راك وولف
24-01-04 ||, 02:14 PM
<font color='#FF0000'>بسم الله الرحمن الرحيم
في قرية من القرى النائية البعيدة عن صخب الحياة الفانية يعيش رجل مع أبنائه الخمسة وابنتيه .. يقال بأن الرجل حازم جاد ذو عقل ومروؤة وبيان .. وفي جوار بيته يعيش أخيه مع ابنه وابنته أم فلان ..
صاحبنا الأول ربى أبنائه على الشهامة والكرم العربي الأصيل ، وعلّمهم – حسب ثقافته – تعاليم دينهم الحنيف ..
في يوم من الأيام ، طرق الباب رجلين غريبين .. فتح لهما الرجل العاقل ..
تفضلا على الرحب والسعة .. أحضَر لهما الشاي والقهوة والتمر الفاخر والحلوى قبل أن يسألهما عن حاجتهما ..
أكل الضيفان وشربا وارتويا من كرم هذا الرجل المِضياف الذي من شأن كرمه أنه لا يسأل أضيافه عن شيء قبل أن يُضيفهم .. بدأ صاحب البيت في الحديث الودي مع ضيفيه وأخذ يُسامرهما ويبُشّ في وجهيهما حتى طابت نفسيهما وأخذا يتكلمان بحرية وانشراح ..
نحن من مكان بعيد ليس لنا في هذه البلاد أحد ، وقد أخبرنا الناس عن كرمك وجودك وأخلاقك الإسلامية النبيلة ، ولذلك قصدناك من دون أهل البلد ..
حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً .. الدار داركم والمنزل منزلكم ، وإن لم تحملكم الأرض نحملكم فوق الرؤوس ..
جزاك الرب خيراً ، وبارك الرب فيك ، أنت فوق ما سمعنا أيها الرجل الكريم ..
في الحقيقة : كنا نطمع في البقاء عندكم ضيوفاً لثلاثة أيام ، نأمن عندكم ، فنقضي حاجتنا ، ونقصد بعدها وجهتنا وما خرجنا له من بلادنا ..
الدار داركم ، والبلاد بلادكم ، وأنتم في جوارنا وأماننا ، لا يصل إليكم مكروه ، ولن نقصر في ما يقدّرنا الله عليه من خدمتكم ..
فليباركك الرب أيها الرجل الكريم ..
نادى الرجل أبناءه : أبنائي ، هؤلاء ضيفي ، وهم في جواري ، أعطيتهم عهدي ، فلا يصيبهم مكروه ، ولا يروا من أحد سوء ، فالله الله يا أحبائي ، فالنبي قد أوصى بالضيف ، وإكرام الضيف من سنن الأنبياء بدون مراء ..
ضيوفك ضيوفنا ، وأنت أبانا وولي أمرنا ، ستجدنا إن شاء الله لهم مُكرمين ، وبهم مُحتفين ، فكن مطمئنا ، ولا تحملن همّا ..
دخل الضيفان دار الضيافة ، وناما قريري العين ساعة ، ثم قاما من النوم وقد غربت الشمس ، وأطل الليل ..
أراد أحد الأبناء أن يوقض الأضياف لصلاة العشاء ، وقد حمل معه للوضوء الماءَ ، ولما وصل قرب الباب سمع من ضيوف أبيه كلام لم يعهده ، وأصوات لم يألفها !! ومن باب الفضول : وقف يستمع لهما ..
لم يفهم شيئا .. أراد أن يدير ظهره ويذهب ، فليس من المروؤة التنصت من خلف الأبواب .. ولكن ، فجأة .. سمع شيء غريباً شدّه !!
إسم فتاة !!
جارته ..
ماذا !!
ابنة عمه !!
..... ماذا !!
..... لا .. لا .. لا يمكن ....
خطّة تُدبّر في الظلام وخلف أبواب مُغلقة للنيل من عرض ابنة عمّه .. !!
خطة تُدبّر في بيته لهتك عِرضه !!
انسحب الشاب بحذر ، ودخل غرفة أخيه الأصغر في وجَل : قم يا رجل .. قم فالوقت ليس وقت كسل !!
ما الخطب يا أخي .. أفزعتني وأقضضت مضجعي !!
تعال واسمع .. فليس هذا هو الفزع !!
ما الخطب .. أريد أن أنام .. عندي دوام ..
