هشام بن إبراهيم
20-11-03 ||, 05:47 PM
<font color='#810541'><span lang=ar-sa dir=rtl style="font-size: 13.5pt; font-family: 'times new roman'; mso-bidi-language: ar-sa; mso-ascii-font-family: verdana; mso-fareast-font-family: 'times new roman'; mso-hansi-font-family: verdana; mso-ansi-language: en-us; mso-fareast-language: en-us">
<font color=#990000>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هذه اول مصافحة لي في تلك الواحة وأتمنى ان تحوز على إعجابكم .
ولكن هناك سؤال وأتمنى أن يجاب بعد قراءة القصة .
*******من هو الحب؟ *******</font><font color=#000000>
************************************************** ****************************************
هو جميل بن عبدالله بن معمر العذري ، يتصل نسبه بقضاعة .
إشتهر باسم جميل بثينة ، وهي بثينة بنت حبأ العذرية ، كان يهواها فنسب إليها .
وكان جميل فتى من فتية العرب الشجعان وشاعرا من شعرائهم ، يروي أحدهم عنه : " إنا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين طوال يقود راحلة عليها بزة حسنة ، فقال عبدالرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن أزهر : يا أبا جبير ، هذا جميل ، فادعه لعله ينشدنا ، فصاح به عبدالرحمن : هيا جميل ، هيا جميل ، فالتفت فقال : قد علمت أنه لا يجترئ علي إلا مثلك" .
وهذا يعني أن جميل بن عبدالله بن معمر كان فتى معتمدا بنفسه يعنى بمظهره الدال على غنى ةفتوة وجمال .
وجميل شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية ، كان راوية هدبة بن خشرم ، وكان هدبة شاعرا راوية للحطيئة ، وكان الحطيئة شاعرا راوية لزهير وابنه .
وكان كثير راوية جميل ، وقلما استنشد إلا بدأ به وأنشد له ثم أنشد لنفسه ، وكان يفضله ويتخذه إماما ، وكان نصيب يقول : " وهل وطأ لنا النسيب إلا جميل ! وكثيرا ما قال شعراء الغزل عنه : ذاك إمام المحبين ، وهل هدى الله عز وجل إلا به" .
وسرق بعض الشعراء الكثير من شعره ، فيروى أن الفرزدق لقي كثيرا بقارعة البلاط ، فقال له : " يا أبا صخر ، أنت أنسب الناس حين تقول :
<font color=#cc3333>أريد لأنسى ذكرها فكأنما .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>تمثل لي ليلى بكل سبيل
</font>
يعرض له بسرقته من جميل : فقال له كثير : " وأنت يا ابا فراس أفخر الناس حين تقول" :
<font color=#cc3333>ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا .. وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
</font>
يعرض له بسرقته من جميل .
وكان جميل معتداَبنفسه وبقومه ، وطالما فخر بذلك ، ومن فخرق :
<font color=#cc3333>يحب الغواني البيض ظلَ لوائنا .. إذا ما أتانا الصارخ المتلهِف
فأي معد كان فيء رماحه .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>كما قد افأنا ، والمفاخر ينصف
إذا استبق الأقوام مجداً و جدتنا .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>لنا مغرفا مجدٍ وللناس مغرَف
</font>
وفي الفترة الاولى من شبابه ، كان جميل فتىً لاهياً يهتم بمظهره واناقته وكان لأهله غنى ومكانه ، والأمر الذي أهله لحياة اللهو ، يقصد الفتيات يجالسهن ويحادثهن ويشَبب بهن فيقول عن نفسه :
<font color=#cc3333> يقولون صب بالغواني موكَلٌ .. وهل ذاك من فعل الرجال بديع
وقالوا رعيت اللهو والمال ضائع .. فكالناس فيهم صالح و مضيع
</font> ومن اللواتي شبَب بهن أم الجسير ، فعنا يقول:
<font color=#cc3333> رسم دارٍ وقفْت في طله .... كدت أقضي الغداة من جيله
واقفاً في ديار أمِ جسير .... من ضحى يومه إلى أصُله
يا خليلي إن أمَ جسيرٍ .... حين يدنو الضجيج من غلله
روضةٌ ذاتُ حنوةٍ وخزامى .... جاد فيها الربيع من سبله
بينما هنَ بالأراك معاً .... إذا بدا راكبٌ على جمله
فتأطَرن ثم قلن لها .... أكرميه حيٍيت في نزله
فظللنا بنعمةٍ و اتكأنا .... وشربنا الحلال من قلله
وخليلٍ صافيت مرتضيا .... وخليلٍ فارقت من ملله
</font> وفي هذه الفترة ، كان الشاعر مالكا لإرادته يتصرف وفق ما يشتهي ويعتقد بأن في ظلم الحبيب لذة الدنيا ، فيقول :
<font color=#cc3333> ردِ لماء ما جاءت بصنعٍ ذنائبه... <span style="mso-spacerun: yes"> </span>ودعه إذا خيضت بطرقٍ مشاربه
أعاتب من يحلو لديَ عتابه ... <span style="mso-spacerun: yes"> </span>أترك من لا <span style="mso-spacerun: yes"> </span> أشتهي و أجانبه
ومن لذة الدنيا ، وإن كنت ظالما ... عناقك مظلوماً ، و أنت تعاتبه
</font> وكان زوج أم الجسير شاعراَ يدعى جواس بن قطبة ، فتعرَض بالغزل إلى أخت جميل ، يكيده بذلك ، ومما قاله عنها:
<font color=#cc3333> إلى فخذيها العبلتين وكانتا ....... بعهدي لفَاوين أردفتا ثقلا
</font>
وغضب قوم جميل بسبب هذا الهجاء ، وقادهم غضبهم إلى اقتحام دار جزاس ليلاَ ، فضربوه امرأته أم الجسير ، ودارت معركة هجاء بين جاوس وأخيه قطبة من ناحية وبين جميل من ناحية ثانية .
