صفحة ـ 267 ـ ( كتاب الرسول عليه الصلاة والسلام الى ـ جفير وعبدأبني الجلندري الأزديين ملكي عُمان مع عمروا بن العاص ) . ومن الحق أن أقول إن المسح الجغرافي الذي تقدم به الأصطخري فإنه كسب علمي قيم في البرهنة على أن مكران والساحل الآخر من الخليج العربي موطن عربي منذ عهد النبي عليه السلام . والأصطخري هو عالم التاريخ والجغرافية . وقد كان خبيراًَ بمعادن العرب . وعارف بأنسابها وأيامها وعلى علم شامل بالسلطان العربي على سواحل مكران وسواحل الخليج العربي بجانبيه . وقد كان يسمي المنازل والأماكن بأسمائها وينسبها متأكداًَ الى سكانها العرب . وإنه قد كان يذكر هذه البيوتات العربية ـ الأزدية والتميمية ـ التي حكمت مكران بلهجة المطمئن الى ما يقول فيما يورد ويصدر من التقريرات والأدلة التاريخية والجغرافية ولم يسرف ـ الأصطخري ـ في ذم القفس والقفص كما فعل أقرانه . ولقد عرف نسب الجلندريين ذوي الشأن الكبير في تاريخ الساحل العربي من جهة الأرض المكرانية . فأفدنا من علم ـ الأصطخري ـ ومن بعده في الجغرافية التاريخية فإنكشف لنا الوجود العربي في مكران . وفي الساحل الثاني من الخليج العربي على منطق من الواقع والدراية والمشاهدة مما لا يمكن الجدل فيه . ولقد علمت أن القبائل البلوشية المنحدرة من سلالات الجلندريين لا تزال في مواطنها الأولى أو قريباًَ من بلو?ستان ولكن أسمائها قد تبدلت وتغيرت وتحول إنتسابها من قبيلة الى قبيلة حتى إندمج أكثرها في قبيلة الرند المعروفة الواسعة الفروع وتوزع الآخرون وإنقسموا بين العشائر البلوشية ومن الحقائق التي لا يمكن أن تجحد ولها نور ساطع في صفحات التاريخ البلوشي . هي أن ـ القفس والقفص والبلوص ـ منذ زمن الذي كتب فيه ـ الأصطخري ـ كتابه حتى الآن . وهم يصرحون بإنتسابهم العربي . ويصرون على إرتباطهم بالعرب . ولا زالوا منذ القرون البعيدة التي سبقت ظهور الإسلام الى كل القرون التي تلت ذلك وهم يذكورن آباءهم العرب . ولم يستطع أي مؤرخ من الذين تحدثوا عن ـ القفس و القفص والبلوص ـ أن يتجاهل رجوع هؤلاء الناس الى أمة العرب كلما سألهم سائل عن منابت أصولهم وعن منشأ عروقهم . وكلما تعرضوا للتحدي والمفاخرة فإنهم يعودون الى التمسك بآبائهم الأولين في أرض الجزيرة العربية . فما فتئ البلوش وهذه لهجتهم في كل عصر وفي كل جيل من الأجيال الى يومنا هذا يموت الرجل منهم غيظاًَ ويحترق دمه في قلبة وتيبس عروق جسمة من التألم والضجر إذا قيل له : أنت لست عربياًَ.
</font><font color=#cc0000>المصدر: بلوشستان ديار العرب للشيخ معن بن شناع العجلي الحكامي</font></p></font>