هزّه أخوه هزّة عنيفة ، : عِرضنا في خطر ، ابنة عمنا العفيفة يراد بها الضرر !!
هاه .. ماذا !! فرك الشاب عينيه وقام مع أخيه من لحظته واتجها نحو الباب .. الخطة ما زالت قيد النقاش .. سطو مسلّح وقتل لابن عمهما وتقييد للعم ثم هتك عرض ابنة أخ أبيهما !!!
لم يتمالك الأخ الأصغر نفسه .. اقتحم على الضيفين الغرفة ، أمسك بتلابيب رجل ، وقام الأخ الثاني بلكم الآخر في وجهه ..
أخذ الضيفان في الصراخ : إلحقونا .. إلحقونا .. يا فلان (لصاحب البيت) .. يا فلان ..
خرج الأب من غرفته صعقاً .. وكذا بقية أبنائه .. رأى المشهد .. ما هذا !! لا .. لا .. ليس هؤلاء أبنائي !! أيُعقل أن يُهان ضيفي في بيتي !! وممن !! من أبنائي !!
أبي .. أبي .. هذان الرجلان يريدان ....
أُسكت ، لا أبا لك ..
أمر الأب أبناءه الثلاثة بالإمساك بأخويهما والزج بهما في قبو البيت بعد تقييدهما ، ففعلا ، وكيف لا وطاعة الوالد فرض عين عليهم ..
اعتذر الأب للضيفين وأبدى الخجل ، وقال على عجل : لا أدري ما أقول !! لم أعهد منهما هذا التصرف من قبل !! لا أدري ، لعلهما أصيبا بالمس أو بالجنون !!
أنا .... أنا ... لا أعرف كيف أعتذر .... أرجوكما إبقيا في ضيافتي ، ولكما عهد الله وميثاقه أن لا يتكرر ما حصل ..
خرج الأب من غرفة الضيافة بعد أن اطمأن على الضيفين ، واتجه بوجه عبوس – مع أبناءه الثلاثة – إلى القبو حيث ابنيه .. اقتحم الباب مغضباً : الشرر يتطاير من عينيه ، ابن خلفه وابنان بجانبيه والآخران يرسفان في القيود ..
ما لكما أيها السفيهين !! أهذا ما تعاهدنا عليه !! أهذا إكرام الضيف !! أهكذا علمنا ديننا الحنيف !! أنتم من دون إخوانكم تعرفون حق الضيافة يا من أطلقتم اللحى وقصّرتم الثياب للنظافة !!
أبي : هذان ليسا ضيفان بل مُجرمان يريدان بنا السوء .. لقد سمعتهما بأُذني يخططان لاقتحام بيت أخيك ليقتلا ابن عمي ويهتكا عرض ابنة عمي بعد أن يقيدا عمي !! أبي : أدرك عرضنا قبل أن لا يُبقياه لنا !!
أنت سمعتهما بأُذنيك !!
نعم يا أبي ..
ماذا أفعل !! هؤلاء ضيوفي ، وذاك أخي !!
أخذ الأب يفكّر ، ويفكّر ، ويقيس في عقله ويُدبّر ، ثم قال : لا يتحدث الناس أني غدرت بضيفي من أجل أخي !!
أبي .. ماذا تقول !! العرض يا أبي !! ابنة عمي !!
أُسكت ، لا أبا لك .. أنا أعلم منك وأدرى بمآلات الأمور .. لي غَيْره من الإخوة ، ولكن الضيف ، الضيف يا بني ، الضيف في ديننا له شأن عظيم ، إذا أنا أخفرت بضيفي فماذا سيحلّ بسمعتي !! تجارتي !! وزني وقيمتي في قريتي !!
يا أبي : هؤلاء ليسوا ضيوف !! هؤلاء مجرمون لم يأتوا لضيافة وليس لهم حق علينا ، بل الواجب أن نردعهم قبل فوات الأوان ..
أحكما القيد يا أبنائي ولا تفكّاه حتى تنجلي هذه الأيام ويغادرنا ضيوفنا ، ويشهد الناس باننا نحن الكرام !!
نام القوم ، والأخَوان لم يكونا نيام ..
أمن الضيفان ، فقفزا الجدار إلى دار العم ، قتلا الأخ ، وأحكما قيد الأب ، وأخذا البنت إلى الدار فهتكا العرض مرّة بعد مرّة ومرّة ..