واستمر جميل على هذه الحال ، إلى ان اقبل يوما بإبله حتى أوردها وادياً يقال له بغيض ، فاضطجع وأرسل إبله مصعدةً ، وأهل بثينة ، وهي أخت أم الجسير ، بذنب الوادي ، فأقبلت بثينة وجارةُ لها واردتين الماء فمرتا على فصال له باركة ، فنفرتهن بثينة ، وهي إذا ذاك جويرية صغيرة ، فسبها جميل فسبته ، فملح إليه سبابها ، فقال :
<font color=#cc3333> وأول ما قاد المودة بيننا .... بوادي بغيضٍ يا بثين سباب
وقلنا لها قولاُ فجاءت بمثله .... لكل كلامٍ ، يا بثين ، جواب
</font>
وبقيت صورة بثينة منطبعة في ناظري جميل إلى أن جاء يوم عيد ، فخرج جميل في ذاك اليوم ، والنساء إذ يتزين ويبدو بعضهن لبعض ويبدون للرجال ووقف قريبا من بثينة واختها أم الجسير في نساء من بني الأحب فرأى منهن منظرا جميلا ، واعجبنه ، وتأمل بثينة مليا واحس بيمل جارف إليها ، وسعى نحوهن وقعد معهن ، وكان معه فتيان من بني الأحب ، لاحظوا نظراته وعرفوا فيها حبَة لبثينة فأبدوا ظيقهم به ، فقال :
<font color=#cc3333> عجل الفراق و ليته لم يعجل <span style="mso-spacerun: yes"> </span>.. وجرت بوادر دمعك المتهلل
طربا وشاقك ما لقيت ولم تخف .. بين الحبيب غداة برقه مِجْول
وعرفت انك حين رحت ولم يكن.. بعد اليقين وليس ذاك بمشكل
لن تستطيع إلى بثينة رجعة .. بعد التفرق دون عامٍ مقبل
</font> وكانت بثينة قد مالت إلى جميل وأحبته . ولما علمت انه قد نسب بها ، وأنه يسعى إلى بقائها قررت أن تلقاه . فصار يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث إليها ومع اخواتها ، حتى نمي إلى رجالها أنه يزورها إذا خلا منهم . وكانو غضابا منه غيارا على إبنتهم فرصدوه بجماعة نحوٍ من بضعة عشر رجلا ، وجاء على الصهباء ناقته حتى وقف على بثينة وأختها ، وأخذ ينشدهما ، وبينما هو على تلك الحال ، وثب عليه القوم فرماهم بناقته فسبقت به ، وهو يقول :
<font color=#cc3333> إذا جمع الشنآن جمعاً رميتهم ..... بأركانها حتى تخلى سبيلها</font>
ولم تثن هذه الحالة العاشق الولهان عن طلب لقاء حبيبته فظل يسعى في سبيل ذلك ، بمختلف السبل ، فجاء ليلةً إليها وقد أخذ ثياب راع لبعض الحي ، فوجد عندها ضيفانا لها ، فانتبذ ناحية فسألته : من أنت؟ . فقال : مسكين ، فجلس وحده فعشت ضيفانها وعشته وحده . ثم جلست هي وجارية لها واضطجع القوم منتحين . فقال جميل :
<font color=#cc3333> هل البائس المقرور دانٍ فمصطلٍ ..... من النار أو معطى لحافاً فلابس
</font> فقالت لجاريتها : صوت جميل والله ! اذهبي فانظري ! ..
فرجعت إليها فقالت : هو والله جميل !
فشهقت شهقة سمعها القوم فأقبلوا يجرون وقالوا : ما لك ؟ فطرحت برداً لها في النار وقالت : إحترق بردي .
فرجع القوم . وأرسلت جاريتها إلى جميل ، فجاءتها به فجلسا يتحادثان .
وحاول رهط بثينة إبعادها عن جميل بأي طريقة ، فائتمنوا عليها عجوزاَ منهم يثقون بها يقال لها أم منظور ، فجاءها جميل ، فقال لها : يا ام منظور ، أيني بثينة . فقالت : لا ! والله لا أفعل ، قد ائتمنوني عليها . فقال : أو والله لأضرنك . فقالت : المضرة والله في أن أريكها ، فخرج من عندها يقول :
<font color=#cc3333> ما أنسى لا أنسى منها نظرةً سلفت .. بالحجر يوم جلتها أم منظور
و لا أنسلابتها خرساً جبائره .. إليَ من ساقط الاوراق مستور
</font>
فما كان إلا قليل حتى إنتها إلى رهطها هذان البيتان ، فتعلقوا بأن منظور ، فحلفت لهم بكل يمين فلم يقبلوا منها . فأخذوا بثينة وصاروا يراقبونها مراقبة شديدة.
وسمعت أمةٌ لبثينة إلى أبيها واخيها وقال لهما : إن جميلا عندها الليلة ؛ فأتياها مشتملين على سيفين ، فرأياه جالساً بعيداً عنها يحادثها ويشكو إليها حاله . ثم قال:
- يا بثينة ، أرأيت ودَي إياك وشغفي بك ألا تجزينه ؟
قالت : بماذا ؟
قال : بما يكون بين المتحابَين
فقالت له : يا جميل ، أهذا تبغي !؟ والله لقد كنت عندي بعيداً منه ، ولءن عاودت تعريضاً بريبةٍ لا رأيت وجهي أبداً .
فضحك وقال : والله ماقلت لك هذا الا لأعلم مالك عندك فيه ، ولو علمت انك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري ، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي ، ولو اطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الابد ، أو ما سمعت قولي :
<font color=#cc3333> وإني لأرضى من بثينة بالذي .. لو ابصر الواشي لقرت بلابله
بلى وبألا أستطيع و بالمنى .. وبالأمل المرجوَ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي .. أواخره لا نلتقي و أوائله
</font> فقال أبوها لأخيها : قم بنا ، فما ينبغي أن نتعرض له بسوء بعد ما سمعناه ورأيناه .