لم يتحمل أبناء عمها صريخها ، قطع أحدهما يده ليفك عنه قيده ثم على الجدار وانقض على أحدهما فكسر ساقه ، ولكنهما اجتمعا عليه فقيّداه وأرجعاه إلى بيت أبيه يشتكيان سوء المعاملة وما لقياه !!
ما هذا الإبن يا رجل !! لماذا لا يتركنا وشأننا !!
لقد أحكمتُ قيده مع أخيه فكيف انفك عنه !!
أتعتدي على أضيافي يا ولد !! لأُوسعنّك ضرباً ولكماً وشتماً !!
أبي : قتلا ابن أخيك ، وهتكا عرض ابنة عمي ، وعمي الآن يرسف في أغلاله في بيته !!
ما لك أنت وهذا كلّه !! أنا ولي أمر هذا البيت .. لا ينفذ هنا إلا حُكمي .. هما في جواري وقد اعتديا على أخي ، فما لك أن وكل هذا !!
لكنها ابنة عمي ، وهي عرضي وشرفي !!
اسكت يا غبي !! هي ابنة أخي ..
والتفت الأب إلى أحد أبنائه ، فقال : أنت أخوهم الأكبر ، أتسكت عن كل هذا ، ألهذا أرسلتك للدراسة في كلية الشريعة ، أين شهاداتك وتعليمك في مثل هذا الوقت ، سأذهب بالعشاء لضيفي ولا أرجع إلا وقد أقنعتهما بالحق !!
أنا يا أبي لا أتكلّم في حضرتك إلا بإذنك ، فالله حضنا على بر الوالدين وطاعتهما واحترامهما ..
تعال تكلّم .. بيّن لهما كبير خطأهما وعظيم زللهما ..
وخرج الاب ..
إخوتي الأحبة : إن من حق أبي علينا السمع والطاعة ، فهو ولي أمرنا والمتفضّل علينا بماله ووقته وجهده ، فلا يجوز لكما شرعاً مخالفته ، ومثل هذه الأُمورر إنما تُترك له ، يُعمل فيها عقله ويرى فيها المصلحة بحكم خبرته وتجربته ..
ماذا تقول يا أخي ، بالله عليك فك عنا القيد ، أنت درست الشريعة وتعلم أن الحفاظ على العرض مقدّم على حق الضيف أو الجار أو الوالدين .. يا أخي : ألا تسمع صريخ ابنة عمّك !! ابنة عمّك تستنجد بنا .. فك عنّا القيد ولا تضيّع الوقت ..
إخوتي .. أحبتي .. ماذا أقول لكما !! وكيف أبيّن جهلكما !! أقول ، وبالله أستعين : هناك عالم من علماء المسلمين في قرية من القرى النائية في الصين ، لا يعرفه إلا القليل من العلماء ، يقول : بأن طاعة الأب في مثل هذه الظروف مقدّم على العرض ، وهذا العالم عاش للحظات بسيطة بعد أن تأهل للإفتاء فأفتى بهذه الفتوى ومات ، فلا يعرف إسمه غيرنا ، ومخطوطته عند بعض العلماء في جامعتنا لا يطّلع عليها إلا النوابغ من تلاميذنا ، وهذا بمثابة إجماع من هؤلاء ، فاتقيا الله ولا تُفتيا بغير علم !!
يا أخي : لا نعرف ما تقول ، فك عنا القيود ، فالعلماء الذين نعرفهم أجمعوا على أن العرض مقدّم في مثل هذه الظروف ، فاتقي الله وكف عنا هذا الهذيان ، فك قيودنا ودعنا ندافع عن عرض ابنة عمنا !!
إخوتي الأحبة : أنا درست في كلية الشريعة ، وتعلّمنا بأن حق الجوار عظيم لا يمكن تجاهله ، وقد أعطاهما أبي وولي نعمتي الأمان ، فكيف أسمح لكما بالنيل منهما !! راجعا أنفسكما ، وصححا معلوماتكما فإن شأن العهد والأمان في الدين عظيم ..
يا أخي : شأن الأمان عظيم ولكن ليس على حساب الدم والعرض ، نحن نتكلّم وابنة عمنا تتأوه .. اتقي الله وفك عنا القيود ..