وظل جميل يحاول الوصول إلى بثينة ويقول الشعر فيها فقال أهلها : إنما يتبع جميل أمةً لنا . فواعد جميل بثية حين لقيها بموضع يقال له برقاء ، فتحادثا طويلا حتى أسحرا . ثم قال لها : هل لك أن ترقدي ؟ قالت :ما شئت ، وانا خائفة أن نكون قد أصبحنا ، فوسدها جانبه ثم أضطجعا ونامت ، فانسل واستوى على راحلته فذهب وأصبحت في مضطجعها ، وفوجئ بها القوم راقدةً في ذلك المكان ، فقال :
<font color=#cc3333> فمن يك في حبي بثينة يمتري .. فبرقاء ذي ضالٍ علي شهيد
</font>
فلما انتبهت بثينة علمت ما أراده جميل بها ، فهجرته وآلت ألا تظهر له ، فقال :
<font color=#cc3333>ألا هل إلى إمامةٍ أن ألمَها ... ببثنة يوماً في الحياة سبيل
فإن هي قالت : لا سبيل ، فقل لها ... عناءٌ على العذري منك طويل
علي حين يسلو الناس عن طلب الصَبا ... وينسى اتباع الوصل منه خليل
</font>
وبلغه الوشاة انها أحبت حجنة الهلالي ، فحاول حميل أن ينساها بالتحدث إلى غيرها فعلمت بذلك ، فغضبت منه ، وساد الهجر بينهما ، فقال :
<font color=#cc3333> بينا حبالٌ ذات عقدٍ لبثنةٍ ... أُتيح لها بعض الغواة فحلَها
فعدنا كأنَا لم يكن بيننا هوىً... وصار الذي حلَ الحبال هوىً لها
وقالوا نراها يا جميل تبدَلت.. وغيَرها الواشي فقلت : لعلها
</font>
وكان يتردد بين الشك واليقين ، ويصرَح أنه لا يملك عنها سوى الظنون :
<font color=#cc3333> والله ما للقلب من علم بها ..... غير الظنون وغير قول المخبر
</font> وقال ، طالبا منها أن توضح موقفها :
<font color=#cc3333> يا بثن إن واصلت حجنة فاصرمي ... حبالي ، وإن صارمته فصليني
ولا تجعليني أسوة العبد واجعلي ... مع العيد عبداً مثله و ذريني
</font> ورفض أن يشاركه أحدٌ في حبها ، فقال :
<font color=#cc3333>وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... رديفا لوصلٍ أو علي رديف
وأشرب رنقاً منك بعد مودَةٍ ... وأرضى بوصلٍ منك وهو ضعيف
وإني للماء المخالط للقذى ... إذا كثرت ورَاده لعيوف
</font> ويبدو هذا الجفاء بين الحبيبين فرصةً للأهل فلبوا طلب نُبيْهٍ الذي تقدَم إليهم يريد الزواج منها ... وعندما تزوجت بثينه نبيهاً قال جميل:
<font color=#cc3333> لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي .... بثينة ، و أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني .... لأقسم مابي عن بثينة من مهل
أحلماً فقبل اليوم كان أوانه.... أم اخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
لقد أنكحوا جهلا نبيهاً ظعينةً .... لطيفة طيٍ البطن ذات شوىً خدل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها .... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها .... ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
أجدِي لا ألقى بثينة مرةً .... من الدهر إلا خائفاً أو على رحل
خليليَ فيما عشتما هل رأيتما .... قتيلاً بكى من حبٍ قاتـله قبلي
</font> وصار جميل يحوال أن يزور بثينة في بيت زوجها فشكاه أهلها للسلطان فطلب إليه ألا يلمَ بأبياتها وأهدر دمه لهم إن عاود زيارته ، فاحتبس حينئذٍ ، ضاقت أثنائها الدنيا به ، فكان يصعد بالليل على أكمة رمل ينسَم الريح من نحو حيِها ويقول:
<font color=#cc3333>أيا ريح الشمال أما تريني ... أهيم وإنني بادي النحول
هبي لي نسمةً من ريح بثنٍ ... ومُنِي بالهبوب على جميل
وقولي يا بثينة حسبُ نفسي ... قليلُك أو أقلَ من القليل
</font>
فإذا بدا وضحُ الصبح انصرف . وكانت بثينة تقول لجوارٍ من الحيٍ عندها :
- ويْحكُنَ إني لأسمع أنين جميل ..
فقيلن لها : اتقي الله ! فهذا شيء يخيِله لك الشيطان لا حقيقة له . ولما نذر أهل بثينة دم جميل وأباحهم السلطان قتله ، أعذروا إلى أهله. فمشت مشيخة الحي إلى أبيه ، وكا يلقب صباحاً وكان ذا مالٍ وفضلٍ وقدرٍ في أهله ، فشكوه إليه وناشدوه الله والرحم ، وسألوه كفِ ابنه عماً يتعرض له ويفضحهم به في فتاتهم ، فوعدهم كفَه ومنعه ما استطاع ، ثم انصرفوا . فدعا به فقال له :
- يا بني ! حتى متى أنت مستمر في ضلالك .. ، ما أعرف أخيب سهماً ولا أضيع عمراً منك . فأنشدك الله إلا كففت وتأملت أمرك ، فإنك تعلم إي ما قلته حق ، ولو كان إليها سبيل لبذلت ما أملكه فيها ، ولكن هذا أمر قد فات ، وفي النساء عوض .
فقال له جميل : الرأي ما رأيت ، فهل رأيت قبلي أحداً قدر أن يدفع عن قلبه هواه او ملك أن يُسلى نفسه ، أو استطاع أن يدفع ما قضي عليه ! والله لو قدرت أن امحو ذكرها من قلبي أو ازيل شخصها عن عيني لفعلت ، ولكن لا سبيل إلى ذلك وإنما هو بلاء بليت به ... ، وأنا أمتنع من طروق هذا الحي والإلمام بهم ولو مت كمداً ، وهذا جهدي ومبلغ ما أقدر عليه .
وقام وهو يبكي ، فبكى أبوه ومن حضر جزعاً لما رأوه منه ، وفي ذلك يقول جميل :
</font><font color=#cc3333>ألا من لقلبٍ لا يمل فيذهل ....</font></span><span lang=ar-sa dir=rtl style="font-size: 10pt; font-family: 'times new roman'; mso-bidi-language: ar-sa; mso-ascii-font-family: verdana; mso-fareast-font-family: 'times new roman'; mso-hansi-font-family: verdana; mso-ansi-language: en-us; mso-fareast-language: en-us"><font color=#cc3333> </font></span><span lang=ar-sa dir=rtl style="font-size: 13.5pt; font-family: 'times new roman'; mso-bidi-language: ar-sa; mso-ascii-font-family: verdana; mso-fareast-font-family: 'times new roman'; mso-hansi-font-family: verdana; mso-ansi-language: en-us; mso-fareast-language: en-us"><font color=#000000><font color=#cc3333>أفق فالتعزي عن بثينة أجمل
سلا كل ذي ودٍ علمتُ مكانه .... وأنت بها حتى الممات موكل
فما هكذا أحببت من كان قبلها .... ولا هكذا في ما مضى كنت تفعل
وإن التي أحببت قد حيل دونها .... فكن حازماً ، و الحازمُ المتحول
</font> ولكن هذا التجلد من جميل لم يدم طويلاً ، فإذا به يقول في قصيدة أخرى :
<font color=#cc3333>وآخرُ عهدي من بثينة نظرةٌ ... على موقفٍ كادت من البين تقتل
فلله عينا من رأى مثل حاجةٍ ... كتمْـتُـكِها ، والنفس منها تململ
إذا ما كررْت الطرف نحوك رده... من البعد فياضٌ من الدمع يهمل
</font> وكي يفي بوعده ، قرَر أن يسافر إلى الشام ويبعُد عن الديار ، ولما أراد السفر ، هجم ليلا على بثينة وقد وجد غفلةً ، فقالت له :
- أهلكتني والله وأهلكت نفسك ! ويحك! أما تخاف!
فقال لها : إنما جئتك مودعاً .
فحادثها طويلاً ، ثم ودعها ، وقال:
يا بثينة ، ما أرانا نلتقي بعد هذا . وبكيا طويلاً ، ثم قال لها وهو يبكي :
<font color=#cc3333>ألا لا أبالي جفوة الناس ما بدا ... لنا منك رايٌ يا بثين جميلُ
ومالم تطيعي كاشحاً أو تبدلي ... بنا بدلاً ، أو كان منك ذهولُ
وإني وتكراري الزيارة نحوكم ... بثين بذي هجرٍ بثين يطول
وإن صبابتي بكم لكثيرةٌ ... بثين و نسيانيكم لقليل
</font>
وطال مقام جميل بالشام ، ثم قدم ، وبلغ بثينة خبره فراسلته مع بعض نساء الحي تذكر شوقها إليه ووجدها به ، وطلبها لقاءه ، وواعدته لموضع يلتقيان فيه ، فسار إليها وحدثها حديثاً طويلاً ، وأخبرها خبره بعدها . وقد كان أهلها رصدوها ، فلما فقدوها تبعوها وهجموا عليه ، فوثب جميل فانتضى سيفه وشد عليهم فتركوه . وناشدته بثينة الانصراف ففعل ، وانقطع التلاقي بينهما مدةً ، فقال في ذك :
<font color=#cc3333>تعز و إن كانت عليك كريمةً ... لعلك من رق لبثنة تُعْتقُ
لعمْركمُ إن البعاد لشائقي ... وبعض بعاد البين و النأي أشوق
وبيضٍ غريراتٍ تُثنى خصورها ... إذا قمن أعجازٌ ثقال و أسؤقُ
غرائر لم يلقين بؤس معيشةٍ ... يُجن بهن الناظر المتشوق
وغلغلت من وجدٍ إليهن بعدما ... سريت وأحشائي من الخوف تخفق
فلولا احتيالي ضقن ذرعاً بزائرٍ... به من صباباتٍ إليهن أولق
أبثنة لَلْوَصْلُ الذي كان بيننا ... نضا مثل ما ينضو الخضاب فيَخْلق
أبثنة ما تنأين إلا كأنني ... بنجم الثريا ما نأيتِ معلقُ
</font>
واشتد ضيق جميل بالأمر ، وقد أخذ أهله يلومونه ، وأهلها يرصدونه ويحولون دون لقائه بها ، فعاود السفر وسلفر هذه المرة إلى مصر . وتروي عجوز من عذرة خبر سفره هذا ، فتقول :
- والله إنا لعلى ماءٍ لنا بالجناب ، وقد تنكبنا الطريق العاك لجيوشٍ كانت تأتينا من قبل الشام تريد الحجاز ، وقد خرج رجالنا لسفرٍ وخلفوا معنا أحداثاً ، فانحدروا ذات عشية إلى جماعة تقيم قريباً منا يتحدثون إلى جوارٍ منهم ، فلم يبق غيري وغير بثينة ، إذا انحدر علينا منحدرٌ من هضبة تلقاءنا فسلم ونحن مستوحشون وجلون . فتأمله ورددت السلام ، فإذا جميل ، فقلت جميل ؟
قال : إي والله
وإذا به لا يتماسك جوعاً ، فقمت وأطعمته ، وقلت له :
- لقد بلغت ، فما أمرك ؟
قال : أنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاثٍ ما أريمها أنتظر أن أرى خرجةً ، فلما رأيت منحدر فتيانكم أتيتكم لأودعكم وأنا عامد إلى مصر .
فتحدثنا ساعة ثم ودعنا وشخص ، فلم تطل غيبته أن جاء نعيه .
ويروي رجل شهد جميلا لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعاه فقال :
- هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك ؟
فأجابه : نعم
فقال جميل : إذا انا مت فخذ حلتي هذه التي تراها علي فاعرلها جانباً ثم كل شيءٍ سواها لك ، وارحل إلى رهط بني الأحب من عذرة ــ وهم رهط بثينة ــ فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه واركبها ، ثم البس حلتي هذه واشققها ثم أعل على شرفٍ وصح بهذه الأبيات وخلاك ذمٌّ :
<font color=#cc3333> صدع النعيّ و ما كنَى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قُفولِ
ولقد أجرّ الذيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارعٍ و نخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وأبكي خليلك دون كلٍّ خليل
</font>
ويضيف الرجل : فلما قضى جميل وواريته أتيت رهط بثينة ففعلت ما أمرني به جميل ، فما استتممت الأبيات حتى برزت امرأة يتبعها نسوة قد فَزَعَتْهُنَّ طولاً ، وبرزت أمامهن كأنها بدرٌ قد برز في دُجُنَة وهي تتعثر في مرطها فقالت : يا هذا ، والله لئن كنت صادقاً لقد قتلتني ، ولئن كنت كاذباً لقد فضحتني .
قلت : والله أنا صادق ، وأخرجت حلٍّته : فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكًّت وجهها واجتمع نساء الحيّ يبكين معها ويندبنه حتى صُعقت فمكثت مغشياً عليها ساعة . ثم قامت ، وهي تقول :
</font><font color=#cc3333> وإن سُلًوٍّي عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينُها
سواءٌ علينا يا جميل بن مَعْمَرٍ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها</font>
************************************************** ****************************************
اتمنى أن تحوز القصة على إعجابكم ... وبانتظار الأجوبة على السؤال الذي دونته بالأعلى ....<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/grinning.gif" border=0>
والسموحة على الإطاله<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/sad.gif" border=0>
هشـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــام بن إبراهيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــم.<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/blush.gif" border=0>
</span></font>
<font color=#990000>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هذه اول مصافحة لي في تلك الواحة وأتمنى ان تحوز على إعجابكم .