قال الأخ ، وبكل برود : هذا يا إخواني في التفكير جمود .. الحق ما قال أبي وولي نعمتي .. أنا إن فككتكما فمن يدفع لي قسط سيارتي !!
أتفكر في السيارة في مثل هذه الظروف !! ألا تخاف الله !! أكاد أُجن .. أين الشريعة التي درستَها ، والعلم الذي تعلّمتَه !! عرضُك يا أخي يُستباح وأنت تفكر في أقساط السيارة يا "برغوث" !! فك عنا القيد يا "ديّيوث" ..
لا حول ولا قوة إلا بالله ، أتتهماني بالدياثة وأنا من أولياء الله !! ألم تتعلما حق العلماء ومكانتهم في الإسلام ، هذا نتاج من لم يدرس الشريعة في الجامعات ، يقلّب الصفحات ويقرأ من كتب السلف بلا مراجعات ، إتقوا الله واعلموا أنه وصّى بنا نحن معاشر العلماء ، وحذّر الشرع من فعلكما ، فعل السفهاء !!
لا يُعجزنا الرد عليك ، ولكننا لا نتحمّل صراخ ابنة عمنا ، فك عنا القيد وخذ من المكانة ما تريد ، فك عنا القيد يا أخي فهؤلاء لم يأتيا لابنة عمنا فقط ، بل جارتنا وأخواتنا ، ففك عنا قيدنا ..
سبحان الله ، هل تعلمان الغيب !! إتقوا الله ولا ترميا ضيوف أبي بهذه التُّهم ، فأبي لا يستضيف المجرمين !!
ماذا نقول !! ألا تسمع صراخ ابنة عمّك !! ابن عمّك يغوص في دمه ، وعمّك مكبّل في بيته وأنت تدافع عن ضيفيْ أبيك !! هل هذا معقول !! كنا والله نظن ان لك عقلاً !! الآن عرفنا مدى خوفك من قطع رزقك !! أتخشى أبي ، فالله احق أن تخشاه يا أخي ..
اتقي الله ..
اتقي الله ..
وفي هذه اللحظات سمع الإخوة صراخ جارتهم ، "جورج" و "طوني" ضيفا أبوهم دخلا بيت الجيران وهتكا عرض الجارة بعد أن قتلا زوجها وابنيها ..
ماذا تقول يا أخانا بعد أن سمعت ما سمعت !! ألا زلت تدافع عنهما ، وتقف في صف أبيك !!
لا أفعل أو أقول سيئاً حتى أُراجع أبي ، فهو ولي أمري ونعمتي ، انتظرا حتى أستشيره ثم أعود إليكما بالخبر اليقين !!
وعند ذهاب الأخ : هرب أحد الإخوة بعد أن فك قيده ..
رجع "الشيخ" ، وقال : أبي على سابق عهده ، يراعي حق الضيف ولا يسعه إلا إكرامهما على حسب أعرافنا وتقاليدنا الموروثة عن ديننا ، فهذا هو عين الحق الوصواب !! أين اخوك !!
لم يُجبه ..
رجع الأب إلى الغرفة ، وقال : ماذا تقول فيهما يا شيخ (وهو ينظر إلى ابنه الكبير) !! أين أخوه !!
لا أعلم يا أبي !!
ما تقول في هذا المخبول !!
أرى يا أبي أن يتوب إلى الله ويراجع نفسه ، فهو من أهل الجهل والتنطّع في الدين .. أرى يا أبي أن يُستتاب ويرجع إلى رشده بالنقاش والحوار الهادف ، ويجب يا أبي –كما روّع ضيفيك – أن يعلن توبته من هذا الجهل أمامهما ، وإن لم يفعل نمكن الضيفان من عرض أخواته أمام عينه ..
بارك الله لك وبارك في علمك يا بنيّ .. هلا تعلمت من أخيك يا جاهل ، هذا هو العلم لا ما أنت فيه من ضلال يا سافل ..
على ما استقر رأيك !!
تاب الأخ حفاظاً على عرض اخواته ، واستمر الضيفان في هتك عرض جاراته ، والأب لا زال يستضيفهما ، والأخ الشيخ نال قسط سيارته ، وباقي الإخوة في شغل عن كل هذا إلا الأخ الهارب الذي أخذ مكانه في القرية يتربص لضيوف أبيه والكل عنه يبحث وله طالب ، وأهل القرية قد تشتتوا للبحث عن الرزق في كل مكان .. والله المستعان .</font>
في قرية من القرى النائية البعيدة عن صخب الحياة الفانية يعيش رجل مع أبنائه الخمسة وابنتيه .. يقال بأن الرجل حازم جاد ذو عقل ومروؤة وبيان .. وفي جوار بيته يعيش أخيه مع ابنه وابنته أم فلان ..