ولكن هناك سؤال وأتمنى أن يجاب بعد قراءة القصة .
*******من هو الحب؟ *******</font><font color=#000000>
************************************************** ****************************************
هو جميل بن عبدالله بن معمر العذري ، يتصل نسبه بقضاعة .
إشتهر باسم جميل بثينة ، وهي بثينة بنت حبأ العذرية ، كان يهواها فنسب إليها .
وكان جميل فتى من فتية العرب الشجعان وشاعرا من شعرائهم ، يروي أحدهم عنه : " إنا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين طوال يقود راحلة عليها بزة حسنة ، فقال عبدالرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن أزهر : يا أبا جبير ، هذا جميل ، فادعه لعله ينشدنا ، فصاح به عبدالرحمن : هيا جميل ، هيا جميل ، فالتفت فقال : قد علمت أنه لا يجترئ علي إلا مثلك" .
وهذا يعني أن جميل بن عبدالله بن معمر كان فتى معتمدا بنفسه يعنى بمظهره الدال على غنى ةفتوة وجمال .
وجميل شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية ، كان راوية هدبة بن خشرم ، وكان هدبة شاعرا راوية للحطيئة ، وكان الحطيئة شاعرا راوية لزهير وابنه .
وكان كثير راوية جميل ، وقلما استنشد إلا بدأ به وأنشد له ثم أنشد لنفسه ، وكان يفضله ويتخذه إماما ، وكان نصيب يقول : " وهل وطأ لنا النسيب إلا جميل ! وكثيرا ما قال شعراء الغزل عنه : ذاك إمام المحبين ، وهل هدى الله عز وجل إلا به" .
وسرق بعض الشعراء الكثير من شعره ، فيروى أن الفرزدق لقي كثيرا بقارعة البلاط ، فقال له : " يا أبا صخر ، أنت أنسب الناس حين تقول :
<font color=#cc3333>أريد لأنسى ذكرها فكأنما .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>تمثل لي ليلى بكل سبيل
</font>
يعرض له بسرقته من جميل : فقال له كثير : " وأنت يا ابا فراس أفخر الناس حين تقول" :
<font color=#cc3333>ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا .. وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
</font>
يعرض له بسرقته من جميل .
وكان جميل معتداَبنفسه وبقومه ، وطالما فخر بذلك ، ومن فخرق :
<font color=#cc3333>يحب الغواني البيض ظلَ لوائنا .. إذا ما أتانا الصارخ المتلهِف
فأي معد كان فيء رماحه .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>كما قد افأنا ، والمفاخر ينصف
إذا استبق الأقوام مجداً و جدتنا .. <span style="mso-spacerun: yes"> </span>لنا مغرفا مجدٍ وللناس مغرَف
</font>
وفي الفترة الاولى من شبابه ، كان جميل فتىً لاهياً يهتم بمظهره واناقته وكان لأهله غنى ومكانه ، والأمر الذي أهله لحياة اللهو ، يقصد الفتيات يجالسهن ويحادثهن ويشَبب بهن فيقول عن نفسه :
<font color=#cc3333> يقولون صب بالغواني موكَلٌ .. وهل ذاك من فعل الرجال بديع
وقالوا رعيت اللهو والمال ضائع .. فكالناس فيهم صالح و مضيع
</font> ومن اللواتي شبَب بهن أم الجسير ، فعنا يقول:
<font color=#cc3333> رسم دارٍ وقفْت في طله .... كدت أقضي الغداة من جيله
واقفاً في ديار أمِ جسير .... من ضحى يومه إلى أصُله
يا خليلي إن أمَ جسيرٍ .... حين يدنو الضجيج من غلله
روضةٌ ذاتُ حنوةٍ وخزامى .... جاد فيها الربيع من سبله
بينما هنَ بالأراك معاً .... إذا بدا راكبٌ على جمله
فتأطَرن ثم قلن لها .... أكرميه حيٍيت في نزله
فظللنا بنعمةٍ و اتكأنا .... وشربنا الحلال من قلله
وخليلٍ صافيت مرتضيا .... وخليلٍ فارقت من ملله
</font> وفي هذه الفترة ، كان الشاعر مالكا لإرادته يتصرف وفق ما يشتهي ويعتقد بأن في ظلم الحبيب لذة الدنيا ، فيقول :
<font color=#cc3333> ردِ لماء ما جاءت بصنعٍ ذنائبه... <span style="mso-spacerun: yes"> </span>ودعه إذا خيضت بطرقٍ مشاربه
أعاتب من يحلو لديَ عتابه ... <span style="mso-spacerun: yes"> </span>أترك من لا <span style="mso-spacerun: yes"> </span> أشتهي و أجانبه
ومن لذة الدنيا ، وإن كنت ظالما ... عناقك مظلوماً ، و أنت تعاتبه
</font> وكان زوج أم الجسير شاعراَ يدعى جواس بن قطبة ، فتعرَض بالغزل إلى أخت جميل ، يكيده بذلك ، ومما قاله عنها:
<font color=#cc3333> إلى فخذيها العبلتين وكانتا ....... بعهدي لفَاوين أردفتا ثقلا
</font>
وغضب قوم جميل بسبب هذا الهجاء ، وقادهم غضبهم إلى اقتحام دار جزاس ليلاَ ، فضربوه امرأته أم الجسير ، ودارت معركة هجاء بين جاوس وأخيه قطبة من ناحية وبين جميل من ناحية ثانية .
واستمر جميل على هذه الحال ، إلى ان اقبل يوما بإبله حتى أوردها وادياً يقال له بغيض ، فاضطجع وأرسل إبله مصعدةً ، وأهل بثينة ، وهي أخت أم الجسير ، بذنب الوادي ، فأقبلت بثينة وجارةُ لها واردتين الماء فمرتا على فصال له باركة ، فنفرتهن بثينة ، وهي إذا ذاك جويرية صغيرة ، فسبها جميل فسبته ، فملح إليه سبابها ، فقال :
<font color=#cc3333> وأول ما قاد المودة بيننا .... بوادي بغيضٍ يا بثين سباب
وقلنا لها قولاُ فجاءت بمثله .... لكل كلامٍ ، يا بثين ، جواب
</font>
وبقيت صورة بثينة منطبعة في ناظري جميل إلى أن جاء يوم عيد ، فخرج جميل في ذاك اليوم ، والنساء إذ يتزين ويبدو بعضهن لبعض ويبدون للرجال ووقف قريبا من بثينة واختها أم الجسير في نساء من بني الأحب فرأى منهن منظرا جميلا ، واعجبنه ، وتأمل بثينة مليا واحس بيمل جارف إليها ، وسعى نحوهن وقعد معهن ، وكان معه فتيان من بني الأحب ، لاحظوا نظراته وعرفوا فيها حبَة لبثينة فأبدوا ظيقهم به ، فقال :
<font color=#cc3333> عجل الفراق و ليته لم يعجل <span style="mso-spacerun: yes"> </span>.. وجرت بوادر دمعك المتهلل
طربا وشاقك ما لقيت ولم تخف .. بين الحبيب غداة برقه مِجْول
وعرفت انك حين رحت ولم يكن.. بعد اليقين وليس ذاك بمشكل
لن تستطيع إلى بثينة رجعة .. بعد التفرق دون عامٍ مقبل
</font> وكانت بثينة قد مالت إلى جميل وأحبته . ولما علمت انه قد نسب بها ، وأنه يسعى إلى بقائها قررت أن تلقاه . فصار يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث إليها ومع اخواتها ، حتى نمي إلى رجالها أنه يزورها إذا خلا منهم . وكانو غضابا منه غيارا على إبنتهم فرصدوه بجماعة نحوٍ من بضعة عشر رجلا ، وجاء على الصهباء ناقته حتى وقف على بثينة وأختها ، وأخذ ينشدهما ، وبينما هو على تلك الحال ، وثب عليه القوم فرماهم بناقته فسبقت به ، وهو يقول :
<font color=#cc3333> إذا جمع الشنآن جمعاً رميتهم ..... بأركانها حتى تخلى سبيلها</font>
ولم تثن هذه الحالة العاشق الولهان عن طلب لقاء حبيبته فظل يسعى في سبيل ذلك ، بمختلف السبل ، فجاء ليلةً إليها وقد أخذ ثياب راع لبعض الحي ، فوجد عندها ضيفانا لها ، فانتبذ ناحية فسألته : من أنت؟ . فقال : مسكين ، فجلس وحده فعشت ضيفانها وعشته وحده . ثم جلست هي وجارية لها واضطجع القوم منتحين . فقال جميل :
<font color=#cc3333> هل البائس المقرور دانٍ فمصطلٍ ..... من النار أو معطى لحافاً فلابس
</font> فقالت لجاريتها : صوت جميل والله ! اذهبي فانظري ! ..
فرجعت إليها فقالت : هو والله جميل !
فشهقت شهقة سمعها القوم فأقبلوا يجرون وقالوا : ما لك ؟ فطرحت برداً لها في النار وقالت : إحترق بردي .
فرجع القوم . وأرسلت جاريتها إلى جميل ، فجاءتها به فجلسا يتحادثان .
وحاول رهط بثينة إبعادها عن جميل بأي طريقة ، فائتمنوا عليها عجوزاَ منهم يثقون بها يقال لها أم منظور ، فجاءها جميل ، فقال لها : يا ام منظور ، أيني بثينة . فقالت : لا ! والله لا أفعل ، قد ائتمنوني عليها . فقال : أو والله لأضرنك . فقالت : المضرة والله في أن أريكها ، فخرج من عندها يقول :
<font color=#cc3333> ما أنسى لا أنسى منها نظرةً سلفت .. بالحجر يوم جلتها أم منظور
و لا أنسلابتها خرساً جبائره .. إليَ من ساقط الاوراق مستور
</font>
فما كان إلا قليل حتى إنتها إلى رهطها هذان البيتان ، فتعلقوا بأن منظور ، فحلفت لهم بكل يمين فلم يقبلوا منها . فأخذوا بثينة وصاروا يراقبونها مراقبة شديدة.
وسمعت أمةٌ لبثينة إلى أبيها واخيها وقال لهما : إن جميلا عندها الليلة ؛ فأتياها مشتملين على سيفين ، فرأياه جالساً بعيداً عنها يحادثها ويشكو إليها حاله . ثم قال:
- يا بثينة ، أرأيت ودَي إياك وشغفي بك ألا تجزينه ؟
قالت : بماذا ؟
قال : بما يكون بين المتحابَين
فقالت له : يا جميل ، أهذا تبغي !؟ والله لقد كنت عندي بعيداً منه ، ولءن عاودت تعريضاً بريبةٍ لا رأيت وجهي أبداً .
فضحك وقال : والله ماقلت لك هذا الا لأعلم مالك عندك فيه ، ولو علمت انك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري ، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي ، ولو اطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الابد ، أو ما سمعت قولي :
<font color=#cc3333> وإني لأرضى من بثينة بالذي .. لو ابصر الواشي لقرت بلابله
بلى وبألا أستطيع و بالمنى .. وبالأمل المرجوَ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي .. أواخره لا نلتقي و أوائله
</font> فقال أبوها لأخيها : قم بنا ، فما ينبغي أن نتعرض له بسوء بعد ما سمعناه ورأيناه .