صاحبنا الأول ربى أبنائه على الشهامة والكرم العربي الأصيل ، وعلّمهم – حسب ثقافته – تعاليم دينهم الحنيف ..
في يوم من الأيام ، طرق الباب رجلين غريبين .. فتح لهما الرجل العاقل ..
تفضلا على الرحب والسعة .. أحضَر لهما الشاي والقهوة والتمر الفاخر والحلوى قبل أن يسألهما عن حاجتهما ..
أكل الضيفان وشربا وارتويا من كرم هذا الرجل المِضياف الذي من شأن كرمه أنه لا يسأل أضيافه عن شيء قبل أن يُضيفهم .. بدأ صاحب البيت في الحديث الودي مع ضيفيه وأخذ يُسامرهما ويبُشّ في وجهيهما حتى طابت نفسيهما وأخذا يتكلمان بحرية وانشراح ..
نحن من مكان بعيد ليس لنا في هذه البلاد أحد ، وقد أخبرنا الناس عن كرمك وجودك وأخلاقك الإسلامية النبيلة ، ولذلك قصدناك من دون أهل البلد ..
حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً .. الدار داركم والمنزل منزلكم ، وإن لم تحملكم الأرض نحملكم فوق الرؤوس ..
جزاك الرب خيراً ، وبارك الرب فيك ، أنت فوق ما سمعنا أيها الرجل الكريم ..
في الحقيقة : كنا نطمع في البقاء عندكم ضيوفاً لثلاثة أيام ، نأمن عندكم ، فنقضي حاجتنا ، ونقصد بعدها وجهتنا وما خرجنا له من بلادنا ..
الدار داركم ، والبلاد بلادكم ، وأنتم في جوارنا وأماننا ، لا يصل إليكم مكروه ، ولن نقصر في ما يقدّرنا الله عليه من خدمتكم ..
فليباركك الرب أيها الرجل الكريم ..
نادى الرجل أبناءه : أبنائي ، هؤلاء ضيفي ، وهم في جواري ، أعطيتهم عهدي ، فلا يصيبهم مكروه ، ولا يروا من أحد سوء ، فالله الله يا أحبائي ، فالنبي قد أوصى بالضيف ، وإكرام الضيف من سنن الأنبياء بدون مراء ..
ضيوفك ضيوفنا ، وأنت أبانا وولي أمرنا ، ستجدنا إن شاء الله لهم مُكرمين ، وبهم مُحتفين ، فكن مطمئنا ، ولا تحملن همّا ..
دخل الضيفان دار الضيافة ، وناما قريري العين ساعة ، ثم قاما من النوم وقد غربت الشمس ، وأطل الليل ..
أراد أحد الأبناء أن يوقض الأضياف لصلاة العشاء ، وقد حمل معه للوضوء الماءَ ، ولما وصل قرب الباب سمع من ضيوف أبيه كلام لم يعهده ، وأصوات لم يألفها !! ومن باب الفضول : وقف يستمع لهما ..
لم يفهم شيئا .. أراد أن يدير ظهره ويذهب ، فليس من المروؤة التنصت من خلف الأبواب .. ولكن ، فجأة .. سمع شيء غريباً شدّه !!
إسم فتاة !!
جارته ..
ماذا !!
ابنة عمه !!
..... ماذا !!
..... لا .. لا .. لا يمكن ....
خطّة تُدبّر في الظلام وخلف أبواب مُغلقة للنيل من عرض ابنة عمّه .. !!
خطة تُدبّر في بيته لهتك عِرضه !!
انسحب الشاب بحذر ، ودخل غرفة أخيه الأصغر في وجَل : قم يا رجل .. قم فالوقت ليس وقت كسل !!
ما الخطب يا أخي .. أفزعتني وأقضضت مضجعي !!
تعال واسمع .. فليس هذا هو الفزع !!
ما الخطب .. أريد أن أنام .. عندي دوام ..
هزّه أخوه هزّة عنيفة ، : عِرضنا في خطر ، ابنة عمنا العفيفة يراد بها الضرر !!
هاه .. ماذا !! فرك الشاب عينيه وقام مع أخيه من لحظته واتجها نحو الباب .. الخطة ما زالت قيد النقاش .. سطو مسلّح وقتل لابن عمهما وتقييد للعم ثم هتك عرض ابنة أخ أبيهما !!!
لم يتمالك الأخ الأصغر نفسه .. اقتحم على الضيفين الغرفة ، أمسك بتلابيب رجل ، وقام الأخ الثاني بلكم الآخر في وجهه ..
أخذ الضيفان في الصراخ : إلحقونا .. إلحقونا .. يا فلان (لصاحب البيت) .. يا فلان ..
خرج الأب من غرفته صعقاً .. وكذا بقية أبنائه .. رأى المشهد .. ما هذا !! لا .. لا .. ليس هؤلاء أبنائي !! أيُعقل أن يُهان ضيفي في بيتي !! وممن !! من أبنائي !!
أبي .. أبي .. هذان الرجلان يريدان ....
أُسكت ، لا أبا لك ..
أمر الأب أبناءه الثلاثة بالإمساك بأخويهما والزج بهما في قبو البيت بعد تقييدهما ، ففعلا ، وكيف لا وطاعة الوالد فرض عين عليهم ..
اعتذر الأب للضيفين وأبدى الخجل ، وقال على عجل : لا أدري ما أقول !! لم أعهد منهما هذا التصرف من قبل !! لا أدري ، لعلهما أصيبا بالمس أو بالجنون !!
أنا .... أنا ... لا أعرف كيف أعتذر .... أرجوكما إبقيا في ضيافتي ، ولكما عهد الله وميثاقه أن لا يتكرر ما حصل ..
خرج الأب من غرفة الضيافة بعد أن اطمأن على الضيفين ، واتجه بوجه عبوس – مع أبناءه الثلاثة – إلى القبو حيث ابنيه .. اقتحم الباب مغضباً : الشرر يتطاير من عينيه ، ابن خلفه وابنان بجانبيه والآخران يرسفان في القيود ..
ما لكما أيها السفيهين !! أهذا ما تعاهدنا عليه !! أهذا إكرام الضيف !! أهكذا علمنا ديننا الحنيف !! أنتم من دون إخوانكم تعرفون حق الضيافة يا من أطلقتم اللحى وقصّرتم الثياب للنظافة !!
أبي : هذان ليسا ضيفان بل مُجرمان يريدان بنا السوء .. لقد سمعتهما بأُذني يخططان لاقتحام بيت أخيك ليقتلا ابن عمي ويهتكا عرض ابنة عمي بعد أن يقيدا عمي !! أبي : أدرك عرضنا قبل أن لا يُبقياه لنا !!
أنت سمعتهما بأُذنيك !!
نعم يا أبي ..
ماذا أفعل !! هؤلاء ضيوفي ، وذاك أخي !!
أخذ الأب يفكّر ، ويفكّر ، ويقيس في عقله ويُدبّر ، ثم قال : لا يتحدث الناس أني غدرت بضيفي من أجل أخي !!
أبي .. ماذا تقول !! العرض يا أبي !! ابنة عمي !!
أُسكت ، لا أبا لك .. أنا أعلم منك وأدرى بمآلات الأمور .. لي غَيْره من الإخوة ، ولكن الضيف ، الضيف يا بني ، الضيف في ديننا له شأن عظيم ، إذا أنا أخفرت بضيفي فماذا سيحلّ بسمعتي !! تجارتي !! وزني وقيمتي في قريتي !!
يا أبي : هؤلاء ليسوا ضيوف !! هؤلاء مجرمون لم يأتوا لضيافة وليس لهم حق علينا ، بل الواجب أن نردعهم قبل فوات الأوان ..
أحكما القيد يا أبنائي ولا تفكّاه حتى تنجلي هذه الأيام ويغادرنا ضيوفنا ، ويشهد الناس باننا نحن الكرام !!
نام القوم ، والأخَوان لم يكونا نيام ..
أمن الضيفان ، فقفزا الجدار إلى دار العم ، قتلا الأخ ، وأحكما قيد الأب ، وأخذا البنت إلى الدار فهتكا العرض مرّة بعد مرّة ومرّة ..