وظل جميل يحاول الوصول إلى بثينة ويقول الشعر فيها فقال أهلها : إنما يتبع جميل أمةً لنا . فواعد جميل بثية حين لقيها بموضع يقال له برقاء ، فتحادثا طويلا حتى أسحرا . ثم قال لها : هل لك أن ترقدي ؟ قالت :ما شئت ، وانا خائفة أن نكون قد أصبحنا ، فوسدها جانبه ثم أضطجعا ونامت ، فانسل واستوى على راحلته فذهب وأصبحت في مضطجعها ، وفوجئ بها القوم راقدةً في ذلك المكان ، فقال :
<font color=#cc3333> فمن يك في حبي بثينة يمتري .. فبرقاء ذي ضالٍ علي شهيد
</font>
فلما انتبهت بثينة علمت ما أراده جميل بها ، فهجرته وآلت ألا تظهر له ، فقال :
<font color=#cc3333>ألا هل إلى إمامةٍ أن ألمَها ... ببثنة يوماً في الحياة سبيل
فإن هي قالت : لا سبيل ، فقل لها ... عناءٌ على العذري منك طويل
علي حين يسلو الناس عن طلب الصَبا ... وينسى اتباع الوصل منه خليل
</font>
وبلغه الوشاة انها أحبت حجنة الهلالي ، فحاول حميل أن ينساها بالتحدث إلى غيرها فعلمت بذلك ، فغضبت منه ، وساد الهجر بينهما ، فقال :
<font color=#cc3333> بينا حبالٌ ذات عقدٍ لبثنةٍ ... أُتيح لها بعض الغواة فحلَها
فعدنا كأنَا لم يكن بيننا هوىً... وصار الذي حلَ الحبال هوىً لها
وقالوا نراها يا جميل تبدَلت.. وغيَرها الواشي فقلت : لعلها
</font>
وكان يتردد بين الشك واليقين ، ويصرَح أنه لا يملك عنها سوى الظنون :
<font color=#cc3333> والله ما للقلب من علم بها ..... غير الظنون وغير قول المخبر
</font> وقال ، طالبا منها أن توضح موقفها :
<font color=#cc3333> يا بثن إن واصلت حجنة فاصرمي ... حبالي ، وإن صارمته فصليني
ولا تجعليني أسوة العبد واجعلي ... مع العيد عبداً مثله و ذريني
</font> ورفض أن يشاركه أحدٌ في حبها ، فقال :
<font color=#cc3333>وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... رديفا لوصلٍ أو علي رديف
وأشرب رنقاً منك بعد مودَةٍ ... وأرضى بوصلٍ منك وهو ضعيف
وإني للماء المخالط للقذى ... إذا كثرت ورَاده لعيوف
</font> ويبدو هذا الجفاء بين الحبيبين فرصةً للأهل فلبوا طلب نُبيْهٍ الذي تقدَم إليهم يريد الزواج منها ... وعندما تزوجت بثينه نبيهاً قال جميل:
<font color=#cc3333> لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي .... بثينة ، و أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني .... لأقسم مابي عن بثينة من مهل
أحلماً فقبل اليوم كان أوانه.... أم اخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
لقد أنكحوا جهلا نبيهاً ظعينةً .... لطيفة طيٍ البطن ذات شوىً خدل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها .... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها .... ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
أجدِي لا ألقى بثينة مرةً .... من الدهر إلا خائفاً أو على رحل
خليليَ فيما عشتما هل رأيتما .... قتيلاً بكى من حبٍ قاتـله قبلي
</font> وصار جميل يحوال أن يزور بثينة في بيت زوجها فشكاه أهلها للسلطان فطلب إليه ألا يلمَ بأبياتها وأهدر دمه لهم إن عاود زيارته ، فاحتبس حينئذٍ ، ضاقت أثنائها الدنيا به ، فكان يصعد بالليل على أكمة رمل ينسَم الريح من نحو حيِها ويقول:
<font color=#cc3333>أيا ريح الشمال أما تريني ... أهيم وإنني بادي النحول
هبي لي نسمةً من ريح بثنٍ ... ومُنِي بالهبوب على جميل
وقولي يا بثينة حسبُ نفسي ... قليلُك أو أقلَ من القليل
</font>
فإذا بدا وضحُ الصبح انصرف . وكانت بثينة تقول لجوارٍ من الحيٍ عندها :
- ويْحكُنَ إني لأسمع أنين جميل ..
فقيلن لها : اتقي الله ! فهذا شيء يخيِله لك الشيطان لا حقيقة له . ولما نذر أهل بثينة دم جميل وأباحهم السلطان قتله ، أعذروا إلى أهله. فمشت مشيخة الحي إلى أبيه ، وكا يلقب صباحاً وكان ذا مالٍ وفضلٍ وقدرٍ في أهله ، فشكوه إليه وناشدوه الله والرحم ، وسألوه كفِ ابنه عماً يتعرض له ويفضحهم به في فتاتهم ، فوعدهم كفَه ومنعه ما استطاع ، ثم انصرفوا . فدعا به فقال له :
- يا بني ! حتى متى أنت مستمر في ضلالك .. ، ما أعرف أخيب سهماً ولا أضيع عمراً منك . فأنشدك الله إلا كففت وتأملت أمرك ، فإنك تعلم إي ما قلته حق ، ولو كان إليها سبيل لبذلت ما أملكه فيها ، ولكن هذا أمر قد فات ، وفي النساء عوض .
فقال له جميل : الرأي ما رأيت ، فهل رأيت قبلي أحداً قدر أن يدفع عن قلبه هواه او ملك أن يُسلى نفسه ، أو استطاع أن يدفع ما قضي عليه ! والله لو قدرت أن امحو ذكرها من قلبي أو ازيل شخصها عن عيني لفعلت ، ولكن لا سبيل إلى ذلك وإنما هو بلاء بليت به ... ، وأنا أمتنع من طروق هذا الحي والإلمام بهم ولو مت كمداً ، وهذا جهدي ومبلغ ما أقدر عليه .
وقام وهو يبكي ، فبكى أبوه ومن حضر جزعاً لما رأوه منه ، وفي ذلك يقول جميل :
</font><font color=#cc3333>ألا من لقلبٍ لا يمل فيذهل ....</font></span><span lang=ar-sa dir=rtl style="font-size: 10pt; font-family: 'times new roman'; mso-bidi-language: ar-sa; mso-ascii-font-family: verdana; mso-fareast-font-family: 'times new roman'; mso-hansi-font-family: verdana; mso-ansi-language: en-us; mso-fareast-language: en-us"><font color=#cc3333> </font></span><span lang=ar-sa dir=rtl style="font-size: 13.5pt; font-family: 'times new roman'; mso-bidi-language: ar-sa; mso-ascii-font-family: verdana; mso-fareast-font-family: 'times new roman'; mso-hansi-font-family: verdana; mso-ansi-language: en-us; mso-fareast-language: en-us"><font color=#000000><font color=#cc3333>أفق فالتعزي عن بثينة أجمل
سلا كل ذي ودٍ علمتُ مكانه .... وأنت بها حتى الممات موكل
فما هكذا أحببت من كان قبلها .... ولا هكذا في ما مضى كنت تفعل
وإن التي أحببت قد حيل دونها .... فكن حازماً ، و الحازمُ المتحول
</font> ولكن هذا التجلد من جميل لم يدم طويلاً ، فإذا به يقول في قصيدة أخرى :
<font color=#cc3333>وآخرُ عهدي من بثينة نظرةٌ ... على موقفٍ كادت من البين تقتل
فلله عينا من رأى مثل حاجةٍ ... كتمْـتُـكِها ، والنفس منها تململ
إذا ما كررْت الطرف نحوك رده... من البعد فياضٌ من الدمع يهمل
</font> وكي يفي بوعده ، قرَر أن يسافر إلى الشام ويبعُد عن الديار ، ولما أراد السفر ، هجم ليلا على بثينة وقد وجد غفلةً ، فقالت له :
- أهلكتني والله وأهلكت نفسك ! ويحك! أما تخاف!