لم يتحمل أبناء عمها صريخها ، قطع أحدهما يده ليفك عنه قيده ثم على الجدار وانقض على أحدهما فكسر ساقه ، ولكنهما اجتمعا عليه فقيّداه وأرجعاه إلى بيت أبيه يشتكيان سوء المعاملة وما لقياه !!
ما هذا الإبن يا رجل !! لماذا لا يتركنا وشأننا !!
لقد أحكمتُ قيده مع أخيه فكيف انفك عنه !!
أتعتدي على أضيافي يا ولد !! لأُوسعنّك ضرباً ولكماً وشتماً !!
أبي : قتلا ابن أخيك ، وهتكا عرض ابنة عمي ، وعمي الآن يرسف في أغلاله في بيته !!
ما لك أنت وهذا كلّه !! أنا ولي أمر هذا البيت .. لا ينفذ هنا إلا حُكمي .. هما في جواري وقد اعتديا على أخي ، فما لك أن وكل هذا !!
لكنها ابنة عمي ، وهي عرضي وشرفي !!
اسكت يا غبي !! هي ابنة أخي ..
والتفت الأب إلى أحد أبنائه ، فقال : أنت أخوهم الأكبر ، أتسكت عن كل هذا ، ألهذا أرسلتك للدراسة في كلية الشريعة ، أين شهاداتك وتعليمك في مثل هذا الوقت ، سأذهب بالعشاء لضيفي ولا أرجع إلا وقد أقنعتهما بالحق !!
أنا يا أبي لا أتكلّم في حضرتك إلا بإذنك ، فالله حضنا على بر الوالدين وطاعتهما واحترامهما ..
تعال تكلّم .. بيّن لهما كبير خطأهما وعظيم زللهما ..
وخرج الاب ..
إخوتي الأحبة : إن من حق أبي علينا السمع والطاعة ، فهو ولي أمرنا والمتفضّل علينا بماله ووقته وجهده ، فلا يجوز لكما شرعاً مخالفته ، ومثل هذه الأُمورر إنما تُترك له ، يُعمل فيها عقله ويرى فيها المصلحة بحكم خبرته وتجربته ..
ماذا تقول يا أخي ، بالله عليك فك عنا القيد ، أنت درست الشريعة وتعلم أن الحفاظ على العرض مقدّم على حق الضيف أو الجار أو الوالدين .. يا أخي : ألا تسمع صريخ ابنة عمّك !! ابنة عمّك تستنجد بنا .. فك عنّا القيد ولا تضيّع الوقت ..
إخوتي .. أحبتي .. ماذا أقول لكما !! وكيف أبيّن جهلكما !! أقول ، وبالله أستعين : هناك عالم من علماء المسلمين في قرية من القرى النائية في الصين ، لا يعرفه إلا القليل من العلماء ، يقول : بأن طاعة الأب في مثل هذه الظروف مقدّم على العرض ، وهذا العالم عاش للحظات بسيطة بعد أن تأهل للإفتاء فأفتى بهذه الفتوى ومات ، فلا يعرف إسمه غيرنا ، ومخطوطته عند بعض العلماء في جامعتنا لا يطّلع عليها إلا النوابغ من تلاميذنا ، وهذا بمثابة إجماع من هؤلاء ، فاتقيا الله ولا تُفتيا بغير علم !!
يا أخي : لا نعرف ما تقول ، فك عنا القيود ، فالعلماء الذين نعرفهم أجمعوا على أن العرض مقدّم في مثل هذه الظروف ، فاتقي الله وكف عنا هذا الهذيان ، فك قيودنا ودعنا ندافع عن عرض ابنة عمنا !!
إخوتي الأحبة : أنا درست في كلية الشريعة ، وتعلّمنا بأن حق الجوار عظيم لا يمكن تجاهله ، وقد أعطاهما أبي وولي نعمتي الأمان ، فكيف أسمح لكما بالنيل منهما !! راجعا أنفسكما ، وصححا معلوماتكما فإن شأن العهد والأمان في الدين عظيم ..
يا أخي : شأن الأمان عظيم ولكن ليس على حساب الدم والعرض ، نحن نتكلّم وابنة عمنا تتأوه .. اتقي الله وفك عنا القيود ..
قال الأخ ، وبكل برود : هذا يا إخواني في التفكير جمود .. الحق ما قال أبي وولي نعمتي .. أنا إن فككتكما فمن يدفع لي قسط سيارتي !!
أتفكر في السيارة في مثل هذه الظروف !! ألا تخاف الله !! أكاد أُجن .. أين الشريعة التي درستَها ، والعلم الذي تعلّمتَه !! عرضُك يا أخي يُستباح وأنت تفكر في أقساط السيارة يا "برغوث" !! فك عنا القيد يا "ديّيوث" ..
لا حول ولا قوة إلا بالله ، أتتهماني بالدياثة وأنا من أولياء الله !! ألم تتعلما حق العلماء ومكانتهم في الإسلام ، هذا نتاج من لم يدرس الشريعة في الجامعات ، يقلّب الصفحات ويقرأ من كتب السلف بلا مراجعات ، إتقوا الله واعلموا أنه وصّى بنا نحن معاشر العلماء ، وحذّر الشرع من فعلكما ، فعل السفهاء !!
لا يُعجزنا الرد عليك ، ولكننا لا نتحمّل صراخ ابنة عمنا ، فك عنا القيد وخذ من المكانة ما تريد ، فك عنا القيد يا أخي فهؤلاء لم يأتيا لابنة عمنا فقط ، بل جارتنا وأخواتنا ، ففك عنا قيدنا ..
سبحان الله ، هل تعلمان الغيب !! إتقوا الله ولا ترميا ضيوف أبي بهذه التُّهم ، فأبي لا يستضيف المجرمين !!
ماذا نقول !! ألا تسمع صراخ ابنة عمّك !! ابن عمّك يغوص في دمه ، وعمّك مكبّل في بيته وأنت تدافع عن ضيفيْ أبيك !! هل هذا معقول !! كنا والله نظن ان لك عقلاً !! الآن عرفنا مدى خوفك من قطع رزقك !! أتخشى أبي ، فالله احق أن تخشاه يا أخي ..
اتقي الله ..
اتقي الله ..
وفي هذه اللحظات سمع الإخوة صراخ جارتهم ، "جورج" و "طوني" ضيفا أبوهم دخلا بيت الجيران وهتكا عرض الجارة بعد أن قتلا زوجها وابنيها ..
ماذا تقول يا أخانا بعد أن سمعت ما سمعت !! ألا زلت تدافع عنهما ، وتقف في صف أبيك !!
لا أفعل أو أقول سيئاً حتى أُراجع أبي ، فهو ولي أمري ونعمتي ، انتظرا حتى أستشيره ثم أعود إليكما بالخبر اليقين !!
وعند ذهاب الأخ : هرب أحد الإخوة بعد أن فك قيده ..
رجع "الشيخ" ، وقال : أبي على سابق عهده ، يراعي حق الضيف ولا يسعه إلا إكرامهما على حسب أعرافنا وتقاليدنا الموروثة عن ديننا ، فهذا هو عين الحق الوصواب !! أين اخوك !!
لم يُجبه ..
رجع الأب إلى الغرفة ، وقال : ماذا تقول فيهما يا شيخ (وهو ينظر إلى ابنه الكبير) !! أين أخوه !!
لا أعلم يا أبي !!
ما تقول في هذا المخبول !!
أرى يا أبي أن يتوب إلى الله ويراجع نفسه ، فهو من أهل الجهل والتنطّع في الدين .. أرى يا أبي أن يُستتاب ويرجع إلى رشده بالنقاش والحوار الهادف ، ويجب يا أبي –كما روّع ضيفيك – أن يعلن توبته من هذا الجهل أمامهما ، وإن لم يفعل نمكن الضيفان من عرض أخواته أمام عينه ..
بارك الله لك وبارك في علمك يا بنيّ .. هلا تعلمت من أخيك يا جاهل ، هذا هو العلم لا ما أنت فيه من ضلال يا سافل ..
على ما استقر رأيك !!
تاب الأخ حفاظاً على عرض اخواته ، واستمر الضيفان في هتك عرض جاراته ، والأب لا زال يستضيفهما ، والأخ الشيخ نال قسط سيارته ، وباقي الإخوة في شغل عن كل هذا إلا الأخ الهارب الذي أخذ مكانه في القرية يتربص لضيوف أبيه والكل عنه يبحث وله طالب ، وأهل القرية قد تشتتوا للبحث عن الرزق في كل مكان .. والله المستعان .</font>