فقال لها : إنما جئتك مودعاً .
فحادثها طويلاً ، ثم ودعها ، وقال:
يا بثينة ، ما أرانا نلتقي بعد هذا . وبكيا طويلاً ، ثم قال لها وهو يبكي :
<font color=#cc3333>ألا لا أبالي جفوة الناس ما بدا ... لنا منك رايٌ يا بثين جميلُ
ومالم تطيعي كاشحاً أو تبدلي ... بنا بدلاً ، أو كان منك ذهولُ
وإني وتكراري الزيارة نحوكم ... بثين بذي هجرٍ بثين يطول
وإن صبابتي بكم لكثيرةٌ ... بثين و نسيانيكم لقليل
</font>
وطال مقام جميل بالشام ، ثم قدم ، وبلغ بثينة خبره فراسلته مع بعض نساء الحي تذكر شوقها إليه ووجدها به ، وطلبها لقاءه ، وواعدته لموضع يلتقيان فيه ، فسار إليها وحدثها حديثاً طويلاً ، وأخبرها خبره بعدها . وقد كان أهلها رصدوها ، فلما فقدوها تبعوها وهجموا عليه ، فوثب جميل فانتضى سيفه وشد عليهم فتركوه . وناشدته بثينة الانصراف ففعل ، وانقطع التلاقي بينهما مدةً ، فقال في ذك :
<font color=#cc3333>تعز و إن كانت عليك كريمةً ... لعلك من رق لبثنة تُعْتقُ
لعمْركمُ إن البعاد لشائقي ... وبعض بعاد البين و النأي أشوق
وبيضٍ غريراتٍ تُثنى خصورها ... إذا قمن أعجازٌ ثقال و أسؤقُ
غرائر لم يلقين بؤس معيشةٍ ... يُجن بهن الناظر المتشوق
وغلغلت من وجدٍ إليهن بعدما ... سريت وأحشائي من الخوف تخفق
فلولا احتيالي ضقن ذرعاً بزائرٍ... به من صباباتٍ إليهن أولق
أبثنة لَلْوَصْلُ الذي كان بيننا ... نضا مثل ما ينضو الخضاب فيَخْلق
أبثنة ما تنأين إلا كأنني ... بنجم الثريا ما نأيتِ معلقُ
</font>
واشتد ضيق جميل بالأمر ، وقد أخذ أهله يلومونه ، وأهلها يرصدونه ويحولون دون لقائه بها ، فعاود السفر وسلفر هذه المرة إلى مصر . وتروي عجوز من عذرة خبر سفره هذا ، فتقول :
- والله إنا لعلى ماءٍ لنا بالجناب ، وقد تنكبنا الطريق العاك لجيوشٍ كانت تأتينا من قبل الشام تريد الحجاز ، وقد خرج رجالنا لسفرٍ وخلفوا معنا أحداثاً ، فانحدروا ذات عشية إلى جماعة تقيم قريباً منا يتحدثون إلى جوارٍ منهم ، فلم يبق غيري وغير بثينة ، إذا انحدر علينا منحدرٌ من هضبة تلقاءنا فسلم ونحن مستوحشون وجلون . فتأمله ورددت السلام ، فإذا جميل ، فقلت جميل ؟
قال : إي والله
وإذا به لا يتماسك جوعاً ، فقمت وأطعمته ، وقلت له :
- لقد بلغت ، فما أمرك ؟
قال : أنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاثٍ ما أريمها أنتظر أن أرى خرجةً ، فلما رأيت منحدر فتيانكم أتيتكم لأودعكم وأنا عامد إلى مصر .
فتحدثنا ساعة ثم ودعنا وشخص ، فلم تطل غيبته أن جاء نعيه .
ويروي رجل شهد جميلا لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعاه فقال :
- هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك ؟
فأجابه : نعم
فقال جميل : إذا انا مت فخذ حلتي هذه التي تراها علي فاعرلها جانباً ثم كل شيءٍ سواها لك ، وارحل إلى رهط بني الأحب من عذرة ــ وهم رهط بثينة ــ فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه واركبها ، ثم البس حلتي هذه واشققها ثم أعل على شرفٍ وصح بهذه الأبيات وخلاك ذمٌّ :
<font color=#cc3333> صدع النعيّ و ما كنَى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قُفولِ
ولقد أجرّ الذيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارعٍ و نخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وأبكي خليلك دون كلٍّ خليل
</font>
ويضيف الرجل : فلما قضى جميل وواريته أتيت رهط بثينة ففعلت ما أمرني به جميل ، فما استتممت الأبيات حتى برزت امرأة يتبعها نسوة قد فَزَعَتْهُنَّ طولاً ، وبرزت أمامهن كأنها بدرٌ قد برز في دُجُنَة وهي تتعثر في مرطها فقالت : يا هذا ، والله لئن كنت صادقاً لقد قتلتني ، ولئن كنت كاذباً لقد فضحتني .
قلت : والله أنا صادق ، وأخرجت حلٍّته : فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكًّت وجهها واجتمع نساء الحيّ يبكين معها ويندبنه حتى صُعقت فمكثت مغشياً عليها ساعة . ثم قامت ، وهي تقول :
</font><font color=#cc3333> وإن سُلًوٍّي عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينُها
سواءٌ علينا يا جميل بن مَعْمَرٍ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها</font>
************************************************** ****************************************
اتمنى أن تحوز القصة على إعجابكم ... وبانتظار الأجوبة على السؤال الذي دونته بالأعلى ....<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/grinning.gif" border=0>
والسموحة على الإطاله<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/sad.gif" border=0>
هشـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــام بن إبراهيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــم.<img src="http://oasis.bindubai.com/emoticons/blush.gif" border=0>
</span></font>